منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 13

العرض المتطور

  1. #1

    رد: الطبقة الحاكمة في أمريكا

    الفصل الثالث: تُجَّار وصناعيو الشمال قبل الحرب

    زفن بيكر*

    ص 103


    خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، انحلّت بشكلٍ دراماتيكي العُرى الوثيقة للمجتمع القوي الذي كان قد تشكل من نُخب الاقتصاد الشمالي في أمريكا. وظهرت انقسامات جديدة في صفوفه جعلت العمل السياسي أمراً صعباً أكثر فأكثر. وبرز هناك من يتحدى سلطة المجتمع القديمة، وقويت تلك التحديات بعد الثورة الصناعية وبالذات بعد عام 1830. وسنمر باختصار على تلك القوى:

    المزارعون الجنوبيون:

    بعد الهجرات المتتالية من أوروبا الى شمال الولايات المتحدة، وانخراط هؤلاء بتجارة أو صناعة على هامش الزراعة وبالذات القطن والسكر، فقد قويت العلاقة فيما بينهم وبين مزارعي الجنوب، فاستحسن هؤلاء الاسترقاق طالما أنها تصب في مصلحة زراعة الجنوب وبالتالي مصلحتهم (في التصدير وصناعة النسيج). من هنا اكتشف المزارعون بالجنوب أن لهم أنصاراً إستراتيجيون. فأخذ التمرد على نُخب الشمال المسيطر تاريخياً يأخذ شكلاً علنياً.

    التجّار

    كان التجار، الى حدٍ بعيد، الشريحة الأكثر أهمية في النُخب الاقتصادية الشمالية قبل الحرب الأهلية. وفي السنوات التي تلت الثورة، كان التجار الذين جمعوا ثرواتهم من خلال استفادتهم من تمويل بنوك أوروبا أولاً كونهم أتوا أصلاً في مهمات تجارية ممولة من رأسماليين أوروبيين لنقل محاصيل أمريكا الغنية لأوروبا والاتجار بها، ففضلوا البقاء في أمريكا وبالذات في شمال الولايات المتحدة. كما استفادوا من الحروب التي كانت تدور في أوروبا وفيما بعد في أمريكا، ليتفننوا في جمع المال والتحكم بأسعار السلع.

    كان 69% من سكان (بوسطن) الأكثر غنى تجاراً ويدفعون 37% من ضرائب بوسطن عام 1848، كما كان 1% من سكان فيلادلفيا يملكون 50% من موجودات المدينة تجاراً. وحوالي 9 آلاف من سكان نيويورك (1.4%) تجاراً يملكون 71% من موجودات المدينة*1، ومن المفارق أن 84% من سكان نيويورك لا يملكون أي ثروة حقيقية هامة.

    لم يكتفِ تجار الولايات المتحدة بنوعٍ واحد من المهن (التجارة)، بل كان سبعة من ثمانية من كل التجار لهم علاقة بالتصنيع (مساهمات مالية)، رغم احتقارهم لمهنة الصناعة. وكانت لهم أساطيل من السفن فمثلاً كان تاجر اسمه (جوزيف بيبودي) من سكان مرفأ (سالم) يملك أسطولاً من ثلاثٍ وثمانين سفينة. كانت سفن التجار تجوب العالم من سومطرة الى بيونس آيرس.

    تزاوج أبناء كبار التجار فيما بينهم، لزيادة رأس المال للأسرة، وسكنوا في أحياء منفصلة، وكانوا يتباهون بأثاث بيوتهم وسجادها والتحف التي يحصلون عليها من سفرهم. وكان للنساء دورٌ كبير في تنظيم شبكات النسب والتفاخر به. ففي بوسطن كانت علاقات النسب بين أغنى العائلات تشكل 76% من جميع الزيجات، وكان الأنسباء يديرون مصالح الأثرياء، وتترك لهم حرية اتخاذ القرار، ففي رسالة لأحد تجار بوسطن (باتريك ترايسي) لوكيله (نسيبه) الذي كان يمثله في الهند يقول فيها (اتكل على حكمك ولا تنتظر توجيهات مني)*2.

    لم يقتصر نشاط النساء على تأمين شبكات النسب، بل زاد اهتمامهن بأقمشة ملابسهن وإبداء تذوقهن للموسيقى والفنون المختلفة، لإضفاء طابع أرستقراطي خاص بتلك الطبقة من الناس.

    الصناعيون والحرفيون والعمال

    بدأت الثورة الصناعية في أمريكا متأخرة بعض الشيء عن مثيلاتها في أوروبا، ولكنها بدأت قوية وسريعة، حيث ازدهرت صناعات النسيج على هامش زراعة القطن الواسعة، وظهرت صناعة الأصباغ، والغراء، وامتد النشاط ليصل الى سكك الحديد وما يتطلب هذا النوع من النشاط ازدهار نشاط التنقيب عن الحديد وصهره، والتنقيب عن الفحم الحجري ومصادر الوقود، وكان نصيب النسيج والحياكة وما يتعلق بها الأكبر في بداية الثورة.

    قام (اسحق سينجر) باختراع وصناعة ماكنة الخياطة التي لا تزال تحمل اسمه وتنتشر في كل أنحاء العالم، كما قام (روبرت إدوين دييتز) باختبارات على حرق مواد عضوية لتحويلها الى وقود صالح للإضاءة. وقام (بيبر كوبر) بصناعة الغراء، حتى أصبح هؤلاء الثلاثة من أكثر سكان أمريكا ثراءً.

    لم يمنع اشتراك التجار الأثرياء ومساهماتهم المالية في الصناعة، من أنهم يستهزئون من الصناعيين وتحقيرهم بحجة أنهم لا تُعرف لهم أصول، ولم تشفع لهم ثرواتهم الطائلة لكي يقبلوا في علية القوم. ويذكر المؤلف مثالاً لتلك السخرية، ما روي عن المليونير (كوبر: صانع الغراء)، حيث كان يميل الى الملابس البسيطة ويسكن في الأحياء الشعبية، فعندما زار أمير ويلز نيويورك دُعي (كوبر) ليكون من ضمن المستقبلين له، وتم إقناعه بلبس (بدلة) تليق بمثل تلك المناسبة، ففعل وبالغ في الأناقة حتى بدا مثاراً لاشمئزاز أمير ويلز وضحك الآخرين عليه.

    كان احتقار الأثرياء (التجار) للصناعيين لا يتوقف عندما يطلقون عليهم (ميكانيكيين) لتصغير شأنهم، بل زاد عن ذلك بكثير، حيث أحس التجار أن التفاف المهاجرين والهاربين من الرق حول الصناعيين، سيهدد مستقبل هؤلاء الأثرياء في إدارة شؤون أمريكا.

    لم يستسلم الصناعيون لسخرية الأثرياء، بل قابلوهم بحملات مضادة، واصفين الصناعة في أمريكا بأنها (شجرة تطرح البَق) يأكل إنتاجهم التجار الذين لا يعملون شيئاً سوى استغلال جهود الآخرين. فقاموا بتنظيم النقابات والاتحادات ومعاهد التدريب، والاهتمام بالفن والفلسفة والسياسة، والاصطفاف مع مناهضي الاسترقاق، كونه هو من يحمي هؤلاء المستغلين.

    وهكذا انقسم المجتمع في الولايات المتحدة حول الرق ك (ساتر) يتمترس خلفه المتصارعون من الصناعيين والتجار.








    هوامش من تهميش المؤلف
    *زفن بيكر: (أستاذ تاريخ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب الولاية الثرية: مدينة نيويورك وتماسك البرجوازية الأمريكية، وصاحب كتاب (التاريخ العالمي للقطن).
    *1ـ Seven Becket, The Moneyed Metropolis: New York City and the Consolidation of the American Bourgeoisie (New York: Cambridge University Press, 2001), 19
    *2ـ Quoted in Jaher, Urban Establishment, 23

  2. #2

    رد: الطبقة الحاكمة في أمريكا

    الفصل الرابع: تعاليم عصر الثراء وحقائقه

    ص 135

    ديفيد ناسو *

    (1)

    السيدة (لايتفوت لي) وهي الأرملة الثرية بطلة رواية (الديمقراطية) التي وضعها (هنري آدامز) عام 1882، انتقلت الى واشنطن لأن الملل كان يعذبها، فمنذ وفاة زوجها قبل خمس سنوات، فقدت ولعها بمجتمع نيويورك؛ وهي لم تعد مهتمة بأسعار الأسهم أو بالأشخاص الذين تمارس التجارة معهم؛ فقد باتت جادة. كانت منزعجة من أصحاب الملايين في نيويورك الذين كدّسوا ثروات طائلة ولا يدرون ما يفعلون بها.

    هكذا، بدأ الكاتب بمقدمة بحثه، ليشبه تلك السيدة براكب في سفينة أراد الدخول الى غرفة المحركات والحديث مع المهندس. وهذه الرغبة لم تقتصر على بطلة الرواية الخيالية، بل تجاوزتها للكثير من الموسرين الذين انتبهوا الى الحياة السياسية بعد أن شبعوا من ملذَّات الحياة.

    يتحدث الكاتب، عن أصنافٍ من الأثرياء في الولايات المتحدة، الذين جمعوا ثرواتهم بمعدلات تفوق أثرى أثرياء أوروبا عشرات المرات، وبوقت سريع. وذكر أن أشهر تلك الأصناف ما عمل بالاستثمار بسكك الحديد، والصناعة والمناجم وتوضيب اللحوم الخ.

    وكانت ثرواتهم مثار لنقاش كل الطبقات، السياسية الحاكمة أو العمالية أو الفكرية أو الصحفية الخ. وكانت ثرواتهم تنمو باطراد وبمعدل مثير، فبينما كان حديثو النعمة وأبناؤهم مضطجعين في أحضان الرفاهية، كانت أموالهم تتضاعف بسرعة أكبر مما يمكن إنفاقه.

    (2)

    تصاعدت حملات الانتقاد لأصحاب الثروات الطائلة، حتى وصلت الى أروقة الكونجرس، وكواليس الأحزاب والنقابات العمالية. فكان لا بُد لأصحاب تلك الثروات أن يتجمعوا لاتخاذ ما يُبعد خطر أولئك الأعداء. وبالرغم من أن العداء كان في البداية بين أصحاب تلك الثروات فيما بينهم، من باب المنافسة، أو على هامش تضرر مصالح فئة من أخرى كتضرر أصحاب المزارع الجنوبية من الرسوم الطائلة التي يفرضها عليهم المتحكمون بسكك الحديد؛ أو تضرر أصحاب الأفران من زيادة رسوم نقل الفحم الحجري أو المواد الى أفرانهم، فإن تلك العداوات تم تذليلها وتطويعها لتوجه ضد السياسيين والمشرعين وضد الحركات العمالية والسياسية.

    كان لا بُد من ظهور مُنظرين ومفكرين لأصحاب الثروات لكي يوقفوا النظرات الحاسدة لثرواتهم، والتي لم تتوقف عند الحسد بل امتدت لتعيق جمع تلك الثروات.

    كان الجشع وشهوة المال، هو تفسير الآخرين لجمع هؤلاء لثرواتهم. في حين ظهر من يرجع تلك الثروة لتوفيق الله ورضاه على هؤلاء الناس، وعندما تقارن أفعالهم ومجونهم وعربدتهم بما لا يرضي الله، كان الصحافيون الساخرون يقولون: لماذا لا يرضى الله عن الفقراء والمحتاجين ويرزقهم؟

    ظهر (هربرت سبنسر) الفيلسوف البريطاني كمرشدٍ ودليل لطبقة أثرياء الولايات المتحدة، فهو صاحب كتاب (الرجل ضد الدولة) وهو صاحب مقولة (البقاء للأصلح) وإن كان الرجل من مذهب (اللاأدرية) التي تؤمن بنظريات دارون وتطورها، فقد كان بنظرياته خير نصير للأثرياء.

    تأثر (أندرو كارنيغي) بأفكار هربرت سبنسر، وطور عليها، وأندرو هذا اسكتلندي مهاجر من فقر مدقع الى الولايات المتحدة، وعمل بالصلب والسكك حتى أصبح من كبار الأثرياء، ووكيل لوزارة الحربية. فلم يقبل بفكرة الحظ والتوفيق من الله ولم يقبل أن يُسمى أمثاله باللصوص والجشعين، بل دافع عن ذلك بقوله: إن الموهبة وحسن إدارة الأفراد لأموالهم هي من تجعلهم أكثر ثراء من غيرهم.

    (3)

    كَثُرت استجوابات لجان التحقيق للأثرياء عن مصادر رزقهم، وعن القلق الذي تتركه ثرواتهم على المجتمع والدولة. وقد أجاب أحدهم (جاي غولد) : (أظن أن لا داعي للخوف من الرأسماليين على حريات الشعب. فالرأسمالي محافظ ومرتعب؛ ولكن ما عليكم الخوف منه هي الجماهير العريضة من غير المثقفين والجهّال)*1

    في عام 1886 حصل أكثر من 1400 إضراب عن العمل، لأكثر من 400 ألف عامل، و(هو العام الذي شهد 1أيار/مايو 1886 الذي يحتفل به عمال العالم كعيد للعمال).

    كانت حجج أصحاب الثروات عندما خفضوا أجور العمال 10%، من أن العمل هو سلعة كأي السلع، يخضع للعرض والطلب. ونحن لم نخترع هذه القاعدة بل وجدت منذ القِدم.

    لقد دفعت الإضرابات والتي تضرر منها أصحاب الثروات، الى التفكير الفوري بإنشاء مصانع للأسلحة والذخيرة وإنشاء المليشيات التي تجبر العمال على الانتظام بعملهم، طالما أن الجيش الحكومي والحرس الوطني لا يقوم بمهامه!

    في عام 1890 انضمت 6 ولايات جديدة للولايات المتحدة هي (واشنطن وداكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية وأيداهو ومونتانا ووايومنغ) وهي ولايات غنية بالفضة، مما شجع على تمرير قانون يعتبر سك الفضة كعملة موازية للذهب، وهذا خلق حِراكاً جديداً*2

    هذا الحراك أدى تجييش كبير من أنصار إبقاء الذهب كضامن رئيسي للعملة، الى تبرع (ستاندرد أويل) بمبلغ ربع مليون دولار، ومؤسسة روكفيلر بمبلغ مثيل، وساهم كارينغي ليس بالمال فحسب بل بطباعة خمسة ملايين نسخة من كراس معد للعقول الساذجة، فنجح مرشحهم في انتخابات 1896 (وليام مكينلي) وانهزم الديمقراطيون. *3

    من يومها، انتبه أصحاب الثروة على ضرورة تمثيلهم بقوة في المجالس التشريعية بالولايات (منفردة ومجتمعة) وانتبهوا الى رشوة الصحافيين وشراء الذمم وإقامة دور النشر ومراكز الدراسات الموجهة.



    هوامش من تهميش المؤلف

    *ديفيد ناسو: أستاذ تاريخ، ومدير مركز العلوم الثقافية في مركز (كاني) للتخرج. مؤلف أربعة كتب، بما فيها الرئيس (حياة وليام راندولف).
    *1ـ Jay Gould testimony, United States Congress, Senate, Committee on Education and Labor, Report upon the Relations between Labor and Capital (Washington, D.C.: Government Printing Office,1885), 1089
    *2ـ Richard Hofstadter, The Age of Reform (New York: Vintage Books, 1955), 104
    *3ـ Strouse, Morgan,355; Chernow, Titan,388; Mark Hanna to Andrew Carnegie, October17,1896, Vol. 39. Library of Congress

  3. #3

    رد: الطبقة الحاكمة في أمريكا

    الفصل الخامس: نفوذ الثرواتالطائلة المُخفق

    ص 163

    ألن داولي*


    (1)

    افتتن الكُتّاب في المجادلة بين (سكوت فيتزجيرالد) و (آرنست همنغواي) حول مكانة الثروات الطائلة في المجتمع الأمريكي، وأعادوا تلك المجادلة مئات المرات:

    سكوت فيتزجيرالد: اسمح لي بإخبارك شيئاً عن الأغنياء.. هم مختلفون عنك وعني.

    آرنست همنغواي: أجل.. لديهم مزيدٌ من المال.

    وهذه الإشارة رغم قلة كلماتها، إلا أنها تنطق بلسان مجلدات عدة حول الطبقات في أمريكا.

    بدأ قادة الصناعة في عصر الثراء رحلة تحويل أنفسهم من مجرد كادحين لجمع المال الى نماذج مثالية في المجتمع ينعمون بكل ما توفره الطبقة الأرستقراطية من رفعةٍ في المقام ومنحٍ عديدةٍ أخرى، وغير مكتفين بما حققوه من ثراء، فقد سعت السلالات الحاكمة الشهيرة لآل (روكفيلر) و (مورغان) و (ألدريتش) الى احتكار النفوذ السياسي. وسعى الجيل الجديد من العائلات الثرية المرتبطة بشركات صناعية ومالية الى إخضاع مصير بلدهم لمشيئة طبقتهم.

    (2)

    أشارت التغيرات الهامة في نهاية القرن التاسع عشر الى تماسك طبقة أرستقراطية وطنية وزعت اهتماماتها بين (وال ستريت) و (واشنطن). وبدأ عصر الثراء والاتحادات الضخمة كتلك التي حصلت بين (ستاندرد أويل) التي يملكها (جون روكفيلر) وإمبراطورية الفولاذ التي يملكها (أندرو كارنيجي) الى تأسيس أول مؤسسة بالعالم رأسمالها (مليار) دولار عام 1901. وقد دعا المراقبون تلك الشركة باسم (الاحتكار) ووصفوا جمعها للأموال بأنه كحمم البراكين التي تنفث مالاً غزيراً*1

    يشير المؤلف الى اختلاف بين الطبقة الأرستقراطية والنُخبة، فيقول عن النخب بأنهم أولئك الذين ارتقوا الدرجات العليا من سلم النجاح في القانون، والتربية، والسياسة، والأعمال، وأي حقل آخر. فقد كانوا المحركين الذين ظهرت أسماؤهم في لائحة القادة. وبشكل مغاير، كانت الطبقة الأرستقراطية مؤلفة من مجموعة العائلات المترابطة التي نعمت بقيادة اجتماعية واحترام ثقافي في المجتمع ككل.

    والمجموعتان متداخلتان في الدرجات العليا*2، لكن متطلبات الانتساب الى إحداها مختلفة. فبالنسبة الى النخب، كان مفتاح الانتساب متمثلاً بالموثوقية التربوية والعلاقات الشخصية، في حين أن ولوج الطبقة الأرستقراطية كانت تتطلب نوعية السلالة، والتربية، والمال الذي كل ما كانت كميته كبيرة كان الأمر أفضل.

    (3)

    والانتقال الى الرأسمالية المالية يؤكد تأثير الثروة الطائلة على تشكيل الطبقة الأرستقراطية. ولو أخذنا (جاي. بيربونت مورغان) أول من جمع مليار دولار في العالم وهو مصرفي كبير مغرور كان بجرة قلم قادرا على تأمين أو إلغاء أرزاق الآلاف. وإبان حالة الذعر التي أصابت أثرياء الولايات المتحدة في عام 1907، حيث كانت الشركات تتكبد الخسارة تلو الأخرى في (وول ستريت)، وكان معظمها على شفير الإفلاس. دعا هؤلاء عند منتصف الليل لاجتماع في قصره الرائع، والذي لن ينسى من دخله فخامة موجوداته.

    أقفل الأبواب، وسلم الحاضرين نسخاً مكتوبة لخطته، وكان يكتفي بالقول لكل واحدٍ منهم (هنا توقع) ويضيف بحزم (هاك القلم). لقد أنهى حالة الذعر، ويدلل هذا السلوك على الصلة الوثيقة بين القطاعين المالي والصناعي*3

    وبالرغم من أن أحداً لم يعتبر (جاي. بي. مورغان) فاتناً، فقد كان نهماً في جمع الكنوز الفنية وملء قصره بزخارف الثقافة الأوروبية الرفيعة، ووصف أحدهم المشهد قائلاً: (في إحدى الغرف، كانت هناك تطاريز رسومية رفيعة وعالية معلقة على الجدران، ونُسَخ نادرة للكتب المقدسة ومخطوطات مضاءة عن القرون الوسطى تملأ الخزائن؛ وكانت في غرفة أخرى تلك المجموعة التي تتناول فنانين مثل كاستانيو، وغيرلاندايو، وبيروجينو، وغيرهم.

    وفي إطار التحول للثروات الموروثة، تحول الجوهر الأساسي لمكاسب عصر الثراء الى إرث ذهبي. وبهدف احتمائها من نوبات السوق التنافسية، عززت العائلات (البارونية) الكبيرة (آل روكفيلر، وهاريمان، ومورغان وغيرها) ثرواتها من خلال زيجات مصاهرة كانت النسخة الاجتماعية لتشابك مجالس الإدارات المتحدة.

    كان الى جانب المال، يوجد تفكير أقرب للعنصرية التي تمجد البيض ومن ثم البروتستانت، وتعتبر العرق الأنجلوسكسوني هو الأجدر بأن يملك العالم، فلم تكن الطبقة الأرستقراطية احتراما للكاثوليك الأيرلنديين (كآل كيندي مثلاً) ولا اليهود*4.

    (4)

    لم تتوقف الطبقة الحاكمة عند حدود الولايات المتحدة، فقد شرعت بسلسلة من عمليات الضم الاستعماري والتدخلات العسكرية في الحرب الإسبانية الأمريكية التي بدأت عام 1898، ثم في أمريكا اللاتينية وكوبا وبنما والفلبين. وقد سارت الولايات المتحدة على خطى بريطانيا، ومع ذلك لم تنس أن تغلف نشاطاتها الاستعمارية بغلاف إنساني، وقد عزز كُتاب أمريكيون ذلك التوجه بكتاباتهم، فيكتب (راديار كيبيلنغ) بعد العصيان المسلح لأهل الفلبين ضد المحتل الأمريكي، بأن سكان الفلبين لم يصبحوا بعد مستعدين لحكم أنفسهم! [ هذا ما يحدث في العراق وأفغانستان بعد مرور حوالي ثمانية عقود].

    وقد كان لالتحام المال والسياسة والحرب صورٌ متجسدة في المكسيك مثلاً شركات (روكفيلر ومورغان وستيلمن و دودج). وفي منطقة الكاريبي (مورغان وستيلمن) وفي أمريكا الوسطى (يونايتد فروت) وكذلك في كوبا.

    أما في الفلبين فقد كان الحاكم فيها (وليام تافت) والذي عينه (روزفلت) قد كتب يقول (أوصل الجيش الأمريكي الفلبين الى مرحلة باتت فيه حقلا جاهزا ومغريا للاستثمار والعمل. ولكن لجعل هذا الأمر ممكناً، يجب أن تكون هناك قوانين للتعدين وقوانين للمساكن والأراضي والعمل المصرفي والعملات)*5. و(تافت هذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة)





    هوامش من تهميش المؤلف:

    · ألن داولي: أستاذ تاريخ في كلية نيوجيرسي. هو مؤلف كتاب الطبقة والمجتمع المحلي: الثورة الصناعية في لين 1967. وهو مؤلف كتاب النضال من أجل العدالة: المسؤولية الاجتماعية والدولة الليبرالية 1991. وكتاب تغيير العالم: التقدميون الأميركيون في الحرب والثورة 2003.

    *1ـ Beyond Markets and Hierarchies: Toward a New Synthesis of American Business History Review 108( April 2003) 404-433
    *2ـ The distinction follows Baltzell, Protestant Establishment 7-8; Batzell also identifies members of upper class by the overlap of names between Whos Who and The Social Register.
    *3ـ Quote from Thomas Lamont, Across W0rld Frontiers (New York: Harcourt, Brace, 1951), 39
    *4ـ Aldrich, Old Money, 275; Baltzell, Protestant Establishment, was written in part, to alert members of upper class to the inevitable disappearance of any resolutely Protestant Establishment in a society with successful Catholics and Jews.
    *5ـ Taft to Root, August 18/1900

  4. #4

    رد: الطبقة الحاكمة في أمريكا

    مشكلة الطبقات الثرية الحاكمة


    بالرغم من نجاحهم، شعر زعماء الرأسمالية الأمريكية المتوّجين بإكليل المجد بأنهم متقلقلون. فقد وصف والتر ليبمان، وهو أحد المراقبين الأكثر إدراكاً للمشهد الأمريكي، مأزقهم قائلاً: (( اكتسبوا ثقافة تحقيق النجاح؛ قِلّةٌ منهم دُرِّبوا على ممارسة السلطة. وهم لا يُدخلون في حسابهم الاحتفاظ بنفوذهم وتسليمه الى أبنائهم. فهم يعيشون ليومهم)...(كلهم قلقون في شأن كيفية الحؤول دون تداعيهم))*1

    يقول الكاتب: قد يكون الأثرياء والمقتدرون موضع حسد، ولكنهم قد لا يكونون موضع تبجيل. فقد يُطاعون دون أن يُجَلّوا. لقد لخص محامي الشعب (لويس برانديس) بجلسة سماع واسعة النطاق للكونجرس بسخرية لاذعة بأن المصرفيين الأثرياء يستخدمون أموال أشخاص آخرين ليزدادوا ثراءً. إنه امتياز أخذ البيض الذهبي الذي وضعته إوزة شخص آخر*2

    لم يستطع أحد أن يرفع صوته في وجوههم مثل (ثيودور روزفلت) عندما قال: (من بين كل أشكال الطغيان، فإن الأقل جاذبية والأكثر ابتذالاً هو طغيان الثروة بذاتها، وطغيان الطبقات الثرية الحاكمة.*3

    ونشأت مجموعة أخرى من المشاكل في مجال الشؤون الخارجية. ففي الوقت الذي ظهرت فيه رغبات أصحاب الثروات الطائلة للتوسع خارج الولايات المتحدة، لجمع المزيد من الأموال، مستخدمين في ذلك هيبة الدولة وإمكاناتها العسكرية، وصف مناهضو هذا التوجه بأنه يهدد الديمقراطية. وسيرهق دافعي الضرائب، واشتركت في تلك الجهود الرافضة لهذا التوجه عصبة النساء العالمية للسلام والحرية.


    وتمثلت مشكلة أخرى واجهت الطبقات الثرية الحاكمة بمعاملة اليد العاملة، فقد كان أرباب العمل يضغطون على موظفيهم ويرهقونهم لدرجة إلحاق الضرر بصحتهم وسلامتهم في غالب الأحيان، كما حدث في الميدان الصناعي و لا سيما الحريق الذي شب في شركة (تراينغل شرتوايست في نيويورك 1911.

    وكان قمع العمال يأتي بأشكال مختلفة منها (مليشيات) خاصة بالشركات، أو بواسطة أجهزة الحكومات المحلية، أو حتى الجيش، ولا يتوقف هذا داخل الولايات المتحدة، بل يتعداها الى ما وراء الحدود (بنما، المكسيك، الفلبين).

    كما كان هناك صراعٌ دائم بين الأغنياء القدماء (الحافظين) وحديثي النعمة (النائلين)، فالقديم يكره الوافد الجديد للطبقة ويحاربه، وما أن تمر عشرة سنوات أو أكثر حتى يُضاف حديثو النعمة الى القدماء ويقومون بتمثيل نفس الدور.

    إصلاح، حرب، وثورة، 1912-1921

    حاول أصحاب الثروات الطائلة تحسين الصور المأخوذة عنهم، في إنشاء منظمات خيرية تهتم بصحة الفقراء وتعزيز مستوياتهم الثقافية، والابتعاد عن التعامل المباشر في قمع العمال، وخصوصا بعد الوحشية التي حدثت في مجزرة (لادلو).

    وبازدياد الاستياء العمالي ومشاكل اجتماعية أخرى، اخترقت الجماعة الراقية الصفوف للمشاركة في حركات الإصلاح الاجتماعي. ومولوا مؤسسات خيرية. إلا أنه لم يمض وقت طويل حتى وقعت تلك المؤسسات بشبكاتها الواسعة في شرك السياسات الانتخابية.

    ولمنتقدي السياسات الإصلاحية الذين اتهموا القائمين بها بأنهم يتجهون الى طريق الاشتراكية، جادل روزفلت تكراراً: (الإصلاح الاجتماعي ليس نذيراً للاشتراكية بل عاملاً للحؤول دون بلوغها)*4

    في الحرب العالمية الأولى، ساد قلقٌ حيال الحرب يتعلق بواقع (جاي مورغان) وشركاه كانت الوكيل الأمريكي الرسمي لعقد الصفقات مع الحكومة البريطانية. وحصل (مورغان) على 30 مليون دولار كعمولة لصفقة مباشرة أجراها الحلفاء بقيمة 3 مليار دولار، وكسب ملايين عدة على قرض أنغلو فرنسي بقيمة 500 مليون دولار.

    وظهرت نزعات تخص الجانب العنصري واستحداث قومية (أمريكية) من خلال رسم مواصفاتها من قِبَل الطبقة الثرية الحاكمة، فأُغلقت الأبواب في وجه السلافيين والإيطاليين واليهود بين عامي 1921 و 1924*5

    الإقطاعية المتحدة, 1922ـ 1932

    في دراستهما بعنوان (الشراكة الحديثة والملك الخاص 1932) وصف (أدولف بيرل) و (غاردينز ميتر) النظام المتحد الذي تطور في العشرينات من القرن العشرين بأنه المرادف العصري للنظام الإقطاعي الذي تبدو فيه الشركات وكأنها حلت مكان الدولة بوصفها النموذج المهيمن على النظام السياسي*6

    وقد شملت المساعي للتخطيط المتحد، والاتحادات التجارية على مستويات عليا على طراز إنشاء لجنة التداول الخاصة عام 1919 وهي اتحاد مالي بين مؤسسات عملاقة تضم (ستاندرد أويل؛ و دوبون؛ وجنرال إلكتريك).

    في عام 1929 بلغت عملية توزيع الثروة قمة كبيرة جداً من عدم المساواة، عندما كانت الهوة بين الأغنياء والفقراء أوسع منها في أي وقت آخر من القرن العشرين. وأخذت أشكال الترف والبذخ من جميع أوجهه تطال كل الجوانب، حتى تلك التي كانت تحاكي سلوك الأوروبيين الذين كانوا يكثروا السفر والسياحة في مستعمراتهم القديمة لزيادة رصيدهم الثقافي الخاص بالاطلاع على عادات الشعوب وطرقه في الحياة في الفن والثقافة وغيرها... فكثرت السفن التي تبحر لهذا الغرض لتجوب بحار العالم.

    وما أن وقعت الأزمة المالية الكبرى في عام 1929 بانهيار الأسواق المالية حتى حل الذعر في كل أنحاء الولايات المتحدة. ولقد دعا الرئيس (هوفر) 400 شخصية مالية كبرى الى البيت الأبيض في كانون الأول/ديسمبر 1929. وقد نجح في ذلك بتصويب أوضاع العمال والإسهام في جمع مبالغ طائلة من الأموال لدعم الشركات المهددة بإعلان الإفلاس.

    بعد الخروج من الأزمة عادت عملية انتقاد الطبقة الثرية وشحذ السكاكين للهجوم على 60 عائلة كبيرة لأنها بالغت في تأثيرها في إدارة البلاد والهيمنة عليها. وقد ساعد الرئيس (فرانكلين روزفلت 1932) في تقليم أظافر تلك العائلات وإدخال وتطعيم الطبقة الحاكمة من العناصر السياسية الاحترافية من الطبقة الوسطى.

    فهل سيعود نفوذ تلك العائلات مرة أخرى؟


    هوامش منتهميش المؤلف:
    *1ـ Quoted in Aldrich, Old Money, 36
    *2ـ Louis Brandeis, Other People's Money and How the Bankers Use It (1914; New York: Harper& Raw,1967),12
    *3ـ Quoted in John Milton Cooper, The Warrior and the Priest: Woodrow Wilson and Theodore Roosevelt (Cambridge, Mass: Belknap Press of Harvard University Press, 1983), 116
    *4ـ Quoted in Cooper, The Warrior and the Priest, 113; Garraty, Right Hand Man, deals with Perkins's career.
    *5ـ See Gary Gerstle, American Crucible: Race and Nation in the Twentieth Century (Princeton University Press, 2001)
    *6ـ Berle and Means, The Modern Corporation and Private Property, 1,356.


  5. #5

    رد: الطبقة الحاكمة في أمريكا

    إعادة إحياء الأثرياء إدارياً

    الصفحات من 197 -232

    (1)

    في التسعينات من القرن التاسع عشر، كانت الطبقة الحاكمة الأمريكية قد أصبحت بدينة وفاسدة. وكان أفرادها هدفاً لإهانة معنوية من قبل الإصلاحيين ومحّط سخرية الهجائيين مثل (ثورشتاين فبلين) الذي اعتبر تبذيرهم إسرافاً في عملية تبني أساليب طبقة ثرية حاكمة على وشك أن تصبح قديمة الطراز.

    كانت مراهنات (فبلين) وغيره الذين كانوا يتوقعون انهيار تلك الطبقة ليست في محلها، وإن كان (فبلين) يضع سيناريو لهذا الانهيار، لأن الطبقة الثرية الحاكمة في نظره والتي أصبحت نتيجة تنعمها بأوقات الفراغ، عديمة الخبرة والكفاءة في إدارة الشركات العملاقة. فقد انتبه هؤلاء الأثرياء الى استخدام طبقة محترفة من التقنيين، وأغدقوا عليهم بالرواتب ليكونوا هم القيادات الحقيقية لتلك الشركات.

    لقد حدث انعطاف شديد منذ أيام الرئيس (ثيودور روزفلت) في التسامح في إدخال غير (الأنجلو سكسون البيض) الى دائرة النخب الإدارية والحاكمة، حتى لو كانوا كاثوليك أو يهود أو سود.

    كما أُدخل فرع جديد في النشاط الإداري، وهو العلاقات العامة التي كانت مهمتها نزع الصورة عن تلك الطبقة بأنهم (أقطاب سرقة) وتحويلهم في نظر الناس الى (رجال دولة صناعيين، ومُحسْنين تقدميين!).

    بمحاذاة ذلك، كان (الاستعراق) أي تفضيل العرق الأبيض المسيحي والرياضي يتم التركيز عليه في شؤون التربية والأخلاق، وهذا السلوك (مستوحى من إنجلترا).

    وانتشرت ظاهرة (التنفجية) [ التنفجية: مصطلح يبدو أن المترجم نحته نحتاً أو واضعه مواضعة، فهي بلسان العرب الوثوب والتكبر والعلو، وإن ما قصده المترجم من محاكاة علية القوم لمن هم أدنى منهم باللباس والصراخ ولكن دون إخفاء أنهم يستعلون على من حولهم. هذه الظاهرة لا زالت منتشرة في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم بظهور الرؤساء بملابس غير رسمية أو مشاركتهم الآخرين أفراحهم ورقصاتهم، مع التندر على الآخرين، أثناء ممارسة تلك العادة (الظاهرة)].

    (2)

    ظهر في تلك الفترة ملامح من الإيمان القوي بضرورة التناغم بين الجسد والروح، فكان الرجل الجدير بالقيادة والاحترام من طبقة الأغنياء، هو ذلك الرجل ذو الجبين العريض وشعره مرفوع الى الخلف والى الأعلى ليدلل على نمو دماغه الكامل.

    وهناك من أفرط في الأناقة، حتى أنه يُحكى عن رجلٍ يدعى (بيري وال الأنيق) أو كما كان يعرف ب (ملك المتأنقين)، إذ ظهر في أحد أيام أغسطس/آب بأربعين بدلة مختلفة في يوم واحد، كان يحتفظ بها في غرفة بفندق (ساراتوغا سبرينغر)*1

    وقد كانت العضلات المفتولة قد رُبطت بالقدرة الذهنية، ولعل الرئيس (تيودور روزفلت) قد جسدها تجسيداً كاملاً. فقد كان في بداية حياته ضعيف البصر مصاب بالربو، وقد حول صراعه الخاص للتغلب على الضعف الى درس لقنه لكل أفراد (الطبقة الرائدة). فقد أخبره الطبيب وهو في الثانية عشرة من العمر، بأن عليه مزاولة التربية البدنية القاسية وإلا فإن عقله سيصاب بالوهن.

    ويذكر أصحابه كيف تحول هذا الطفل الوديع الى رياضي يحدث في لعبه ضجيجاً وصخباً، وكيف أنه امتنع عن شرب الخمر وممارسة الجنس، وحول ذلك السلوك الى نظرية قريبة من الإيمان، ولكي يجعلها كذلك انتمى الى أندية مسيحية وجمعيات محافظة.

    ويروي هو، كيف أنه ضرب متنمراً حاول اللمز بشخصيته: فيما كنت أنهض وجهت ضربة باليمنى سريعة وقاسية الى فكه وضربة باليسرى عندما وقفت منتصباً وقد سقط على الأرض... ففي بعض الأحيان، يكون على المرء القيام بما يتوجب القيام به ـ حتى وإن كان رجلا نبيلا ذا سلوك حسن...كان الجسد والعقل عند روزفلت متصلين بصورة كاملة*2

    وقد تسللت مواصفات الأمريكي القوي والوسيم الى الروايات والأفلام فهي عند (ويسر) في روايته (الفرجيني) نبيل مخشوشن ذو سلوك حسن قليل الكلام بطيء الغضب ولكنه متمسك بحسه الدمث بالسمعة الطيبة وهو في المنزل متحمل لمسؤولياته حيال العائلة، وحيال الرفاق أيضاً والنساء المهذبات*3

    وقد شدد الفيلسوف البراجماتي (وليام جيمس) على ضرورة أن تبتعد الفلسفة على إيقاع الخريجين في فخ الاستغراق بالتفكير وتحويلهم الى عالات يفتقرون الى الشخصية الفردية والرجولة الصريحة... ودعا الى سحب الشبان الأثرياء للعمل في مناجم الفحم الحجري والحديد وقطارات الشحن وأساطيل الصيد وغسل الصحون والثياب وسبك المعادن وفتحات الأفران وتركيب هياكل ناطحات السحاب وغسل النوافذ وشق الأنفاق فهذا سيعيد المجتمع الى أن يكون أكثر متانة ورزانة*4 وكان متأثراً بأفكار (روزفلت) ورشحه ليكون رئيساً لجامعة هارفارد.

    (3)

    تهيئة الناشئة اجتماعياً هي أحد العناصر الأساسية لإعادة بناء طبقة حاكمة. وبينما كان (وليام جيمس) قلقاً. كان هناك المربون الأصغر سناً يجددون المدارس الإعدادية وينشئون المعاهد المتكفلة بالدور الذي أراده.

    فمدرسة (غروتون) الديكتاتورية خضع طلابها لبرامج قاسية في السلوك والأخلاق والانضباط، وقد جاء باحتفالها بعيدها الخمسين أن هناك أكثر من ألف خريج من تلك المدرسة تبوؤوا مراكز قيادية (1 رئيس جمهورية؛ اثنان وزيرا خارجية؛ ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ، واحد في الكونجرس، وزراء وسفراء وحاكمان على الولايات واثنان من مساعدي وزيرين للأسطول البحري ومساعد لوزير الجيش الخ.

    وفي مجال الصفات المسيحية القائمة على العضلات، قدم المربون صورة واصفين إياها بأنها صراع أخلاقي صعب (وأن يكون المرء ثرياً ونافذاً يعني أن لا مكان للترهات في حياته؛ فالسلطة والألم متلازمان في هذه الحالة.

    والى جانب المدارس المتخصصة بإعداد النشء، فإن النساء قد طورن ثقافتهن وأدائهن ليكون ملائما للمرحلة.

    هوامش من تهميش المؤلف

    *1ـ Lears, No Place, 26-32; Cleveland Amory, The Last Resorts ( New York: Harper, 1952), 432
    *2ـ Theodore Roosevelt, An Autobiography (New York: Scribner's, 1920), 122
    *3ـ Owen Wister, The Virginian (1902; New York: Penguin Books, 1988); G. Edward White, 265-273
    *4ـ William James, "The Ph.D. Octopus" (1903), in Writings, vol. 2, 1902-1910, Library of America ed. (New York: Viking, 1987), 1111-18

  6. #6
    الفصل السابع: مؤسسة السياسة الخارجية

    غودفري هودسون*1


    ص 233

    (1)

    يكتب الكاتب موضوعه وهو متأكدٌ لدرجة اليقين، من أن هناك مؤسسة للسياسة الخارجية، [والاسم كان قد ابتكره صحافي بريطاني يدعى هنري فيرلي، لوصف الشبكة غير الرسمية من الأشخاص الذين استخدموا النفوذ على المناصب العليا والأعمال في بريطانيا في الخمسينات من القرن العشرين] وهي تشمل نشاطات وزارة الخارجية والحرب والمخابرات، وهذه المؤسسة هي التي تحكمت بمصير الولايات المتحدة لحوالي ثلثي قرن، أي منذ بداية القرن العشرين وبالذات منذ عام 1902 ولغاية حرب فيتنام. وهذه المؤسسة تتكوّر حول أشخاص وعائلات ومدارس ومعاهد بعينها ودون غيرها.

    يفتتح الكاتب حصته من الكتاب، بقصة حول محامٍ شاب سيكون هو محور التعيينات في دوائر الحربية والخارجية والمخابرات. وهو (هنري ستيمسون) والذي بقيت صوره معلقة في الدوائر السياسية المغلقة حتى عهد قريب.

    وتقول القصة أن هذا المحامي قد ذهب مع زوجته لعشاء سنوي تقيمها جمعية صيادي طرائد للعائلات العليا. وبينما هو وصديقه يمتطيان ظهري جوادين، فإذا بصوت من الناحية الأخرى للنهر، يأمرهما(ممازحا) بعبور النهر وبأمر رئيس الولايات المتحدة ذاكرا اسم (ستيمسون بالذات)، تعرف على الصوت، ف فامتثلا للأمر بكل جدية، وقد كادا يغرقان من تلاطم المياه ومكابدة إدارة الحصانين العجوزين. ولما اقتربا من مصدر الصوت، فإذا بوزير الحرب (إليهو روت) يقف الى جانب الرئيس (روزفلت). [ نقصد هنا الرئيس ثيودور روزفلت وهو ابن عم الجد الخامس للرئيس فرانكلين روزفلت الذي ينحدر من نفس العائلة والذي حكم بين (1933ـ1945]

    ضحك الجميع من تلك المغامرة، وعندما أخبرهم رئيس الجمهورية أن الطلب منهما عبور النهر كان مجرد مزحة، أجاب (ستيمسون) أنه على استعداد لفناء عمره فداء لرئيس الجمهورية.

    كانت تلك الحادثة كفيلة لأن يحتل (ستيمسون) [كان وزيراً للحرب في الحرب العالمية الثانية] مكانة مرموقة ليس لدى رئيس الجمهورية فحسب، بل لكل من يمت له بصلة.


    (2)

    كان هناك خمسة أعمال رئيسية في تاريخ مؤسسة السياسة الخارجية، أولها تقديم شخصياتها ومؤسساتها وأهدافها في الحرب العالمية؛ وثانيها النقاش الكبير حول التورط الأمريكي في الحرب العالمية الثانية (وقد ساعدت حادثة بيرل هاربر عندما هاجمتها الطائرات اليابانية في تدخل الولايات المتحدة)؛ وثالثها: قيادة عملية شؤون الأمة إبان الحرب، وتطوير القنبلة النووية ثم الأمر باستخدامها في اليابان؛ ورابعتها: منع انتشار أيديولوجية العدو (أثناء الحرب الباردة)؛ والعمل الخامس: نشر القوات لمواجهة التمرد في دول العالم الثالث (فيتنام).

    وقد ساعد في نشر توجهات المؤسسة الخارجية مجموعة من المعاهد المتخصصة وبعض الجامعات العريقة التي كانت إداراتها على صلة مع تلك المؤسسة. ومن بين المعاهد والمدارس (مدرسة ستيمسون) و(مدرسة فرانكلين روزفلت) وفي وقت لاحق مدرسة (جيمس بيكر: وزير الخارجية إبان حكم بوش الأب)، وجامعات هارفارد ويال وندرة من الجامعات.

    ومن أكثر القضايا التي أثير فيها نقاشات كثيرة، هي الانعزال أو التدخل، فقد كان تيار الداعين للانعزال وعدم التدخل في الشؤون الخارجية هو المسيطر، حتى عام 1936 تقريباً، عندما دمج هتلر أراضي الراين وضمها الى ألمانيا، وعندما أخذت اليابان تتدخل بشؤون الصين كثيراً، وعندما تدخل الاتحاد السوفييتي بالحرب الأهلية الإسبانية. لقد كان مؤيدو الانعزال شريحة متنوعة من بينهم الرئيس (هربرت هوفر) وأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ الخ.

    كان مؤيدو التدخل في الحرب العالمية الثانية يعتقدون أن ضمان انتصار بريطانيا على دول المحور هو أمر يصب في مصالح الولايات المتحدة. في حين كان مؤيدو عدم التدخل يرون أن تجنب الحرب هو أكثر أهمية من تجنيب بريطانيا الهزيمة.

    اتخذ المجلس قراراً الى جانب سياسات التدخل، وبرز أسماء مثل (ألن. دبليو. دالاس) الشقيق الأصغر لوزير الخارجية (جون فوستر دالاس) والأول كان عميلا سريا في العاصمة السويسرية التي كانت مركز للتنصت لمعرفة ما يجري داخل ألمانيا.

    لقد اتخذ المجلس قراراً في إسقاط القنبلتين على هيروشيما ونجازاكي وقد كان يعرف أنه بالقنبلتين وغيرهما كانت اليابان على وشك الهزيمة، لكن القرار اتخذ قبل أن يعلن الاتحاد السوفييتي حربه على اليابان*2. كان ستيمسون والذي كان وزيراً للحرب، على ثقة بأن اليابان ستعلن هزيمتها إذا سمحت لها الولايات المتحدة بإبقاء النظام الملكي الدستوري، ولكن الغاية كانت مختلفة في منع دخول السوفييت تلك المنطقة واقتصارها على النفوذ الأمريكي.

    ومن إنجازات مؤسسة السياسة الخارجية، والتي زهت بانتصاراتها في الحرب العالمية الثانية، خطة مارشال (لحماية أوروبا من العدوان الستاليني)، ودمج وزارتي البحرية والحرب في وزارة الدفاع (1947) وإنشاء (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في نفس السنة) وكذلك مجلس الأمن القومي.

    (3)

    لأسبابٍ تتعلق بالطبقة الأرستقراطية، وأخرى سنمر عليها، أخذ نفوذ مؤسسة السياسة الخارجية بالتلاشي. وقد يكون السبب الأول في ذلك هو أزمة خليج الخنازير (أزمة الصواريخ في كوبا).

    وفي السنوات القليلة التالية، هزّت حركة الحقوق المدنية واغتيال (جون كندي) المعنويات الوطنية، وبانقضاء الستينيات من القرن العشرين، ظهرت تساؤلات كبيرة عن دور العائلة والأسرة وطبيعة الحكم، وأخذ اليمين الليبرالي يظهر، ليتجلى أثره في هزيمة فيتنام.

    هل ستكون الولايات المتحدة شرطي العالم؟ ما هي الحدود الجغرافية للمسئولية الأمريكية؟ في أي ظروف يبرر استخدام القوة للدفاع عن المصالح الإستراتيجية؟

    ويبدو أن قرار حرب فيتنام قد اتخذ في الأربعينيات من القرن العشرين، لدرء خطر الشيوعية، ولكن السوفييت خنقوه بدلاً من أن يضربوه بهراوة، فقد انتشر الجيش الأحمر بأوروبا الشرقية بقوة، ثم أخذ السوفييت بتشجيع حركات التحرر في أماكن مختلفة بالعالم.

    بالمقابل، فإن ال (سي أي إي) قادت حملاتها تحت اسم (DDP) أي مديرية الخطط المُساعدة، وهو اسم تنكري للعمل السري الذي كان يعني (مواجهة التمرد) ـ مقاتلة الثوار داخل البلد ـ أو دعم انقلابات سياسية من خلال عمل حربي على نطاق ضيق تقريباً. مثل عملية الإطاحة بحكومة (مصدق) في إيران عام 1953، وإعادة الشاه الى عرشه. وإزاحة رئيس جواتيمالا وقمع ثورة الفلبين وتشيلي وغيرها.

    وقد كان تورط الأمريكان في فيتنام قد أتى عن طريق دعم ال (سي أي إي) وتقديمها الأموال لتسعة آلاف رجل من قبيلة (ميو) أملاً في أنهم قد يتمكنون من هزم جيش شيوعي، وكان ذلك في لاووس ثم تم تطبيق ذلك في فيتنام.

    لقد كانت هزيمة فيتنام سببا في اندثار مؤسسة السياسة الخارجية. في العام 1967 أنشأ (جيم روف) لجنة المواطنين للسلام والحرية في فيتنام، وعلى رأسها السناتور الأسبق (بول دوغلاس) وانضم إليها الرئيس الأسبق (إيزنهاور) وقد قال أحد أعضاء اللجنة (بول) (الحمقى الذين يرسلون الشبان بعيداً عن وطنهم ليقتلوا)*3

    وعندما فاز نيكسون بالبيت الأبيض، سيطر هنري كيسنجر على السياسة الخارجية الأمريكية، واستبدل أنسجة مؤسسات العلاقات الخارجية بشكل كامل.*4



    هوامش من تهميش المؤلف
    *1ـ غودفري هودسون: صحافي بريطاني يعمل في وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية في الولايات المتحدة الأمريكية. من كتبه (أمريكا في زمننا الحاضر 1976)؛ الكولونيل: حياة وحروب هنري ستيمسن (1867ـ1950) نشره عام 1990). أكثر مساواةً من الآخرين: أمريكا من نيكسون وحتى القرن الجديد نشره في 2004.
    *2ـ Kai Bird, The Color of Truth: McGeorge Bundy and William Bundy, Brothers in Arms (New York: Simon & Schuster, 1998), 84-85
    *3ـ Ibid.,598
    *4ـ Walter Isaacson, Kissinger: A Biography (New York: Simon & Schuster, 1992), 83

  7. #7
    الفصل الثامن: النُخبالمحافظة والثورة ضد الصفقة الجديدة

    ص 269 الى نهاية الكتاب

    مايكل ليند

    (1)


    بين الستينيات من القرن العشرين والعام 2000، أطاحت الحركة المحافظة بليبرالية ما سبقها من عهد والذي أطلق عليه (عصر الصفقة)، وبعد أن وضعت تلك الحركة يدها على الحزب الجمهوري، قام المحافظون بخلق أول غالبية جمهورية في الكونجرس. وأسفرت إطاحة مبادئ رونالد ريغان المحافظة بليبرالية روزفلت عن أكثر من صدام بين الأفكار المتعلقة بالمجتمع. وشملت العملية استبدال مجموعة من النُخب بأخرى تتمتع بجماهير مختلفة من الناخبين في المجال الاقتصادي، والعرقي، والمناطقي.

    لقد كانت الولايات المتحدة تُحكم من المنطقة الشمالية الشرقية والغربية الوسطى، وبعد هذا التحول فقدت هذه المناطق نفوذها لصالح المنطقة الجنوبية، والتي ضمت 11 ولاية، وكان سبب ذلك هي هجرة الجنوبيين الى الداخل بعد دخول المكننة الزراعية والاستغناء عن العمال الصغار والفلاحين مما اضطرهم الى تركها لصالح أناس بيض.

    وفي الجانب الديني، تفوقت الكنائس البروتستنتية الإنجيلية البيضاء على الاتحادات والآليات الحزبية وباتت المنظمات السياسية القاعدية الأكثر أهمية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي على التوالي. وعلى مستوى النخبة، بات العمل السياسي منظماً بشكل متزايد من قبل جماعات الضغط والمجموعات المؤيدة لمسألة الفردية، لا من أحزاب سياسية ذات قواعد واسعة النطاق وتمتاز بأيديولوجيات مترابطة منطقياً. كما انخفض التأثير السياسي للطبقة العاملة الأمريكية.

    (2)

    وصف البعض التغير الذي حصل في الولايات المتحدة بأنه ميلاد الجمهورية الثالثة، على اعتبار أن الجمهورية الأولى بدأت مع الثورة الأمريكية وإعلان الاستقلال والثانية التي جاءت بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 1864، والثالثة بدأت معالمها تتكون منذ عهد رونالد ريغان.*1

    عملت إدارتا رونالد ريجان وجورج بوش بعد أن فشلتا في حشد تأييد الكونجرس لإلغاء البرامج الفدرالية الاتحادية الشعبية، قامتا باتباع إستراتيجية (تجويع الوحش) عِبر تخفيض الضرائب وتجنب تبديد البرامج الحكومية أو خلق برامج جديدة ـ على حساب زيادة العجز الفدرالي في الميزانية خلال ولايتي الرئيسين.

    وأدت سياسات العزل العرقي الى تغيير معالم التوزيع السكاني في الولايات المتحدة، فبعد أن كانت الولايات الجنوبية معقلاً للديمقراطيين حتى عام 1948، أصبحت للجمهوريين، فبعد أن كان كل تسعة أمريكيين سود من كل عشرة يعيشون في الولايات الجنوبية عام 1900، أصبحوا يشكلون ثلث سكان أكبر عشرة مدن في الولايات المتحدة بع هجرتهم عام 1990*2

    ونتج عن المعدلات العالية للفقر والجريمة بين المهاجرين الجنوبيين في الشمال (حركة سريعة للبيض) ليشكلوا سياسة مناهضة للسود والتي كانت في السابق تقتصر على الولايات الجنوبية.

    لم تقتصر سياسة التمييز العرقي على اليمين فقط، وعوضاً عن محاولة استعادة الطبقة العاملة من البيض، بنا الحزب الديمقراطي آماله بعد السبعينيات من القرن العشرين على إستراتيجية تشكيل (ائتلاف كبير ومتنوع) قاعدتها من السود وذوي الأصول اللاتينية والأقليات الموجودة في الولايات المتحدة (يهود، عرب، آسيويين الخ). وكان يعارض أي قانون للعزل العرقي لكسب الأصوات.

    ولكن لم تعلن النخبة القيادية البيضاء للحزب الديمقراطي تحدي سياسات الأفضلية العرقية للبيض. وخلال جملة العام 1992 الرئاسية، شجب كلينتون التعليق الذي صدر عن نجمة بوب سوداء تدعى (سيستر سولجا) قالت فيه إن السود قد يقتلون الشعب الأبيض بدلاً من أن يقتلوا بعضهم بعضا,

    وأما النقد اللاذع للمتبحرين والناشطين اليساريين الذي طال الأمريكيين البيض والحضارة الغربية فقد عاد على اليمين المتطرف بالفائدة.

    (3)

    كانت نتيجة إعادة التخطيط المرتكزة على العِرق في الستينيات من القرن العشرين نموذجاً عن السياسة المستقطبة عرقيا، فلم يفز مرشح عن الحزب الديمقراطي بأغلبية أصوات البيض منذ انتخاب ليندون جونسون عام 1964. والأقلية الأمريكية اليهودية هي المجموعة الوحيدة البيضاء التي لا تزال ثابتة على تصويتها للديمقراطيين، ففي انتخابات بوش وآل جور، صوت 80% من اليهود لصالح آل جور و 17% لبوش.

    وفي السباق الرئاسي لعام 2000، ارتفع العجز الديمقراطي من 3% عام 1996 الى 12% عام 2000، وكان الرجال البيض وحدهم يفضلون بوش على غور، في حين لم يصوت لبوش إلا 10% من الناخبين السود.

    وفي عام 2002 في الانتخابات البرلمانية التكميلية، كانت نسبة التصويت من البيض للجمهوريين 55.1% مقابل 44.9% للديمقراطيين، أما ذوي الأصول اللاتينية كانت نسبة تصويتهم للجمهوريين 32.9% مقابل 67.1% للديمقراطيين، وكانت نسبة السود الذين صوتوا للديمقراطيين 93.8% مقابل 2.6% فقط للجمهوريين.

    ومن الأمور التي تغيرت في أمريكا بالثلث الأخير من القرن العشرين، هو أفول نجم الأحزاب كمنظمات رئيسية، ليحل محلها أصحاب البلايين، وظهور مرشحين من كبار الأثرياء مثل (روس بيروت) الذي كسب أصواتا في حملته عام 1992 تفوق التوقعات و (رالف نادر) ... وقد تذمر السناتور (دانييل باتريك مونيهان) قائلاً: (نصف أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل هم من أصحاب الثروات... لقد أصبحنا طبقة ثرية حاكمة)*3

    (4)

    في العصر الجديد للولاءات الحزبية الضعيفة، دان المحافظون بنجاحهم في تغيير النقاش الوطني حول السياسة الداخلية والخارجية الى تفوقهم التنظيمي على منافسيهم السياسيين. وكان المدعوون محافظين جدداً ناجحين بصفة خاصة في الهيمنة على النقاش الوطني. ومما يدعو الى السخرية (القول للمؤلف) أن تكتيكات المحافظين الجدد وإستراتيجيتهم كانت نموذجاً من تلك التي يعتمدها اليسار الشيوعي.

    وفي خلال الثلاثينيات من القرن العشرين، أنشأت الحركة التروتسكية التي نتج عنها عددٌ من المحافظين الجدد البارزين شبكتها الخاصة من المجلات الصغيرة والمؤسسات الاجتماعية لمواجهة اليسار الستاليني في الولايات المتحدة وأوروبا. وبعد الحرب العالمية الثانية، تعاون الاشتراكيون المناهضون لستالين مع الليبراليين المناهضين للشيوعية في تأسيس لقاء الحرية الثقافية الذي عارض مجموعات المواجهة الثقافية التي يدعمها السوفييت. وقد تأثر تيار المحافظين الجدد منذ بداية السبعينيات وبدا ذلك واضحاً في صحف رائدة مثل (ذي بابليك إنترست و ذي ناشيونال إنترست، ومجلات أسبوعية وشهرية مثل كومنتاري وذي ويكلي ستاندارد) ومعاهد أبحاث مثل المؤسسة الأمريكية (AEI)، ومشاريع مثل مشروع القرن الأمريكي.

    وظهرت آثار الكنيسة واضحة في طبيعة وتفكير القادة، فلم يكن جورج بوش هو الوحيد الذي تكلم عن علاقته بيسوع بل كان قبله كارتر وكلينتون ولم تقتصر تلك النواحي على حزب، بل سادت في أوساط مختلفة، وانتشرت محطات التلفزة والإذاعة ومجلات متخصصة بهذا الشأن.

    كما لجأ المحافظون الجدد على تمرير قوانين تخص الضريبة، فكان الأزواج الذي لا يقل دخلهم عن 400 ألف دولار سنوياً يدفعون 4.4% في حين يدفع من يقل دخله عن 19 ألف دولار ما نسبته 13.8%! *4

    (5)

    أفل نجم المنطقة الشرقية الشمالية وانخفض عدد سكانها من 29% عام 1950 الى 23% عام 2000. وانخفض سكان الغرب الأوسط من 26% الى 19% لنفس الفترة.

    وزالت مؤسسة الخارجية الأمريكية وحل محلها أناس يحلمون بالحروب والعولمة الاقتصادية وتسفيه دور العمال واستقدام عمال أجانب بطرق ملتوية لتدني أجورهم ووعدهم بإعطاء الجنسية، والابتعاد بقدر الإمكان عن الشراكة الأوروبية باستثناء بريطانيا وعلى رأسها (توني بلير).

    كما ارتبطت صناعة النفط واستثماره عالميا بوزارة الدفاع، وتم حشد وترقية كل من له علاقة بهذا النموذج من التغيير.

    خاتمة

    يراهن مؤلف الكتاب على أن أمريكا ستستعيد مكانتها بعد أن تفوق من كابوس التغيير الذي سيثبت عدم نجاحه.

    انتهى تقديم الكتاب





    هوامش من تهميش المؤلف

    *1ـ Michael Lind, The Next American Nation (New York: Free Press,1995).
    *2ـ Theodore Caplow, Louis Hicks, and Ben J. Wattenberg, The First Measured Century: An Illustrated Guide to Trends in America, 1900-2000 (Washington, D.C.:AEI Press, 2000), 20.
    *3ـ New York Times, November 25,1984, cited in Dennis Gilbert and Joseph A.Kahl, The American Class Structure: A New Synthesis, 4th ed. ( Belmont, Calif.: Wadsworth Publishing Company, 1993),215
    *4ـ Texas State and Local Taxes in 1995: Shares of Family Income for Non-elderly Married Couples, Appendix I,44, Citizens for Tax Justice,http://ctj.orgl whop/whop-tx.pdf.

المواضيع المتشابهه

  1. نكبة فلسطين وأخلاق سلطات فلسطين الحاكمة/ مصطفى إبراهيم
    بواسطة مصطفى إبراهيم في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-04-2016, 06:28 AM
  2. قضية المبادىء الحاكمة للدستور
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-14-2011, 08:34 AM
  3. حقائق المعابر الفلسطينية ونصوص الاتفاقيات الحاكمة لها عرض مبسط
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان السياحة.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-23-2009, 10:49 AM
  4. صدقية أمريكا ! ! ؟
    بواسطة نيقولا_ديب في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-24-2008, 11:18 AM
  5. الحكم بإعدام أحد أفراد العائلة الحاكمة بالكويت لاتجاره بالمخدرات
    بواسطة يوســـــــف في المنتدى فرسان الأخبار.
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 01-15-2007, 10:31 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •