منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 162

العرض المتطور

  1. #1

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    4ـ المُشَبَّهُ بالْمَفعول به

    إن كان معمولُ الصفةِ المُشبَّهة معرفةً، فحقُّهُ الرفعُ، لأنه فاعلٌ لها، نحو: (عليٌّ حَسَنٌ خُلقُهُ). غيرَ أنهم إذا قصدوا المبالغةَ حوَّلوا الإسنادَ عن فاعلها إلى ضميرٍ يسْتَتِرُ فيها يعود الى ما قبلها، ونَصبوا ما كان فاعلاً، تشبيهاً له بالمفعول به، فقالوا: (علي حَسَنٌ خُلقَهُ)، بنصبِ الخُلُق على التَّشبيه بالمفعول به، وليس مفعولاً به، لأنّ الصفةَ المشبَّهة قاصرةٌ غيرُ متعديةٍ، ولا تمييزاً، لأنه معرفةٌ بالإضافة إلى الضمير. والتمييزُ لا يكونُ إلا نكرةً.

    [ علي: مبتدأ، وحسنٌ: خبره، وخُلُقُه: فاعل لحسن. ويجوز أن يكون (حسن) خبراً مقدماً، وخلقه مبتدأ مؤخراً، والجملة خبر عن علي]


    5- التَّحْذيرُ


    التَّحذيرُ: نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوف يُفيدُ التَّنبيهَ والتّحذيرَ. ويُقدّرُ بما يُناسبُ المقامَ: كاحذَرْ، وباعِدْ، وتَجنَّبْ، و (قِ) وتَوَقَّ، ونحوها.


    وفائدتُهُ تنبيهُ المخاطبِ على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبَهُ.


    ويكونُ التحذيرُ تارةً بلفظِ (إيّاكَ) وفروعهِ، من كلّ ضميرٍ منصوبٍ متصل للخطاب، نحو: (إياكَ والكَذِبَ*1، إِياكَ إياكَ والشرّ*2َ، إياكما من النفاقِ*3 إياكم الضَّلالَ*4، إياكنَّ والرَّذيلةَ.

    *1ـ إياك: في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (باعد، أوقِِ، أو احذر). والكذب: معطوف على (إياك)، أو مفعول به لفعل محذوف أيضاً تقديره: احذر أو توقّ. وتقدير الكلام من جهة المعنى: باعد نفسك من الكذب وباعد الكذب من نفسك.
    *2ـ إياك الثانية: تأكيد للأولى.
    *3ـ إياكما: مفعول لفعل محذوف تقديره: باعدا. من النفاق: متعلق بالفعل المقدّر.
    *4ـ التقدير: أحذركم الضلال، فإياكم والضلال: مفعولان لفعل مقدر ينصب المفعولين.

    ويكونُ تارةً بدونه، نحو: (نفسَكَ والشرّ، الأسدَ الأَسدَ).
    وقد يكونُ بـ (إيّاه، وفروعهما، إذا عُطفَ على المُحذّر، كقوله:


    فَلا تَصْحَبْ أَخَا الجَهْلِ

    وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ
    [الأسدَ الأَسدَ: التقدير: احذر الأسد، والثانية توكيد.]


    وقد يُرفعُ المكرّرُ، على أنهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، نحو: "الأسدُ الأسدُ" أي: هذا الأسدُ.


    وقد يُحذَفُ المحذورُ منه، بعد (إياك) وفروعهِ، اعتماداً على القرينة، كأنْ يُقال: "سأفعلُ كذا" فتقولُ: "إياكَ"، أَي: "إياك أَن تفعله".

    وما كان من التّحذير بغير "إياك" وفروعهِ، جاز فيه ذكرُ المُحذَّر والمحذَّر منه معاً، نحو:"رجلَكَ والحجرَ" وجازَ حذفُ المحذّر وذكرُ المحذّر منه وحدَهُ، نحو: "الأسدَ الاسدَ". ومنه قولهُ تعالى: {ناقةَ اللهِ وسُقياها}.

    6- الإِغراءُ


    الإِغراءُ: نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ يُفيدُ الترغيبَ والتشويقَ والإِغراءَ. ويقدَّرُ بما يُناسبُ المقامَ: كالزَمْ واطلُبْ وافعلْ، ونحوها.
    وقائدتُه تنبيهُ المخاطَبِ على أمرٍ محمودٍ ليفعلُه، نحو: (الاجتهادَ الاجتهادَ) مو (الصِدقَ وكرَمَ الخلقِ).


    ويجبُ في هذا البابِ حذفُ العاملِ إن كُرّرَ المُغرَى به، أو عُطِفَ عليهِ، فالأولُ نحو: "النَجدةَ النَّجدةَ". ومنه قول الشاعر:


    أَخاكَ أَخَاكَ، إنَّ مَنْ لا أَخا لَهُ

    كساعٍ إلى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاَحِ

    وإِنَّ ابْنَ عَمِّ المَرْءِ فاعلَمْ، جَناحُهُ

    وهَلْ يَنْهَضُ البازِي بِغَيْرِ جَنَاحِ

    والثاني نحو: (لمُروءةَ والنّجدةَ). ويجوزُ ذِكرُ عاملهِ وحذفه إن لم يُكرّر ولم يُعطَفْ عليه، نحو: (الإِقدامَ، الخيرَ). ومنه: (الصّلاةَ جامعةً). فإن أظهرتَ العاملَ فقلتَ: (اِلزمِ الإقدام، افعل الخيرَ، أُحضُرِ الصلاة)، جازَ.


    وقد يُرفعُ المكرَّرُ، في الإغراءِ، على أنهُ خبرٌ لمبتدأ محذوف، كقوله:

    إِنَّ قَوْماً مِنْهُمْ عُمَيْرٌ وأَشبا

    هُ عُميْرٍ، ومِنْهُمُ السَّفَّاحُ

    لَجَدِيرُونَ بالوَفاءِ إِذَا قا

    لَ أَخُو النَّجْدةِ. السِّلاَحُ السِّلاَحُ

  2. #2

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    7- الاختِصاصُ

    الاختصاصُ: نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ: (أَخصُّ، أو أعْني). ولا يكونُ هذا الاسمُ ضميرٍ لبيان المرادِ منه، وقَصرِ الحكمِ الذي للضمير عليه، نحو: (نحنُ - العرَبَ - نُكرِمُ الضّيفَ). ويُسمّى الاسمَ المُختصّ.

    (فنحن: مبتدأ، وجملة نكرم الضيف: خبره. والعربَ: منصوب على الاختصاص بفعل محذوف تقديره: (أخصّ). وجملة الفعل المحذوف معترضة بين المبتدأ وخبره. وليس المراد الإخبار عن (نحن) بالعرب، بل المراد أن إكرام الضيف مختص بالعرب ومقصور عليهم.

    فإن ذُكرَ الاسمُ بعد الضمير للإخبار به عنه، لا لبيان المراد منه، فهو مرفوع لأنه يكون حينئذ خبراً للمبتدأ. كأن تقول: (نحنُ المجتهدون) أو (نحن السابقون).

    ومن النصب على الاختصاص قولُ الناس: (نحنُ - الواضعين أسماءنا أدناه - نشهد بكذا وكذا). فنحن: مبتدأ، خبره جملة (نشهد) والواضعين: مفعول به لفعل محذوف تقديره: (نخصّ، أو نعني)).


    ويجبُ أن يكونَ مُعرّفاً بأل، نحو: (نحنُ - العربَ - أوفى الناسِ بالعُهود)، أو مضافاً لمعرفةٍ، كحديث: (نحنُ - مَعاشرَ الأنبياء - لا نورثُ ما تركناهُ صدَقةٌ)، أو عَلَماً، وهو قليلٌ، كقول الراجز: (بنا - تَميماً - يُكشَفُ الضَّبابُ). أما المضافُ إلى العَلَمِ فيكونَ على غيرِ قِلّةٍ، كقولهِ: (نحنُ - بَني ضَبَّةَ أصحابَ الجَمَل). ولا يكونُ نكرةً ولا ضميراً ولا اسمَ إشارة ولا اسمَ موصولٍ.


