قال يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم


مدحت رسول الله أبغي بمدحه * وفور حظوظي من كريم المآرب

مدحت امرءا فاق المديح موحدا * بأوصافه عن مبعد ومقارب

نبيا تسامى في المشارق نوره * فلاحت هواديه لأهل المغارب

أتتنا به الأنباء قبل مجيئه * وشاعت به الأخبار في كل جانب

وأصبحت الكهان تهتف باسمه * وتنفي به رجم الظنون الكواذب

وأنطقت الأصنام نطقا تبرأت * إلى الله فيه من مقال الأكاذب


وقالت لأهل الكفر قولا مبينا * أتاكم نبي من لؤي بن غالب

ورام استراق السمع جن فزيلت * مقاعدهم منها رجوم الكواكب

هدانا إلى ما لم نكن نهتدي له * لطول العمى من واضحات المذاهب

وجاء بآيات تبين أنها * دلائل جبار مثيب معاقب

فمنها انشقاق البدر حين تعممت * شعوب الضيا منه رؤوس الأخاشب

ومنها نبوع الماء بين بنانه * وقد عدم الوراد قرب المشارب


فروى به جما غفيرا وأسهلت * بأعناقه طوعا اكف المذانب

وبئر طغت بالماء من مس سهمه * ومن قبل لم تسمح بمذقة شارب

وضرع مراه فاستدَّر ولم يكن * به درة تصغي إلى كف حالب

ونطق فصيح من ذراع مبينة * لكيد عدو للعداوة ناصب

وإخباره بالأمر من قبل كونه * وعند بواديه بما في العواقب

ومن تلكم الآيات وحي أتي به * قريب المآني مستجم العجائب


تقاصرت الأفكار عنه فلم يطع * بليغا ولم يخطر على قلب خاطب

حوى كل علم واحتوى كل حكمة * وفات مرام المستمر الموارب

أتانا به لا عن رؤية مرتىء * ولا صُحْف مُسْتَمُل ولا وصف كاتب

يواتيه طورا في إجابة سائل * وإفتاء مستفت ووعظ مخاطب

وإتيان برهان وفرض شرائع * وقص أحاديث ونص مآرب

وتصريف أمثال وتثبيت حجة * وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب

وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى * وعند حدوث المعضلات الغرائب


فيأتي على ما شئت من طرقاته * قويم المعاني مستدر الضرائب

يصدق منه البعض بعضا كأنما * يلاحظ معناه بعين المراقب

وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما * وصفناه معلوم بطول التجارب

تأتى بعبد الله أكرم والد * تبلج منه عن كريم المناسب

وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به * قريش على أهل العلى والمناصب

ومن كان يستسقي الغمام بوجهه * ويصدر عن آرائه في النوائب

وهاشم الباني مشيد افتخاره * بغر المساعي وامتنان المواهب

وعبد مناف وهو علم قومه اشتطاط * الأماني واحتكام الرغائب


وإن قصيا من كريم غراسه * لفي منهل لم يدن من كف قاضب

به جمع الله القبائل بعد ما * تقسمها نهب الأكف السوالب

وحل كلاب من ذرى المجد معقلا * تقاصر عنه كل دان وغائب

ومرة لم يحلل مريرة عزمه * سفاه سفيه أو محوبة حائب

وكعب علا عن طالب المجد كعبه * فنال بأدنى السعي أعلا المراتب

وألوى لؤي بالعداة فطوعت * له همم الشم الأنوف الأغالب

وفي غالب بأس أبي البأس دونهم * يدافع عنهم كل قرن مغالب


وكانت لفهر في قريش خطابه * يعوذ بها عند اشتجار المخاطب

وما زال منهم مالك خير مالك * وأكرم مصحوب وأكرم صاحب

وللنضر طول يقصر الطرف دونه * بحيث التقى ضوء النجوم الثواقب

لعمري لقد أبدى كنانه قبله * محاسن تأبى إن تطوع لغالب

ومن قبله أبقى خزيمة حمده * تليد تراث عن حميد الأقارب

ومدركة لم يدرك الناس مثله * أعف وأعلى عن دني المكاسب

وإلياس كان إلياس منه مقارنا * لأعدائه قبل اعتداد الكتائب


وفي مضر يستجمع الفخر كله * إذا اعتركت يوما زحوف المقانب

وحل نزار من رياسة أهله * محلا تسامى عن عيون الرواقب

وكان معد عدة لولية * إذا خاف من كيد العدو المحارب

ومازال عدنان إذا عد فضله * توحد فيه عن قرين وصاحب

وأد تأدي الفضل منه بغاية * وأرث حواه عن قروم أشايب

وفي أدد حلم تزين بالحجا * إذا الحلم أزهاه قطوب الحواجب


ومازال يستعلي هميسع بالعلى * ويتبع آمال البعيد المراغب

ونبت بنته دوحة العز وابتنى * معاقله في مشمخر الأهاضب

وحيزت لقيذار سماحة حاتم * وحكمة لقمان وهمه حاجب

هموا نسل إسماعيل صادق وعده * فما بعده في الفخر مسعى لذاهب

وكان خليل الله أكرم من عنت * له الأرض من ماش عليها وراكب

وتارح مازالت له أريجة * تبين منه عن حميد المضارب

وناحور نحار العدى حفظت له * مآثر لما يحصها عد حاسب

وأشرع في الهيجاء ضيغم غابة * يقد الطلى بالمرهفات القواضب

وأرغو ناب في الحروب محكم * ضنين على نفس المشح المغالب

وما فالغ في فضله تلو قومه * ولا عابر من دونهم في المراتب

وشالخ وأرفخشذ وسام سمت بهم * سجايا حمتهم كل ذار و عائب


و ما زال نوح عندي ذي العرش فاضلا * يعدده في المصطفين الأطايب

ولملك أبوه كان في الروع رائعا * جريئا على نفس الكمي المضارب

ومن قبل لملك لم يزل متوشلخ * يذود العدى بالذائدات الشوازب

وكانت لإدريس النبي منازل * من الله لم تقرن بهمة راغب

ويارد بحر عند آل سراته * أبى الخزايا مستدق المآرب

وكانت لمهلاييل فهم فضائل * مهذبة من فاحشات المثالب

وقينان من قبل اقتنى مجد قومه * وفاد بشأو الفضل وخد الركائب

وكان أنوش ناش للمجد نفسه * ونزهها عن مرديات المطالب


ومازال شيث بالفضائل فاضلا * شريفا بريئا من ذميم المعائب

وكلهم من نور آدم أقبسوا * وعن عوده أجنوا ثمار المناقب

وكان رسول الله أكرم منجب * جرى في ظهور الطيبين المناجب

مقابلة آباؤه أمهاته * مبرأة من فاضحات المثالب

عليه سلام الله في كل شارق * ألاح لنا ضوءا وفي كل غارب


هكذا أورد القصيدة الشيخ أبو عمر ابن عبد البر، وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه من شعر الأستاذ أبي العباس عبد الله بن محمد الناشي المعروف بابن شرشير

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي