صالح الحايك..
حكايتي مع الدراما تمتد لنصف قرن

امتلك صالح الحايك فنَ الحديث وبراعةً بإتقان قواعد اللغة العربية الفصحى وكان لحضوره القوي وصوته الرخيم دور كبير في إعجاب المخرجين به.. مما جعله يتبوأ الأدوار القيادية عبر مسيرته الطويلة التي امتدت قرابة نصف قرن.. وقد شغل مكاناً دائماً في إذاعة دمشق.. وأدى دور النائب العام في أشهر برنامج إذاعي(حكم العدالة).. وفي الدراما التلفزيونية أيضاً جسد أدواراً متميزة منذ السبعينيات في مجال الأعمال التاريخية والاجتماعية وأعمال البيئة الشامية.. ومؤخراً الأعمال البوليسية.

وفي رصيده الفني الكثير إذ وقف أمام كاميرا كبار المخرجين السوريين مثل (علاء الدين كوكش وهيثم حقي وبسام الملا..) و ظهر بكركترات مختلفة في الأعمال التي عُرضت في السنوات الأخيرة ونالت صدىً واسعاً لدى المشاهدين، لعل أهمها دوره في سلسلة باب الحارة، إذ جسد دور(أبو صياح) الدور الأكثر شهرةً في تاريخه الفني لخصوصية الشخصية وارتباطها بجانب المقاومة..
إضافةً إلى دوره الأساسي في مسلسل بيت جدي (أبو راشد) والعمل البوليسي الجديد في تاريخ الدراما السورية (وجه العدالة) واقترب أكثر من المشاهد السوري والعربي في أعماله الاجتماعية منها كسر الخواطر ودائرة النار وغيرها..
صالح الحايك كان شاهداً على تطور الدراما السورية منذ نشأتها حتى الآن وقد بدأ مسيرته الفنية بالزمن الصعب حينما كانت الأعمال الدرامية السورية، تُعرض فقط في سورية، ولاتوجد محطات فضائية ولا فرصة للتسويق الخارجي.. ورغم ذلك حقق مع زملائه الفنانين شهرةً كبيرة ومضوا بعجلة الدراما السورية نحو الأمام لتغدو أولى الدرامات العربية، وتشغل المحطات العربية على مدار العام عامةً، وفي رمضان خاصةً وتكون موضع اهتمام المشاهد العربي.. ويعزو الحايك نجاح الدراما السورية إلى التصاقها بالقضايا القومية والوطنية الكبرى لاسيما القضية الفلسطينية وقصة صراعنا مع العدو الصهيوني، وقد ذكر في حواراته السابقة:«إن الدراما السورية نجحت بالإسقاط من الزمن الغابر على الزمن الحاضر، وبذلك نكون ناجحين في تقديم رسالة للمشاهد تمنحنا نجاحاً متواصلاً..» ومن جانب آخر كانت الدراما السورية مرآةً صادقةً لكل حيثيات المجتمع وما نراه في يومياتنا ويطال سلوكياتنا وخاصة العنف الذي تتعرض له المرأة والانحرافات الأخلاقية التي تودي إلى نتائج وخيمة.. وأكد الحايك مراراً «بأننا حينما، نكون صادقين بمعالجة همومنا وطرح مشكلاتنا نكسب محبة المشاهد ومتابعته الدقيقة..» ومن خلال التواصل ما بين الأعمال الدرامية والمشَاهِد، كان للدراما السورية دور بناء في تطوير عملية التنمية ومحاولة الابتعاد عن الممارسات الخاطئة في مجتمعنا.
وفي وقتنا الحالي يرى الحايك بأن الدراما السورية أصبحت أكثرالتصاقاً بمجتمعنا، ويعود هذا إلى كتّاب السيناريو الذين نقلوا صورةً حقيقية بعيدة عن القدرة التخيلية للكتّاب الذين يكتبون لشخصية معينة كما يحدث في مصر، إذ يُكتب الدور لنور الشريف أو يحيى الفخراني أو يسرا.. فيخرج عن الواقع، بينما في الدراما السورية يُكتب النص ثم يُعرض على المخرج الذي يختار الشخصيات المناسبة للأدوار، وهذا منحها مصداقية .
وعلى الصعيد ذاته يجد الحايك أن الدرما السورية تملك مقومات غير متوافرة في بقية الدرامات سواء من ناحية السيناريوهات الواقعية أو الذهنية المبدعة لدى المخرجين السوريين أو الأداء المميز والحضور القوي للممثل السوري، الذي فرض وجوده بقوة على الساحة العربية.. وحينما غادرت الكاميرا جدران الاستوديوهات الداخلية وجدت مساحة كبيرة من الجماليات الطبيعية التي تتصف بها سورية كانت عوناً لها لتنفيذ مشاهد خارجية ضمن التنوع الجغرافي لسورية مابين البحر والجبال وامتداد الأنهار والسهول والصحراء، إضافةً إلى وجود كم كبير من المواقع الأثرية التي كانت شاهداً على تعاقب الحضارات.. وفي المنحى ذاته تابعنا الحديث مع الحايك حول رأيه بموسم 2011 فعلق بأنه رغم كل الأوضاع السيئة التي مرت بها سورية في ظل الأحداث الأخيرة والتي أثرت على الوضع العام ووضع الانتاج، إلا أن التصوير لم يتوقف.. ولكن قُلص الانتاج إلى قرابة عشرين عملاً، ولم يحدث هذا في سورية فقط وإنما في مصر أيضاً نتيجة ما مرت به الدول العربية من أحداث سياسية طارئة، لكن الحايك متفائل بقوة الدراما السورية واستمرارها بالتربع على عرش النجاح..أما عن أعماله القادمة فذكر بأنه يشارك في عمل «رجال العزّ» تأليف طلال مارديني وإخراج علاء الدين كوكش بدور إمام المسجد(أبو طه) أحد عضوات الحارة، وله دور كبير في التقارب بين الناس ويتفاعل مع الأحداث ليكون فعالاً جداً على صعيد المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.. والأمر الهام أنه يظهر بكاركتر جديد غير متبع بالأعمال الشامية السابقة، وصرح بأن العمل يحمل في طياته الخير والشر وهو دراما توجيهية تعود بنا إلى تلك الأيام الخوالي وإلى العلاقات الحميمة بين الناس والروابط الاجتماعية والمشاعر الوجدانية التي نفتقر إليها حالياً .
كما يعمل في مسلسل «ملح الحياة» تأليف حسن سامي يوسف وإخراج أيمن زيدان.. بدور رئيس المخابرات «عبد الحميد السراج»، وهو من الشخصيات السياسية الرئيسية خلال مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، والعمل عامةً غني بدخوله الخطوط الساخنة ومعترك الحياة الاجتماعية والسياسية التي تطال هذه المرحلة الهامة من تاريخ سورية الحديث.
و على الصعيد الاجتماعي يجسد دور الأب في سهرة تلفزيونية من إنتاج القناة التربوية تأليف د. طالب عمران وإخراج أسامة شقير يقول عنها:« إنها من أجمل ما كتبه د. عمران تتحدث عن حتوتة اجتماعية جميلة جداً عنوانها(حدث في منتصف الليل)». وطيلة هذه السنوات كان الحايك مساهماً دائماً في إذاعة دمشق في أهم برامجها: (حكم العدالة- آفاق مسرحية-من الحياة-سهرات خاصة- وأعمال درامية-برامج فنية) وقد أشاد بدور إذاعة دمشق التي تعد من أهم الإذاعات العربية وعَبْر مسيرتها الطويلة تبنت عناوين غير موجودة في بقية الإذاعات حملت في يومياتها وبرامجها هاجس الهم القومي والوطني، وقامت بتوجيه رسالة قوية إلى الشارع العربي معتمدةً على اللغة العربية الفصحى، كما خصصت مساحة كبيرة من وقتها للأغنية القومية الهادفة واللحن الموسيقي القوي.
وفي نهاية حديثنا عن إذاعة دمشق نوّه الحايك بأن وزارة الاعلام تمنح الإذاعة مساحة كبيرة من الحرية والجرأة لعرض قضايا المواطنين وبث برامج توجيهية وثقافية وبرامج أكثر خصوصية، تتعلق بالنشاط اليومي للعامل والفلاح إضافةً إلى إيلائها تطور الفن السوري وخاصة الموسيقي اهتماماً كبيراً.
صالح الحايك قدم رسالة فنية هادفة.. وعمل في الزمن الصعب -كما قلنا- وما زال يبحث دائماً عن الجديد والممتع.


مِلده شويكاني

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1171&a=104578