    وأكثرُ الأسماءِ دخولاً في هذا البابِ (بنو فلان، ومعشر (مضافاً)، وأهلُ البيتِ، وآلُ فلانٍ).


    واعلمْ أن الأكثر في المختصِّ أن يَلي ضميرَ المتكلِّمِ، كما رأيتَ. وقد يلي ضميرَ الخطاب، نحو: (بكَ - اللهَ. أرجو نجاحَ القصدِ) و (سُبحانَكَ - اللهَ – العظيمَ). ولا يكون بعدَ ضميرِ غيبة.

    وقد يكون الاختصاصُ بلَفظ (أَيُّها وأَيَّتُها)، فيُستعملان كما يستعملان في النّداءِ، فيبنيان على الضمِّ، ويكونانِ في محلِّ نصبٍ بأخُص محذوفاً وجوباً، ويكونُ ما بعدَهما اسماُ مُحَلًّى بألْ، لازمَ الرفعِ على أنه صفةٌ لِلَفظهما، أو بدلٌ منه، أو عطفُ بيانٍ لهُ. ولا يجوزُ نصبه على أنه تابعٌ لمحلّهما من الإعراب. وذلك نحو: (أَنا أفعلُ الخيرَ، أيُّها الرجلُ، ونحن نفعلُ المعروفَ، أيُّها القومُ). ومنه قولهم: (أَللهمَّ اغفر لنا، أَيَّتُها العَصابةُ).

    (ويراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص، وإن كان ظاهره النداء. والمعنى: (أنا أفعل الخير مخصوصاً من بين الرجال، ونحن نفعل المعروف مخصوصين من بين القوم, واللهمّ اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب). ولم ترد بالرجل إلا نفسك: ولم يريدوا بالرجال والعصابة إلا أنفسهم. وجملة (أخص) المقدّرة بعد (أيها رأيتها) في محل نصب على الحال).


    8- الاشتغالُ


    الاشتغالُ: أن يَتقدَّمَ اسمٌ على من حقِّهِ أن يَنصِبَه، لولا اشتغالهُ عنه بالعمل في ضميرهِ، نحو: (خالدٌ أَكرمتُهُ).


    (إذا قلت: (خالداً أكرمتُ)، فخالداً: مفعول به لأكرمَ. فان قلتَ: (خالدٌ أكرمته)، فخالدٌ حقه أن يكون مفعولاً به لأكرم أيضاً، لكنّ الفعلَ هنا اشتغل عن العمل في ضميره، وهو الهاء. وهذا هو معنى الاشتغال).


    والأفضلُ في الاسم المتقدمِ الرفعُ على الابتداء، كما رأيتَ. الجملةُ بعدَهُ خبرهُ. ويجوز نصبُهُ نحو: (خالداً رأيتهُ).


    [خالداً: مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، وتقديره: (رأيت) وجملة (رأيته): مفسرة للجملة المقدرة، ولا محل لها من الإعراب]

    وناصبُهُ فعلٌ وجوباً، فلا يجوزُ إظهارهُ. ويُقدَّرُ المحذوفُ من لفظِ المذكور. إلا أن يكونَ المذكورُ فعلاً لازماً متعدياً بحرف الجر، نحو: (العاجزَ أخذتُ بيدهِ) و (بيروتَ مررتُ بها)، فَيُقدّرُ من معناهُ.


    (فتقدير المحذوف: (رأيت). في نحو (خالداً رأيته). وتقديره: (أعنت، أو ساعدت، في نحو: (العاجزَ أخذت بيده). وتقديره: (جاوزت) في نحو: (بيروتَ مررت بها)).

    وقد يَعرِضُ للاسمِ المُشتَغَلِ عنه ما يوجبُ نصبَهُ أو يُرَجّحُهُ، وما يوجبُ رفعَهُ أو يُرَجّحُهُ.

    فيجبُ نصبُهُ إذا وقعَ بعدَ أدواتِ التّحضيضِ والشرطِ والاستفهامِ غير الهمزةِ، نحو: (هلاّ الخيرَ فعلتَهُ. إنْ علياً لقيتَهُ فسَلّمْ عليهِ, هل خالداً أَكرمتَهُ؟).

    (غير أن الاشتغال بعد أدوات الاستفهام والشرط لا يكون إلا في الشعر. إلا أن تكون أداة الشرط (أن) والفعل بعدها ماض، أو (إذا) مطلقاً، نحو: (إذا عليّاً لقيته، أو تلقاه فسلم عليه). وفي حكم (إذا).


    في جواز الاشتغال بعدها في النثر، (لو ولولا).

    ويُرجَّحُ نصبُهُ في خمسِ صُوَر:


    1- أن يقعَ بعد الاسمِ أمرٌ، نحو: (خالداً أَكرِمْهُ) و (عليّاً لِيُكرِمْهُ سعيدٌ).


    2- أن يقعَ بعدَهُ نهيٌ، نحو: (الكريمَ لا تُهِنهُ).


    3- أن يقعَ بعدَهُ فعلُ دُعائي، نحو: (اللهمَّ أمرِيَ يَسّرّهُ، وعَمَلي لا تُعَسّرْهُ). وقد يكونُ الدعاءُ بصورةِ الخبرِ، نحو: (سليماً غفرَ اللهُ لهُ، وخالداً هداهُ اللهُ)


    (فالكلام هنا خبري لفظاً، إنشائي دعائي معنى. لأنّ المعنى: اغفر اللهم لسليم، واهدِ خالداً. وإنما ترجح النصب في هذه الصور لأنك إن رفعت الاسم كان خبره جملة إنشائية طلبية، والجملة الطلبية يضعف الإخبار بها).


    4- أن يقعَ الإسمُ بعدَ همزة الاستفهام، كقوله تعالى: {أَبشَراً مِنّا واحداً نَتَّبعُهُ؟}.
    (وانما ترجح النصب بعدها لأن الغالب ان يليها فعلٌ، ونصبُ الاسم يوجبُ تقديرَ فعل بعدها).


    5- أن يقعَ جواباً لمُستفهَمٍ عنه منصوبٍ، كقولك: (عليّاً أَكرمتُهُ)، في جواب من قال: (مَنْ أَكرمتَ؟).
    (وإنما ترجح النصب لأنّ الكلام في الحقيقة مبنيّ على ما قبله من الاستفهام).


    ويجبُ رفعُهُ في ثلاثة مواضعَ:


    1- أن يقعَ بعدَ (إذا الفجائيَّةِ) نحو: (خرجت فإذا الجوُّ يَملَؤُهُ الضَّبابُ).

    (وذلك لأن (إذا) هذه لم يؤوّلها العربُ إلا مبتدأ، كقوله تعالى: {ونزعَ يده فإذا هي بيضاء للناظرين}، أو خبراً، كقوله سبحانه: {فإذا لهم مكرٌ في آياتنا}. فلو نُصب الاسمُ بعدها، لكان على تقدير فعل بعدها، وهي لا تدخل على الأفعال).

    2- أن يقعَ بعدَ واو الحال، نحو: (جئتُ والفرسُ يَركبُهُ أَخوكَ).


    3- أن يقعَ قبلَ أدوات الاستفهام، أو الشرط، أو التحضيص، أو ما النافية، أو لامِ الابتداء، أو ما التَّعجبيةِ، أو كم الخبرية، أو (إنَّ) وأَخواتها، نحو: (زُهيرٌ هل أَكرمتَهُ؟، سعيدٌ فأكرِمه، خالدٌ هلاَّ دعوتهُ، الشرُّ ما فعلتُهُ، الخيرُ لأنا أَفعلُهُ، الخلُق الحَسَنُ ما أَطيبَهُ!، زُهيرٌ كم أكرمتُهُ!، أُسامةُ إني أَحِبُّهُ).


    (فالاسم في ذلك كله مبتدأ. والجملة بعده خبره. وإنما لم يجز نصبه بفعل محذوف مفسر بالمذكور. لأن ما بعد هذه الأدوات لا يعمل فيما قبلها. وما لا يعمل لا يفسر عاملاً).


    ويُرَجَّحُ الرفعُ، إذا لم يكن ما يوجبُ نصبَهُ، أو يرَجِّحُه، أو يوجبُ رفعَه، نحو: "خالدٌ أكرمتُهُ". لأنهُ
    إذا دار الأمر بينَ التقديرِ وعدَمِهِ فتركهُ أولى.

  3. #3

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    9- التَّنازُعُ

    التَّنازُعُ: أن يَتوجهَ عاملانِ مُتقدمانِ، أو أكثرُ، إلى معمول واحدٍ مُتأخرٍ أو أكثر، كقوله تعالى: {آتوني أُفرغْ عليه قِطراً}.


    (آتوا: فعل أمر يتعدى الى مفعولين. ومفعوله الأول هو الياء، ضميرُ المتكلم. وهو يطلب (قطراً) ليكون مفعوله الثاني.و (أفرغ) : فعل مضارع متعد الى مفعول واحد. وهو يطلب (قطراً) ليكون ذلك المفعول. فأنت ترى أنّ (قطراً) قد تنازعه عاملانِ، كلاهما يطلبه ليكون مفعولاً به له، لأنّ التقدير: {آتوني قطراً أفرغه عليه}. وهذا هو معنى التنازع).


    ولكَ أن تُعمِلَ في الاسم المذكور أيَّ العاملَينِ شئتَ. فإن أعملت الثاني فَلقُربهِ، وإن أعملت الأولَ فلسبَقهِ.

    فإن أَعملتَ الأوَّلَ في الظاهرِ أَعملتَ الثانيَ في ضميرهِ، مرفوعاً كان أم غيرَهُ، نحو: (قامَ، وقعدا، أخواك. اجتهدَ، فأكرمتُهما، أخواك.وقفَ، فسلمتُ عليهما، أخواك. أكرمتُ، فَسُرّا، أخَويْكَ. أكرمتُ، فشكرَ لي، خالداً). ومن النُّحاة من أجاز حذفه، إن كان غيرَ ضميرِ رفعٍ، لأنهُ فضلةٌ، وعليه قول الشاعر:

    بِعُكاظَ يُعْشي النَّاظِريـ

    ـنَ، إذا هُمُ لَمَحُوا، شُعاعُهْ
    [شُعاعه: فاعل (يُعشي) وقد حذف مفعول (لمحوا) ولم يأتِ به ضميراً. ولو أضمره لقال: (لمحوه). وذلك أن كلا من (يعشي ولمحوا) يطلب (شعاعه) ليعمل فيه. فالأول يطلبه لأنه فاعلٌ له. والآخر يطلبه لأنه مفعوله فأعملَ الأول، وأهمل الآخر؛ ولم يعمله في ضميره والمعنى: يُعشي شعاعه الناظرين، إذا لمحوه، أي يبهرهم، فلا يستطيعون إدامة النظر إليه]

    وأن أعملتَ الثانيَ في الظاهر، أعملتَ الأولَ في ضميرهِ، إن كان مرفوعاً نحو: (قاما، وقعدَ أخواك. اجتهدا، فأكرمتُ أخوَيْك) وَقَفا، فسَلَّمتُ على أخويكَ". ومنه قولُ الشاعر:


    جَفَوْني، ولم أَجفُ الأَخِلاَّءَ، إِنَّني

    لِغَيْرِ جَميلٍ مِنْ خَلِيلَي مُهْمِلُ

    وإن كان ضميرُهُ غير مرفوعٍ حذفتَهُ، نحو: (أكرمت، فَسُرَّ أخواك. أكرمتُ، فشكرَ لي خالدٌ. أكرمتُ، وأكرَمني سعيدٌ. مررتُ، ومَرَّ بي علىُّ). ولا يقال: (أكرمتهما، فَسُرَّ أخواكَ. أكرمتُهُ، فشكرَ لي خالد. أكرمتُهُ، وأكرمني سعيدٌ. مررتُ به، ومرَّ بي عليَّ). وأمّا قول الشاعر:


    إذا كُنْتَ تُرْضِيهِ، وَيُرْضيكَ صاحبٌ

    جِهاراً، فَكُنْ في الْغَيْبِ أَحفَظَ للعَهْدِ

    وَأَلْغِ أَحاديثَ الْوُشاة، فَقَلَّما

    يُحاوِلُ واشٍ غَيْرَ هِجْرانِ ذِي وُدِّ

    بإظهار الضمير المنصوب في (تُرضيه)، فضرورةٌ لا يحسُنُ ارتكابها عند الجمهور. وكان حقُّهُ أن يقول: (إذا كنت تُرضي، ويُرضيكَ صاحبٌ). وأجازَ ذلك بعضُ مُحَقّقي النّحاة.

    (وذهب الكسائيّ ومن تابعه الى أنه أذا أعملت الثاني في الظاهر، لم تُضمر الفاعلَ في الأول بل يكون فاعله محذوفاً لدلالة ما بعده عليه (لأنه يُجيز حذف الفاعل إذا دل عليه دليل). فإذا قلت: (أكرمني فسرّني زهيرُ)، فإن جعلت زهيراً فاعلاً لسرّ، كان فاعل (أكرمَ) (على رأى سيبويه والجمهور) ضميراً مستتراً يعود إليه. وعلى رأي الكسائي ومن وافقه يكون فاعل (أكرم) محذوفاً لدلالة ما بعده عليه. ويظهر اثر الخلاف في التثنية والجمع، فعلى رأي سيبويه يجب أن تقول: (إن أعملت الثاني): (أكرماني، فسرَّني صديقايَ. وأكرموني، فسرَّني أصدقائي). وتقول على مذهب الكسائي ومن تابعه: (أكرمني، فسرَّني صديقايَ. وأكرمني، فسرَّني أصدقائي). فيكون الاسم الظاهر فاعلاً للثاني. ويكون فاعل الأول محذوفاً. وما قاله الكسائي ليس ببعيدٌ، لان العرب تستغني في كلامها عما يُعلم لو حُذف، ولو كان عمدة. ولهذا شواهدُ من كلامهم. أما لو أعملت الأول في الاسم الظاهر، فيجب بالاتفاق الإضمار في الثاني، نحو: (أكرمني، فسرَّاني، صديقايَ، وأكرمني، فسرّوني، أصدقائي).

    والذي دعا الكسائيّ الى ما ذهب إليه، انه لو لم يحذف الفاعل، لوجب أن يكون ضميراً عائداً على الاسم الظاهر المتأخر لفظاً ورتبة، وذلك قبيح. وقال سيبويه: ان عود الضمير على المتأخر أهون من حذف الفاعل، وهو عمدة، والحقّ أنَّ لكل وجهاً، وانّ الإضمار وتركه على حد سواء. وقد ورد في كلامهم ما يؤيج ما ذهب اليه الفريقان. فقول الشاعر: جفوني ولم اجف الأخلاء... شاهدٌ لسيبويه: وقول الآخر:


    تعفق بالارطى لها وأرادها

    رجالٌ، فبذَّت نبلَهم وكَليبٌ
    [ تعفق بالأرطي: لاذ بها والتجأ إليها. والأرطي: نوع من الشجر. والضمير في لها يعود الى بقرة الوحش. و (نبلهم) : مفعوله. وليس هو الفاعل، كما قال من فسر البيت من أصحاب الشروح والحواشي النحوية. و (الكليب): الكلاب، جمع كلب. وهو معطوف على رجال. والمعنى أن رجالاً لاذوا بالأرطي مستترين بها، وأرادوا صيد هذه البقرة الوحشية هم وكلابهم فلم يفلحوا، لأنها غلبت كلابهم ونبالهم]

    (شاهدٌ للكسائي: فهو لا يُضمر في واحد من الفعلين. ولو اضمر في الأول واعمل الثاني لقال: (تعفقوا بالارطى وأرادها رجال). ولو اضمر في الثاني واعمل الأول، لقال: (تعفق بالارطى ورادوها رجال)).


    واعلم أنهُ لا يقعُ التنازعُ إلا بينَ فعلينِ مُتصرّفينِ، او اسمينِ يُشبهانِهما، أو فعلٍ متصرفٍ واسمٍ يُشبهُه. فالأول نحو: "جاءَني، وأكرمتُ خالداً"، والثاني كقول الشاعر:


    عُهِدْتَ مُغِيثاً مُغنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ

    فَلَمْ أَتَّخِذْ إِلاَّ فِناءَكَ مَوْئِلا

    والثالثُ كقوله تعالى: {هاؤُمُ اقرَأُوا كتابِيَهْ}. ولا يقعُ بينَ حرفين ولا بينَ حرفٍ وغيره، ولا بينَ جامدينِ، ولا بينَ جامدٍ وغيره.

    وقد يُذكَرُ الثاني لمجرَّدِ التَّقويةِ والتأكيد، فلا عَمَلَ له، وإنَّما العمل للأوَّلِ. ولا يكونُ الكلامُ حينئذٍ من باب التنازع، كقول الشاعر:

    فَهَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ، الْعَقِيقُ وَمَنْ بهِ

    وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالْعَقيقِ نُواصِلُهْ

    وقول الآخر:


    فأَينَ إلى أَينَ النَّجَاةُ ببَغْلَتِي

    أَتاكَ، أَتاكَ، اللاَّحِقُونَ، احْبِسِ احْبِسِ

    (ولو كان من باب التنازع لقال: (أتوك أتاك اللاحقون)؛ بإعمال الثاني في الظاهر والإضمار في الأول، أو (أتاك أتوك اللاحقون) بالإضمار في الأول وإعمال الثاني في الظاهر).

  4. #4

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    10- القوْلُ المتَضَمِّنُ مَعْنَى الظنِّ

    قد يتضمنُ القول معنى الظن، فينصبُ المبتدأ والخبر مفعولينِ، كما تنصبهُما (ظنَّ). وذلك بشرطِ أن يكون الفعل مضارعاً للمخاطَب مسبوقاً باستفهامٍ، وأن لا يُفصَلَ بينَ الفعلِ والاستفهام بغير ظرفٍ، أو جار ومجرورٍ، أو معمولِ الفعل، كقول الشاعر:


    مَتَى تَقُولُ الْقُلُصَ الرَّواسِما

    يَحْمِلْنَ أُمَّ قاسمٍ وَالْقاسِما
    [ القُلص: جمع قلوص، وهي الناقة الشابة، والرواسم: جمع راسمة؛ وهي الناقة التي تترك أثراً في الأرض بسيرها، والرسيم: ضرب من السير]

    ومثالُ الفصل بينهما بظرفٍ زمانيّ أو مكانيّ: (أيومَ الخميس تقولُ عليّاً مسافراً

    أوَ عندَ سعيدٍ تَقولُهُ نازلاً)، قال الشاعر:

    أَبَعْدَ بُعْدٍ تَقولُ الدَّارَ جامعةً

    شَمْلي بهمْ؟ أَمْ تَقول البُعْدَ مَحْتوما؟!

    ومثالُ ما فُصِلَ فيه بينهما بالجارّ والمجرور: (أبا الكلامِ تقول الأمّةَ بالغةً مجدَ آبائها الأوَّلينَ؟). ومثالُ الفصلِ بمعمول الفعل قولُ الشاعر:

    أجُهَّالاً تَقُولُ بني لُؤَيِّ؟
    لَعَمْرُ أَبِيكَ، أَمْ مُتَجاهِلينا؟

    فإن فُقد شرطٌ من هذه الشروطِ الأربعة، تَعيّنَ الرفعُ عند عامة العربِ، إلا بني سلَيمٍ، فهم ينصبون بالقول مفعولينِ بلا شرطٍ.


    ولا يجب في القول المُتَضمّنِ معنى الظن، المُستوفي الشروط، أن ينصب المفعولين، بل يجوز رفعُهما على أنهما مبتدأ وخبر، كما كانا.


    وإن لم يتضَمنِ القولُ معنى الظن فهو مُتعد إلى واحد. ومفعولهُ إمّا مفرد (أي غير جملةٍ)، وإمّا جملةٌ محكيّة. فالمفرد على نوعينِ: مفردٍ في معنى الجملةِ، نحو: (قلت شعراً، أو خطبةً، أَو قصيدة أَو حديثاً)، ومفردٍ يُرادُ به مُجردُ اللفظِ، مثلُ: (رأيتُ رجلاً يقولون له خليلاً) (أي يُسمُّونه بهذا الاسم): وأمَّا الجملة المحكِيَّة بالقول، فتكونُ في موضع نصب على أنها مفعوله، نحو: (قلتُ: لا إلهَ إلا اللهُ).

    وهمزةُ (إنَّ) تكسرُ بعد القول العَري عن الظن، وتُفتح بعد القول المَتضمّن معناهُ. كما سبق في مبحث (أن).

    11- الإِلغاءُ والتَّعْليقُ في أَفعال الْقُلُوب

    الإلغاءُ: إِبطال عملِ الفعلِ القلبيِّ الناصبِ للمبتدأ والخبر لا لمانعٍ، فيعودان مرفوعينِ على الابتداءِ والخبرّةِ، مثل: (خالدٌ كريم ظننت).
    والإلغاء جائز في أَفعالِ القلوب إِذا لم تَسبقْ مفعولَيها. فإن تَوسطت بينهما فإعمالُها وإلغاؤها سِيّانِ. تقول: (خليلاً ظننت مجتهداً) و (خليلٌ ظننتُ مجتهد). وإن تأخرت عنهما جاز أن تَعمَل وإلغاؤها أَحسن، تقول: (المطر نازل حَسِبتُ)، و (الشمس طالعةً خلت). فإن تقدَّمت مفعولَيها، فالفصيح الكثيرُ إعمالها، وعليهِ أكثرُ النُّحاةِ، تقول: (رأيتُ الحقَّ أَبلجَ). ويجوزُ إهمالُها على قِلةٍ وضعفٍ، وعليه بعضُ النُّحاةِ، ومنه قولُ الشاعر:


    أَرْجُو وآمُلُ أنْ تَدْنو مَوَدَّتُها

    وما إخالُ لدَيْنا منْك تنويلُ

    وقول الآخر:

    كَذَاكَ أُدِّبْتُ، حتَّى صارَ مِنْ خُلقِي
    أَنِّي وَجَدْتُ مِلاكُ الشِّيمةِ الأَدَبُ

    والتعليقُ: إِبطالُ عملِ الفعل القلبيِّ لفظاً لا محلاً، لمانع، فتكونُ الجملةُ بعده في موضع نصبٍ على أَنها سادَّةٌ مَسدَّ مفعوليهِ، مثل: (علمتُ لخَالد شجاعٌ).
    فيجبُ تعليقُ الفعلِ، إذا كان هناك مانعٌ من إعماله. وذلك: إذا وقع بَعدَهُ أحدُ أربعةِ أَشياءَ:

    1- ما وإنْ ولا النافياتُ نحو: (علمتُ: ما زُهيرٌ كسولاً. وظَننتُ: إنْ فاطمة مُهملة. ودخلتُ: لا رجلَ سُوءٍ موجودٌ. وحَسِبتُ. لا أُسامةُ بطيءٌ، ولا سُعادُ)، قال تعالى: {لَقد علمتَ، ما هؤلاءِ يَنطقونَ}.

    2- لامُ الابتداءِ، مثلُ علمتُ: (لأخوكَ مجتهدٌ. وعلمتُ: إنَّ أخاكَ لمجتهدٌ). قال تعالى: {ولقد علموا: لِمَنِ اشتراهُ مالَهُ في الآخرةِ من خلاقٍ}.

    3- لامُ القسمِ، كقول الشاعر:


    وَلَقَدْ عَلِمْتُ: لَتأْتِيَنَّ مَنِيَّتي

    إنَّ الْمَنَايَا لا تَطِيشُ سِهَامُها
    4ـ الاستفهام، سواء أكان بالحرف، كقوله تعالى: {وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون} أم بالاسم، كقوله عز وجلّ { لنعلم أي الحزبين أحصى لِما لبثوا أمداً}، وقوله { لتعلمن أيناّ أشدُ عذابا}. وسواء أكان الاستفهام مبتدأ، كما في هذه الآيات، أم خبراً، مثل: (علمتُ: متى السفر؟*1)، أم مضافاً الى المبتدأ، مثل: (علمتُ فرسُ أيهم تسبق؟) أم الى الخبر، مثل: (علمتُ: ابنُ من هذا؟*2).
    وقد يُعلقُ الفعلُ المتعدي، من غير هذه الأفعالِ، عن العمل، كقوله تعالى: {فَليَنظُر: أيُّها أزكى طعاماً؟*3}، وقوله: {ويَستنبئُونَكَ: أحقّ هُوَ؟*4}.
    وقد اختُصَّ ما يتصرّفُ من أفعال القُلوب بالإلغاءِ والتَّعليقِ. فلا يكونانِ في (هَبْ وتَعلَمْ)، لأنهما جامدانِ.

    [*1ـ متى: اسم استفهام. وهي ظرف زمان في موضع رفع على أنه خبر مقدم والسفر مبتدأ مؤخر.
    *2ـ ابن خبر مقدم. ومن: مضاف إليه. وذا مبتدأ مؤخر.
    *3ـ اسم الاستفهام ـ وهو أي ـ مبتدأ. وأزكى: خبره، والجملة في محل نصب لأنها مفعول ينظر، وقد علق عن العمل لفظاً بالاستفهام.
    *4ـ حق: خبر مقدم، وهو: مبتدأ مؤخر، والجملة مفعول ثان ليستنبئ. وهي في موضع نصب، ومفعوله الأول ضمير المخاطب. ]

    وقد علمت أن الإلغاء جائز عند وجودِ سبيلهِ، وأن المُلغى لا عملَ له البتَةَ، وإنَّ المعلَّقَ، إن لم يعملْ لفظاً فهو يعمل النصبَ في مَحلِّ الجملةِ، فيجوزُ العطفُ بالنصب على محلها، فنقولُ: "علمتْ لخالد شجاعُ وسعيداً كريماً"، بالعطف على مَحلّ "خالد وسعيد"، لأنهما مفعولان للفعل المعلّق عن نصبهما بلام الابتداء. ويجوز رفعُهما بالعطف على اللفظ، قال الشاعر:

    وما كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ. ما الْبُكا

    ولا مُوجِعاتُ الْقَلْبِ؟ حَتَّى تَوَلَّتِ

    يُروَى بنصب موجعات، عطفاً على محل (ما البكا). ويجوزُ الرفعُ عطفاً على البكا.


    والجملةُ بعدَ الفعلِ المُعلَّقِ عن العمل في موضع نصبٍ على المفعولية. وهي سادّةٌ مَسدَّ المفعولينِ، إن كان يتعدّى إلى اثنينِ ولم ينصب الأوّلَ. فإن نصبَهُ سدَّت مسدّ الثاني، مثلُ: (علمتكَ أيَّ رجلٍ أنتَ؟).


    وإن كان يتعدّى إلى واحدٍ سدّت مسدّهُ، مثل: (لا تأتِ أمراً لم تعرفْ ما هُوَ؟).
    وإن كان يتعدَّى بحرف الجرّ، سقطَ حرفُ الجرّ وكانت الجملة منصوبة محلاًّ بإسقاط الجارِّ (وهو ما يسمُّونهُ النصبَ على نَزع الخافض)، مثل: (فكَّرت أصحيحٌ هذا أم لا؟)، لأن فكَّرَ يتعدَّى بفي، تقول: (فكَّرْتُ في الأمر).

  5. #5

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    المفعولُ المطلقُ


    المفعولُ المطلَقُ: مَصدرٌ يُذكرُ بعد فعلٍ من لفظهِ تأكيداً لمعناهُ، أو بياناً لِعَددِهِ، أو بياناً لنوعهِ، أو بَدَلاً من التلفُّظِ بفعلهِ. فالأول نحو: {وكلّم اللهُ مُوسى تكليماً}. والثاني نحو: (وقفتُ وقفتينِ). والثالثُ نحو: (سرتُ سيرَ العُقلاءِ). والرابعُ نحو: (صَبراً على الشدائد).


    واعلم أنّ ما يُذكرُ بدلاً من فعلهِ لا يُرادُ به تأكيدٌ ولا بيان عددٍ أو نوع.
    وفي هذا المبحث ستَّةَ مَباحث.


    1- الْمَصْدَرُ المُبْهَمُ وَالْمَصْدَرُ المُخْتَصُّ


    المصدرُ نوعانِ: مُبهمٌ ومُختَص.

    فالمُبهم: ما يُساوي معنى فعلهِ من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ، وإنما يُذكرُ لمجرّد التأكيد، (قمتُ قياماً. وضربتُ اللصّ ضرباً)، أو بدَلاً من التّلفّظِ بفعلهِ، نحو: (إيماناً لا كُفْراً)، ونحو: (سَمعاً وطاعةً)، إذِ المعنى: (آمِنْ ولا تكْفُرْ، وأَسمعُ وأُطيعُ).


    ومن ثمَّ لا يجوزُ تثنيتُهُ ولا جمعهُ، لأنَّ المؤكدَ بمنزلةِ تكرير الفعلِ، والبدل من فعلهِ بمنزلةِ الفعلِ نفسهِ، فعُومِلَ مُعاملتَهُ في عدَمِ التثنيةِ والجمعِ.


    والمختصُّ: ما زادَ على فعلهِ بإفادتهِ نوعاً أو عدداً، نحو: (سرتُ سَيرَ العُقلاءِ. وضربتُ اللصَّ ضرْبَتينِ، أو ضَرَباتٍ).


    والمُفيدُ عَدَداً يُثنّى ويُجمَعُ بلا خلافٍ. وأمّا المُفيدُ نوعاً، فالحقُّ أن يُثنَّى ويُجمَعُ قياساً على ما سُمعَ منهُ: كالعقولِ والألبابِ والحُلُوم وغيرها فيَصحُّ أن يُقالَ: (قمتُ قِيامَينِ)، وأنتَ تُريدُ نوعينِ من القيام.


    ويَختصُّ المصدرُ بألْ العهديَّةِ، نحو: (قمتُ القيامَ)، أي: (القيامَ الذي تَعهَدُ)، وبأل الجنسيّةِ، نحو: (جلستُ الجلوسَ)، تُريدُ الجنسَ والتنكير، وبوصَفهِ، نحو: (سعيتُ في حاجتك سعياً عظيماً)، وبإضافته، نحو: (سرتُ سيرَ الصالحينَ).


    [والأصل: (سرت سيراً مثل سير الصالحين)، حُذِف المصدر ـ الذي هو المفعول المطلق ـ ثم صفته، فقام مقام المصدر المضاف الى (مثل) فأُعرِب مفعولاً مطلقاً]

    2- الْمَصْدَرُ المُتَصَرِّفُ والْمَصْدَرُ عَيْرُ الْمُتَصَرِّفِ


    المصدرُ المتصرّف: ما يجوزُ أن يكونَ منصوباً على المصدريّة، وأن ينصرف عنها إلى وقوعهِ فاعلاً، أو نائبَ فاعلٍ، أو مبتدأ، أو خبراً، أو مفعولاً بهِ، أو غيرَ ذلك. وهو جميعُ المصادر، إلا قليلاً جِدًّا منها. وهو ما سيُذكر.


    وغيرُ المتصرّفِ: ما يُلازمُ النصبَ على المصدريَّة، أي المفعوليّة المطلقةِ؛ لا يَنصرف عنها إلى غيرها من موقاع الإعراب، وذلك نحو: (سبحان ومَعاذَ ولَبيّكَ وسَعدَيكَ وحنَانَيكَ ودوَاليكَ وحَذارَيك). وسيأتي الكلام على هذه المصادر.


    3- النائبُ عن المَصْدَر

    ينوب عن المصدر - فيُعطَى حكمَه في كونهِ منصوباً على أنه مفعولٌ مُطلَقٌ - اثنا عَشرَ شيئاً:

    1- اسم المصدرِ، نحو: (أعطيتُك عَطاءً)، و (اغتسلتُ غُسلاً) و (كلّمتكَ كلاماً) و (سلّمتُ سلاماً).


    2- صفتهُ، نحو: (سرت أحسنَ السيرِ) و {اذكروا الله كثيراً}.

    [واذكروا الله كثيراً: أي اذكروا الله ذكراً كثيراً: حُذف المصدر فقامت صفته مقامه]

    3- ضميرُهُ العائدُ اليهِ، نحو: (اجتهدتُ اجتهاداً لم يجتهدهُ غيري). ومنه قَولهُ تعالى:

    {فإني أعذِّبُهُ عذاباً لا أعَذبُهُ أحداً من العالمينَ}.
    [ أي: لم يجتهد الاجتهاد المذكور. فالضمير عائد الى المصدر المذكور، وهو في محل نصب على أنه مفعول مطلق] ؛ و [ لا أعذب العذاب المذكور]

    4- مرادفُهُ - بأن يكون من غير لفظهِ، معَ تَقارُب المعنى - نحو: (شَنِئْتُ الكسلانَ بُغضاً). و (قمت وقُوفاً) و (رُضتُه إذلالاً) و (أعجبني الشيء حُباً)، وقال الشاعر:


    يُعْجبُهُ السَّخُونُ والبَرُودُ

    والتَّمْرُ، حُبًّا ما لَهُ مَزِيدُ
    [السخون: مرقٌ يُسخن، والبُرود: خبزٌ يُبرد بالماء]

    5- مصدر يُلاقيهِ في الاشتقاقِ، كقولهِ تعالى: {واللهُ أنبتَكم من الأرض نبَاتاً

    وقولهِ: {تَبتَّلْ إليهِ تَبتيلاً}.

    6- ما يَدلُّ على نوعه، نحو: (رجعَ القهقرَى) و (قعدَ القُرفُصاءَ) و (جلسَ الاحتباءَ) و (اشتمل الصّمّاءَ).

    [الاحتباء: أن يضم الإنسان رجليه الى بطنه]

    7- ما يدلُّ على عدده نحو: (أنذرتُك ثلاثاً)، ومنه قولهُ تعالى: {فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما ثمانينَ جلدةً}.


    8- ما يدلُّ على آلته التي يكونُ بها، نحو: (ضربتُ اللصَّ سَوطاً، أو عصاً، ورشقتُ العدوَّ سهماً، أو رَصاصةً أو قذيفةً). وهو يَطّردُ في جميع أسماءِ آلاتِ الفعلِ. فلو قلتَ: (ضربتُه خشبةً، أو رميتُه كرسيّاً)، لم يَجُز لأنهما لم يُعهَدا للضرب والرمي.


    9- (ما) و (أَيُّ) الإستفهاميَّتان، نحو: (ما أكرمتَ خالداً؟) و (أَيَّ عيشٍ تعيش؟)، ومنه قوله تعالى: {وسيعلمُ الذين ظَلموا أَيَّ مُنقلب ينقلبون}.

    [ما: اسم استفهام في محل نصب مفعول مطلق مقدم لأكرمت. والمستفهم عنه المصدر. والمعنى: أي إكرام أكرمت خالداً؟]

    10- (ما ومهما وأَيُّ) الشَّرطيّاتُ: (ما تجلسْ أجلسْ) و (مهما تقِفْ أَقِفْ) و (أَيَّ سَيرٍ تَسِرْ أَسِرْ).

    [ الثلاثة أسماء شرط جازمة تجزم فعلين. وهن في محل نصب مفعول مطلق للأفعال. والمعنى: أي جلوس تجلس أجلس]

    11- لفظ كل وبعضٍ وأي الكماليّة، مضافاتٍ إلى المصدرِ، نحو: {فلا تَميلوا كلَّ المَيلِ} و (سَعَيتُ بعضَ السعيِ) و(اجتهدتُ أيَّ اجتهادٍ).

    (وهذا في الحقيقة من صفة المصدر عنه، لان التقدير: (فلا تميلوا ميلاً كلّ الميل. وسعيت سعياً بعضَ السعي. واجتهدت اجتهاداً أيّ اجتهاد).

    وسميت (أيّ) هذه بالكمالية، لأنها تدل على معنى الكمال. وهي إذا وقعت بعد النكرة كانت صفة لها، نحو: (خالدٌ رجلٌ أيّ رجلٍ) أي: هو كامل في صفات الرجال. وإذا وقعت بعد المعرفة كانت حالاً منها، نحو: (مررت بعبد اللهِ أيّ رجل). ولا تُستعمل إلا مضافة وتطابق موصوفها في التذكير والتأنيث، تشبيهاً لها بالصفات المشتقات. ولا تطابقه في غيرهما).


    12- اسمُ الإشارةِ مُشاراً به إلى المصدر، سواءٌ أَأُتبعَ بالمصدر، نحو: (قلتُ ذلكَ القولَ) أم لا، كأن يُقال: ( هل اجتهدت اجتهاداً حسناً؟) فتقول: (اجتهدت ذلك).

  6. #6

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    تابع للمفعول المطلق

    4- عاملُ الْمَفْعول المُطْلَق


    يعملُ في المفعولِ المُطلقِ أحدُ ثلاثةِ عواملَ: الفعلُ التام المتصرّفُ، نحو: "أتقِنْ عملَك إتقاناً"، والصفةُ المُشتقّةُ منهُ، نحو: (رأيتُهُ مُسرعاً إسراعاً عظيماً)، ومصدرُه، نحو: (فرحتُ باجتهادك اجتهاداً حسناً)، ومنه قوله تعالى: {إنَّ جهنمَ جزاؤُكم جزاءً مَوفوراً}.


    5- أَحكامُ المفعولِ المطلَق


    للمفعول المطلق ثلاثةُ أَحكام:


    1- أنهُ يجبُ نصبُه.


    2- أنهُ يجبُ أن يقعَ بعدَ العامل، إن كان للتأكيد. فإن كان للنَّوع أو العدَدِ، جاز أن يُذكرَ بعدَه أو قبله، إلا إن كان استفهاماً أو شرطاً، فيجبُ تَقدمُه على عاملهِ، كما رأيتَ في أمثلتهما التي تقدّمت. وذلكَ لأنَّ لأسماءِ لاستفهام والشرط صدرَ الكلام.


    3- أنهُ يجوزُ أن يُحذَفَ عاملُهُ، إن كان نَوعيّاً أو عدديّاً، لقرينةٍ دالّةٍ عليه، تقولُ: (ما جلستَ)، فيقالُ في الجواب: (بَلى جُلوساً طويلاً، أَو جَلستينِ)، ويُقالُ: (إنك لا تعتني بعملك)، فتقولُ: (بلى اعتناءً عظيماً)، ويقال: (أيَّ سيرٍ سرتَ؟)، فتقول: (سيرَ الصالحينَ)، وتقول: لِمنْ تأهَّبَ للحجَّ: (حَجّاً مبروراً)، ولِمن قَدِمَ من سفَر: (قُدوماً مُباركاً) و (خيرَ مَقدَمٍ)، ولِمن يُعِدُ ولا يَفي: (مَواعيدَ عُرقوبٍ)* من ذلك قولهم: (غضَب الخيل على اللُّجم).

    *ـ [عرقوب: رجلٌ يُضرب به المثل بالإخلاف بالوعد: وذلك أنه وعد وعداً فأخلف فضرب به المثل لذلك. يُقال: إنه أتاه أخٌ له يسأله شيئاً، فقال عرقوب: إذا أطلع نخلي. فلما أطلع قال: إذا أبلح. فلما أبلح قال: إذا أزهى. فلما أزهى قال: إذا أرطب. فلما أرطب قال: إذا صار تمراً. فلما صار تمراً أخذه من الليل ولم يعطه شيئاً]

    وأمّا المصدرُ المؤكدَ فلا يجوزُ حذفُ عامله، على الأصحَ من مذاهب النحاة، لأنه إنما جيء به للتَّقوية والتأكيد. وحذفُ عامله يُنافي هذا الغرض.


    وما جِيء به من المصادر نائباً عن فعله (أي بدلاً من ذكر فعله)، لم يجُز ذركُ عامله، بل يحذفُ وجوباً، نحو: (سَقياً لكَ ورَعياً؛ ؛ صبراً على الشدائد؛ أتَوانياً وقد جَدَّ قُرناؤكَ؟؛ حمداً وشكراً لا كفراً؛ عجباً لك؛ تبّاً للخائنينَ؛ وَيْحَكَ.


    6- الْمَصدَرُ النائبُ عن فعلهِ


    المصدرُ النائبُ عن فعله: ما يُذكرُ بَدلاً من التلفظ بفعله. وهو على سبعةِ أنواعٍ:


    أ- مصدرٌ يَقعُ مَوقعَ الأمر، نحو: (صبراً على الأذَى في المجد).


    ب- مصدرٌ يقعُ موقعَ النَّهي، نحو: (اجتهاداً لا كسلاً، جِداً لا تَوانياً؛ مَهلاً لا عجلةً؛ سُكوتاً لا كلاماً؛ صَبراً لا جَزَعاً). وهو لا يقع إلاّ تابعاً لمصدر يُرادُ به الأمر كما رأيت.

    ج- مصدرٌ يقعُ موقعَ الدعاءِ، نحو: (سَقياً لك ورَعياً؛ تَعساً للخائن؛ بُعداً للظالم، سُحقاً للَّئيم؛ جَدعاً للخبيثِ؛ رحمةً للبائس؛ عذاباً للكاذب؛ شقاءً للمهمل؛ بُؤْساً للكسلان؛ خَيبةً للفاسق؛ تَبّاً للواشي؛ نُكساً للمتكبِّر).

    ومنعَ سيبويه أن يُقاسَ على ما وَرَدَ من هذه الألفاظ. وأجاز الأخفش القياسَ عليها. وهو ما يظهرُ أنه الحقُّ.


    (ولا تُستعمل هذه المصادر مضافة إلا في قبيح الكلام. فان أضفتها فالنصبُ حتمٌ واجب، نحو: (بُعدَ الظالم وسُحقَهُ). ولا يجوز الرفع لأنّ المرفوع يكون حينئذ مبتدأ ولا خبرَ له وان لم تُضفها فلك أن تنصبها، ولك أن ترفعها على الابتداء، نحو: عذاباً له، وعذابٌ له).


    والنصب أولى. وما عُرَّف منها بأل فالأفضل فيه الرفع على الابتداء، نحو: (الخيبةُ للمفسد)).


    ومما يُستعمَلُ للدُّعاءِ مَصادرُ قد أُهملت أفعلها في الاستعمال، وهي: (ويلَهُ، وويَبَهُ، ووَيْحَهُ، ووَيسَهُ). وهي منصوبةٌ بفعلها المُهمَل، أو بفعل من معناها.
    ((ويل وويب): كلمتا تهديد تقالانِ عند الشتم والتوبيخ. و (ويح وويس) : كلمتا رحمة تقالان عند الإنكار الذي لا يراد به توبيخ ولا شتم؛ وإنما يراد به التنبيه على الخطأ. ثم كثرت هذه الألفاظ في الاستعمال حتى صارت كالتعجب، يقولها الإنسان لمن يجب ولمن يبغض. ومتى أضفتها لزمتِ النصب، ولا يجوز فيها الرفع، لان المرفوع يكون حينئذ مبتدأ ولا خبر له. وان لم تُضفها فلك أن ترفعها، ولك أن تنصبها. نحو: (ويلٌ له وويحٌ له، وويلاً له وويحاً له) والرفع أولى).


    د- مصدرٌ يقعُ بعدَ الاستفهام موقعَ التوبيخ، أو التعجُّب، أو التوَجعِ، فالأول نحو: (أجُرأةً على المعاصي؟)، والثاني كقول الشاعر:


    أَشوْقاً؟ وَلَمَّا يَمْضِ لي غَيْرُ لَيْلَةٍ

    فَكَيْفَ إِذَا خَبَّ المطِيُّ بِنَا عَشْرَا

    والثالث كقول الآخر:


    أَسِجْناً وقتْلاً واشتياقاً وغُرْبَةً

    وَنَأيَ حَبيبٍ؟ إنَّ ذا لَعَظيم

    وقد يكونُ الاستفهامُ مُقدَّراً، كقوله:

    خُمُولاً وإِهْمالاً؟ وَغَيْرُك مُولَعٌ

    بِتَثْبيتِ أَركانِ السِّيادَةِ والْمَجْدِ

    أي : أخمولاً؟ وهو هنا للتوبيخ.


    هـ- مَصادرُ مسموعةٌ كثرَ استعمالُها، ودلَّتِ القرائنُ على عاملها، حتى صارت كالأمثال، نحو: (سَمعاً وطاعةً؛ حمداً لله وشُكراً؛ عَجَباً؛ عجَباً لكَ؛، ويُقالُ: أتفعلُ هذا؟ فتقول: (أفعلُهُ، وكراهةً ومَسَرَّةً)، أو (لا أفعلُهُ ولا كَيْداً ولا همّاً) و (لافعلنَّهُ ورَغماً وهواناً).


    وإذا أفرَدْتَ (حمداً وشكراً) جاز إظهارُ الفعل، نحو: (أحمدُ اللهَ حمداً) و (أشكرُ اللهَ شًكراً). أمّا (لا كُفراً) فلا يُستعمل إلا معَ (حمداً وشكراً).
    ومن هذه المصادر (سُبحانَ اللهِ، ومَعاذَ اللهِ). ومعنى (سبحانَ الله). تَنزيهاً للهِ وبراءَةً له مما لا يليقُ به. وعمى (مَعاذَ اللهِ) : عياذاً باللهِ، أي: أعوذُ به. ولا يُستعملان إلا مُضافينِ.


    و- المصدرُ الواقعُ تفصيلاً لمُجمَلٍ قبلَهُ، وتَبييناً لعاقبتهِ ونتيجتهِ كقوله تعالى: {فَشُدُّوا الوَثاقَ، فإمّا مَنّاً بعدُ، وإمّا فِداءً}


    ز- المصدرُ المؤكّدُ لمضمونِ الجملة قبلهُ. سواءٌ أَجيءَ بهِ لمجرَّد التأكيدِ (أيٍ: لا لدفعِ احتمال المجازِ، بسبب أنَّ الكلامَ لا يحتملُ غيرَ الحقيقةِ) نحو: (لكَ عليَّ الوفاءُ بالعهد حَقّاً)، أم للتأكيد

    الدافعِ إرادةَ المجاز نحو (هو أَخي حقّاً). فإنَّ قولكَ: (هو أَخي) يحتملُ أنك أردتَ الأخوَّة المجازيَّةَ، وقولكَ: "حقّاً، رفعَ هذا الاحتمال. ومن المصدر المؤكّدِ لمضمونِ الجملةِ قولهم: (لا أفعله بَتّاً وبَتاتاً وبَتَّةً والبَتَّةَ).


  7. #7

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    المفعولُ لهُ


    المفعولُ لهُ (ويُسمّى المفعولَ لأجلهِ، والمفعولَ من أجلهِ): هو مصدرٌ قَلبيٌّ يُذكرُ عِلّةً لحدَثٍ شاركهُ في الزمانِ والفاعلِ، نحو: (رغبةً) من قولكَ (اغتربتُ رَغبةً في العلم).


    (فالرغبة: مصدر قلبي، بين العلة التي من أجلها اغتربت، فان سبب الاغتراب هو الرغبة في العلم, وقد شارك الحدثُ (وهو: اغتربت) المصدرَ (وهو: رغبة) في الزمان والفاعل. فإن زمانهما واحد وهو الماضي. وفاعلهما واحد وهو المتكلم.


    والمراد بالصدر القلبي: ما كان مصدراً لفعل من الأفعال التي منشؤُها الحواسّ الباطنة: كالتعظيم والإجلال والتحقير والخشية والخوف والجرأة والرغبة والرهبة والحياء والوقاحة والشفقة والعلم والجهل. ونحوهما. ويقابل أفعال الجوارح (أي الحواسّ الظاهرة وما يتصل بها) كالقراءة والكتابة والقعود والقيام والوقوف والجلوس والمشي والنوم واليقظة، ونحوها).


    وفي هذا المبحث مبحثانِ:


    1- شُروطُ نَصْبِ المفعولِ لأَجلهِ


    عَرفتَ، ممّا عَرَّفنا به المفعولَ لأجلهِ، أنه يُشترَطُ فيه خمسةُ شروطٍ. فإنْ فُقِدَ شرطٌ منها لم يَجُز نصبُهُ. فليسَ كلُّ ما يُذكر بياناً لسبب حُدوثِ الفعلِ يُنصَب على أنه مفعولٌ له. وهكاَ تفصيلَ شروط نصبه:

    أ ـ أن يكونَ مصدراً.

    (فإن كان غير مصدر لم يجز نصبه كقوله تعالى: {والأرض وضعها للأنام}).


    ب- أن يكون المصدر قلبياً.


    (أي: من أفعال النفس الباطنة، فإن كان المصدر غير قلبي لم يجز نصبه، نحو: (جئت للقراءة)).


    ج ود- أن يكونَ المصدرُ القلبيُّ مُتَّحداً معَ الفعل في الزمان، وفي الفاعل.


    (أي: يجب أن يكون زمان الفعل وزمان المصدر واحداً، وفاعلهما واحداً. فإن اختلفا زماناً أو فعلاً لم يجز نصب المصدر. فالأول نحو: (سافرت للعمل). فإن زمان السفر ماضٍ وزمان العلم مستقبل والثاني نحو: (أحببتك لتعظيمك العلم). إذ أن فاعل المحبة هو المتكلم وفاعل التعظيم هو المخاطب.


    ومعنى اتحادهما في الزمان أن يقع الفعل في بعض زمان المصدر: كجئت حباً للعلم، أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر: كأمسكته خوفاً من فراره. أو بالعكس، كأدبته إصلاحاً له).


    5- أن يكون هذا المصدرُ القلبي المُتَّحدُ معَ الفعل في الزمان والفاعل، عِلَّةً لحُصولِ الفعلِ، بحيثُ يَصِحُّ أن يقعَ جواباً لقولكَ: (لِمَ فعلتَ؟).
    (فإن قلت: (جئت رغبة في العلم)، فقولك: (رغبة في العلم) بمنزلة جواب لقول قائل: (لم جئت؟).


    فان لم يذكر بياناً لسبب حدوث الفعل، لم يكن مفعولاً لأجله، بل يكون كما يطلبه العامل الذي يتعلق به. فيكون مفعولاً مطلقاً في نحو: (عظمت العلماء تعظيماً)، ومفعولاً به في نحو (علمتُ الجبن معرةً)، ومبتدأ في نحو: (البخل داء)، وخبراً في نحو: (أدوى الأدواء الجهل)، ومجروراً في نحو: (أي داء أدوى من البخل)، وهلم جراً).


    ومثال ما اجتمعت فيهِ الشروطُ قولهُ تعالى: {ولا تقتلوا أولادَكم خشيةَ إملاقٍ، نحن نرزُقُهم وإيَّاكم}.

    فإن فُقدَ شرطٌ من هذه الشروطِ، وجب جرُّ المصدرِ بحرف جر يفيدُ التعليلَ، كاللامِ ومن وفي، فاللامُ نحو: (جئت للكتابةِ)، ومن، كقولهِ تعالى: {ولا تَقتُلوا أولادَكم من إملاقٍ* نحن نَرزُقكم وإيّاهم}،وفي، كحديثِ: (دخلتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَستها، لا هي أطعمتها، ولا هيَ تركتها تأكلُ من خَشاشِ الأرض).

    [هذه الآية في سورة الأنعام 151؛ والآية التي قبلها في سورة الإسراء31. والفرق بين الآيتين: أن الأولى تنهاهم عن قتل أولادهم خوف فقر ربما يكون. والأخرى تنهاهم عن قتلهم لفقرٍ واقعٍ بالفعل. ولذلك قدم رزق أولادهم على رزقهم في الآية الأولى، ليبين لهم أنه قد ضمن رزقهم فلا يقتلوهم خشية الفقر. وقدم في الآية الثانية رزقهم على رزق أولادهم، لأن الفقر واقع بالآباء فعلاً. فهون الأمر عليهم بأن يرزقهم ويدافع عنهم الفقر. فلا يتخذوا الفقر الحاضر ذريعة للفتك بأولادهم.]

    2- أَحكامُ الْمَفْعولِ لَهُ


    للمفعولِ من أجلهِ ثلاثةُ أحكام:


    أ- يُنصَبُ، إذا استوفى شروطَ نصبهِ، على أنهُ مفعولٌ لأجله صريحٌ. وإن ذُكرَ للتعليل، ولم يَستوف الشروطَ، جُرَّ بحرف الجرِّ المُفيدِ للتَّعليل، كما تقدَّمَ، واعتُبِرَ أنهُ في محلّ نصبٍ على أنه مفعولٌ لأجلهِ غيرُ صريحٍ، وقد اجتمع المنصوبان، الصريحُ وغيرُ الصريح، في قوله تعالى: {يجعلون أصابعَهم في آذانهم من الصّواعق حَذَرَ الموت}، وفي قول الشاعر:


    يُغضِي حَياءً، ويُغضَى من مَهابتِهِ

    فَلا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتسِمُ

    (فقوله تعالى: {من الصواعق} في موضع نصب على أنه مفعول لأجله غير صريح. وقوله: {حذر} مفعول لأجله صريح. وقول الشاعر: (حياء) مفعول لأجله صريح. وقوله: (من مهابته) في محل نصب على أنه مفعول له غير صريح. ونائب فاعل (يغضى) ضمير مستتر يعود على مصدره المقدّر. والتقدير: (يغضى الإغضاءُ). ولا يجوز أن يكون (من مهابته) في موضع نائب الفاعل، لأن المفعول له لا يُقام مُقامَ الفاعل، لئلا تزول دلالته على العلة. وقد عرفت في مبحث نائب الفاعل (في الجزء الثاني) أن المجرور بحرف الجر لا ينوب عن الفاعل؛ أن جُرّ بحرف جر يفيد التعليل).


    2- يجوزُ تقديمُ المفعولِ لأجلهِ على عامله، سواءٌ أَنُصبَ أم جُرَّ بحرف الجرَّ، نحو: (رغبةً في العلم أتيتُ) و (للتِّجارةِ سافرتُ).


    3- لا يجبُ نصبُ المصدر المُستوفي شروطَ نصبهِ، بل يجوزُ نصبُهُ وجرُّهُ. وهو في ذلك على ثلاثِ صوَر:

    أ ـ أن يَتجرَّدَ من (أَل) والإضافة، فالأكثر نصبُهُ، نحو: (وقفَ الناسُ احتراماً للعالِم). وقد يُجَرُّ على قلَّةٍ، كقوله:

    مَنْ أَمَّكُمْ، لِرَغْبَةٍ فِيكْم، جُبِرْ

    ومَنْ تَكونُوا ناصِريهِ يَنْتَصِرْ

    ب- أن يقترنَ بأل، فالأكثرُ جرهُ بحرفِ الجر، نحو: (سافرتُ للرغبة في العلم). وقد يُنصَبُ على قلةِ كقولهِ:


    لا أَقْعُدُ، الجُبْنَ، عنِ الْهَيْجاء

    وَلَوْ: تَوَالتْ زُمَرُ الأَعداءِ

    ج- أن يُضافَ، فالأمرانِ سواءٌ، نصبُهُ وجرُّه بحرف الجرّ، تقول: (تركتُ المنكَرَ خَشيةَ اللهِ، أو لخشيةِ الله، أو من خشيةِ اللهِ). ومن النصب قولهُ تعالى: {يُنفقونَ أموالَهُمُ ابتغاءَ مَرضاةِ اللهِ}، وقولُ الشاعر:


    وَأَغْفِرُ عَوْراءَ الْكريمِ ادِّخارَهُ

    وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئيمِ تَكرُّما

    ومن الجرِّ قوله سبحانَهُ: {وإنَّ منها لمَا يَهبِط من خشيةِ اللهِ}.

المواضيع المتشابهه

  1. موسوعة اللغة العربية واللسانيات
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-25-2015, 08:06 PM
  2. الدروس المستفادة من الثورات العربية الحالية
    بواسطة د.مهندس عبد الحميد مظهر في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 03-23-2013, 05:14 PM
  3. موسوعة من الخطوط العربية
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان التصميم والابداع.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 01:17 AM
  4. موسوعة شهداء الأمة العربية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-08-2011, 09:33 AM
  5. موقع التعليم الإلكتروني باللغة العربية يقدم كافة الدروس مجانا
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-29-2008, 09:56 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •