منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16
  1. #1

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"1"
    هذه السياحة الجديدة،ستكون مع كتاب (أربعون عاما في الكويت : 1929 – 1969م) وهو لسيدة بريطانية عاشت في الكويت – كما قضت فترة في البحرين،وأخرى في العراق - أكثر من خمسين سنة،ولكنها ألفت الكتاب بعد أن قضت أربعين عاما هناك .. نأخذ تعريفا بالمؤلفة من مقدمة الأستاذ سيف الشملان نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفيوليت ديسكون زوجة الكولونيل هارولد ديسكون المعتمد السياسي البريطاني في الكويت من سنة 1929 – 1936،والشخصية السياسية المعروفة في العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت والبادية. ويرتبط الكولونيل ديكسون بصداقات وعلاقات طيبة مع حكام هذه البلاد والشخصيات البارزة ورؤساء القبائل وغيرهم.زوجته فيوليت ديسكون المعروفة في الكويت باسم أم سعود نسبة لولدها سعود الذي أسمته هي وزجها الكولونيل ديسكون بهذا الاسم العربي الذي يرتبط بالدرجة الأولى بأسرة آل سعود الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. والكولونيل ديسكون يرتبط بعلاقة طيبة مع الملك عبد العزيز آل سعود منذ سنة 1922 عندما تعرف عليه في مؤتمر العقير،وكان ديسكون معتمدا بريطانيا في البحرين.(..) وبعدما تقاعد الكولونيل ديسكون عن العمل كمعتمد لدى {هكذا} بريطانيا في الكويت سنة 1936 لبلوغه سن التقاعد،أقام في الكويت حتى وفاته سنة 1959م،ودفن بمنطقة الأحمدي،وبعد تقاعده عن العمل عينه المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت وقتئذ موظفا كبيرا في شركة نفط الكويت،وظل في عمله هذا حتى قبل وفاته عندما أصيب بداء عضال.(..) ألفت أم سعود كتابا عن الزهور البرية في البحرين والكويت مزودا بصور الزهور (..) شاركت أم سعود زوجها الكولونيل ديسكون في كتابه "الكويت وجاراتها"وهو كتاب يتحدث عن الكويت والعراق والمملكة العربية السعودية والبادية،كتبت أم سعود بعض فصوله عن الكويت،وزينته بالصور القديمة التي التقطتها للكويت والبادية (..) ألف الكولونيل ديسكون كتابا قيما جدا عن البادية اسمه "عرب الصحراء" يقع في مجلد كبير مع الصور والرسومات والخرائط.){ ص 3 – 8 : فيوليت ديسكون(أم سعود) / (أربعون عاما في الكويت : 1929 - 1969) / تقديم وتعليق ومراجعة وطبع : سيف مرزوق الشملان آل سيف / الكويت / دار قرطاس / الطبعة الأولى / 1995م}. سأتجاوز حديث المؤلفة – ولدت في 3/9/1896- عن أسرتها،وأمور أخرى،لأصل إلى قصة زواجها .. (في خريف عام 1919م كنت أعمل في بنك شركة كوكس في كانبيير بمرسيليا،عندما دخل الكابتن إتش . آر. بي. ديسكون الضابط بفرقة الخيالة بجيش الهند،ليسأل عما إذا كانت هناك رسائل له. لقد شدني الاهتمام الذي أبداه الضابط الشاب الوسيم. ولكنني وهو يغادر البنك كنت أعتقد أنني لن أراه بعد ذلك. ولكم تخيل دهشتي حينما تلقيت منه برقية بعث بها إليّ من بور سعيد بعد أسبوع من ذلك اللقاء يطلبني فيها للزواج والالتحاق به في الخليج العربي. إنه لمن الصعب تخيل أن يكون داخل المصرف العملي وغير الرومانتيكي على الإطلاق،مكان للقاء يؤدي بشابة إنجليزية إلى الارتحال إلى الشرق والتوطن هناك لمدة 45 عاما . ولكن هذا ما حدث ففي الجو العملي،قابلت زوج المستقبل الذي كان لي أن أقاسمه حبه للعرب وشبه الجزيرة العربية طيلة حياتنا الزوجية.لقد كان عليّ أن أصنع قرارا هائلا. وكان ترددي طبيعيا،ولكنه لم يدم طويلا. فبعد قليل من التفكير العاطفي وبعض الاستشارة لأصدقاء عطوفين في مرسيليا،قررت أن القي بثقلي إلى جانب خطيبي الوسيم،فأبرقت له (نعم) ودام زواجنا تسعة وثلاثين عاما،لم أجد خلالها ما يدعوني للندم على قراري.(..) استقبلني خطيبي في بومباي وأخبرني بأن كل الترتيبات قد أعدت لزواجنا،بموجب تصريح خاص في اليوم التالي وهو العاشر من ديسمبر في كاتدرائية سانت توماس. ومن الصاغة في لندوبلوكليز اشترينا خاتم الزواج وخاتما آخر مرصعا بالماس. وقام السيد باك وهو تاجر لؤلؤ التقى به هارولد في البحرين قام بدور وكيل العريس،وزفني السيد (تك) مدير البنك الشرقي إلى عريسي وقد أقام الاثنان لنا حفل عشاء في نادي ويلنجدون){ص 45 - 49}. وإلى بغداد .. حيث تحدثت المؤلفة عن سيدة (كانت) مشهورة جدا بالأدوار التي كانت تلعبها في العراق .. وربما في المنطقة .. وقد رأيت مذكراتها في أحد معارض الكتاب،ولكنها كانت مرتفعة الثمن،فنجاني الله منها .. (بعد فترة وجيزة من وصولنا إلى بغداد أقامت الآنسة جيرترود بيل،التي كنت قد تعرفت إليها في حفلة عشاء لنا في منزلها. وكانت الآنسة جيرترود تعمل سكرتيرة شرقية في هيئة العاملين مع السير برسي كوكس. {كان يسمى "رئيس الخليج"} وكان الضيوف الآخرون خمسة من كبار المسئولين العرب،وكان معظم الحديث باللغة العربية،ولكن الآنسة بيل أطلقت تعليقا باللغة الإنجليزية {المؤلفة لا تفهم اللغة العربية،حينذاك} بصوت عال،بما معناه أنه من المؤسف أن الشبان الإنجليز ذوي المستقبل المرموق ذهبوا وتزوجوا نساء حمقاوات.وحيث إن هارولد كان واحدا من شبانها ذوي المستقبل المرموق في العراق إبان الحرب،فقد شعرت باستياء شديد،وسعدت جدا بانتهاء الحفلة. لقد كانت الآنسة جيرترود بيل مكرسة نفسها لبيرسي كوكس وصديقة قديمة لجاك فيلبي وكانت كثيرة التردد على بيته،ولكنها لم تكن تهتم بأحاديث السيدات ولا بإقامة علاقة مع أية سيدة في بغداد في ذلك الحين (..) وفي تعلق كتبه جاك فيلبي مسجلا الأحداث في الفترة ما بين 1915 إلى عام 1920 وصفها بالتالي : كانت جيرترود في هذا الوقت وإلى آخر حياتها فعلا،لأنها لم تتغير أبدا،كانت تحت المستوى المتوسط للمرأة لكنها مرنة وذات قوة احتمال هائلة. ولا أعتقد أن أيا منا عرف كم كانت تبلغ من العمر،وبالتأكيد لم يكن هناك شيب في شعرها،الذي كان لا لون له مع بعض التجعدات الطبيعية الخفيفة،لقد عاشت حياتها أشبه بالرجال،وكانت تميل قليلا إلى ازدراء جنسها.){ص 52 - 53}. بعد هذا "الانتقام"عبر "فيلبي"،تركت المؤلفة بغداد .. (في شهر فبراير نقلنا إلى (الحلة) وهي قرية على الفرات إلى الجنوب من بغداد،وسافرنا إلى بيتنا الجديد بالقطار. ولم يكن هناك عربات مسافرين بل بعض الشاحنات والمقطورات الفارغة. وقد كنا اشترينا أريكة ومقعدين من بغداد فجلسنا عليها يحيط بنا خادمنا وقطتنا وكلبانا وكان القطار يتلوى فوق السكة المتعرجة واستغرق وصوله إلى الحلة حوالي تسع ساعات. وفي فترات متقطعة كنت أخرج من المقطورة ومعي الكلبان مقيدين وأتمشى بهما في القطار المتحرك وأعود مرة أخرى بعد أن يكون الكلبان قد زاولا بعض التمرينات.(..) لم تكن تربيتي تساعدني على تحقيق أي منجزات بيتية ولم أكن أستطيع الطهي أو حياكة الملابس وكانت إدارة البيت شيئا لم أفكر فيه أبدا. وقد سرني جدا أنه كان لدينا طباخ ماهر،ولم يكن لدينا موقد بل مجرد ( طبلية) تحت مدخنة كبيرة ولكن الطباخ كان يصنع أشياء رائعة بالفحم حتى أنه كان يصنع لنا خبزا شهيا بخميرة جافة حصلنا عليها من بغداد.وكانت أسوأ أوقاتي على الصعيد المنزلي هي الأوقات التي أحاول غسل وتنشية وكي قمصان السهرة الرسمية الخاصة بهارولد. فلم يكن لدينا سوى مكواة تعمل بالفحم وكانت سيئة جدا في أفضل الأوقات وكانت تلتصق بنشا قمصان السهرة مما أدى ذات مرة إلى تلف أحد القمصان. وقد أنقذني الطباخ من هذا العناء عندما صرح بأنه يعرف الكي وأصبح يتولى كي القمصان بدلا مني. وتلك الأيام كنا نرتدي الملابس الرسمية دائما حينما كنا نستقبل الزائرين.(..) كنت سعيدة جدا مع هارولد وراضية تماما طالما كنت معه،وأعتقد أنني كنت دائما فتاة مغامرة وقد شعرت بأن وجودي في العراق في ذلك الوقت يعتبر في حد ذاته مغامرة كبيرة،وقد ساعدني هذا في التغلب على كل أنواع الصعوبات الجانبية. ولحسن الحظ كان الطباخ يتحدث اللغة الإنجليزية ولكن الخدم الآخرين كانوا لا يعرفون سوى اللغة العربية التي لم أكن أستطيع أن أنطق كلمة واحدة منها.(..) ومنذ الأيام الأولى لزواجنا،تعلمت الشيء الوحيد الذي لا يحبه هارولد هو أن يُقاطع أثناء الحديث أو يقال له حان وقت الانصراف.وببطء على أية حال،بدأت في التقاط كلمات قليلة وعبارات عربية،وقد ساعدني قليلا في هذا المجال كتاب لغة حديث العربية لمؤلفه (جي فان سي) وكنت قد اشتريته من بغداد.ولابد أن خدمنا كانوا يظنونني قد جننت تماما،عندما كنت أتلوا عليهم بعض الجمل العربية من الكتاب مثل (أين الجنود) و (عاد الجنود إلى البلدة) حيث إن الكتاب كان قد أُلف أساسا للجنود البريطانيين،فقد كان قليل النفع بالنسبة لي . ){ص 53 - 55}. بعد مخاطبة الخدم على أنهم (جنود) واجهت المؤلفة مشكلة جديدة .. هي اكتشافها أن زوجها من الذين يسرون أثناء نومهم،وأصبحت هناك مشكلة حقيقية حين أصبحوا في فصل الصيف،حيث ينام الناس على الأسطح .. ( فالسطح لم يكن مسورا،وكان ارتفاعه يبلغ ثماني عشرة قدما،وقد وضعنا سريرينا متجاورين،وفي البداية،وبرضائه كنت أربط ساقه إلى حافة السرير. ولكن كان هذا يضايقه عندما يتقلب في نومه،لذلك عمدت إلى وضع حوض استحمام من الصفيح به قليل من الماء إلى جانب سريره،وقد نجحت هذه الفكرة،لأنه عندما كان ينزل من سريره تغوص قدماه في الماء فيستيقظ.){ص 56 - 57}.إبان إقامة المؤلفة في العراق دعا زوجها الملك فيصل بن الشريف حسين إلى الغداء .. (أعلن الخادم في الساعة الثانية عشرة والربع أن الغداء قد أصبح جاهزا فانتقلنا جميعا إلى غرفة الطعام عبر الصالة.وبعد الحساء كان لدينا طيور الحجل المحمرة اصطدناها قبل أيام قليلة. وكنت أنا أجاس على رأس المائدة وعلى يميني الملك الفيصل مرتديا عباءة بيضاء وعقالا مقصبا. وبدأ الساقي حسن يمر على المدعوين وهو يحمل طبقا كبيرا عليه طيور الحجل المحمرة وتناول الملك بنفسه واحدة منها. وقد أدار الملك لنا رأسه للتحدث إلى برترام توماس الذي كان يجلس بجواره عندما قفز نمسي الأليف إلى حجره في لمح البصر،واختطف الحجل المحمر من أمامه وقبع في ركن الغرفة مزمجرا. وقد روع الملك ولكن لحسن الحظ كان هناك الكثير من الطيور المحمرة فقدم واحد منها بسرعة إلى الملك. ولم ينطق الملك بكلمة واحدة ولكنه لم يكد ينتهي من طعامه حتى أشعل سيجارة ونهض للانصراف. ولست أعتقد أنه كان غاضبا ولكنه كان متلهفا للانطلاق بالسيارة إلى النجف وكربلاء.لقد التقيت بالملك مرات عديدة بعد ذلك،وذات ليلة في حفلة كبيرة أقيمت بقصره ببغداد كنت أجلس إلى يساره عندما انحنى إلى الأمام وجذب وردة حمراء كبيرة من المزهرية وقدمها إليّ،ولا أزال محتفظة بها بعد كل هذه السنين.){ص 64 - 65}. وتتذكر المؤلفة موقفا حصل لها عند زيارتها لحريم الشيخ عدي الجريان،في العراق .. ( وسأظل أذكر دائما زيارة حريم الشيخ عدي لقد كنت لا أعرف سوى القليل جدا من اللغة العربية في ذلك الوقت ومع ذلك أجد نفسي بصحبتهن لمدة ساعات وساعات بينما هارولد يتولى عمله. لقد كنت أشعر بالضيق أكثر فأكثر وهن يتزاحمن حولي يشددن شعري الطويل ويتلمسنني مثرثرات مقهقهات. وإذا نهضت يتدفقن ورائي. لقد كنت أرجو أن أعثر على ما يسمى بالمرحاض عندهم حيث أنهن لم يكن يفهمن ما أريده وفي النهاية،بعد المرور من حوش إلى آخر عثرت على ما كنت أبحث عنه بواسطة الرائحة ولكنهن بقين متجمهرات حولي،لقد كانت عيناي تدمعان فعلا عندما جاء الخادم أخيرا يقول إننا ننوي الانصراف. وقد جعلتني هذه التجربة أصرف النظر عن زيارة النساء في بيوتهن. وأصبحت أبقى مع زوجي والرجال.){ص 66 - 67}. نختم هذه الحلقة .. بلقاء آخر لـ"أم سعود" مع الآنسة " بيل"،ومع أنها أسمعت المؤلفة تلك العبارة القاسية،إلا أننا نجدها تشعر بالاعتزاز لزيارة تلك الآنسة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيلقد شعر هارولد وأنا بالاعتزاز عندما كتبت إلينا جيرترود بيل قائلة أنها ترغب في زيارة الحلة إذا وافقنا على استضافتها ليلة واحدة،وقد جاءت بالقطار واستقبلناها في المحطة وكانت تواقة لزيارة المجتهد الأكبر الزعيم الديني الشيعي ولذلك أرسل زوجي في طلب الشيخ فرحان،وأمره في حضورها أن يذهب إلى بيت المجتهد الأكبر ويعلمه أن الخاتون السيدة القادمة من بغداد تود مقابلته في الصباح إذا كان ذلك مناسبا،وقد سألت الآنسة بيل في الحال"لماذا تقول السيدة القادمة من بغداد"هناك سيدة واحدة فقط وهي أنا"وأجاب هارولد أن الرجل لا يعلم بزيارتها للحلة وربما يعتقد أن السيدة ديكسون هي التي تود زيارته : وقد جاء الجواب من المجتهد أنه يتشرف باستقبال الخاتون القادمة من بغداد.){ص 68}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  2. #2

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون (أم سعود)"2"قبل الحلقة : وصلني تعليق من إحدى أخوتنا الكاتبات بقولها : (الجاسوسة قصدك يجون لبلاد العرب على انهم سياح ومستكشفين وهم في الحقيقة منصرين وجواسيس وحنا نحسن الظن دائما).. ولا يشك أحد في أن في قولها بعض الحقيقة .. ولكن هل كل من وطئت قدماه أرضنا كان جاسوسا؟
    لا أعتقد ذلك .. فهناك إلى جوار (الجاسوس) يوجد (العالم) و(المغامر) و(الموظف الرسمي) – مثل هارولد ديكسون – كما يوجد صنف قد يندرج تحت مسمى (مغامر) ولكنه في الأصل (مأزوم) ويبحث عن عالم آخر .. ومنهم الإنسان (الصادق) في حبه وتعاطفه مع العرب .. فالنفوس البشرية ليست صورة طبق الأصل .. بالنسبة لمؤلفة الكتاب تحديدا .. (الجاسوس) لا يقضي في بلد أكثر من خمسين عما ,,, ويحب أن يموت فيها ويدفن فيها ... رغم أن أمنيتها لم تتحقق فقد اضطرها المرض للسفر إلى بلادها بعد الغزو العراقي للكويت ,, وماتت هناك ..

    ولعلي أُذكّر ببعض ما جاء في كتاب سبق لنا أن قمنا بسياحة عبره ... حيث نجد الأهداف العلمية واضحة في التعليمات التي أعطيت لمجموعة العلماء الذي أرسلوا إلى عالمنا سنة 1761م،ومع وضوحها إلا أن المؤلف الغربي نفسه يعلق بعد أن سرد تلك الأهداف بالقول :
    (وهل كان فقط هدف البعثة(فتح آفاق جديدة للمعرفة وفي سبيل ترجمة أكثر صحة للكتاب المقدس؟) .. إنهم مهما أولوا الناحية الدينية من اهتمام،فإننا نستطيع أن نضعه جانبا،ذلك أن الدين قد استغل عبر التاريخ،بحجج تخفي وراءها مهام غريبة مستهجنة. وهناك أمر آخر يؤكد هذا،ذلك أن جميع الرسائل المتعلقة بالبعثة،لم تشر إلى الناحية الدينية مطلقا.){ص 74 (من كوبنهاجن إلى صنعاء) / توركيل هانسن / ترجمة : الدكتور محمد أحمد الرعدي / بيروت / دار العودة / الطبعة الثانية / 1983م}.
    وهذه لمحة إلى الوصية التي تلقتها البعثة لتحترم عادات (المحميين) – اللهم صلي على سيدنا محمد - كما كنا نُسمى عندهم ..
    ((على كل منكم التعامل مع (المحمديين) في حذر شديد،واحترام دينهم،وعدم التصرف مع نسائهم،بحرية كما يتصرف،مع النساء الأوربيات))
    في كل الأحوال أشكر للكاتبة الكريمة تلطفها بالتعليق .. ولعلها سوف ترى ما يغضب حين نخصص (فصلا) للهدايا التي تلقتها (أم سعود) .. وكيف كانت هي (وربعها) يذرعون بلادنا بالطول والعرض ... إضافة إلى ذلك الإجلال الذي وجدته المؤلفة (ومن وجد الإحسان قيدا .. تقيدا) .. من قبل الكبار والعامة على السواء .. وإمساك يدها ووضعها – أي اليد – على القلب .. وإجلاسها في صدر المجلس .. بل .. وكما تقول هي ... يبثها بعض أولئك الرجال (المتزمتين) قصص حبهم .. وأمورا لا يبثونها للرجال .. كما سنرى إن شاء الله.

    أعود إلى مواصلة الحديث عن كتاب "أم سعود"والتي أصبحت لديها صديقة حميمة – حسب تعبيرها – اسمها زهرة.وقد شاهدت زهرة وأمها مهرة المؤلفة وهي تكبو بها،ولم تصب المؤلفة سوى بشد عضلي وبعض الكدمات .. (بعد ظهر اليوم التالي جاءت زهرة وأمها العجوز لزيارتي،وأحضرتا معهما دجاجا حيا وبعض البيض ودعوتهما إلى دخول المنزل،واحتفيت بهما،وقد كانتا باديتي الأسف على ما حدث في اليوم السابق ورجتاني الصفح مقبّلتين يديّ وملابسي،وقد ظهر أن رجلا في قريتهما كان مشهورا بالحسد وقد لمحتاه ينظر إليّ من خيمته قبل تعثر الفرس مباشرة .. وقد نال علقة ساخنة من قومه جزاء له. وقد طمأنتهما أن كل شيء على ما يرام وأنه لا تثريب عليهما إطلاقا وبعد تقديم مكافأة مناسبة لهما على هداياهما،ودعناهما،وعادت زهرة وأمها إلى قريتهما سعيدتين تماما. (..) كانت آخر مرة رأيت فيها زهرة قبل أيام قليلة من رحيلنا فقد سمعت أننا سنرحل فجاءت تودعنا. ولأنني لم أجد مكانا لغزالينا الأليفين وعدتني زهرة بأن تحضر وتأخذهما قبل رحيلنا ولكن في اليوم السابق لرحيلنا،وهو السابع من سبتمبر 1922م لم يبدُ لها أثر. وفي الصباح التالي تلقينا الخبر المحزن،وهو أن زهرة لقيت مصرعها على يد أخيها الذي فر من العدالة. لقد فرت زهرة من الرجل الذي تحبه ولكن أخاها اقتفى أثرها وقتلها.){ص 73}.
    من المناسب أن نشير هنا إلى أن المؤلفة تسرد العادات – بغض النظر عن وجود أصل لها في الإسلام،مثل (العين) أو كانت تتعارض معه – بنوع من الحيادية،حتى أنني لم أشعر بأنها تسخر من بعض المواقف التي سردتها... وأيا كان السبب الذي يقف خلف سلوكها،فهو أمر يستحق أن نشير إليه.

    وتأخذنا المؤلفة في رحلة .. (عبر الصحراء مخلفين النجف على يميننا،وبعد نصف ساعة وصلنا إلى أبو صغير. وكانت مئذنة المسجد والسراي قد أصيبتا بأضرار بالغة إبان ثورة 1920م ولكنهما كانتا قد رممتا عندما رأيناهما.
    أعد هارولد العدة للرحيل في الصباح الباكر والتوغل في الصحراء إلى الجنوب الغربي لزيارة مراكز الشرطة وقال : إن ذهابي معه مستحيل. فقد كان هؤلاء الشرطة من البدو المتهورين الذين يعيشون في هذه المراكز ويجلبون المعلومات أسبوعيا عن تحركات الإخوان وقبائل شمّر وعنزة وغيرهما. وكانت هذه المراكز الخمسة تقع في (عزبة،زجوبة،رخيمة،حياتة،وقائم)،,على أية حال تلاشت خيبة أملي في الصباح التالي عندما قال هارولد إنه بإمكاني مرافقته على الرغم من الصعوبات،وقد جاء معنا رئيس الشرطة سعيد أفندي وأحد رجاله،يحملان البنادق،وبعد مسيرة ساعة على الطريق الصحراوي،وصلنا إلى مدينة النجف المحاطة بالأسوار. وكان هارولد يتولى قيادة سيارتنا الفورد،وكنت أنا أركب مع الكابتن موهود ضابط الاستخبارات في سيارته الفورد ذات المقعدين،وبعد تبادل الرأي حول البترول سرنا على الطريق الذي يدور خارج المدينة أسفل الجروف الشاهقة إلى واد يعرف باسم بحر النجف. ومن فوق قمة الجرف كنا نرى تحتنا ما يبدو كبحيرة كبيرة،وعلى يمينها كانت تنعكس خيالات الجروف في منظر جميل،وكان هناك أيضا أناس يسيرون،وهم مشمرون عن سيقانهم،وكانت خيالاتهم تنعكس على صفحة الماء،وعلى الرغم من سفرنا لمدة ساعتين،لم نمر في طريقنا بقطرة ماء واحدة. وقد خلفنا وراءنا،بيننا وبين النجف،البحيرة الزرقاء،فالسراب يصعب فهمه. (..)

    كان الجوع قد اشتد بنا عندما وصلنا أخيرا في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر،وشاهدنا قلعة أرحوبة الضخمة تنتصب أمامنا. وحيانا الحارس البدوي التحية العسكرية،وكان يرتدي جلبابا رائعا فضفاضا ومسلحا ببندقية وخنجر فضي وثلاثة أحزمة من الذخيرة. ودخلنا إلى مبنى صغير يستعمل كمكتب واسترحنا في غرفة خاوية مفروشة بقليل من الأرائك الخشبية وكرسي واحد وطاولة مكتب عليها الأدوات المكتبية المعتادة .. وكان المدير رجلا عربيا متعلما يعيش مع عائلته ويتولى إدارة الحصن،وقد جلس معنا لتناول الغداء،وكان يقوم بين الحين والآخر ليستعجل زوجته،وكان عندما يعود في كل مرة يخبرنا بأن الطعام سيكون جاهزا خلال خمس دقائق (إن شاء الله ). ودقت الساعة الثالثة ثم الرابعة ثم الرابعة والنصف ثم الخامسة إلا ربعا،حيث كدت أفقد الأمل نهائيا،فتجرأت على السؤال إذا ما كان الغداء لم يزل غير بعيد،فأتاني الجواب بأنه سيكون معدا حالما نعد أنفسنا له. وكان هذا التأخير بسبب العادة التي تقضي بأن يذبح للضيف،ويطهى له بعد وصوله،وخرجنا ندور حول أسوار القلعة متجهين إلى البوابة الشرقية،حيث دخلنا غرفة صغيرة مظلمة معبقة بالدخان مكتظة بالناس الجالسين على الأرض يحتسون القهوة. وعبر هذه الغرفة خرجنا إلى الهواء الطلق مرة أخرى،ومن ثم إلى غرفة صغيرة مبنية في قاعة أحد الأبراج الركنية،وكان يغطيها مفرش جميل فوقه حصيرة كبيرة مستديرة من القش،ويتوسط هذا المفرش صينية ضخمة مملوءة بالأرز،يعلوها خروف بأكمله.
    ويحيط بها خمسة أو ستة عشر طبقا من اللحوم والخضار. وبعد أن غسلنا أيدنا جلسنا فوق حشايا (دوشك) مخملية،وشرعنا في تناول الطعام مستعملين في ذلك أيدينا بدلا من الملاعق. وكانت تلك أشهى وجبة طعام تناولتها طيلة عمري.
    وبعد رفع بقايا الطعام وتنظيف المكان طلبت أن يسمح لي بزيارة زوجة المدير،فاصطحبني المدير إلى داخل المنزل الذي كان عبارة عن مكان صغير غير نظيف،تعمل فيه زوجته كالخادمة،تغسل الأطباق،وتنتقل هنا وهناك فوق الأوحال بصندل من خشب (قبقاب) وقد شمرت ثوبها ودسته في نطاقها (حزامها).

    أصر المدير على التحديث إليّ بفرنسية ركيكة جدا مقدما زوجته وولده وكانت زوجته تبدو خجلة من رؤيتي لها في تلك الحالة البائسة وقد حاولت الاعتذار غير أن زوجها وابنها أمراها بصوت واحد أن تصمت. وبعد أن أمضيت دقائق قليلة جالسة على كرسي صلب أدركت أن المدير يرغب في انصرافي فقلت إنه ربما تكون زوجته ستعد طعام العشاء وتعتني بالأطفال،وقد يكون من الأنسب أن أحضر لزيارتها في وقت آخر،وبعد ذلك عدت إلى المجلس.
    وقد ذهبت لزيارتها فيما بعد،لكنني لم أتمكن من التحدث إليها على انفراد قط،وقد حاولت بدورها أن تخبرني بمدى تعاستها،وكيف أنها خلال خمس السنوات{هكذا} التي قضتها هنا (كان موطنها الأصلي مدينة حلب )،لم يسمح لها مرة واحدة بالخروج من هذا المنزل الضئيل. وكيف أنها لم تكن تسمح للنساء الأعرابيات اللواتي يعشن في الحصن بدخول منزلها لقذارتهن الشديدة،وبالتالي لم تكن تجد من يساعدها فقامت بالعمل كله والاعتناء بالأطفال منفردة.){ص 75 - 78}.

    وتقوم المؤلفة برحلة أخرى .. ( في أغسطس 1922 م رتب هارولد لنا زيارة إلى مضارب (عنزة) وكانوا عرب صحراء حقيقيين،لم يكونوا مألوفين بالنسبة لي مثل فلاحي ضفاف النهر الذين كنا نعيش بينهم،لذلك كنت أتطلع بشوق إلى زيارتهم في خيامهم.
    بدأنا رحلتنا من الحلة بالسيارة في السابعة والنصف صباحا وذهبنا عن طريق قنطرة الهندية،فوصلنا (المسيب) في حوالي الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة،وتوجهنا مباشرة إلى السراي حيث كان المدير رشدي أفندي ينتظرنا ببدلة من قماش أزرق مزركش،فقد تلقى رسالة منا في اليوم السابق،نخبره فيها بأننا سنحضر في اليوم التالي لمقابلة الشيخ فهد بك بن هذال زعيم فخذ (عمارات) من قبيلة عنزة (..) وقد عبرنا مع المدير جسرا مخلخلا جدا إلى الجانب الآخر البعيد،حيث وجدنا بانتظارنا سيارة فورد أخرى تقل الشيخ محروث بن الشيخ فهد ومعه عبد يدعى (مرزوق). وكانا يرتديان معاطف قصيرة بيضاء مزركشة،وجلاليب حريرية طويلة ذات أكمام فضفاضة،وكان كل منهما يتمنطق بسيف ذهبي على جانبه. (..) وكانت أكبر هذه الخيام خيمة مرفوعة على عمود من الخيزران في وسطها،ومفتوحة من جوانبها الأربعة. وفي ظل هذه الخيمة كان يجلس عدد كبير من الرجال. لقد كانت تلك خيمة الشيخ الذي كان في ذلك الوقت يعقد مجلسه الصباحي وكان الشيخ يجلس على حشية حريرية،ويستند على سرج جميل مرصع بالفضة. وعندما نزلنا من السيارة نهض الرجال جميعا،وهرع إلينا الشيخ فهد،وصافحني بحرارة وقبل وجنتي هارولد.

    جلست في الخيمة مع الرجال بعض الوقت ثم ذهبت مع أحد العبيد لزيارة الحريم،وكنت قد التقيت بنورا ابنة الشيخ قبل شهور من هذه الزيارة،وقد فرحت جدا لرؤيتي مرة أخرى. وقد تزوج محروث بن الشيخ زوجة جديدة بعد زيارتنا الأولى،وكانت العروس الجديدة فتاة نجدية بارعة الجمال ذات وجه مستدير وأسنان ناصعة البياض،وكانت هناك أيضا زوجتاه الأخريان. وقد جلست معهن بعض الوقت وشربت لبن الإبل .. ثم ذهبت مع نورا إلى خيمتها التي كانت جزءا من خيمة كبيرة مجزأة بأبسطة ملونة وستائر حريرية.

    وشكرت نورا على جلد النعامة الجميل الذي أرسلته إليّ. (..) وأخرجت نورا من صندوقها رداء حريريا أزرق جميل،وصممت على أن أرتديه كسيدة عربية،وخلعت غطاء رأسها الحريري ذا اللون الأحمر والأسود،ووضعته على رأسي،ولفت قطعة من القماش الأسود حول رقبتي،ووضعت في أصابعي خواتمها الذهبية والتركواز. وقد دخل فهد بك بنفسه إلى الخيمة فجأة،فشعرت بحرج شديد،ولكنه جلس بجانبي،وأمسك يدي،و حكى لي كيف أنه يذكر جيرترود بيل عندما جاءت إلى مضاربه،وجيء بطعام الغداء،فعاد الشيخ فهد إلى الرجال،وتناولت أنا طعامي مع النساء،وعندما حل موعد الرحيل،أصرت نورا على أن أحتفظ بالثياب والحلي التي كنت أرتديها. ويسعدني أن أقول أنها ظلت صديقة لي لسنوات عديدة جدا.){ص 81 - 82}.

    وتم نقل زوج المؤلفة إلى البحرين،للقيام بمهام المفوض الذي مرض وأخذ إجازة .. (غادرنا الحلة يوم السابع من سبتمبر بالقطار،وعلى الرغم من أنني لم أكن قضيت في الحلة أكثر من تسعة شهور،إلا أن انفصالي عن بيتي الأول الذي تعلمت حبه،وعن أصدقائي العرب الكثيرين كان محزنا،وفي الديوانية تجمع كل شيوخ القبائل لوداعنا،وفي الرميثة جاء حزام بك السعدون ومعه شيوخ كثيرون لرؤيتنا. لقد كنا نغادر كل محطة والدموع في أعيننا،فقد كان مكان يحمل ذكرى زيارات سعيدة وحفاوة قبلية.
    وصلنا البصرة في وقت متأخر من صباح يوم التاسع من سبتمبر وكان القطار متأخرا اثنتي عشرة ساعة وفي الرابع عشر من الشهر أبحرنا متوجهين إلى البحرين. وكان في وداعنا ابن المتصرف وعبد اللطيف باشا منديل. وفي اليوم التالي وصلنا بوشهر. وبعد رحلة ليلية أخرى وصلنا إلى البحرين في رطوبة منتصف سبتمبر وحرارته الشديدة.

    استقبلنا هناك مجموعة من الأعيان والأصدقاء الذين رحبوا بنا ترحيبا أشعرنا بالحرج من حرارته. وكانوا كلهم يعرفون هارولد منذ كان مفوضا سياسيا في البحرين قبل زواجنا. (..) وقد قضينا ثلاثة الأيام الأولى عند وكيل شركة "ميسبرس"شركة العراق وفارس للشحن (..) ومن ثم انتقلنا إلى منزل عبد العزيز القصيبي على ساحل البحر.){ص 85}.



    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.

    س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  3. #3

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"3"
    قبل الحلقة : وصلني تعليق على الحلقة الثانية،من إحدى الأخوات،عبر (مجموعة "سكر مالح") تقول صاحبة التعليق .. (لم يعجبني أبدا تصويرها للنساء العربيات،وأنها فضلت مصاحبة الرجال عليهن لأن شغلهن الوحيد كان شد شعرها والركض وراءها!!! أو حديثها عن وساخة الحمام ورائحته،ونحن الذين علمناهم النظافة!!!! ظننت أن مذكراتها ستكون أرقى وتستحق القراءة).بعد شكري لأختنا الكريمة أقول : صحيح أننا علمناهم النظافة ولكن ذلك لا ينفي حقيقة أننا انحدرنا بعد ذلك – لكثير من العوامل – إلى الحضيض ... ثم (الرحالة) – أيا كان – يشبه عدسة الكاميرا،يلتقط ما يراه،ولا ننسى أنها قدمت القول بأنها لا تفهم كلمة واحدة من اللغة العربية،وهن لا يتحدثن الإنجليزية،بطبيعة الحال،وذلك يضع حاجزا بينها وبين النساء .. كما أنها حين زارت مضارب أحد شيوخ القبائل،ذكرا الأبسطة الملونة والستائر الحريرية .. وأخيرا ... المؤلفة تكتب عن سنة 1922م،وبعد ذلك بثلاثة عقود،وأربعة،زار بعض المسلمين أمريكا،فوصف بعضهم فقر بعض أحياء السود،وأن بعضهم يأكل الطعام من (الزبالة) – أجلكم الله - .. مرة أخرى هي (عدسة) تلتقط ما يقع في محيطها .. دون أن يعني ذلك أن الإنسان أراد أن يسيء .. أكرر شكري.أقول دائما أن (المذكرات) و(الرحلات) تمثل،بالنسبة لي على الأقل، (مادة أولية للتأريخ) حيث يتم – في الغالب – تصوير الواقع كما هو .. وحتى عند تعمد التزوير لأهداف سياسية ... فإن محصلة مجموعة كبيرة من الشهادات سوف تظهر أقرب وجه للحقيقة .. هنا تتحدث المؤلفة عن مؤتمر (العقير) – وهو مؤتمر مشهور عقده الملك عبد العزيز مع رئيس الخليج السير بيرسي كوكس - ورغبتها هي وزوجها في العمل مع الملك عبد العزيز. لا أذكر الآن إن كان المؤرخون الذين كتبوا عن المؤتمر قد ذكروا أن "رئيس الخليج"ترك الملك عبد العزيز ينتظره في العقير لمدة شهرين!! (مرّ سبتمبر وأكتوبر وعلى الرغم أن السلطان عبد العزيز بن سعود كان ينتظر في قلب البلاد لقاءه مع السير بيرسي كوكس،إلا أن المندوب السامي لم يظهر. بينما كنا ننتظر في البحرين خلال هذه الأسابيع كتبت إلى أختي فرانسيس في إنجلترا قائلة : "سوف يصل السير بيرسي حقا صباح يوم 25 نوفمبر،وسوف نتوجه مباشرة إلى العقير في زورق المفوضية البخاري حيث سيقابل ابن سعود سلطان نجد،وبالطبع سوف أرغب في الذهاب،ولكنني أخشى أن تكون تلك شئونا رسمية،أكثر مما يسمح لي بالذهاب،إن السير بيرسي يعاف طعام العرب،كما يقول هارولد،فهو دوما يعكر مزاجه،ولهذا سوف نأخذ معنا صندوقا للمواد الغذائية يمكنه أن يتناول الرنجة المدخنة والسوسج المقلي في إفطاره. لقد بدأ صبر ابن سعود ينفد وهو ينتظر هذا اللقاء في الهفوف. فقد جاء إلى هناك من عاصمته الرياض منذ شهرين وكان يتوقع العودة إليها خلال عشرة أيام. ولكن السير ظل يؤجل إلى أن اشتعل غضب ابن سعود.{ في الأصل : "غضب إليها سعود"!!} وبعد لقاء السير سوف نعلم ما هي خططنا،فهي إما الذهاب إلى الهفوف لمدة ستة أشهر أو العودة إلى العراق أو أخذ إجازة.(..) وأخيرا وصل السير بيرسي يوم 20نوفمبر وتوجه إلى العقير للاجتماع بابن سعود. لقد خاب أملنا في تعيين هارولد مفوضا لدى ابن سعود فالأمور لم تسر حسبما كان يرجو السير بيرسي كوكس. ولها أخذنا إجازة طويلة مستحقة وأبحرنا إلى مرسيليا.){ص 85 - 86}. هنا تجدر الإشارة إلى (الصفعة) التي وجهها الملك عبد العزيز إلى الساسة الإنجليز،أو فضحه لتشدقهم بالديمقراطية!! في بنود إحدى الاتفاقيات التي كان الملك عبد العزيز سوف يوقعها مع الإنجليز،كان من ضمن البنود،بند يعطي الإمبراطورية حق (الفيتو) – إن صح التعبير - على من سيخلف الملك عبد العزيز – كما كان يحصل في بعض الإمارات الخليجية الأخرى – فوضع الملك عبد العزيز بدلا من ذلك أن يأتي خليفته عبر موافقة (الشعب)!! .. فتجاهل الإنجليز (الشرطين معا)!!!!! نعود إلى "أم سعود"التي ذهبت إلى سويسرا وهناك .. ( وضعت ولدي الأول في وقت مبكر من صباح يوم 12 يونيو 1923م.وقد عمد ابني تحت اسم هارنر يورك وارنجتون سعود في كنيسة سانت جون في تيرتي. وكان القس مترددا بعض الشيء في تسمية الطفل "سعود"لأن هذا الاسم ليس مسيحيا. وقد وافق في النهاية ولكنه سجله في شهادة المعمودية باسم"ساند".){ص 87}. وعندما ذهبوا إلى الهند،أسموه (توجو)!!!!!!!! بعد الإجازة ذهبت المؤلفة،مع زوجها إلى الهند .. (وكان يحب نادي صيد كويتا الذي كان لديه قطيع من كلاب الصيد،الإنجليزية التي كانت تصطاد الضباع وأحيانا تقتفي أثر الطرائد. (..) وقد مر وقت قبل أن تصل فرسانا والمهر وكلبانا السلوقيان من العراق يرافقهما الشيخ فرحان الرحامة. وقد سعدنا جدا بوصولها ووضعناها في الإسطبلات المخصصة في منطقتنا. (..) وفي كويتا تعلمت عادة اجتماعية مفيدة كانت منتشرة بين الإنجليز في الهند في ذلك الوقت.فقد كان لدينا صندوق بريد صغير كتب على طرفه الأعلى السيد والسيدة هـ. ر. بي ديكسون وتحتها عبارة (ليسوا في البيت) وكان هذا الصندوق معلقا على بوابة منزلنا الأمامية وكان الهدف منه هو أن أي عازب يرغب في التعرف علينا أو في أن يستضاف في بيتنا،يستطيع أن يضع بطاقة دعوته في الصندوق دون التعرض للحرج من جراء دخوله للمنزل لدعوتنا.وفي كل مساء كان الخادم يحضر البطاقات التي يجدها وفق الوقت المناسب {هكذا : وهي وفي الوقت المنسب} يدعى صاحب البطاقة لتناول العشاء معنا. وكنا نحن نفعل الشيء نفسه ببطاقاتنا بأن نضعها في صناديق الضباط الأعلى رتبة وزوجاتهم. وكانت هذه الطريقة مفيدة في تمكين الوافدين الجدد من الانخراط في الحياة الاجتماعية الراسخة. (..) وفي عيد ميلاد ذلك العام كان موعد ولادتي قد أزف فلم أستطع حضور الحفلة المقامة في القصر. وأذكر أنني أصبت بخيبة أمل شديدة لغيابي عن كل تلك الاحتفالات. وقد ولدت ابنتي في منزلنا يوم الحادي عشر من يناير سنة 1925. وأسميناها إيرين زهرة.) ){ص 90 - 95}. كانت حياة المؤلفة في الهند مليئة بالأنشطة الاجتماعية،والاحتفالات .. (وبالرغم من كل هذه الإثارة والنشاط الاجتماعي في حياتنا فإن قلب هارولد كان لا يزال مع العرب. لقد جاء من كويتا كمعلم لابن صاحب السمو الثاني بيجي سنغ وقد تزوج بيجي الآن وأصبح هارولد سكرتيرا خاصا للمهراجا. وفي سنة 1928 عين هارولد سكرتيرا للمقيم السياسي في الخليج العربي ومساعدا قضائيا للقنصل العام لصاحب الجلالة في فارس وخوزستان وجزر الخليج العربي،وفي بوشهر،وهكذا حزمنا أمتعتنا مرة أخرى وركبنا القطار إلى كراتشي مصطحبين معنا جومني للعناية بالطفلين ومن هناك أبحرنا إلى الخليج العربي مرة أخرى. (..) وصلنا بوشهر في الثاني من مايو سنة 1928 ورست السفينة على بعد ميلين عن الشاطئ وخرج للقائنا زورق يحمل أحد موظفي المقيم وكانت الريح عاصفة في ذلك اليوم والبحر شديد الهياج ولصعوبة إنزال الطفلين على السلم فتح باب في الدور الأسفل بالسفينة قذف منه الطفلان إلى الزورق حيث التقطتهما أذرع قوية. أما جومني التي كانت ترى البحر لأول مرة في حياتها فقد رفضت أن يقذف بها من ذلك الباب ونزلت بصعوبة عن السلم وقفزت إلى الزورق الذي كانت ترفعه الأمواج الهائجة إلى أعلى. وقد كان الرسوّ في محطة السفن الصغيرة في بوشهر أكثر سهولة وكانت هناك مركبة في انتظارنا لنقلنا إلى منزل السكرتير في نيدي التي تبعد ثلاثة أميال عن البلدة. (..) بعد وصولنا إلى بوشهر بقليل أحيل الكولونيل ليونيل (وهو الآن يحمل لقب سير ) إلى التقاعد وغادر بوشهر. وبعد بضعة أسابيع وصل السير فردريك جوتستون تصحبه أخته واستقرا في المقيمية في سابزاباد. وكان مختلفا جدا عن السير ليونيل،وذات يوم سألني عمّن قص شعر زوجي وعندما أخبرته بأني أنا التي فعلت ذلك لم يعلق ولكن بعد ذلك بوقت قليل طلب مني أن أذهب إلى المقيمية لأقص له شعره. وقد كان هذا ثقيلا فعلا،ولكني على أية حال ذهبت وأخذت أقص ما بوسعي،وبعد ذلك بفضل الله،لم تكن ترسو سفينة من البحرية الملكية في الميناء إلا ويصعد إليها ويقص شعره عند حلاقها.){ص 99 - 103}. إلى الكويت أخيرا .. (في نهاية عامنا الأول في بوشهر أعددنا العدة للانتقال مرة أخرى،إن هارولد كان سيعود إلى الجزيرة العربية وهو أمل منتظر أسعده كثيرا.(..) في اليوم الثاني والعشرين من شهر مايو 1929م وصلنا إلى الكويت بعد رحلة شديدة الحرارة،ورست السفينة على بعد ميلين عن الشاطئ،وخرج المفوض السياسي الليفتنانت كولونيل جي. سي. مور – الذي كان هارولد سيحل محله – بزورق المعتمدية للقائنا. وعندما اقتربنا من المرفأ الصغير أمام المعتمدية انتقلنا إلى جلبوت صغير،ولأن المد كان مرتفعا فقد حملنا ملاحو الزورق الواحد تلو الآخر في محفة خاصة وخاضوا بنا في الماء والوحل ووضعونا على الشاطئ الرملي الجاف،وفي هذا الوقت بدأت أشعر بالمرض والإعياء. وحالما أصبحت داخل المنزل استلقيت على الفراش في غرفة شديدة الحرارة وبعد مدة من الوقت أمكن العثور على صبي ليجذب حبل البنكة – وهي مروحة تشبه الستار تتدلى من السقف – { في الهامش : "هذه المروحة تسمى مهفة هواء وهي شائعة في الكويت وهي عبارة عن قطعة سميكة من القماش مستطيلة الشكل وفي طرفها العلوي قضيب خشبي في وسطه حبل طويل يجره أحد الأشخاص فيحرك الهواء داخل الغرفة".}وشعرت بالتحسن. وفي الهواء الطلق قمنا بجولة حول المنزل لتفقده فوجدناه في حالة ترميم مروعة،فكانت بداية غير سعيدة لحياتنا الجديدة.){ ص 104 - 121}.قد لا تكون معاناة أم سعود وأبوه،إلا نقطة في محيط .. إلا أنها تشي بصورة من الصور .. بمقدار معاناة ألائك القوم الذين كانوا يمكنون لحضارتهم ... فعلى بعد آلاف الأميال من بلادهم (الباردة) يتحملون حرارة بلادنا ... وضعف وسائلها ... (كان الطابق الأرضي يضم مكاتب المعتمدية ومكتب بريد ومطبخا،أما غرف النوم فكانت في الطابق العلوي،وكان هناك سرداب طويل بارد مظلم يمر من خلال الطابق الأسفل ممتدا من البوابة الرئيسية إلى الباحة الداخلية للمنزل. وكانت جدران المنزل تتخللها الرطوبة وكانت المشكلة أن المنزل يقع على سطح منحدر وكانت مياه المطر المتجمعة من ثلاثة منازل تقع على التل خلف منزلنا تتدفق عبر دهليز منزلنا إلى البحر.(..) وقد عثرنا على بناء فارسي حاذق هو الأسطى أحمد الذي جاء لإنقاذنا وقد استعمل البنّاء الصخور المرجانية البحرية ( وهي الحجارة الوحيدة المتوفرة في الكويت ) في تقوية أساس المنزل وبناء أربع دعائم في مقدمة المنزل،وعلى الرغم من حاجة المنزل إلى العناية الشديدة كل عام تقريبا إلا أننا جعلنا منه منزلا مريحا،وهو الآن منزلي منذ أربعين عاما،(باستثناء السنة الأخيرة لهارولد كمعتمد سياسي حيث انتقلنا إلى معتمدية جديدة). (..) إن بيتي يعتبر قطعة من متحف تقريبا،وقد أبقى عليه لسبب واحد فقط هو أنني قد سمح لي بالبقاء فيه. ومن أجل الاستخدام المستمر لهذا البيت المبارك والمحبب يجب أن أشكر آل الصباح والعطف الذي لا ينضب والطيبة اللامحدودة لحاكم الكويت الذي يمتلك هذا البيت. ){ ص 122 - 123}. هنا يوجد هامش طويل بعض الشيء .. وقبل نقله أعلن إعجابي بإحاطة الأستاذ سيف الشملان بتأريخ الكويت،في كل صغيرة وكبيرة،وذلك ما يتضح من الهوامش الكثيرة التي وضعها لهذا الكتاب : ((كان هذا البيت الجميل ملكا لمحمد بن علي بن موسى العصفور من أعيان الكويت وأكبر تاجر لؤلؤ في زمانه ويملك ثروة طائلة تقدر بحوالي 400 ألف روبية نقدا وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت حوالي سنة 1893م. وهو أول تاجر لؤلؤ كويتي كان يسافر إلى الهند لبيع اللؤلؤ. ظلت أم سعود تسكن هذا البيت إلى أول شهر مايو سنة 1990 حيث أصيبت بمرض ونقلت إلى المستشفى بالأحمدي. وقد تمكنت ولله الحمد من المحافظة على هذا البيت التاريخي بواسطة اتصالي شخصيا بسمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سنة 1985م وقد رممت الحكومة البيت بعد تحرير الكويت وأرجو أن يكون متحفا للتراث البحري... "سيف الشملان")){ هامش الصفحة 123}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com --

  4. #4

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"4"
    نبدأ هذه الحلقة من السياحة بحديث "أم سعود"عن "الإخوان"وأعتقد أن تعليق الأستاذ (سيف)لم يكن موفقا،فقضية (الإخوان) أكثر تعقيدا من استغلال الملك عبد العزيز لعاطفتهم الدينية،و(عدوانهم)على جيران نجد .. بعض الحقيقة يكمن في تضارب مشروع الإخوان مع مشروع الملك عبد العزيز،الذي قرر أن يوقف التمدد الأفقي،ليبدأ في بناء – أو التمدد العمودي – (دولة)،كما أنه كان يعرف حجم (بريطانيا)،التي سوف يصطدم بها ... على كل حال تقول المؤلفة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفي المرة الثانية لعبور الإخوان { في الهامش : الإخوان : لفظة عامة تطلق على الجماعات من القبائل العربية منذ حوالي سنة 1912م وكان الإخوان يغالون في تعاليم الدين الإسلامي ويكفرون غيرهم من جيرانهم،وقد استغل الملك عبد العزيز آل سعود هذه العاطفية الدينية لدى الإخوان في توسعة بلاده. ولما تمادى الإخوان في أعمالهم العدوانية ضد حيران نجد،بل وضد الملك عبد العزيز نفسه،لوقوفهم ضد الإصلاحيات والمخترعات الحديثة،فما كان من الملك عبد العزيز إلا أن قضى عليهم سنة 1930م. "سيف الشملان"}. حدود الكويت وصولا إلى الجهراء وهي واحة صغيرة في غربي الكويت وقد أخبرني هارولد فجأة يوم الثامن من يناير 1930م أنه سيذهب في سيارة مؤجرة ليحاول الاتصال بفيصل الدويش بالقرب من الجهراء لإقناعه بالاستسلام للإنجليز،ولم أكن أعلم أن سلاح الطيران الملكي قد بدأ فعلا في قصف كل الأماكن المحيطة بالقرية لمنع المتمردين العسكريين من الفرار. وقد أخبرني هارولد عند عودته أنه عندما اقترب من الجهراء حلقت إحدى الطائرات فوق سيارته على ارتفاع منخفض ثم استدارت وأطلقت عليها نيران مدفع رشاش. وقد سقطت القنابل حولها على فترات متقطعة. ولم يكن هارولد خائفا بل كان غاضبا فقط. وقد اعتذر سلاح الطيران الملكي فيما بعد قائلا بأنهم اعتقدوا أن السيارة كانت تقل إحدى الشخصيات الكويتية البارزة التي تتعاطف مع المتمردين لمقابلة فيصل الدويش.{رغم موسوعية الأستاذ"سيف الشملان"وتعليقاته الكثيرة،إلا أنه لم يعلق على هذه النقطة .. ولم يخبرنا عن الشخصيات الكويتية "البارزة"التي كانت تتعاطف مع الإخوان!!!!}وتنتهي القصة باستسلام فيصل للإنجليز في 10 فبراير وتسليمه سيفه إلى آمر القوات الجوية. وقد ذهب هارولد إلى المطار عندما نقل فيصل الدويش ومرافقاه نايف الحثلي وابن لا مي بالطائرة إلى البصرة. وعندما عاد إلى المنزل رأيت أنه قد انخرط بوضوح في منزلة أولئك الرجال الذين أصبحوا مشهورين في كل شبه الجزيرة العربية والذين كانوا من الطبقة الأرستقراطية في الصحراء. وقد عاد المتمردون الثلاثة فيما بعد إلى الكويت بالسفينة بصفتهم أسرى. واشتريت ملابس جديدة لكل واحد منهم قبل أن ينقلوا بطائرة تابعة لسلاح الطيران الملكي إل خبارى وضحة حيث سلموا إلى ابن سعود.كان هارولد قد وعد فيصل الدويش عندما قابله في الجهراء أنه إذا استسلم للإنجليز فإن هارولد سيكون مسئولا مسئولية شخصية عن سلامة ورفاهية نسائه وأطفاله. ولهذا ذهبت في وقت لاحق معه إلى الجهراء حاملة الغذاء والملابس إلى النساء الجائعات،باليات الملابس اللواتي كن ضحايا أبرياء في تلك القضية. لقد حزن كل منا على حالة هؤلاء المساكين التي يرثى لها. وفيما بعد أحضرنا زوجة فيصل الدويش وأخواته الثلاث وحوالي ست نساء أخريات مع أطفالهن إلى بيتنا وآويناهم إلى أن اتخذت الترتيبات لإعطائهن بيتا في المرقاب. على الرغم من أن متاعب الإخوان قد جعلت من عام 1929م عاما صعبا ومثيرا بالنسبة لهارولد إلا أنه كان راضيا لعمله بين الناس الذين عرفهم وأعجب بهم. وبعد استسلام الدويش في يناير 1930م {ذكرت في الصفحة السابقة أنه استسلم في 10فبراير !!} أصبحت الأمور أكثر استقرارا،وكانت سنواتنا الأولى في الكويت فترة سعادة لكل العائلة. ولقد أصبح لي أطفال بعد تسع سنين من الزواج والتجول بين العراق والهند وكانت الخلفية السياسية لعامنا الأول في الكويت هي الثورة في المملكة العربية السعودية حيث تحدت حركة الإخوان المتزمتين بزعامة فيصل الدويش سلطة ابن سعود. وقد أصرت بريطانيا على ألا تساعد الكويت هؤلاء المتمردين،وكان هارولد بصفته معتمدا سياسيا مهتما بإمكانية عبورهم إلى الكويت لتغذية قطعانهم – وهذا ما فعلوه فعلا خلال عام 1929 وكرروه في شهر يناير 1930 – وفي المرة الأولى أخبر هارولد بأن يحذر المتمردين بأنهم إن لم ينسحبوا فسوف يقوم سلاح الطيران الملكي في العراق بقصفهم.){ص 126 - 128}.ننتقل من هذه اللمحة ذات الطابع السياسي إلى طرقة حياة المؤلفة في الكويت .. ( لقد توفرت في منزلنا بالكويت وسائل راحة متحضرة أكثر مما كان لدينا في الحلة. ولم يكن هناك كهرباء في أيامنا الأولى ( بالرغم من أنه في عام 1923م ركب مولد خاص في المعتمدية ) ولهذا كنا نستعمل مصابيح الكيروسين (البارافين) وفي حر الصيف القائظ كانت البنكة هي الأداة الوحيدة لتلطيف الجو. ولأن حرارة الصيف كانت خانقة داخل المنزل فقد اتبعنا عادة العرب في النوم على السطح المنبسط أحيانا فوق أعلى مكان بالمنزل. (..) وهنا كنا نستطيع أن نحدق في النجوم الاستوائية كل ليلة ننام ملتحفين بفراش فقط. وكان العائق الوحيد هو أننا كنا نستيقظ مع شروق الشمس على لسعات الذباب الذي يحوم على وجوهنا بطريقة جنونية مرغما إيانا على الاحتماء منه بالدخول تحت الغطاء أو بالدخول إلى المنزل للاختباء وراء الأبواب الخشبية التي لا ينفد منها الذباب.واليوم بوجود مكيفات الهواء في منزلي،لم أعد أنام في الخارج ولكنني سأذكر دائما المذاق الخاص لتلك الليالي التي قضيناها على سطحنا الخلفي(..) وفي ذلك الوقت قبل أن تضج الليالي بصخب السيارات،كانت ساعات الظلام يخترقها من وقت إلى آخر أصوات أصبح لها ألفة مريحة ففي باحة المنزل كان حصانانا ينفخان أنفيهما من وقت إلى آخر وفي حوالي الثالثة والنصف صباحا كان ديكي الصغير في حظيرة الدجاج ينضم إلى كورس الصياح (أذان) حيث تجيب أعداد كبيرة من الديكة بعضها البعض من أماكن مختلفة بالمدينة وفي أيام الحر القائظ عندما يكون لدى البحارة عمل شاق يجب إنجازه على القوارب المنتشرة على طول شاطئ البحر،كانوا غالبا ما ينجزونه في ساعات الليل الأكثر برودة،وعندما كنا نسمع الأغاني الإيقاعية التي كانت تساعدهم على الدفع معا لرفع صار ثقيل أو إدارة الرحوبة (الدوارة) لجر قارب إلى الشاطئ. ثم عند أول ضوء للنهار،وإذا لم نكن بعد نغط في نوم عميق،كنا نسمع نداء المؤذن من مئذنة صغيرة في مسجد مجاور – وهو الصوت الأصيل للجزيرة العربية – صوت رنان ولكنه بسيط،يصدر عن عجوز أعمى {في الهامش : "هو المرحوم جاسم بن شرهان،مؤذن وإمام مسجد النصف وكان صوته جهوريا يُسمع من مكان بعيد" .. (سيف الشملان)} ولكن كل هذه الأشياء قد ولت،فاليوم قد حلت مآذن متطورة متقنة الصنع محل المآذن البسيطة التي كانت في الماضي،وحتى الأذان أصبح ينطلق مدويا من مكبرات الصوت. وذات مرة،في الوقت الذي كنا نستقر فيه على السطح للنوم حدث كسوف للقمر وفي تلك الأيام كان العرب يرهبون مثل هذه الأحداث غير العادية،وأذكر في تلك المنسبة أن فرقا من الطبالين والمغنين قد طافت بالشوارع داعية الله أن يعيد ضوء القمر.){ص 129 - 130}.كما وجدت"أم سعود"حلا لسير زوجها أثناء نومه،فقد وجدت حلا للاستفادة القصوى من الماء العذب الشحيح .. (كانت إحدى مشاكل محاولة الاستنبات هي قلة الماء العذب. ولأن تموين المدينة كلها من الماء كان ينقل بالسفن من النهر بالعراق،كنا نشتريه بسعر آنتين للصفيحة سعة أربعة جالونات. ومن الطبيعي ألا يستطيع الإنسان استخدام هذا الماء في ري النباتات ولكنني لم أجد ما يمنع من الري بالماء الذي كنا نستخدمه في الغسيل والاستحمام عن طريق مجارٍ تصبّ في حفرة ينقل منها الخادم الماء بصفيحة لري الحديقة.){ ص 130 - 131}. من ري النبات إلى الجراد .. (كان لمطر خريف 1929م الغزير الفضل في توفير الظروف الملائمة لأسراب الجراد الكبيرة في ذلك الشتاء. وقد كانت تلك أول تجربة لي مع هذه الكائنات وهي تجربة لن أنساها،ولقد رأيت السماء تحجبها أسراب الجراد الطائر وقد اختفت الشمس وكأنها كسفت تقريبا،وفي وقت لاحق غزت الجيوش الزاحفة للجنادب ( وهي الجراد الصغير الذي لا جناح له ) الكويت والتهمت كل نبتة خضراء أنبتها المطر وقد انتشرت الجنادب كمثل مد أسود مخضر على رمال الصحراء،وفي تلك الأيام لم يهب العالم لمساعدة العرب،ولم تكن هناك طريقة فعالة لإيقاف زحف الجراد. وعلى مشارف مدينة الكويت كان المزارعون الذين استزرعوا بعض نباتات الفجل والخيار يعلمون أنهم سوف يفقدون محاصيلهم. وكان الحل الوحيد الذي يعرفونه هو تغطية الأسوار الطينية المنخفضة المحيطة بحدائقهم بقطع مسطحة من الصفيح بحيث يكون السطح زلقا لا يستطيع الدبا تسلقه. وقد ساعدناهم بتزويدهم بكميات من المجلات المصقولة القديمة التي يمكن استخدام أوراقها لنفس الغرض،ولكن لم تنجح مجهودات المزارعين الكثيرة. وقد دخلت الجنادب الكويت ونفذت إلى الغرف الداخلية جدا في كل بيت ملتهمة كل ما تجده في طريقها. كان العرب يأكلون الجراد الكبير،وعندما كانت أسراب الجراد تتساقط في شوارع الكويت،شارك الأطفال في جمعها وكانوا غالبا ما يغزّونها على عصي حادة ويأخذونها إلى البيت لسلقها. ولكن كان في هذا بعض الراحة للناس الذين عانوا من المجاعة في الصحراء حيث نفقت الجمال والخراف التي لم يترك الجراد لها نبتة خضراء واحدة تقتات بها وقد أثار الجراد طفليّ اللذين شاركا الجميع في التقاط بعض منه لأكله وقد استمتعا بمذاق الجراد ولم يترددا في أكل هذا الطعام غير المألوف. من عام 1929 إلى 1931م كان أسوأ سنوات الجراد التي تذكرها الكويت..){ص 132 - 13}. وإلى الطيور .. حيث ذكرني حديث المؤلفة بمقالة كاتبها الأستاذ فهد عامر الأحمدي،قبل سنوات،وتحدث فيها عن زيارته لمدينة لندن،حيث الحمام يألف الناس،ولكنه هو ما كاد يقترب حتى (طار الحمام)!! وتساءل هل في جينات الحمام ما يشي بأنه كان يؤذي الحمام وهو صغير؟!! و(ظاهرة) تعذيب الطيور،والحيوانات الأليفة تحتاج إلى (دراسة) ... تقول "أم سعود" نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيلقد أحببت الطيور التي رأيتها في الكويت فقد كنا نقع على طريق الهجرة من أفريقيا لإلى أوربا وفي أوقات معينة من السنة كانت تشاهد أعداد كبيرة لأنواع كثيرة من الطيور الجميلة. وكانت تأتي إلى الكويت من الصحراء،وتستقر أينما تجد بعضا من الأشجار تأوي إليها لتستريح. ولكن الكويتيين كانوا يأكلون الطيور الصغيرة،وفي وقت مرور هذه الطيور المهاجرة كانت الشباك الخداعية تنصب فوق الأشجار في كل حديقة عربية بحيث تدفع الطيور المرهقة التي تهبط لتستريح إلى هذه الشباك فيتم صيدها. وكانت تستعمل عدة نماذج من فخاخ الطيور،وكانت المنازل التي ليس بها أشجار تنصب الفخاخ على السطح مع عصوين مرنتين توفران مربضا مريحا للطيور،وإذا استقر طائر عليها فإنهما تقفزان منفصلتين فتقع ساقا الطائر بين خيطين {في الهامش : "هذا النوع من فخاخ الصيد يسمى الصّلّابة بتشديد الصاد واللام" .. (سيف الشملان).} وهذا النوع الأخير من الفخاخ كان ينصبه في العادة الصبية الصغار الذين تمثل الطيور بالنسبة لهم وسيلة لعب محببة. وقد اعتدنا أن نرى أطفال العرب في الطريق خارج منزلنا يعذبون الطيور التي اصطادوها. وأحيانا كانوا يربطون الطائر من ساقيه ويطرحونه في الهواء على طرفي قطعة من الوتر. وإذا كان الطائر سيعطى كلعبة وديعة لطفل صغير فقد كانوا يُكَتّفُون جناحيها حول بعضهما بحيث لا يستطيع الطيران،وإذا كان الطائر جارحا أو يخشى أن يؤذي بمنقاره،فإنهم كانوا يجذبون ريشه من جناحيه ويدخلونها في خياشيمه ويلفونها حول منقاره. وقد كنت أستاء جدا عندما أرى الأطفال يلعبون بالطيور بهذه الطريقة القاسية وكنت أصرخ عليهم من الشرفة،أخبرهم بأن ما يفعلونه خطأ. ولكنهم لم يكونوا يلتفتون إليّ. ولهذا كنت أنزل إليهم في الشارع وأطلب منهم أن يعطوني الطيور. وفي النهاية عرضت عليهم نقودا فسلموا إليّ طيورهم مقابل (آنتين) لكل طائر. وكنت أدخل هذه الطيور إلى منزلي وأحاول قدر المستطاع إزالة الريش من خياشيمها ومناقيرها وأخلص أجنحتها من بعضها البعض برفق وإذا كانت الطيور لا تزال قوية فإنني كنت أطلقها فيما بعد ولكن أكثرها كان نصف ميت ولم يشف أبدا مما أصابه.){ص 133 - 134}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com
    Reply Forward

  5. #5

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"5"
    سبحان من يغر ولا يتغير،نقولها في كل وقت،ونرددها هنا،ونحن نرى الفارق بين (الدعاء على الإنجليزي) بالموت من قبل الأطفال – وهو سلوك غير إسلامي بالمناسبة – والمكانة العالية التي أصبحت له بعد ذلك!! وكأننا لا نتوسط أبدا!! نواصل السياحة مع هذه السيدة التي عرفت .. ( منظر الخليج بكل أحواله وألوانه المتغيرة من أيام الصيف الحارة الساكنة سكون الأموات،حيث يصبح البحر والسماء بلا لون،إلى عواصف الشتاء العنيفة حيث تدفع الريح الأمواج العالية لتتكسر ويتطاير رذاذها على سور المرفأ. (..) بالنسبة للكثير من الكويتيين في ذلك الوقت كان منظر أي غريب يرتدي ملابس أوربية يجعلهم يستديرون ويحملقون.وعندما كنا نقود سيارتنا كنا نمر بسرعة حتى لا نجتذب الانتباه ولكن عندما كنت أذهب إلى السوق ويتوقف السائق لكي أدخل إلى الحوانيت كان الناس يتجمهرون حول السيارة ويعلقون بصوت مرتفع على السيارة وعليّ أنا،وكانت هذه التجمعات تضم بينها أطفالا كثيرين يحملقون في الأجنبي فاغرين أفواههم،وكانت وجوه الأطفال الأصغر سنا دائما مسودة من الذباب الذي يغطيها والذي يحتشد بشكل أكثر كثافة حول عيونهم وقد كان الأطفال معتادين على ذلك إلى حد أنهم لم يحاولوا أبدا أن يرفعوا أيديهم ليبعدوا الذباب. (وكان الذباب من أحد الأسباب الرئيسية لمرض العيون في ذلك الوقت). وكان هناك منظر آخر في منطقة الحوانيت في تلك الأيام وهو مشهد العديد من المجانين من الرجال والنساء يحملون القيود ويتجولون سائلين الطعام والصدقة.وعندما كنا نمر أنا وهارولد في شوارع المدينة ممتطين خيولنا كان الأطفال يتوقفون عن اللعب ويغنون أغنية شعبية شائعة في ذلك الوقت وهي :عنكرزي بو تيله عساه يموت الليله. { في الهامش : "كان الأطفال في الكويت في الأربعينات وما قبلها عندما يشاهدون رجلا أجنبيا يرتدي البدلة ويضع على رأسه القبعة يصيحون به قائلين : (عنكريزي بو تيله عساه يموت الليله) وكان الأجانب في ذلك الوقت من الإنكليز بالدرجة الأولى. فلهذا كانوا يطلقون على كل أجنبي اسم عنكريزي – إنكليزي" .. (سيف الشملان)} ولكن على الرغم من أن أشياء كهذه أظهرت بين الناس العاديين شكا وعدم ثقة في الأجنبي كنا في كل الأوقات نقابل بطيبة لا تنضب من قبل العائلة الحاكمة والمواطنين البارزين والتجار. وخلال الفترة التي قضيناها في بيكانير بالهند كنت أستمتع بالحياة الاجتماعية النشطة كمقابلة الشخصيات المهمة،والحفلات الرياضية،ومسابقات الرماية،مما جعلني آسفة لرحيلي إلى بوشهر. وقد وجدنا في بوشهر أيضا الكثير من الأوربيين الذين استمتعنا بصحبتهم. ولكن عندما أتينا إلى الكويت كان من الواضح أن حياتنا فيها ستكون شبيهة إلى حد كبير بحياتنا في الحلة بالعراق. لقد كان هناك أحد عشر أوربيا فقط في الكويت (..) سرعان ما اتخذ هارولد لنفسه أصدقاء من العرب،شعر معهم بالألفة إلى حد أنه لم يشعر أبدا بحاجة إلى دائرة أوسع من الأصدقاء الأوربيين.(..) لم تكن هناك طرق معبدة في بلدة الكويت بل مجرد الطرق الرملية الطبيعية فقط،وكانت حركة المرور في الشوارع تتكون في معظمها من الناس والحيوانات،وقد أدخلت السيارات القليلة الأولى إلى الكويت منذ وقت قريب. وكانت معظمها سيارات من طراز فورد موديل 1928 التي اشتهرت بكونها سيارة تصمد للظروف المناخية الصعبة. وكان لدينا نحن سيارة موريس كويلي،أحضرناها معنا من بوشهر وكان هارولد يقوم بصيانتها بنفسه وبمساعدة سائق هندي إنجليزي. {في الهامش : "أحضرت السيارات إلى الكويت منذ عام 1911م للشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت آنذاك. وبعد ذلك اقتنى السيارات عدد من الشيوخ والتجار. فأول تاجر اقتنى سيارة خارج الكويت سنة 1919م في البصرة هو حمد بن عبد الله الصفر من الشخصيات البارزة وأكبر تاجر في الكويت. وأول تاجر اقتنى سيارة في الكويت سنة 1923 هو شملان بن علي آل سيف من الشخصيات البارزة ومن أكبر تجار اللؤلؤ في الكويت". .. (سيف الشملان)} ..){ص 136 - 139}.وهذه إطلالة على مشتريات"أم سعود" .. (كان البائعون في هذه الحوانيت يجلسون على الأرض،وكانوا أميين في الغالب وكان يبدو أنه ليس لديهم حسابات مكتوبة ولكن كان لديهم ذاكرة حادة لكل صفقاتهم التجارية. وقد كنت معتادة على الشراء من حانوت على الحساب،وكنت أشعر بالقلق أحيانا عندما أنسى المبلغ الذي أدين له به ولكني لو مررت بالحانوت وتوقفت قائلة"رشيد"بكم أنا مدينة لك؟ (فإنه كان سيرد في الحال ويخبرني من ذاكرته المبلغ المستحق بالضبط حتى آخر آنة { في الهامش : "آنة جزء من الروبية. وتتكون الروبية من ست عشرة آنة والآنة تتكون من أربع بيزات" .. (سيف الشملان)} إنها الحقيقة أن الأميين لهم ذاكرة مدربة على الاحتفاظ بالحقائق بطريقة معنية تفشل حالما يتعلم الإنسان كتابة الأشياء.كان السوق في تلك الأيام على الرغم من احتوائه الكثير من السلع العربية الرائعة،لم يكن به أي بضاعة غربية تقريبا للبيع،فيما عدا الأقمشة. وحالما بدأت أعرف ما يتوافر في السوق وما لا يتوافر اعتدت على أن أطلب تموين السنة بأكملها من البضائع من (هارودز) عندما كنت في لندن في الصيف وكانت معظم البضائع التي اطلبها عبارة عن معلبات البقالة،ولكن كان هناك الكثير من المستلزمات الأخرى التي يجب أن تطلب من لندن. وكانت هذه الأشياء تشحن إلى الهند أولا ومن ثم تأتي عبر الخليج العربي على سفينة البريد البطيئة. (..) بعد كل السنين التي قضاها هارولد في الخارج جرب قواعد المحافظة على الصحة والسعادة في الظروف المناخية الاستوائية الصعبة،وكانت إحدى هذه القواعد هي إصراره على النوم بعد الظهر في الجو الحار،وكان هذا هو الشيء الوحيد الذي يعقل فعله حيث يساعدنا على قطع أكثر ساعات النهار حرارة ثم نصحوا منتعشين لنخرج فيما بعد طلبا للترويح.(..) وكنا نحاول الحفاظ على العادات الإنجليزية التقليدية للأطفال بأن نستعمل غصنا من شجرة الطرفاء وهي الوحيدة التي تنمو في الكويت ونزينها ونعلق عليها الهدايا. وكان الضابط الطبيب بالمعتمدية الدكتور جرينوي الذي كان أبا لطفلين صغيرين،كان يلعب دور (بابا نويل) في حفلة أطفالنا.){ص 139 - 142}.وبدأت المؤلفة تتعرف على الصحراء .. (كان هارولد قد ألف صحراء شبه الجزيرة العربية والبدو الرحل منذ زيارته الأولى إلى الهفوف في يناير سنة 1920 قبل زواجنا،وقد قابل هناك ابن سعود وكثيرا من زعماء القبائل العظماء في شبه جزيرة العرب.وتشكل لديه إعجاب عميق أبدي بعرب الصحراء الذين راقت له أفكارهم عن الفروسية والشرف كثيرا. وبالنسبة لي كانت عملية معرفتي بالصحراء وأهلها طويلة وبطيئة وقد مضى وقت قبل أن أشعر بالراحة في هذا المحيط.لقد أدركت بعد اليوم الأول الطويل حسب ظني،الذي قضيناه في جولة الصحراء كضيوف على الشيخ نفسه،أن الصحراء ليست كما كنت أتخيلها سهلا رمليا منبسطا ولكنها حديقة حيوان طبيعية مفتوحة بديعة تضم طرائد وغزلانا،وتغطيها الزهور بعد سقوط المطر كما قيل لي. وتنتشر فيها برك الأمطار في المنخفضات. وبمرور السنين ازدادت معرفتنا بالصحراء وتوطدت صداقتنا مع البدو. ومنذ أيامنا الأولى في الكويت كانت تجول بخاطر هارولد فكرة نشر كتاب في يوم من الأيام يسجل فيه كل أوجه الحياة البدوية،وكانت أسعد أوقاته عندما يكون بين البدو يسألهم عن تاريخهم وأسلوب حياتهم،وعن كل شيء في خيامهم وعن قطعان أغنامهم وإبلهم. (..) وعندما دعينا في عام 1930 لزيارة عائلة معينة،وهي عائلة المزين،في الصحراء لضرب خيامنا بجانب خيامهم السوداء. كانت تلك فرصة رائعة لمعرفتهم أكثر. (..) كان قضاء الليل خارجا في الصحراء تجربة جديدة،وقد أحسسنا بالخطر في البداية عندما استيقظنا على نباح كلاب المخيم المسعورة. وقد تساءلنا ماذا في الأمر. ربما جاء غريب إلى المضارب؟ وربما كانت هناك ذئاب،وفي الصباح التالي قيل لنا أن تلك الكلاب نبحت على الذئاب وكانت ثلاثة منها قد اختطفت أحد الخراف. (..) وقد مكننا بقاؤنا مع العرب ليلا ونهارا من معرفة النشاطات اليومية للعائلة البدوية،وكنا نراقبهم من الفجر حتى غروب الشمس وهم يؤدون أعمالهم،وكنا نمشي مع نساء المخيم عندما يخرجن لجمع الحطب للنار أو ليملأن قربهن من البئر. وكنا نجلس مع الرجال ونشاهد التقاليد اللازمة لإعداد القهوة. ونرى كيف تخرج الجمال والأغنام إلى المرعى كل يوم. وتعود إلى الخيام في المساء. وقد تمكنت من مساعدة هارولد في تقصيه للحقائق بالذهاب إلى مضارب النساء المنعزلة ومشاهدتهن وهن يطبخن. ومعرفة تفاصيل الحياة الخاصة للمرأة البدوية.وكنا أنا وهارولد نستمتع بالرسم وقد قضينا الكثير من الوقت في رسم الأدوات المنزلية التي تؤثث بها الخيمة،كما رسم هارولد اسكيتشا بالألوان المائية لمنظر المخيم والصحراء المحيطة به. (..) وكان هارولد بتفهمه الغريزي لشعور العرب يحرص على عدم التهكم على أي من عاداتهم وكان دائما يصر على أن أطلق شعري لأن الشعر القصير بالنسبة للنساء كان مستهجنا عند العرب،وقد كنا نرتدي ملابس إنجليزية عندما عسكرنا مع المزين،ولكني كنت دائما أرتدي أردية ذات أكمام طويلة ورقبة عالية تغطي الصدر جيدا. وعندما كان هارولد يجلس مع الرجال حول النار في المساء كان يسألهم عن أحوالهم. وعندما يتعبون من الحديث كان هو يسليهم بحكاياته وكانت موهبته كمحدث بارع تحببه للبدو الذين لا يحبون شيئا قدر حبهم لسماع قصة جديدة عن مغامرة وكان معين هارولد لا ينضب.){ص 143 - 146}. هنا وقفة تبين الفارق بيننا وبينهم .. بين عقيلة بعضنا التي تسخر من العلم التجريبي،بعبارة مثل (خد علمه وحطه في قارورة)!! وبين عقلية تسعى للبحث عن كل جديد،وضعه في إطار علمي .. تقول "أم سعود" نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي وكانت عمشة أيضا تخرج معنا وكان من حسن حظي أنني وجدت فيها امرأة بدوية ذات معرفة بالنباتات البرية. لقد كنت دائما مهتمة بالزهور البرية وقد أخبرتني عمشة بأسمائها العربية وشرحت لي الاستعمالات الكثيرة لأنواع مختلفة من النباتات عند البدو. وكبداية كنت أتعلم هذه المعلومات لأجل نفسي ولكن كانت هناك فكرة في خلفية عقلي وهي أن أجمع مجموعة من هذه النباتات البرية من أجل متحف كيو للنباتات لأن الكويت كانت إحدى المناطق التي ترسل إليه منها أي عينات .. وعندما كنت أقضي إجازتي في لند ذات صيف اتصلت بالسيد هوروود بمتحف كيو وقد زودني بمكبس وبطاقات معنوية {هكذا} لعيناتي وأخبرني الإجراءات الصحيحة {هكذا} لعمل مجموعة علمية.وفي الربيع التالي كان لزيارتي للصحراء غرض آخر،وقد جمعت في نظام عينات من كل النباتات التي كنت أجدها حول مضاربنا. وقد هناك واحدة بالذات وهي نبتة "حليبية"أرجوانية،ليست نادرة جدا،كانت عمشة تسميها"خزامة"وهي كلمة تعني بالعربية الحلق الذي يوضع في أنف المرأة. وقد سميت النبتة بهذا الاسم بسبب شكل غلاف بذرتها. وعندما بعثت بأولى عيناتي المجففة إلى متحف كيو في عام 1932م ظهر أن نبات الخزامة كان جديدا على العلم. وقد ابتهجت عندما أعطي هذا النبات الاسم العلمي هورووديا ديكوسنيا (على اسم العائلة واسم مدير المتحف ..).. ){ص 147 - 148}. أزعجونا بالاسم (العلمي) .. الاسم (العلمي) .. وهم يضعون أسماء عوائلهم .. أو اسم من اكتشف شيئا ما!! وهنا ... ربما لا نحتاج إلى لفت الأنظار إلى تكامل العملية بين (الباحث) – أو الباحثة في هذه الحالة – وبين المتحف .. الذي زودها بالطاقات .. ودربها على كيفية أخذ العينات،وكيفية عمل (مجموعة علمية) ... فاليد الواحدة .. ماذا؟!! وتكمل المؤلفة حديثها .. (ولكن لم تكن النباتات هي الشيء الوحيد الذي أثار اهتمامنا في الصحراء فعندما زار الدكتور يوفاروف عالم الحيوانات الشهير وخبير الجراد الكويت في عام 1932م اقترح أن يجمع له بعض عينات من حشرات الصحراء وخاصة الجنادب حيث كان هذا المجال أيضا لم تطرقه الأبحاث من قبل في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية. وعندما عاد إلى لندن أرسل إلينا شباك صيد،وزجاجات تحنيط وأدوات أخرى لتمكننا من معالجة عيناتنا بالطريقة السليمة.كان جمع الجنادب عملا يستطيع الأطفال المشاركة فيه بحرارة،فكنا نقضي الساعات بين شجرات (العرفج) نصطاد الجندب بالشباك،وقد كان الصبيان العرب الصغار يساعدوننا أيضا وعلى الرغم من أنهم ليس لديهم شباك إلا أنهم كانوا يصطادون الجندب بنفس كفاءتنا في اصطياده بالشباك وذلك بإلقاء كوفياتهم عليه.{براءة اختراع} (..) وبعد موتها نضعها في زجاجة (كربون السانيد) كانت هذه الجنادب تجف ويصبح بمقدورنا إرسالها إلى لندن مغلفة بالورق ومعبأة في علب صفيح خاصة. وقد اكتشف أن عينة من عينات الجنادب التي كنا نرسلها كانت جديدة على العلم أيضا. وهي الجنادب الكبيرة الشائعة جدا والتي كنا نجدها حول مخيمنا. وقد سماها الدكتور يوفاروف باسم UTIBIUS ZAHRAHمشتقا اسمها العلمي من اسم قبيلة عتيبة التي يقال أنها قد استقرت في الكويت منذ القدم،أما الاسم الخاص فقد اشتقه من اسم ابنتي زهرة التي كانت أكثر الصبية نشاطا في جمع الجنادب،وقد عثرنا أيضا على خنفسة صحراوية سميت على اسم عائلتنا. ){ص 148 - 149}. من هنا من الصفحة (149) سوف نقفز قفزة كبيرة ... لنبين جزء من الصورة ... أو تكريم من (يعملون) .. (في شهر مارس 1965 كان لدي سبب هام بشكل خاص يدعوني للذهاب إلى لندن. وقد طرت إلى هناك يوم السادس عشر وحضرت يوم الثالث والعشرين حفلة تقليد في قصر بكنجهام حيث قلدتني الملكة شارة الوسام العسكري للإمبراطورية البريطانية. وقد رافقتني إلى القصر ابنتي زهرة وحفيدتي بنيلوب التي كانت في الثامنة من عمرها.){ص 366}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  6. #6

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"6"
    في مستهل هذه الحلقة نترك المؤلفة تحدثنا عن قصة (نصار) أو بعض قصته ... فخاتمتها – سيئة والعياذ بالله- وفي القصة نرى الجهد المبذول من قبل (زرق العيون) في مجال الطب،وهو لابد أن يترك أثره الطيب على الناس .. ولن يطول بهم المقام حتى (يحبوا) ألئك المحسنين .. (كان نصار قد أصيب بجرح في ساقه إبان تمرد الإخوان ولم تشف ساقه ولا أعيدت العظمة المكسورة إلى وضعها الطبيعي. وقد قرر في النهاية أن يموت إذا لم يساعده أصدقاؤه وأقرباؤه في الوصول إلى مدينة الكويت لدخول مستشفى الإرسالية الأمريكية. وبعد رحلة خمسة أيام على ظهور الإبل نقل نصار إلى المستشفى في الكويت وقد كان ذلك في شهر أغسطس والدكتور ملري في إجازة خارج البلاد وكان المستشفى تحت إدارة طبيبة جميلة صغيرة السن وصلت حديثا وكان اسمها الدكتورة (تيفاني). وكان معها شابة أمريكية جميلة أخرى لمساعدتها وهي الآنسة تل. وفي العادة كان الوافدون الجدد من أعضاء الإرسالية لا يمارسون عملهم قبل إجادة اللغة العربية. ولكون هاتين الوافدتين الحديثتين بالذات قد جاءتا من البحرين حيث كانتا تدرسان اللغة وقد جاءتا لتحلا محل الطبيب أثناء إجازته الاعتيادية فقد مارستا عملهما فورا على الرغم من عدم إجادتهما التحدث باللغة العربية.وعندما صل نصار عالجتاه بكفاءة ومنحتاه سريرا في المستشفى وفحصتا ساقه،وقد كانت (الغرغرينا) قد استفحلت في الساق المكسورة وكانت رائحة الجرح النتنة مريعة،وكان من الواضح ضرورة إجراء عملية جراحية على الفور. ولكن الدكتورة تيفاني كانت في حاجة للمساعدة في شرح ما سيحدث لنصار. كما كانت في حاجة إلى شخص يحقن نصار بالمخدر ولذلك أرسلت إلى هارولد طالبة منه الحضور إلى المستشفى. وبعد مناقشة المشكلة مع الدكتورة تيفاني،أوضح هارولد لنصار أن ساقه يجب أن تبتر لإنقاذ حياته. وقد كان ولدا شجاعا واجه هذه الفكرة بهدوء. وقد ثار سؤال عمن يستطيع حقن المريض بالمخدر.قالت الدكتورة تيفاني أستطيع أنا والآنسة تل أن نبتر ساقه يا كولونيل ديكسون بعد أن تحقنه بالمخدر. وبالطبع كان ذلك شيء مفروغ منه لأن هارولد لم يقم بمثل هذا العمل من قبل أبدا. وقد كان البديل الوحيد هو حقنه بمخدر في النخاع الشوكي وهذا ما فعلته الدكتورة تيفاني قائلة لهارولد إن وظيفتك الآن هي وضع صحيفة أمام وجه المريض للحيلولة دون أن يرى ما نفعله أثناء العملية. بدأت {هكذا} العملية وكأنها قد استغرقت وقتا لا متناهيا وكان نصار متيقظا طيلة ذلك الوقت ولا يكف عن السؤال كم ستطول .. وكانت الرائحة والمنظر هي أشد ما قاسى منه هارولد والشابتان الأمريكيتان طيلة تلك العملية. وأخيرا انتهى كل شيء وترك الصبي يغط في النوم تحت تأثير المسكن. وقد أخبرني هارولد فيما بعد كم تأثر بكفاءة وإخلاص الفتاتين لعملهما أثناء إجرائهما هذه العملية الشاقة في حرارة أغسطس المريعة. وببطء عبر الأيام الحارة الطويلة،لم تكن هناك مكيفات هواء بعد .. استعاد نصار قواه وأصبح قادرا على الجلوس ثم بدأ (ينط) هنا وهناك (..) وقد كنا هارولد وأنا نمر لعيادته كثيرا على قدر ما تسمح الظروف. وفي هذه المرحلة فقط استطعنا التحدث إليه ومعرفة اسمه واسم قبيلته.(..) وقد أعطاه المستشفى ساقا صناعية وعلى الرغم من أنه بذل مجهودا كبيرا لاستعمالها إلا أنه لم ينجح في ذلك وعاد لاستعمال عكازيه.){ص 150 - 152}. كانت هناك طبيبة أمريكية أخرى،اسمها (بارني) بذلت جهدا جبارا،إبان انتشار مرض الجدري،وتحوله إلى وباء سنة 1932 (وبصفته معتمدا سياسيا قدم هارولد بارني إلى حكومة الهند لمنحها مكافأة كتقدير على عملها العظيم إبان انتشار الوباء. ولكنها لم تكافأ لكونها من الرعايا الأمريكيين.){ص 155}. بعد وصول السيارات إلى الكويت،هاهي الطائرة تصل إليها،سنة 1932م .. كما يبدأ تسابق (زرق العيون) على (قصعة)البترول المنتظر ... ( كان أحد أول الأشياء التي حدثت بعد عودتنا إلى الكويت هو وصول أول طائرة على خط الطيران الذي افتتح حديثا في الهند وكانت هذه الخدمة قد أصبحت ممكنة بعد الاتفاقية الجوية التي وقعها شيخ الشارقة في شهر يوليو السابق .. وقد شعر هارولد برضاء شخصي لمساعدته في التفاوض بشأن تلك الاتفاقية وكان الكل في الكويت فرحين لوضع الكويت على جدول رحلات الخطوط الجوية الإمبراطورية .. وفي ذلك اليوم من شهر أكتوبر الذي كانت ستهبط فيه أول طائرة وتتزود بالوقود أعد استقبال عظيم على أرض المطار شارك فيه الشيخ والشعب ولمدة ساعة أو أكثر قبل أن يحين موعد هبوط الطائرة،كانت الجماهير المنتظرة تحدق بأعينها محملقة في السماء لتكون أول عيون ترى الطائرة القادمة وقد كان مطارنا في ذلك الوقت مجرد قطعة من صحراء طبيعية خارج أسوار المدينة القديمة مباشرة خالية من أية مرافق فيما عدا كومة من صفائح البترول المعدة لإعادة تزويد الطائرة بالوقود،بالإضافة إلى مؤشر لاتجاه الريح .. وعلى أي حال فإن الأرض الصلبة المغطاة بالحصى كانت ملائمة جدا لطائرات تلك الأيام سواء في الهبوط أو الإقلاع وقد أتمت الطائرة الأولى توقفها المتوقع دون أية صعوبات مما أمتع وأبهج جمهور المشاهدين.وعندما كنت في الخارج في صيف عام 1932م كان يمكن ملاحظة الدلائل الأولى في الكويت لاهتمام العالم الخارجي باحتمال وجود الزيت في هذا البلد .. وفي شهر يوليو أرسلت شركة الزيت الإنجليزية الإيرانية إلى الكويت رجلا إنجليزيا متكيفا جيدا مع الاختلاط بالعرب وكان اسمه ولياموسن وكان يعرف بالحاج عبد الله وليامسون حيث أنه اعتنق الديانة الإسلامية وحج إلى مكة .. كانت مهمة هذا الرجل مقابلة الكويتيين ذوي النفوذ والتحدث إليهم،للدعاية لشركة الزيت الإنكليزية الإيرانية ومحاولة إعداد الكويتيين للتجاوب مع فكرة امتياز النفط .. وبعد ذلك بوقت قصير وصل الممثل الرسمي لشركة الزيت الإنكليزية الإيرانية مستر أي . إتش . تي. شيشولم .. من مكتب لندن لفتح باب المفاوضات مع شيخ الكويت على امتياز بترولي،وقد تبع وصوله مباشرة تقريبا وصول الميجور فرانك هولمز ممثلا للنقابة الشرقية العامة التي كانت تنشد الحصول على امتياز بترولي أيضا .. (..) كانت فترة مفاوضات الزيت بين الشركات المتنافسة والشيخ أحمد وقت اشتغال هارولد كمعتمد سياسي وحيث أن الشيخ أحمد قد ازدادت ثقته فيه كصديق فقد كان غالبا ما يطلب حضوره أثناء محادثاته مع شيوشلم أو هولمز وكانت المناقشات تبدو لا متناهية وكل شركة تزايد على منافستها وقد استمر ذلك خلال عامي 1933 و 1934م وفي النهاية دمجت الشركات المتنافسة قوتها ووقع الامتياز أخيرا في ديسمبر 1934 وظهرت شركة نفط الكويت.){ص 169 - 172}. اضطرت المؤلفة إلى الذهاب إلى إنجلترا من أجل إدخال ابنها إلى المدرسة،وقضت معه عاما هناك .. (قضيت عيد ميلاد عام 1933م مع طفليّ في إنجلترا مقيمة مع عمي وولتر لندلي (..) وقد كانت تلك أول مرة أقضي فيها عيد الميلاد بإنجلترا منذ زواجي ومنذ ذلك الوقت قضيت عيد الميلاد مرة واحد فقط خارج الكويت وكان ذلك عندما زرت والدي في بربرة بعد ستة وعشرين عاما.لقد اشتقت للعودة إلى الكويت واللقاء بهارولد ولكني كرهت فكرة ترك ابني .. وعلى أي حال حالما عاد إلى المدرسة في يناير 1934 انطلقت إلى الكويت مصطحبة زهرة معي،فقد سافرنا بقطار الشرق السريع ومن ثم بالسيارة عبر حدود العراق الشمالية إلى كركوك .. ومن هناك بالقطار إلى بغداد والبصرة،وقد سرّنا أن نجد هارولد في استقبالنا في البصرة،وقد جعلتني السنة التي قضيتها في لندن أدرك أنني بعد ثلاثة عشر عاما من الحياة في الخارج لم أعد أشعر حقيقة بأنني في وطني عندما أكون في إنجلترا لقد كان قلبي في الكويت وبمرور السنين كنت اشعر بذلك الإحساس يزداد قوة في كل مرة أبتعد فيها عن الكويت.){ ص 175}.هذا مقطع تتحدث فيه "أم سعود"عن زيارة الملك عبد العزيز لمنزلهم .. (وخلال إقامتنا في المعتمدية الجديدة قام الملك عبد العزيز بن سعود بزيارة للكويت بدعوة من الشيخ أحمد وفي ذلك الوقت كان ابن سعود في عنفوان قوته وسطوته كزعيم قبلي عظيم أشاع السلام والوحدة في أرجاء المملكة العربية السعودية. وقد حل ابن سعود في قصر دسمان ونصبت خيام كثيرة بالقرب من القصر لإيواء حاشيته الذين بلغ عددهم ثمانين أو أكثر .. وقد تقرر أن يقوم الملك بزيارة هارولد كمعتمد سياسي ذات يوم قبل غروب الشمس بساعة لتناول المرطبات والقهوة وقبل تلك الزيارة بيوم واحد جاء الملا صالح سكرتير الشيخ أحمد لمقابلتنا وطلب أن نطلعه على الغرفة العلوية التي سيستقبل هارولد فيها الملك،وعندما أخذناه إلى غرفة الاستقبال طلب في الحال أن تنزل كل الصور عن الجدران وتبعد أية صورة فوتوغرافية وأذكر أنني امتعضت لهذه الفكرة لأن ذلك سيجعل الغرفة تبدو جرداء وجدران خالية إلا من بعض المسامير المتناثرة هنا وهناك ولكن الملا صالح أكد لنا أن هذا لن يلاحظ. ولتقديم القهوة للملك ومرافقيه استأجرنا صاحب أحد المقاهي في السوق كان يعرف الملك شخصيا في شبابه.كان استقبال الملك مقصورا على الرجال فقط وعلى الرغم من أنني كنت أتوق لأن أكون هناك إلا أنني اضطررت للبقاء خلف الكواليس .. ولكني رغبت في أن تقابل ابنتي زهرة الملك ولهذا انتظرتْ على أعلى السلم وهي ترتدي ثوبا أعد خصيصا لهذه المناسبة،وعندما وصل الملك إلى أعلى السلم،وتقدمت زهرة لتحيته اندفع ساقي القهوة البدين الذي لم يستطع أن يسيطر على انفعاله ليقبل يد الملك وفي اندفاعه المنفعل اصطدم بزهرة وأوقعها تقريبا فولت والدموع في عينيها.){ص 183 - 184}. إزالة الصور عن الجدران من أجل الملك عبد العزيز ذكرتني بكتاب الأستاذ محمد جلال كشك (السعوديون والحل الإسلامي)،فقد تحدث عن الفرق بين الملك (عبد العزيز) و الملك (فيصل) – ملك العراق – فحين علم أحد المعتمدين السياسيين أن الملك عبد العزيز سيزوره في غرفته – كان المعتمد في زيارة للرياض – أخذ يتأكد من عدم وجود رائحة السجائر في غرفته .. بينما كانت الآنسة جيرترود بيل،تمد قديمها في مجلس الملك فيصل،وتشعل سيجارتها!! ولولا أن كتاب الأستاذ (كشك) ليس بين يديّ لنقلت لكم نص كلامه ... فيا من استعرت الكتاب رده فـ(ما بعد السنة إلا الأكل) .. كما نقول .. وقد دفعت ثمنا في الكتاب،عبارة عن مجلدين كبيرين (شاعر وقصيدة) – لوزير الدفاع السوري مصطفى طلاس – وديوان (جرير)!!!!!!! ويحال زوج المؤلفة إلى التقاعد .. (كان ضباط الخدمة السياسية الهندية يتقاعدون إجباريا في سن الخامس والخمسين وقد بلغ هارولد هذا العمر في 4 فبراير 1936 وبهذا وصل نهاية حياته العملية في الخدمة السياسية.وبفضل صداقته الحميمة للشيخ أحمد تمكنّا من البقاء في الكويت،وحيث كان التنقيب عن البترول يأخذ مجراه توقع الشيخ أحمد تغيرات كبيرة في الكويت وكان قلقا من تأثير التطور التجاري على أسلوب الحياة العربية التقليدية .. وقد قال لهارولد إنه يريد التأكد من أن لديه صديقا إنجليزيا واحدا يستطيع أن يثق به ويكون مثابة همزة وصل بينه وبين شركة النفط وقد طلب من شركة النفط أن توظف هارولد في مركز ضابط اتصال أو وسيط (..) وقال الشيخ إن جزءا من عمل هارولد بالشركة سيكون شرح العادات العربية لموظفي الشركة لتجنب الخلاف،كما أراد الشيخ أيضا التأكد من أنه – أي الشيخ – سيحاط علما بكل المشاريع الجديدة والقرارات التي تتخذها الشركة.(..) وكنا غالبا ما نركب السيارة إلى موقع الحفر عندما كان لدى هارولد بعض المشاكل المناط به حلها مع البدو العاملين هناك .. ولم تكن الشركة راضية أن يؤدي المسلمون صلاة الظهر والعصر خلال ساعات العمل وعندها كان العمل على الآلات يتوقف لهذا السبب .. كانت المتاعب تثور لأن الحفر كان يجب أن يستمر ليلا ونهارا .. وسرعان ما كان يجد الحل لمثل هذه الأمور الصغيرة ويقتنع العاملون بالصلاة على دفعات والتغيب لمدة دقائق قليلة.){ص 186 - 189}. نختم هذه الحلقة بلقطة "متعددة"الأبعاد ... فهناك بُعد يكمن في السماح لأزرق العينين بمصافحة زوجة الشيخ .. وهل كان خبر اكتشاف البترول ومصافحة المرأة إيذانا بمرحلة جديدة؟! وبُعد يتعلق بتكتم الشركة على اكتشاف النفط !!! وبُعد آخر يتعلق بلمحة تشي بتجنب المؤلفة الحديث عن بعض القضايا التي تمس بلدها .. والبًُعد الأخير .. تعليقات الأستاذ (سيف) حول زوجة الشيخ،وحول الرجل المصلوب .. تبدأ اللقطة باكتشاف النفط في الكويت .. (وبينما كان هارولد خارج المدينة في سيارته في ذلك اليوم التقى بالحاكم الذي كان أيضا يقود سيارته خارج المدينة وتوقف الاثنان لتبادل الحديث .. وعلى الرغم من التكتم الرسمي أخبره هارولد أن النفط قد اكتشف فعلا .. وعند سماع ذلك فرح الشيخ أحمد وصافح هارولد كما صافح هارولد الشيخة بيبي زوجة الشيخ التي كانت تجلس وحدها في مؤخرة السيارة وكانت هذه أول وآخر مرة يلتقي فيها هارولد بزوجة الحاكم { في الهامش: "هي المرحومة بيبي سالم المبارك الصباح والدة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد. توفيت سنة 1973م." ..(سيف الشملان)}.انتشر خبر احتمال اكتشاف البترول بسرعة وتلقى الشيخ برقية تهنئة من فرانك هولمز (..) قبل نهاية عام 1938 كانت هناك دلائل قلاقل سياسية في بعض أنحاء الكويت بلغت أوجها عندما استولت العناصر المنشقة على مستودع ذخيرة الحصن القائم في السوق الكبير بالكويت .. وقد استعاد أنصار الشيخ أحمد السيطرة على الموقف بسرعة وأحبطوا محاولة التمرد تلك {في الهامش : "تشير الكاتبة في قولها إلى أحداث المجلس التشريعي في الكويت في عامي 1938 و 1939م. ولم تتحدث عن المجلس التشريعي كما يجب لأنها معاصرة له وتعرف الكثير من أسراره،ربما أن مصلحتها كانت في عدم الحديث عنه لان المجلس التشريعي كان ضد بريطانيا ومستودع الذخيرة الذي استولى عليه أعضاء المجلس التشريعي هو قصر نايف وهو بعيد جدا عن السوق." .. ( سيف الشملان)} وكانت تلك الفترة وقت اضطرابات سياسية في أوربا أيضا .. وفي غضون عدم الاستقرار العام هذا نشطت في شهر فبراير عام 1939 أحزاب معينة تعارض نفوذ بريطانيا في الكويت .. وقد أحطنا علما بما كان يحدث مع أن كل شيء كان هادئا في الظاهر وقد علمنا فقط بأن انقلابا قد خطط له وأحبط عندما كنا عائدين إلى الكويت من رحلة صحراوية،وجدنا المدينة كلها تعج بتجمعات هائلة وقد اتجهنا بالسيارة إلى الصفاة مكان السوق المفتوح الكبير،وتركني هارولد في السيارة ودخل مبنى المجلس ليستطلع الأمر .. وبينما كنت جالسة في السيارة اقترب المتجمهرون حولي قائلين هل رأيت الرجل الجريح؟ وهذا على الأقل ما أعتقد أنهم قالوه،ولكني أخطأت سماع كلمة (مصلوب) واعتقدت أنهم قالوا(مجروح) وقد سألت : أين كان؟ فأفسحوا لي طريقا بين المتجمهرين وقد أصبت بالهلع عندما رأيت رجلا معلقا على صليب من الخشب مثبتا بعمود في الأرض .. وكان رأسه يتدلى على صدره وقد أصبح جلبابه الأبيض شديد الاحمرار وقد شعرت بالغثيان وعدت مسرعة إلى السيارة وقد فهمت أنه كان واحدا من المتمردين {في الهامش : "الرجل المصلوب هو أحمد المنيس".. (سيف الشملان)} ..){ص 194 -196}. ليس عجيبا ما يحدث في الكويت الآن – من تجاذبات سياسية - .. إذا كان لديهم سنة 38 – 1939م (أحزاب).. (تعارض) النفوذ البريطاني .. والأغرب (مجلس تشريعي) يحاول القيام بانقلاب!!!!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com Reply Forward

  7. #7

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"7"
    نفتتح هذه الحلقة بتحول"أم سعود"إلى (خاطبة)!! .. ( خلال عشر السنوات {هكذا} التي قضيناها في الكويت تعمقت الصداقة بين هارولد والشيخ أحمد وأصبحت علاقة حب صادق وتعاطف متبادل (..) وغالبا ما كنا نستمتع بتناول عشاء هادئ مع الحاكم في قصره بدسمان وكان هو بدوره غالبا ما يأتي لتناول الطعام في منزلنا وفي إحدى تلك المناسبات جرت محادثة بين سموه وبيني ربما تظهر كم كان يبدو مرتاحا وبعيدا عن الرسميات معنا فقد سألني بهدوء عما إذا كنت أعرف أية فتاة بدوية جميلة من قبيلة شريفة حيث أنه كان راغبا في الاقتران بزوجة بدوية جديدة .. وبدون تفكير أجبت بأنني أعرف فتاة جميلة جدا .. ولكنها موعودة سلفا لابن عمها فسأل في الحال عن اسم والديها،ولكني رفضت أن أخبره وبعد يوم أو اثنين فوجئت بحضور واحد من أقرب أصدقاء الحاكم الحميمين إلى بيتنا وطلب مقابلتي .. وقد كنت أعرف هذا الشخص جيدا حيث كان غالبا ما يخرج معنا في رحلات القنص بالصقور في الصحراء وقد أخبرني أنه موفد من قبل صاحب السمو ليعرف على وجه الدقة من هي الفتاة التي ذكرتها وأين تقع مضارب ذويها .. وقد تضايقت جدا ولكن لم يكن هناك مفر من إخباره بكل ما أعرفه وبعد فترة قصيرة من الزمن جاء ابن عم الفتاة لمقابلتي وأخبرني أن الحاكم قد بعث في طلبه وأنه وافق على التخلي عن حقه في الزواج من الفتاة وأن كل التدابير قد اتخذت لزف الفتاة إلى الشيخ أحمد في هدوء .. وقد أحزنني هذا النبأ وشعرت أنني قد فقدت إحدى صديقاتي البدويات وعلى أية حال فقد ظللت أراها من وقت لآخر وأقول إنها كانت غاية في السعادة وكان هو كذلك أيضا ..){ص 200 - 201}. وإلى زيارة ولي العهد السعودي .. ( وعندما قام صاحب السمو الملكي الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية بزيارة رسمية للكويت في 19 مارس 1940 لم يكن هناك أي علامات تقشف {تشير إلى الحالة العامة،بسبب الحرب العالمية،وبوادر حدوث مجاعة} في الترتيبات الموسعة للحفاوة به .. ويذكر الكويتيون تلك الزيارة كزيارة كانت فيها زينة الشوارع والمآدب والضيافة السخية على نطاق فاق كل ما نظم للزيارة السابقة للملك عبد العزيز بن سعود نفسه .. وفي الليلة السابقة لمغادرة الأمير يوم الأول من إبريل أقام المعتمد السياسي البريطاني مأدبة على شرفه تمكن هارولد من حضورها. كان الزعماء الكويتيون في هذا الوقت مؤيدين للإنجليز في موقفهم تجاه الحرب وكان حرص الكويت والمملكة العربية السعودية على العلاقات الطيبة بينهما واشتراكهما في تأييد الإنجليز عاملا هاما في الحفاظ على الاستقرار السياسي في شبه الجزيرة العربية.(..) وبسبب المجاعة عسكر عدد كبير من البدو على آبار الجهراء والصبيحية وصبيح .. إلخ. وكانت أعداد من الخراف تنفق كل يوم ويباع غيرها بست أو سبع آنات .. ولم يكن أصحاب هذه الأغنام يستطيعون شراء الشعير لإطعامها وكانوا يواجهون الانهيار بالفعل،فقد حظرت حكومة العراق في ذلك الوقت تصدير الشعير وفي نهاية سبتمبر قدر الأمير (هيف) عدد خيام البدو في الجهراء بأكثر من ألف خيمة. وفي شهر أكتوبر زاد عدد البدو بنزوح مجموعة جديدة من نجد بسبب المجاعة وكان بين ألئك العديد من البدو وعائلاتهم الموجودين بالمناطق القريبة من مكة وكانت حالتهم يرثى لها والكثيرون منهم كانوا يرتدون الجلود بدلا من الملابس التقليدية المعروفة. {هذه الحالة تكررت في أكثر من مكان .. بسبب الحرب وتوقف وصول الأقمشة}بدا شهر رمضان المبارك في الثالث من أكتوبر وقرب نهاية الشهر سقط مطر غزير في دولة الكويت وفي العربية السعودية وبدأ البدو وإبلهم يقوضون مضاربهم في الجهراء .. ويحركون أغنامهم التي ظلت على قيد الحياة في بطء وعناء إلى المناطق التي سقط عليها المطر وفي شهر نوفمبر سقط مطر أكثر غزارة على جميع أنحاء البلاد فعم الفرح البدو.){ص 204 - 205}. هنا نأخذ لقطة .. أو لقطتين .. حيث أشارت المؤلفة إلى ثورة رشيد عالي الكيلاني،في العراق،سنة 1941م .. ثم تحدثت عن عاصفة رملية هبت على الكويت،فسقطت طائرة إنجليزية .. قيل أن على متنها (وثائق) ..(في البداية لم نكن نعلم أية وثائق مهمة تحملها الطائرة وكان نفاد الوقود منها يثير الشك فعلا .. وفي وقت لاحق فقط علمنا أن الطائرة كانت تحمل جواهر تاج العراق وآلافا كثيرة من الدنانير. وحتى الآن لم يكتشف أي أثر لهذه الطائرة.لقد كانت صدمة لكل شخص في الشرق الأوسط عندما مرات عدة طائرات إيطالية فوق الكويت في ليلة 20 أكتوبر 1940 وألقت قنابلها على منشآت أرامكو في مدينة الظهران .. وبعض القنابل على البحرين وقد كانت الخسائر طفيفة جدا في الواقع ولكن نتيجة لذلك أجلت شركة النفط في الظهران كل زوجات الأمريكيين وأطفالهم وأعادتهم إلى الولايات المتحدة وقد سبب هذا قدرا من الاهتمام في الكويت حيث شوهدت الطائرات تمر فوقها تلك الليلة .. وفي شهر إبريل عام 1941 قررت شركة نفط الكويت إجلاء زوجات وأطفال الموظفين البريطانيين والأمريكيين ..){ ص 208}.وهذه مسألة (عجيبة) ولم يعلق عليها الأستاذ (سيف) بأي شيء!!! (وخلال شهر مارس أصيب الشيخ على الخليفة الصباح بالمرض ونقل إلى مستشفى الإرسالية،وذات ليلة غادر المستشفى سرا وعاد إلى بيته في أنجفة مفضلا الموت بين أصدقائه،ولكن كان قد تقرر أن هناك أملا في شفائه إذا عاد إلى (حمانا) فعاد إلى لبنان يوم 6 مارس ثم في يوم العشرين من إبريل 1942 استقبلت الكويت خبر وفاته المحزن .. وفي اليوم التالي زرت الشيخة مريم الجابر لتقديم التعازي وقد فوجئت بوجود سارة أرملة الشيخ علي معها وهي في حالة كرب وغم شديد .. وقد اتضح أنه حالما وصل خبر موت زوجها إلى الكويت جاء إلى بيتها مجموعة من الرجال قالوا إنهم يعملون بموجب أوامر شخص شديد الأهمية وطلبوا أن تسلمهم كل ما تملك من نقود وجواهر وملابس وأوانيها الفخارية وحتى آلة الخياطة الخاصة بها .. وقد أخذوا كل هذه الأشياء معهم وذهبوا. وفي كرب شديد فرت المرأة إلى منزل الشيخة مريم (أخت الحاكم) الذي حالما سمع بالخبر أصدر أوامره بتوفير الملجأ للمرأة وقد كانت أرملة الشيخ علي من غير أسرة الصباح وهي العائلة الحاكمة .. وكانت كل الممتلكات تعتبر ملكا لهم ولهذا نقلت جميعها من منزلها وقد ظلت الشيخة مريم تعول سارة مدة طويلة إلى أن توفر لها منزل آخر .. وحتى بعد ذلك ظلت الشيخة مريم ترسل لها الطعام يوميا حتى وفاتها.){ص 218}.ومن هذه العجيبة .. إلى .. ما ذكرت"أم سعود"أن العادة عند العرب جرت عليه !! ولم أسمع بهذا من قبل .. وإن كان لدى الشناقطة – مع الوصول إلى حد المغالاة أحيانا - شيء من ذلك .. (كانت مناسبة سعيدة جدا عندما تزوج الشيخ صباح السالم الصباح في قصر دسمان يوم الرابع والعشرين من يناير 1943 من نورية ابنة الحاكم الشيخ (السير) أحمد الجابر الصباح .. وكانت العروس أختا غير شقيقة للشيخ جابر العلي السالم .. فقد كانت أمهما بدوية من قبيلة العجمان .. وقد اختفى الشيخ أحمد نفسه في الصحراء في رحلة صيد حيث جرت العادة عند العرب بألا يحضر والد العروس حفلة الزواج ){ص 221 - 222}. كما قالت أيضا نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفي اليوم السابق لعيد الميلاد لتلك السنة أعلن الحاكم أنه سيخرج في رحلة صيد وفي يوم عيد الميلاد تزوجت ابنته بدرية من الشيخ عبد الله الخليفة في هدوء .. وفي اليوم التالي أقيمت مأدبة كبيرة عامة لكل من يرغب في الحضور وقد ذبح عشرون خروفا .. وطهيت مع ستمائة رطل من الأرز وقد كان الفرح عظيما لرؤية كل هذا الطعام وقد انهمرت التهاني والتبريكات على الشيخ وعروسه من كل من شاركوا في المأدبة خاصة عندما دعي الضيوف لأن يحملوا معهم ما شاءوا من الطعام لعائلاتهم دون تحديد للكمية .. وما تبقى من الطعام وزع على الفقراء خارج سور المدينة.){ص 229 - 230}.في سنة 1944 تلقى زوج المؤلفة دعوة من المعتمد السياسي في البحرين .. (واتجهنا بالسيارة من الكويت إلى الظهران لنعبر من هناك إلى البحرين وبعد قضاء ليلة في الطريق على بعد عشرين ميلا إلى الشمال من أبو حدرية وصلنا إلى الظهران واستقبلنا بالترحيب من قبل المستر ديفز المدير العام المساعد لشركة كاليفورنيا والسعودية وستاندرد للزيت (التي أصبحت فيما بعد شركة الزيت السعودية الأمريكية أرامكو).غادرنا الخبر إلى البحرين بالزورق وودعنا المستر ديفز وأمير الخبر وأمير القطيف وعند وصولنا إلى البحرين استقبلنا المعتمد السياسي وأنزلنا في دار المعتمدية وقد اصطحبنا بنفسه لزيارة الحاكم والشخصيات البارزة الأخرى في الجزيرة وقد حضرت السيدة عائشة {!!}إلى المعتمدية لاحتساء الشاي معي كما جاءت السيدة البارزة زوجة المرحوم الشيخ حمد الخليفة لزيارتنا ووصلت في الموعد المحدد تماما وأدخلت إلى غرفة استقبال المعتمدية حيث استقبلتها هناك .. وبعد أن حيتني نظرت حولها في الغرفة وسألت أين (ديسكون) والمعتمد السياسي؟.وكل ما استطعت قوله هو أنهما قادمان لرؤيتها ثم استأذنت بالخروج للحظة حيث وجدت خادما بعثت معه رسالة للمعتمد السياسي وزوجي اللذين كانا يحتسيان الشاي بهدوء في غرفة أخرى .. ثم عدت بسرعة وأخبرت السيدة بأنهما سينضمان إلينا خلال دقائق .. وحالما ارتدى الرجلان سترتيهما جاءا وانضما إلينا وعند ذلك أصبحت جلستنا أشبه بحفلة مسلية جدا .. وقد كانت السيدة عائشة مسرورة بلقاء زوجي الذي كان معتمدا سياسيا للبحرين من 1919 وحتى 1920. ){ص 230 - 231}. وأخيرا انتهت الحرب العالمية .. ( وفي الثامن من مايو عام 1945 استمعنا إلى خطاب المستر تشرشل الذي أعلن فيه انتهاء الحرب في أوربا وجاء بعده خطاب الملك .. وقد منح الحاكم عطلة ثلاثة أيام للمدينة بأسرها وأصدر أوامره بإغلاق كل الحوانيت وإطعام الفقراء جهارا .. كما أمر بتوزيع النقود على الفقراء والمستحقين .. وعلى مدى ثلاثة أيام كانت رقصة العرضة تؤدى عصر كل يوم في ساحة الصفاة. وقد منح المستر جي. إن . جاكسون المعتمد السياسي طعاما مجانيا للفقراء وأقام في اليوم التالي حفلة شاي للهنود كما كان الغداء الذي أقامته الحكومة في اليومين التاليين وليمة هائلة قدمت فيها عشرة خراف وسبعة أكياس من أرز. ){ص 234}.نختم هذه الحلقة بحديث المؤلفة عن حب زوجها للعرب،وسعيه للمساعدة فقرائهم قدر استطاعته .. حتى بعد تركه للسلطة (وذلك على شكل نقود أو طعام أو كتاب توصية لمستشفى الإرسالية){ص 236}. ثم روت لنا قصتين .. قصة – حدثت سنة 1945 - (فتاة اسمها هدبة .. وقد كان زوجها طنحيل واحدا من حرس سعود عرافة (الذي يعرف أيضا باسم سعود الكبير .. ابن عم الملك عبد العزيز بن سعود) في الرياض ولكن هدبة كانت تعيش مع والدها العجوز عبد المحسن في بيت صغير خارج قصر الحاكم في دسمان بالكويت وقد كان لديها ابن واحد وابنتان جميلتان هما بيبي وعمشة،وكان زوجها يزورها ما تسمح الظروف{هكذا} وقد استطاع أن يتدبر الأمر المجيء من الرياض خلال شهر رمضان الماضي .. وقد استمتع هارولد بالذات بالتوقف للجلوس والحديث مع طنحيل ليسمع منه أخبار الرياض وأخبار نورة .. زوجة سعود الكبير التي التقينا بها خلال زيارتنا للرياض عام 1937.){ص 236}. ثم سردت قصة طويلة،عن معاناة هدبة مع الوضع،ومرور المؤلفة وزوجها على منزلها،فأخذاها – في بطانية – إلى المستشفى،وبعد الاهتمام بها وضعت طفلة .. وبعد ثلاثة أيام من العناية في المستشفى،عادت إلى منزلها،ولكنها ظلت تعاني من السعال والهزال .. (وذات يوم،كأنها كانت تعرف أنها لن تعيش طويلا،أعطت هدبة مولودتها التي سميت سارة إلى جارتها عيدة وفهد اللذين كانا بلا أطفال .. وبعد سنتين أو نحو ذلك توفيت هدبة .. وعندما كانت تتحدث إليّ كانت تشير إلى سارة الصغيرة بـ(ابنتك) لأنني ساعدت في ولادتها. وبالنسبة لابنتي هدبة الكبيرتين قد تزوجتا ودخلتا الصحراء. أما والدها عبد المحسن فقد مات بعد بضع سنوات ولكن سارة الطفلة الصغيرة التي كانت ولادتها عسيرة جدا فقد عاشت مع والديها بالتبني في دسمان.){ص 237}. أما القصة الثانية .. فهي قصة فاطمة وزوجها عبد الله،وكانت فاطمة لا تنجب،وبعد أن حجت إلى البيت الحرام .. (وفي المدينة المقدسة اتجهت فاطمة بدعائها إلى الإله الواحد،وسألته أن يغفر خطاياها ويحقق أمنيتها وقامت بتقبيل الحجر الأسود في خشوع(..) وفي الشتاء التالي بعد أيام قليلة من عطلة عيد الفطر الإسلامي العظيمة كان عبد الله راجعا إلى بيته بسيارته بعد أن تفقد بعض مواقع الحرس الآخرين. وكان ابن أخيه يقود السيارة سالكا الطريق الصحراوي خارج السور. وبينما هما في طريقهما شاهدا على مقربة من جانب الطريق لفافة قماش قديم،أو هكذا بدت لهما،فتوقف السائق ليلتقطها معتقدا أنها ستكون نافعة في تنظيف السيارة وعندما اقترب من اللفافة وجد أنها تضم طفلا حديث الولادة فنادى عبد الله الذي انضم إليه بسرعة .. وقد كان واضحا أنه طفل حديث الولادة وحي يرزق وقد ألقت به إحدى النساء البائسات بدافع الخوف ووضعته في لفافة بجانب الطريق على أمل أن يجده شخص ما ويعطف عليه (..) وعندما دخل عبد الله إل منزله وهو يخفي اللفافة تحت عباءته الصوفية نادى على زوجته فاطمة "تعالي لقد أحضرت لك هدية العيد" .. وقد خرجت إليه فاطمة لتحييه فقال لها : "لقد أحضرت لك طفلا" .. وأخرج اللفافة ووضعها في يدها والطفل يطلق صرخة ضعيفة.){ص 238 - 239}.وبعد العناية به .. في مستشفى الإرسالية .. تبنياه ... ( ولم يعرفا أبدا من يكون أبوه وسمياه عطية الله .. وقد كبر الطفل وأصبح صبيا رائعا وجلب لفاطمة وعبد الله الكثير من السعادة.){ص 239}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))

  8. #8

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"8"
    نبدأ هذه الحلقة بزيارة"أم سعود" للسعودية،مصطحبة معها ولدها (توغو) والذي زار والديه في الكويت سنة 1947،وكانت معهم (زهرة) أيضا .. (فاجتمع شملنا كعائلة لأول مرة منذ عام 1939،وكان جيدا أن نتمكن من زيارة أصدقائنا العرب وأن نقدم لهم أولادنا الذين يذكرونهم من سنين بعد أن كبروا .. وخلال إقامة توغو معنا تمكنا من الطيران إلى الظهران مدينة شركة الزيت العربية الأمريكية في المملكة العربية السعودية .. وقد ذهل أبناؤنا لرؤيتهم هذه المدينة الأمريكية الحديثة التي بنيت في منطقة كانت صحراء قاحلة من قبل. (..) استقبلنا الأمريكيون بكرم ضيافة بديع{مو بيت أبوهم هو!!}،ومن بين رحلاتنا الاستطلاعية لمشاهدة المنطقة رتبوا لنا زيارة إلى الهفوف ... ومنذ باكورة حياتي الزوجية وأنا أنظر إلى الهفوف كأبدع بلدة في صحراء شبه الجزيرة العربية. وهي مجهولة تقريبا بالنسبة للأوربيين وكنت دائما أشعر بخيبة أمل لعدم تحقق أمنيتي في أن يذهب هارولد إلى هناك للعمل مع ابن سعود وأخيرا أتيحت لي الفرصة لمشاهدة هذه البلدة .. وقد قضينا يوما بديعا في واحة الأحساء العظيمة حيث وجدنا أنه على الرغم من التواجد القريب لشركة النفط الأمريكية إلا أن السكان كانوا لا يزالون بعيدين عن التأثير الخارجي.){ص 247}. تحدثت المؤلفة عن التغيير الذي طال الكويت،بسبب النفط .. ( خلال هذه السنين ظل هارولد على علاقة حميمة بالشيخ أحمد الجابر الصباح وعلى الرغم من أن الحاكم قد شعر بزهو،له ما يبرره،لازدهار الكويت الحديثة،إلا أنه كان بطبيعته محافظا ورغب في ألا يكون التغيير سريعا بحيث يقلب طريقة الحياة التقليدية رأسا على عقب. لقد حكم الشيخ أحمد الدولة الصغيرة منذ عام 1921 وقادها عبر صعاب،ومشقات هائلة إلى حيث الرخاء وسعة العيش. وقد ظل الشيخ أحمد ذا ذوق معتدل بسيط وبينما كان أفراد عائلته يستعملون ثروتهم الشخصية في بناء قصور بالغة الروعة كان هو قانعا بالبقاء في مقر إقامته بدسمان حيث كان يعيش منذ قدومنا إلى الكويت. لقد ظل الشيخ أحمد حاكما محبوبا لمدة ثمانية وعشرين عاما عندما فاجأته أزمة قلبية في يناير عام 1950م (..) وفي 31 يناير وصلت السفينة (دامره) إلى الكويت في السابعة والنصف صبحا مقلة الشيخ عبد الله السالم الصباح والشيخ عبد الله الخليفة من مسقط. وقد صعد معظم كبار آل الصباح إلى السفينة وأنزلوا الشيخ عبد الله السالم إلى الشاطئ في الشويخ والبحر شديد الهياج. فقد كان الشيخ عبد الله السالم قد اختير خليفة للحاكم الراحل. وكانت السيارة التي تحمل علم صاحب السمو تنتظر في الميناء لنقل الشيخ الجديد إلى الصفاة. وفي طريقه توقف عند المقبرة،ووقف وحيدا إلى جانب القبر يتلو دعاء قبل أن يذهب إلى قصر السيف. وهناك بايعه بالمشيخة كل أفراد آل الصباح والجماهير الغفيرة التي احتشدت في الخارج لتحيته.وبتولي الشيخ عبد الله السالم الحكم في الكويت دارت عجلة التغيير بسرعة لا مثيل لها. ومنذ عام 1950 فما بعد،أصيبت الكويت بحمى إعادة البناء وكنا أحينا نشعر بالأسى ونحن نرى الكويتيين يهدمون عن طيب خاطر كل التجمعات السكنية المبنية باللبن في المدينة القديمة،ويستبدلون بها عمارات متعددة الطوابق من الأسمنت والحجارة. { في الهامش : "مع الأسف الشديد والحسرة أن الحكومة هدمت مدينة الكويت القديمة. ولم تبق على البقية الباقية فيها التي كانت موجودة سنة 1963م. وبح صوتي منذ سنة 1962م. وأنا أطالب الحكومة بواسطة الاتصالات الشخصية مع كبار المسئولين والمقابلات والخطابات المفتوحة لكبار المسئولين. ولكن مع الأسف الشديد ذهبت جهودي أدراج الرياح. وكان هدم المدرسة المباركية التي بناها الكويتيون جريمة في حق تاريخ الكويت،عندما بدأ تنظيم الكويت منذ 1952م كان المهندس المسئول هو الجنرال هيستد – وهو مهندس إنجليزي قدير وشهير – قد طلب من الحكومة أن تحافظ على مدينة الكويت القديمة مع سورها،وتبني كويتا جديدة على ساحل البحر في الصليبيخات ولكن الحكومة لم تعمل بمشورته الرشيدة". .. (سيف الشملان).} ..){ص 251 - 255}.مرض زوج المؤلفة،وبترت إحدى ساقيه،وبعد العملية عادا إلى الكويت .. ( يوم 14 ديسمبر 1954 وقد وصف هارولد عودته إلى الكويت في رسالة كتبها بتاريخ 22 ديسمبر إلى المستر سي. أي . بي (وأصبح الآن السير فيليب ساوثويل) الذي كان في ذلك الوقت عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة النفط."على الرغم من أن الرحلة كانت شاقة بالنسبة لي ولزوجتي إلا أنني لقيت معاملة كريمة من قبطان طائرة شركة الخطوط الجوية البريطانية (..) لقد كانت أكثر ملامح وصولنا تأثيرا وبعثا على الرضا هو الاستقبال الرائع الذي استقبلنا به في المطار من قبل كل أفراد عائلة الصباح يتقدمهم الشيخ عبد الله المبارك والشيخ عبد الله الجابر والشيخ عبد الله الخليفة. لقد كانوا جميعا في المطار ما عدا الشيخ صباح السالم (الذي كان مريضا ) والشيخ سعد والشيخ جابر العلي،والشيخ خالد العبد الله الصباح (الذين كانوا في رحلة صيد). وقد زارني هؤلاء أيضا في منزلي في اليوم التالي. كما كان في استقبالي أيضا حشد غفير من التجار الأوربيين،من الأحمدي والكويت،يتقدمهم السيد والسيدة بيلي (المفوض السياسي) والقنصل الأمريكي وحرمه،والسيد والسيدة بودوان. وقد تأثرت كثيرا بهذا الاستقبال الرائع الذي أعد لزوجتي ولي.لقد قال لي الشيخ عبد الله المبارك أن صاحب السمو قد أمره بأن يخرج بكل آل الصباح لتحيتي،وذلك قبل أن يغادر صاحب السمو إلى بيروت في نفس الصباح".لقد كان الاستقبال الذي أعد لنا في المطار،والذي وصفه هارولد،مؤثرا تماما. وقد نزل هارولد سلم الطائرة مستندا على عكازين أولا،وتلقاه الشيوخ الحاضرون بالقبلات والأحضان،وقد تبعته والدموع تنهمر على خدي وتلقيت قبلة من الشيخ عبد الله الجابر أسفل سلم الطائرة،بينما تقدم الآخرون لمصافحتي. وإنني لن أنسى ما حدث. (..) واصل هارولد عمله من على كرسيه المتحرك ولم يكن قادرا على الحركة كما كان من قبل. وقد كان لعودته إلى الكويت ليكون بين أصدقائه من جديد أثر كبير في مساعدته على التغلب على عاهته.){ص 256 - 258}.وتمر "أم سعود"وزوجها بتجربة مرعبة .. ( وفي يناير 1959م مررنا بتجربة مرعبة عندما انهار جزء من منزلنا. فقد بنا جيراننا،الذين كانوا يسكنون عبر طريق ضيق على الجانب الغربي من منزلنا،بناية من ثلاثة طوابق من الإسمنت المسلح ووضعوا على سطحها خزانات ماء كبيرة. ومن وقت لآخر كانت تأتي عربة ماء تملأ الخزانات حتى تطفح بالماء. وكان الماء الزائد يسيل إلى الطريق الضيق بين بيتهم وبيتنا ويتسرب إلى أساس منزلنا فيحلل قوالب الطوب المجففة على الشمس أصلا،والتي كان بيتنا مبنيا بها. وقد حدثت تشققات واسعة في مطبخنا وغرفة الطعام والمكتب فطلبنا بناء جدار داخلي من الحجارة الإسمنتية. ولكن في اليوم الذي جاء فيه العمال يحفرون أساسا للجدار الجديد في المطبخ نجو بحياتهم في اللحظة الأخيرة. فقد انهار الجدار الخارجي في الناحية الغربية بأكمله وسقط إلى الخارج في الطريق الضيق،وانهارت كذلك غرفة الطعام والمكتب في الطابق الأول.وفي صخب شديد مريع سقطت الجدران والأرضيات والأثاث إلى الأرض محدثة سحابة كثيفة من الغبار.ولحسن الحظ كنت قد نقلت المطبخ إلى غرفة أخرى لإعداد المكان للبنائين كما نقلت العديد من قطع الأثاث الثقيلة من غرفة المكتب لتخفيف الضغط على أرضيته. وعلى أية حال،كنت في ذلك الصباح أعمل في غرفة المكتب بنفسي حتى قبل الانهيار ببرهة وجيزة وعندما حدث الانهيار كان هارولد في غرفته بالطابق الأرضي على الجانب الآخر من المنزل وقد اندفع الخدم إليه قائلين له إن المنزل قد سقط. وكان السؤال الأول "أين الخاتون؟"{ في الهامش : "الخاتون لقب فارسي يعنى المدام أو الهانم. وهذه اللفظة الدخيلة شائعة الاستعمال في الكويت وبلدان الخليج العربي وتطلق على النسوة الأجنبيات،وجمعها خواتين" .. (سيف الشملان)} ولم يستطع أحد أن يجيبه فاعتقد هارولد أنني كنت في غرفة المكتب ولابد أن أكون قد لقيت حتفي. ونظرا لعاهة ساقه لم يستطع أن يندفع إلى الخارج ويرى ما حدث وقد بدا وكأن عصورا قد انقضت قبل أن يتبدد الغبار وحتى ذلك الوقت لم يكن بوسع أحد أن يرى بوضوح ويعرف ما إذا كان أحد قد أصيب وعندما جئت لأرى هارولد كان لونه أبيض كملاءة السرير وقال لي لقد اعتقدت أنك لقيت مصرعك.){ ص 259 - 260}.بعد هذه الحادثة بعدة أشهر مات هارولد في الكويت في 14/5/1959م.(مكث ولدي معي لمدة أسبوع ثم عاد إلى هرجيسو في 21 مايو. وفيما بعد جاء أصدقاؤنا الطيبون من البدو عندما علموا بالخبر وكثير منهم بكى بالفعل في حضرتي. لقد كان أشق الأمور على نفسي في ذلك الوقت هو رؤية الحزن الشديد الذي يظهر على أصدقائي الكويتيين من الرجال والنساء الين أحبوا هارولد كواحد منهم. وفي كل يوم لمدة بضعة أسابيع كان يأتي بعض من المعزين ويجعلونني أستعيد أحزاني من جديد وأنخرط معهم في البكاء.وخلال ذلك كله شعرت باستنفاد القوى جسمانيا وعاطفيا ولكن في أواخر يوليو استطعت أن أتدبر الخروج من الكويت. وقد سافرت إلى إسطنبول حيث قضيت بضعة أيام مع السير برنارد والسيدة بوروز في السفارة البريطانية ومن هناك سافرت إلى إنجلترا وقضيت ثلاثة أشهر مع زهرة وعائلتها،وفي نهاية الصيف استطعت مواجهة العودة إلى الكويت،وعندما عدت استطعت بمساعدة وتشجيع الأصدقاء أن ألتقط الخيط بالتدريج مرة أخرى. وهكذا سارت الحياة.(..) لقد مر وقت طويل قبل أن ستطيع التغلب على الفراغ الذي خلفه موت هارولد في حياتي ولمدة عام تقريبا لم أكن أشعر بالاستمتاع بأي شيء وكنت قليلة الرغبة في الخروج والحركة ولكن شيئا فشيئا عادت كل الاهتمامات التي كانت لديّ دائما في الكويت إلى الظهور،وفي صيف 1960 أصبحت أكثر تكيفا مع حياة الوحدة واستعدت قدرتي على الاستمتاع بلقاء الناس ومتابعة نشاطاتي المفضلة.لقد استأنفت عادتي في القيام بزيارات صباحية لسيدات آل الصباح وبعد حوالي سنتين من وفاة هارولد شعرت بأنني مهيأة تماما للتفكير في زيارة بعض رجال عائلة الحاكم. وقد أحسست أني يجب أو أواصل الصداقة التي كانت دائما قائمة بين هارولد والشيوخ.بدأت في تجديد صلتي بالشيوخ بزيارة ابن المرحوم الشيخ عبد الله الأحمد في قصر نايف،وقد وجدت أنني دائما ألقى الترحيب هناك وأن عبيد أبيه ومستخدميه البدو مازالوا يهرعون للترحيب بي عندما تقترب سيارتي ويفتحون لي الأبواب لأدخل وغالبا ما كان أفراد عديدون من عائلة الصباح يكونون حاضرين المجلس ولكني كنت دائما أعطى مقعد شرف بالقرب من مبارك نفسه في صدر الغرفة. وكان الجو يسوده الوئام في المجلس. وكان الحاضرون يبدون رغبة في سماع قصص رحلاتي في الصحراء والسعودية ويردون معرفة من قابلت وأي أخبار سمعت.){ص 262 - 265}. تبدي المؤلفة ملاحظة على طريقة العرب في الحديث .. (إن المحادثة عند العرب لا تكون مباشرة أبدا وهم دائما يستغرقون بعض الوقت قبل أن يتطرقوا إلى الموضوع. وبالطبع لابد أن تكون هناك استفسارات لا نهاية لها حول صحة العائلة جميعها قبل التطرق إلى أي شيء ذي قيمة.){ص 267}. ثم تلقي إلينا بمعلومة .. (وفي اليوم التالي يأتي سالم بن سعيد الصبي المري القادم من السعودية،لزيارتي. (..) ويخبرني سالم أنه لا يستطيع لأنه مسافر إلى دبي بالزورق في الصباح،ويستطرد في إيضاح كم هو مشتاق للعودة إلى الظهران في العربية السعودية،التي قضى فيها عدة سنوات عاملا مع البروفيسور تشارلي ماثيوس في حصر أسماء الأماكن،.. إلخ. لرسم خرائط لجنوبي شبه الجزيرة العربية.وحيث أنني لا أملك جواز سفر،فإنه لا يمكنني العودة إلى السعودية ولذلك سأذهب إلى دبي حيث آمل أن أشتري جواز سفر.){ص 269}.ويأتيها زائر آخر .. (وذات صباح جاء بارون فراش المكتب إلى الباب حيث كنت جالسة مشغولة بكتابة بعض الرسائل،وبعد أن قرع فناجين القهوة الصغيرة ببعضها جذب انتباهي وصب لي ثلاثة أقداح واحدا تلو الآخر،ويتساءل في صوت لا مبال "هل ترغبين في رؤية سعد بن منيف"وهو يعلم أنني سوف أبتهج جدا لذلك،وأن سعدا يقضي معي دائما وقتا طويلا. وأطلب من الفراش أن يحضره إلى الطابق العلوي في الحال. ويخلع سعد (صندله) عند عتبة الغرفة ويدخل جواربه المصنوعة خصيصا بأصبع واحدة لتسمح بدخول القدم في الصندل،ويحييني بإمساك يدي بين يديه. وأقول له : "أهلا مرحبا،تفضل".وكان سعد يبدو على مايرام ولكنه متعب قليلا وقد جلسنا نتحدث قليلا عن عائلته وتوقعات المطر في الصحراء وغلاء المعيشة في المدينة،بينما أحضر بارون طبقا به تمر وضعه أمام سعد وقدم له القهوة ليحتسيها مع التمر."أين كنت يا سعد؟" "إنني لم أرك من وقت طويل".ويطأطئ رأسه ويقول خيرا. "لا أحب أن أخبرك".وتساءلت قائلة لا أعتقد أنك قتلت شخصا!! أم أنك فعلت؟لا،ولكني كنت في السجن بالدمام خلال السنتين الماضيتين.وهتفت قائلة : السجن .. أي ذنب جنيت يا عزيزي سعد؟لقد قمت ببعض التهريب بالسيارة عبر حدود الكويت والسعودية. وقد نجحت في كثير من الرحلات ولكني ضبطت أخيرا وقدمت لابن جلوي حاكم المنطقة الشرقية الذي وضعني في السجن.فسألته قائلة : ألم يكن بوسعك أن ترسل لي رسالة بطريقة ما؟فأجابني قائلا : "لا،لقد كان ذلك مستحيلا".قلت : " لقد كنت في الدمام في العام الماضي وزرت سمو الحاكم،ولو كنت أعلم أنك هناك لتحدثت إليه بشأنك في الوقت المنسب.ولكن دعنا الآن ننسى هذا ونتحدث عن أشياء أخرى. أخبرني بقصة "عمشة"التي وقعت في حبها بجنون منذ سنوات بعيدة. هل تزوجتها؟){ص 272 - 273}. أما قصة (سعد وعمشة ) أو (مهند ونور) فسنعرفها في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  9. #9

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون


    show details 5:15 PM (4 hours ago)

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"9" يبدو أنني قفزت – في الحلقة الماضية - فوق (لقطة) .. تبين مدى التغيير الذي طرأ على الناس .. فوجئت المؤلفة بزيارة (سارة) الفتاة التي نقلت أمها إلى المستشفى،وهي تعاني المخاض،وأمها بالتبني (عيدة)،وكانت الفتاة تريد من أمها شيئا واحدا .. ("إنك والدتي وأنا سارة ابنتك،لقد جئت إليك طالبة أن تعطيني جهاز تلفزيون،فالكل لديهم أجهزة تلفزيون في هذه الأيام ما عداي،والجهاز الصغير رخيص جدا بستين دينارا فقط" (60 جنيها إسترلينيا)."يا ابنتي الصغيرة العزيزة،لا أستطيع أن أمنحك هذا فحتى ابنتي الحقيقية ليس لديها جهاز تلفزيون،ولا أنا أيضا وربما تعطيك إحدى سيدات القصر واحدا". (..) "سوف أحضر لك قطعة حرير بديعة لتصنعي منها فستانا للعيد". لا. أريد ذلك،أريد جهاز تلفزيون فقط. ويخيب أمل سارة بإصراري على الرفض (..) وبعد بضعة أيام عندما كنت أمر بمنزلهما،رأيت أن هناك "إريال"تلفزيونيا على سطح المنزل ويبدو أنها قد حصلت على واحد بطريقة ما){ص 271 - 272}. هكذا تتغير (الأوليات) بسبب (الانبهار) بالمستجدات. نحاط علما – عند إثارة المشكلة – بالمشاكل (السياسية) التي تحصل بين هذا البلد وذاك .. وقد علمنا بالمشكلة التي وقعت بين العراق والكويت سنة 1961 – قبل كارثة 1990 – ولكننا لم نسمع عن (راضي وطعمة وأختهما)!! تحدثنا المؤلفة – أولا – عن فيصل حنظل،والذي كان رجلا شديد الجاذبية،وبعد موته أخذ مكانه ولده راضي، (وقد جاء فيصل من المنتفق،مع عشيرته من قبيلة بني مالك ) .. (وفي عام 1961 حدث تهديد مفاجئ وغير متوقع على الإطلاق من جانب العراق لأمن الكويت،أمر هؤلاء المساكين الذين كانوا يعيشون في أكواخ الخشب أو الحصير بأن يرحلوا. وقبل عام أو نحو عام من هذا التهديد كان هؤلاء الناس قد أعطوا منطقة ينتقلون إليها،على بعد خمسة عشر ميلا تقريبا،وقد انتقلوا إليها جميعا ذات شتاء خلال فترة شديدة البرد والبلل. وقد كان معسكرهم الجديد عبارة عن مستنقع،ولكنهم لم يتذمروا أو يشتكوا بل أقاموا من جديد أكواخ حصير جديدة. والآن للمرة الثانية أمروا بأن ينتقلوا إلى بقعة مغلقة ومحاطة بالأسلاك خارج منطقة عشريج. وقد سمع راضي وطعمة بهذا النبأ وبسرعة استأجروا شاحنة كدسوا فيها بعض حاجياتهم وطلبوا من السائق أن يتوجه عبر طريق صحراوي إلى مكان معين بالقرب من طريق الأحمدي. ولكن السائق رفض لأن الطريق كان وعرا وبدلا من ذلك سلك الطريق الرئيسي،وسرعان ما أوقفتهم دورية بوليس وأخذتهم إلى مخفر الشرطة. وهناك فتشوا أمتعتهم ووجدوا بينها بنقيتين،فألقي براضي وطعمة وأختهما في السجن.){ص 279}. تتحدث المؤلفة – في فصل بعنوان "أسفاري مع علي وناصر" - عن رحلاتها – بعد موت زوجها – وعن التغيرات التي اعترت حياة البدو، (لقد طلب مني مرارا أن أدون وقائع رحلاتي الحديث وزياراتي في شبه الجزيرة العربية. وأرجو أن يكون قرائي راغبين فيما سأقصه عليهم من أخبار زيارة لابنة الملك في الرياض،وزيارة لنائب حاكم المنطقة الشرقية في منزله بالدمام،وكرم الضيافة في مضارب "المرة". (..) فحتى في أيام السيارات والطائرات هذه لا يزال بالإمكان الاستمتاع بأصوات،وبصمت أعماق الصحراء. لقد استمتعت بقضاء الكثير من الأيام والليالي السعيدة بين أصدقائي البدو خلال سبع السنوات {!!!} الأخيرة. فهل يزعج أزيز الطائرة التي تحلق في أعلى السماء ولا تكاد تراها العين،هل يزعج أو يفسد بهجة الإنسان؟ وربما تكون القبائل الآتية من أقصى الجنوب تستمتع بهذا الأزيز الذي يذكرها بصوت الرمال في الربع الخالي الذي غادره معظمهم بلا رجعة. وهم يقولون أن الحياة هنا في الكويت جيدة جدا،ويقولون إنهم لن يعودوا إلى الصحراء أبدا. وهذه العربات البشعة التي تحمل صهاريج كبيرة تنقل فيها الماء المقطر من محطات التقطير في الكويت أو الشعيبة لا تقلقهم بل تغمرهم بالفرح وخاصة النساء اللواتي كان من واجبهن في الماضي البحث عن الماء وحمل قرب الماء الثقيلة من البئر أو البركة. وهاهن الآن يرين في سعادة أن جلب الماء أصبح على الرجال. (..) لقد تغيرت ملابس البدويات أيضا. ولم يعد الإنسان يرى عليهن الجلابيب السوداء ذات الأكمام والرقاب المطرزة باللون الأرجواني،فقد اختفت هذه الألبسة لتفسح المجال للألبسة القطنية الملونة والألبسة الحريرية المطرزة للنساء الشابات والفتيات.لقد أصبحت سيارات اللوري والوانيت القرمزية اللون رمزا تمثل شعار كل خيمة.وأصبحت هناك ورشة في الكويت اسمها مصنع النمر متخصصة في إضافة جوانب حديدية فاخرة لهذه السيارات (..) يغني السائق البدوي أغنية حب وهو يقود سيارته على مسالك الصحراء ويتأكد دائما من وجود بترول كاف لديه وذلك باحتفاظه بكمية وفيرة في براميل كبيرة يضعها بجوار خيمته. والأرانب البرية وفيرة في الصحراء ويقول البدو إنهم يخرجون بسيارتهم ليلا ويصطادون الكثير منها بالرماية. وإنني لأخشى أن لا تصبح هذه الأرانب وفيرة في القريب العاجل. (..) وفي رحلاتي الصحراوية كان يصحبني رجلان كان دعمهما المخلص الوفي خير معين لي. وهذا الرجلان هما علي محمد،سائق سيارتي المعروف في شركة نفط الكويت باسم علي ديسكون. وهو كويتي من أصل إيراني شيعي ويتحدث اللغة الإيرانية في بيته مع عائلته. وكان والده محمد يعمل خادما في منزلنا لعدة سنوات.(..) وفي وقت لاحق عندما افتتحت مدرسة إيرانية { في الهامش : "المدرسة الجعفرية افتتحت سنة 1937م،وتقع على ساحل البحر شرقي فريج ابن خميس أي أمام مبنى وزارة التخطيط حاليا".. (سيف الشملان)} أما رفيقي الثاني فكان ناصر رشيد من قبيلة المرة،وقد بدأت معرفتي بناصر في عام 1961 فقط،فقد كان يتولى قيادة سيارتي لمدة ثلاثة أشهر كان علي سيقضيها في الأحمدي للتدريب على قيادة العربات الثقيلة (..) وقد سرني أن يتولى ناصر قيادة سيارتي ليس لأنه كان يعرف مسالك وطرق الجزء الشمالي للسعودية وإقليم الأحساء ولكنه لأنه كان بغريزته دليل صحراء وقصاص أثر لكونه من قبيلة المرة،قصاصي الأثر المشهورين (..) كان ناصر حميد الطباع لا يفكر في نفسه أبدا،ومستعد دائما لمساعدة الآخرين،وفي المعسكرات الصحراوية كانت تظهر روعة ناصر فقد كان يفكر في أدق التفاصيل لتوفير الراحة لي،إلى حد أنه كان ينهض ليلا ليتأكد من أن كل شيء على ما يرام.){ص 286 - 291}.ثم تسرد المؤلفة زياراتها لأسرة ناصر .. وفي إحدى تلك الزيارات .. ( وعلى الرغم من أننا كنا في شهر رمضان والساعة لا تزال الحادية عشرة والنصف صباحا إلا أنهم رجوني أن أسمح لهم بإعداد القهوة والشاي لي. وقد رفضت على أية حال وعندما نصبت خيمتي البيضاء الصغيرة بين خيامهم السوداء أصبح بمقدوري أن أتناول بعض الطعام في الخفاء. وفي حوالي الثانية عشرة ظهرا ركبنا السيارة من جديد وخرجنا في جولة حول المكان على أمل اصطياد بعض الطيور الكبيرة ببندقية عيار 16،ولجمع عينات من الزهور البرية التي كنت أريدها أيضا،وعلى الرغم من أن الطيور كانت كثيرة إلا أنها جميعا كانت قد رميت من قبل ولم نستطع الاقتراب منها بالسيارة أما الزهور فكانت بديعة. وفي بعض الأماكن كانت هناك رقع كبيرة من زهور الربيع الصفراء أو المرجريتا الصغرى. وفي أماكن أخرى كانت توجد مجموعات من زهور التيكريوم الزرقاء ذات الأوراق الناعمة الشهباء،والأزهار عطرة الرائحة وأنواع أخرى كثيرة. وعندما كان هناك نشاط هائل في الأجزاء الخاصة بالسيدات من الخيام حيث كانت الشمس على وشك المغيب. وكان اللبن يعد في قربة معلقة على حامل ثلاثي القوائم وكانت بعض النساء والفتيات يجهزن القهوة والشاي وأخريات يطهين الحمل الذي ذبح على شرفنا،ويجهزن الأرز الذي سيطهى معه.وأخيرا اختفت الشمس ببطء خلف الأفق بينما كان رجال العشيرة يرقبونها وينتظرون. وعندما اختفى شعاع الشمس تعالى النداء"الله أكبر" تكرر أربع مرات ولم يصل الرجال بل عادوا إلى الخيمة حيث وضع الطعام المعد للإفطار،في وعاء كبير ووعاء أصغر مملوءين باللبن الممزوج بقطع زبدة الأغنام وطبق من البلح الأحسائي،وصينية يتكدس فوقها الخبز المستدير المسطح (الذي أحضره ناصر من المدينة) وصينية أخرى تضم برتقالا وتفاحا وموزا وقد جلس الرجال للإفطار وفي وقت قصير جدا اختفى الطعام تماما. وقد تخلل عجلتهم في تناول الطعام بعد هذا الصيام الطويل منذ الساعة الثالثة صباحا،العديد من التجشؤات،والكثير من الشكر لله العلي القدير.وببطء نهض الجميع واتجهوا إلى خارج الخيمة للصلاة وبعد أن ضغطوا راحات أيديهم على الرمال شكلوا صفا موجها للغرب ثم بدأوا الصلاة الطويلة يؤمهم رجل يقف في المقدمة،ثم نهضوا بعد التسليم وانتقلوا إلى جانب الخيمة.(..) وعندما انتهت آخر صلوات المساء (العشاء) في الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة مساء دعينا جميعا لتناول الطعام. وقد وضعت صينية كبيرة مملوءة بالأرز ولحم خروف فوق حصير أمام الخيمة،وقد تظاهر كل شخص من الموجودين بأنه ليس جائعا عندما وجهت له الدعوى {هكذا} للأكل ولكن ببطء جاء ثلاثة أو أربعة وجلسوا حول الصينية معي ومع علي. وحتى ناصر كان في حاجة إلى إلحاح شديد حتى يجيء وينضم إلينا.وفي ضوء القمر استمتعنا بتناول أشهى طعام عشاء،فقد كان الخروف طري اللحم والأرز لذيذ المذاق ولابتلاع الطعام جيدا كان كل منا يشرب حتى يرتوي من وعاء اللبن. وبعد الانتهاء من الطعام عدنا إلى مجلسنا بجوار الموقد بينما أحاط كل الرجال والضيوف الآخرون بالصينية في صمت. ولم يبق بجوار النار سوى الصبي راعي الإبل وثلاثة صبية صغرا آخرين. وعندما وجهت إليهم الدعوة لتناول الطعام ردوا في أدب قائلين أنهم ليسوا جائعين،ومكثوا في أماكنهم،ولم يبرحوها إلا عندما انتهى الكبار من تناول طعامهم فأخذوا دورهم والتهموا ما تبقى من الطعام ثم اختفوا بعد ذلك مباشرة. وآداب المائدة هذه تلتزم بها قبائل البدو ولا تحيد عنها،والصبية الصغار دائما يلتزمون بالجلوس بجوار ذويهم من الكبار ولا يبرحون أماكنهم والنساء اللواتي يتولين عملية الطهي يبقين دائما حصة من الأرز واللحم لأنفسهن وللفتيات الصغيرات. ){ ص 292 - 295}. من هذا العشاء اللذيذ ... إلى صورة (قاتمة) رسمتها المؤلفة .. بعد أمطار عاصفة هطلت في شهر مارس سنة 1961 .. (واصلنا السير بالسيارة على طريق البصرة حيث كانت أثار الأمطار تكاد لا تلحظ ولكن عندما وصلنا الروضتين رأيت بحيرات واسعة من الماء على جانبي الطريق والماء يجري عبرها. وقد جرى"ضب"فجأة أمام السيارة عابرا الطريق وكدنا ندهمه بالسيارة. وبعد برهة قصيرة على أية حال جاءت سيارة شحن من الاتجاه المقابل ودهمته بعجلاتها. وعندما نظرت خلفي كان الضب المسكين لا يزال حيا يتلوى في الطريق. وفي وسط البحيرة التي كانت على الجانب الغربي للطريق،رأيت أسقف ثلاث خيام سوداء تخص الرعاة العراقيين وعلى مسافة أبعد كانت تبدو خيمة بيضاء وغرفة قهوة غارقة في الماء وعلى الطريق كانت تجلس عجوز مسكينة تلف نفسها في بطانية وبجوارها فتاة صغيرة ودجاجة مربوطة من ساقها إلى كومة من الأمتعة. وكانت هناك امرأتان أو ثلاث نساء في الماء حتى الوسط يقمن بجمع أشياء من خيامهن ويحملنها على رؤوسهن. وكانت ثلاث عربات نقل تقف مهجورة في الماء وعربة رابعة غارقة في الطين إلى حد أنه لم يكن يبدو منها سوى القضبان الحديدة العلوية. ومر بي صبي صغير يحمل جروين أنقذهما من الماء وكانت أمهما الكلبة تتبعه وهي تئن بطريقة تثير الشفقة. وبعد مسافة من الطريق كانت هناك ثلاث خيام سوداء أخرى غارقة في الماء،وكان هناك نفس المنظر المثير للشفقة لنساء يجمعن ويكدسن حاجياتهن على بقعة جافة من الطريق. وفي هذا الوقت كانت ريح الشمال قد نشطت وأخذت أمواج حقيقية تضرب الطريق. وتلقي بالنفايات والأشياء الفارغة الصغيرة إلى الطريق. وبينما كنت واقفة أشاهد المنظر اتجه يربوع صغير مبلل يتنطط ببطء وجرى تحت السيارة فأمسكه ناصر،وقد كان حيوانا صغيرا جذابا ظل معي لعدة شهور في البيت.وخلال السنوات التي قضيتها في الكويت لم أر مشهد خراب كهذا. وكانت الحيوانات البرية أكثر تأثرا بهذا الدمار ... ){ص 296 - 297}.

  10. #10

    رد: أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون

    أربعون عاما في الكويت : فيلويت ديكسون(أم سعود)"11"
    بعد زيارة نائب أمير المنطقة الشرقية،غادرت المؤلفة،ومرافقوها الظهران .. ( في حوالي الساعة التسعة صباحا وبعد استكمال إجراءات الخروج الرسمية من النعيرية،انطلقنا عبر طريق التابلاين الممتاز إلى أن وصلنا قرب محطة الضخ في ورية. ومن هناك سلكنا طريقا صحراويا يتجه جنوبا عبر سلسلة جبال ورية التي كانت مغطاة بشكل كثيف بحجارة كبيرة يسيطر عليها اللون الأسود والأبيض وتشبه في ذلك جبال الليح في شمالي الكويت (..) وبعد أن نصبنا الخيمة وجمعنا روث الجمال والحطب لإشعال النار قمنا بإعداد بعض الشاي وتناولنا عشاءنا. وقد وضع ناصر في خيمتنا بعناية احتياطيا من الوقود الجاف لإشعال نار الصباح تحسبا من سقوط المطر أو الندى الكثيف بالخارج خلال الليل. وقد قال إن والده بين له عندما كان صبيا صغيرا كيف أنه كان دائما يحتفظ تحت فراشه بكمية صغيرة من الحطب الجاف ليشعل بها النار في الصباح ويصنع القهوة. وفي وقت لاحق من المساء تجمع ضباب كثيف وسحب في الشمال وحجبت الهلال الذي كان في رابع أيامه. وقد نام علي في الخيمة قريبا مني،أما ناصر فقد أعد لنفسه مكانا خارج الخيمة محميا من الريح. وقد نام كل من علي وناصر فوق بطانية وغطى نفسه باثنتين،ولم يتقلبا أبدا حتى مطلع الفجر. وقد نمت أنا أيضا نوما عميقا. ولم يسقط المطر في تلك الليلة ولكن الندى كان كثيفا جدا. مما بلل الخيمة كما تساقط الندى المتجمع فوق السيارة وجرى كالماء على الأرض.وبعد الإفطار قررنا أن نأخذ سيارة واحدة ونواصل رحلتنا تاركين الخيمة منصوبة لتجف تحت الشمس وبجورها سيارة الهمبر الصالون(..) فعلى مرتفع من الأرض وجدنا ثماني خيام سوداء كبيرة منصوبة في صفين متقابلين (..) لم يكن سلوكا مهذبا بالنسبة لناصر أن يظهر فرحته وانفعاله،ولكني عرفت أنه كان سعيدا جدا لرؤية والده من جديد .. وقد تقدم راشد لتحيتنا وقبل ناصر عدة مرات كما رحب بي أيضا ترحيبا حارا وقادني من يدي إلى الخيمة. وهناك أعد لنا القهوة بسرعة بينما قام ناصر بزيارة نساء العشيرة وأقربائه في الخيام الأخرى.){ص 313 - 314}.كان من الطبيعي أن أتذكر بيت من الشعر وأنا أقرأ هذه الرحالات التي لا تنتهي!! يقول ابن زريق الغدادي :كأنما هو موكل بفضاء الله يذرعهفي سنة 1963 قررت المؤلفة أن تقوم برحلة جديدة في الصحراء .. ( وكانت هذه المرة إلى القيصومة وحفر الباطن ومن ثم إلى القرعاة في صحراء الدهناء التي سقطت عليها أمطار غزيرة وانتقل إليها البدو بظعنهم وأغناهم. والباطن هو وادٍ عريض يشكل الحدود الغربية لدولة الكويت ويمتد إلى داخل الأراضي السعودية،ويبلغ امتداده شمالا عدة أميال بينما يضيق كلما اتجهنا جنوبا.غادرت الكويت في الساعة السابعة من صباح يوم 25 مارس مع علي وناصر وبعد أن غادرنا مركز الشرطة في قلمة شايع،سلكنا طريقا جيدا وإن كان غير مستوي في بعض الأماكن يؤدي إلى حفر الباطن. وبعد حوالي ثلاثين ميلا من الحفر استوقفتنا سيارة دورية سعودية مكدسة بالرجال المسلحين. وقد تفحص أحدهم الورقة التي أعطاها لي الشيخ سعد وأشار إلى أن الورقة تقول إننا كنا ذاهبين إلى الظهران عن طريق النعيرية. فقلت له إن الشيخ قد أخطأ حيث أنني كنت ذاهبة إلى الحفر وما بعدها بغرض التنزه. وقد بدا عليهم الاقتناع فتركونا نواصل سيرنا. وفي الحفر وجدنا أن الأمير قد غادر مكتبه فقررنا أن نذهب لزيارته في بيته الذي أرشدنا إليه أحد المتفرجين بعد أن ركب معنا في السيارة لهذا الغرض. وفي بيت الأمير المبني على الطراز الحديث على مشارف القرية،استقبلنا الأمير فهد بن عبد الواحد بنفسه استقبالا حارا،وقدمت لنا القهوة والشاي الذي احتسيناه ونحن جالسون على أرض غرفة الاستقبال البديعة. وقد أوضح الأمير أنه طالما كنا نحمل رسالة من الشيخ سعد فإننا على الرحب والسعة. وسأل الأمير عن وجهتنا وعندما أخبرناه أننا كنا ذاهبين للنزهة قال إنه سيعطينا كتابا لإظهاره في حالة ما إذا اوقفتنا دوريات أخرى. وقد أوفى الأمير بكلمته وأعطانا الكاتب فعلا. (..) كانت هناك خمس خيام سوداء كبيرة في صف واحد. واثنتان أخريان بعيدتان قليلا إلى الشرق. وقد غمرت الفرحة ناصر وهتف قائلا : "هذه خيامنا وتلك هي وضحة (أخته) إلى الشمال،وفي هذه الناحية إحدى البنات الخمس (المهيوبة) زوجة أخي".وسرعان ما أصبحنا هناك وأوقفنا السيارات بجوار خيمة مهيوبة. وقد تبودلت الكثير من القبلات بين ناصر ومحمد والرجال الذين كانوا في الخيام. وحتى الفتيات أيضا رفعن براقعهن ونلن قبلات طويلة. وقد دعيت للذهاب إلى خيمة الشيخ علي بن هندي حيث كانت القهوة تعد بينما تولى محمد {هكذا} وناصر نصب خيمتي البيضاء وإنزال أمتعتنا.(..) كان الصباح صافيا وبديعا،وبعد أن تناولنا طعام الإفطار في خيمتي أخذنا راشد إلى إبله التي كانت بعيدة عن المعسكر في واد يعرف باسم (زاروق) (..) وفي هذا المكان عثرنا على ناقة وصغيرها. وقد حلبت في قصعتي {هذه "فيوليت" أم "عمشة"؟!!} وجلسنا واستمتعنا بشرب اللبن الطازج. وكانت الأرض مغطاة بنبات السعدان وهو من النباتات الزاحفة كثيرة العصارة التي كانت الإبل تستمتع بها. وقد استمتعت أنا أيضا بمضغ البذور الحلوة النضرة.وقد رفض راعي الإبل الصغير،هادي،أن يشرب اللبن في البداية ولكنه بعد أن شربنا جميعا وتغطت أنوفنا بالزبد،غرف ما تبقى من الزبد بيده وأكله.وبينما نحن جالسون هناك دنا منا وانيت أحمر ونزل منه رجلان واتجها إلينا.وصاح أحدهما "مرحبا يا أم سعود ماذا تفعلين هنا ..؟" وكان ذلك الشخص هو عبد الله ابن رجل عجمان العجوز (زنيفر).وأجبته "إنني مع أصدقائي المريين". (..) وقد قرر الشيخ علي الهندي أن ينقل المعسكر كله في اليوم التالي ويتجه إلى الجنوب حيث الكلأ أفضل. (..) وبعد إفطار مبكر أنزل علي وناصر خيمتي وحملوها من جديد فوق (الوانيت) وكانت الخيمتان السوداوان البعيدتان قد أنزلتا أيضا وشحنت الأمتعة أولا في سيارة النقل ثم شحنت الخيام،وأخيرا النساء والخراف،والدجاج،والكلاب فوق الأمتعة. (..) وقد اقترح ناصر عدة أماكن ولكن علي أخيرا اختار بقعة جميلة كانت تنبت فيها مجموعة من نباتات التيكرويوم الزرقاء في واد رملي ضحل،على بعد ميلين من براميل الماء. حططنا رحلنا في هذا المكان وسرعان ما نصب الرجال خيمتي. ومن ناحية أخرى استغرق تفريغ الشاحنة وقتا طويلا. وعندما تم تفريغها نشرت النساء خيامهن الكبيرة على الأرض وبدأن في دق الأوتاد الحديدية التي تشد إليها حبال الخيام. وقد وجدن ذلك شاقا لوجود حجارة تحت الرمال وعندما انتصبت الخيام أخيرا جرت النساء {كمان!!} الأكياس الثقيلة والحقائب وصناديق الصفيح إلى أماكنها داخل الخيام. وقد عادت الشاحنة إلى الموقع القديم مرة أخرى لإحضار خيمتين أخريين. وكانت إحداهما قد نقلت على ظهر جمل وركبت الزوجة وطفلها في (المكسر) أو الهودج. وقد نقل راشد ووضحة خيمتهما على ظهر الإبل أيضا ونصباها على بعد نصف ميل إلى الشرق وكان الوقت ظهرا عندما عادت الشاحنة بآخر خيمتين.){ص 315 - 320}.مع أنني – في الحقيقة – "لاجئ" – ولست "سفيرا"- لدى إمبراطورية سيدي الكتاب .. فرارا من (الكتابة)!!! ومع ذلك فإن بعض الأفكار أبت إلا أن تراود قلمي عنه نفسه .. وأنا أقرأ ما تقوم به المرأة البدوية من أعمال شاقة .. وكان لذلك أن يعود بي إلى مقولة لأحد رؤساء قبيلة (تشبوا)،من الهنود الحمر يقول فيها نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي( خلق النساء للعمل،فالواحدة منهن في وسعها أن تجر من الأثقال أو تحمل منها ما لا يستطيعه إلا رجلان،وهن كذلك يُقمن لنا الخيام،ويصنعن الملابس ويصلحنها،ويدفئننا في الليل .. إنه يستحيل علينا أن نرحل بغيرهن،فهن يعملن كل شيء،ولا يُكلّفن إلا قليلا،لأنهن ما دمن يقمن بالطهي دائما،فإنهن يقنعن في السنين العجاف بلعق أصابعهن.)) {ص 61 ( قصة الحضارة ) / ول ديورانت / ترجمة : د/ زكي نجيب محمود / طبعة جامعة الدول العربية / 1965م / ط 3 / جـ1 مجلد 1}.يا لهذا (الكائن) العجيب!! إن أردته رمزا للرقة كان كذلك .. ويكفي أن الحق سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم (ليسكن إليها) .. هذه العبارة (السكن) المضمخة بالمعاني .. هذا الكائن (الضعيف) نفسه .. هو الذي رأينا تحمله في ما حدثتنا به"أم سعود" وهي نفس الصورة التي نقلها (الشيخ الهنود الحمر) .. هذا على المستوى (العضلي) .. وعلى الجانب الآخر لا ننسى فعل سيدتنا هند – قبل أن تصبح سيدتنا – بنت عتبة يوم أحد .. ولا فعل سيدتنا صفية بنت عبد المطلب – عمة الحبيب صلى الله عليه وسلم – حين قتلت يهوديا بعمود!!! قبل أن أعود إلى رحلات "أم سعود" لابد من (آهة) على المرأة (اللي في بالي) تلك التي لم ترع غنما .. ولم تنصب خيمة .. ولم تحلب ناقة ... بل كانت حين تريد الركوب على الدابة .. يجلس (سي السيد) راكزا قدمه في الأرض جاعلا فخذه وساقه على شكل زاوية قائمة .. لتتخذ من ذلك (سلما) يقربها إلى ظهر دابتها!! وهاهي الآن .. تعدو مع العاديات .. بنفس (السيناريو) المعروف .. (حقوق المرأة) (ظلم المرأة) (المساواة) .. ألفاظ فضفاضة ... ويتم تضخيم (الظلم) وطمس (الإيجابيات) .. إنه الطريق إلى (جحر الضب)!! نعود إلى "أم سعود" والتي قررت زيارة صامودا .. (وقد قدنا السيارة إلى حانوت حيث كان جابر يريد شراء بعض القهوة. وبقيت جالسة في السيارة ولكن جابر عاد ليخبرني بأنه يجب علينا أن نتقدم فورا إلى الأمير،الذي أخبره جواسيسه بوصول سيارة غريبة. وبعد أن أطلعته على كتاب أمير الحفر سارت الأمور على ما يرام ولكن أحد المتفرجين سأل ناصر لماذا أحضر (العنقريز) (امرأة إنجليزية) إلى قريتهم،وقال إنهم لا يريدونهم. وأخشى أن يكون ناصر قد أجاب بقول لا يعاد ذكره.وفي عودتنا التقطنا ثلاث حزم من صوف الخراف النظيف. وكان من الواضح أنها سقطت من إحدى الشاحنات وكانت النساء يسرهن الحصول على هذه الصوف لغزله.وعندما عدنا إلى المضارب كان طعام الغداء يطهى لنا جميعا في خيمة علي سعيد.. (..) وفي عصر نفس اليوم جاءت سيارة جيب من معسكر سليم أبو حديدة المجاور وتوقفت عند خيمة علي هندي ونزل منها رجل عراقي وسمعته يقول شيئا عن (سن). وعندما ذهب تساءلت عما كان يريد فقيل لي إن باينة زوجة علي هندي التي كانت خبيرة في خلع الأسنان قد خلعت للرجل اثنين من أسنانه كانا يؤلمانه في الأيام الثلاثة الأخيرة. فذهبت إلى رؤيتها ومعرفة كيف فعلت ذلك. وقد أخرجت (باينة) من صندوق الصفيح الخاص بها زوجا من الملاقيط ذات مقابض طويلة ومقوسة عند الأطراف. وقالت (بهذه جذبت أسنانه وأخرجتها،ثم وضعت قليلا من الملح لإيقاف النزف) وقد سألتها : كم تقاضيت مقابل هذه الخدمة؟ فأجابت إنها فعلتها"لله" ..){ص 320 - 321}. وفي طريقها إلى الكويت تعطينا المؤلفة (لقطة) ربما أظهرت أحد مفاتيح شخصيتها،أو أحد أسباب عيشها في الكويت .. (وقد توقفنا بعد ذلك في (نقطة طالع) وهي نقطة حرس الحدود التي كان يديرها عرب الرشايدة من عشيرة ابن مسيلم،وذلك لتفتيشنا قبل دخول الكويت. وقد بقيت أنا جالسة في السيارة وشعرت بخيبة أمل لأنهم لم يدعوني لدخول النقطة لتناول القهوة. ولأنني كنت متعبة فقد نزلت من السيارة وسالت ما إذا كان هناك قهوة وعندما تعرف الحراس عليّ أظهروا أسفهم الشديد واعتذارهم وأسرعوا بوضع سجادة في الظل جلست عليها وأحضرت لي القهوة. وقد تبادلنا حديثا ممتعا بينما كنا نستمتع بالراحة والانتعاش قبل أن نغادر إلى الكويت.){ص 322}. هل كانت المؤلفة لتلقى هذا الكم من الترحيب لو كانت في بلدها؟ لا أظن ذلك .. بل إنها ذكرت أنها – وزوجها- عندما زارا بلدهما بعد الحرب .. كان الناس ينظرون إلى الذين كانوا خارج البلاد ولم يعانوا من ويلات الحرب .. أقل وطنية ... وأين تجد (الكرم العربي) .. وتلك اللقطة التي تتسلل فيها امرأة لتهدي أم سعود سواريها .. لخجلها بأنهم لم يقوموا بواجب الضيافة؟!!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. عندما اكتشفَ أن عمرَه أربعون عاما وليس عشرين فقط (!!)
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-25-2015, 07:26 PM
  2. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-26-2011, 01:05 PM
  3. ((أربعون طريقــه لجعل حياتك أفضل ))
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-20-2011, 05:58 AM
  4. الذكرى أربعون لاستشهاد عبد الناصر
    بواسطة الناصر خشيني في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-26-2010, 11:09 AM
  5. أربعون فائدة طبية ونفسية للخشوع
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-12-2010, 05:30 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •