منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11
  1. #1

    يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    يا أسمر اللّون ...

    باغتْتها نسيماتٌ باردةٌ ، سحبتْ الغطاء تدثّر ولديها ، وبعينٍ نصف مغمضةٍ تنبّهتْ للوقت ..
    ياااااه أوشك الصّبح أن يشرقَ ، قالتْ في سرّها ، وهي تطرد عنها سطوة النوم اللّذيذ .
    رشقتْ وجهها برذاذ الماء ، ثمّ استدارتْ على عجلٍ ،لتنثر بعض الحبّ المجروش في قنّ الدجاج ، لمّا تعالتْ صيحات الدّيك تعلن بدء رحلة يومٍ جديدٍ ، بعد أن خلع اللّيل بردته القديمة ،الملوّثة بالأحلام الواهمةِ،المعطوبة على الغالب.
    واتّجهتْ نحو المطبخ ، ترفع الغطاء النديّ عن المعجن ، تتأكّد من تخمّر الخليط بطرف إصبعها ، أيقنتْ بخبرتها صلاحيتها الآن للشواء، زجّتْ الصينيّة في الفرن ، فاحتْ أنفاس الحلوى في صحن الدّار ، شمّرتْ ثوبها الطويل بزنّارٍ قماشيٍّ ، تقيه من البلل ، وهي ترشّ الماء على الأرض وأحواض الزّرع ، غرّد الحسّون ، فشرعتْ تغنّي لوجه رجلٍ راحلٍ ، إلاّ من أعطافها ..
    تظنّ حدّ اليقين بأنه قربها الآن ، تعدّ له قهوة الصّباح ، وتهيئ له الجلسة الصباحية، برائحة الورد الذي كانت تجدله بين ضفائرها ..
    (يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ..... ، تعباااااااااان يا قلب خيّو ...........هواك رماني ،
    يا بو عيون وساع ...حطّيت بقلبي اوجاع.. بعطيك سبع رباع خيّو من العين رسمالي ..)
    وابتلعت مع دموعها مابقي من الكلمات .
    صينيّة الهريسة باتتْ شهيّة الشّواء كقرص شمس الصّباح ،حملتها على رأسها بعد أن أغرقتها بالقطر ، وقطّعتها .
    اطمأنّتْ إلى باب بيتها بعد أن أرتجته بأمانٍ ، تشقّ الزّحام إلى رأس الشّارع في حارتها ، قرب الشّجرة العتيقة .
    تلقّفتها عيناه بحبّ مزمنٍ : هاتها أحملها عنك ثقيلةٌ هي ..
    _لا شكراً ...لا أريد أن أتعبك ..
    أصرّ مادّاً يده ، يجذب الصينيّة نحو رأسه: هاتها حرامٌ أن يتعب هذا الرّأس الجميل ، ويحمل مالا يطيق ، لو أنّك تعقّلتِ ، وقبلتِ بي زوجاً أمَا ارتحتِ من هذا الشّقاء ..؟؟!!! أم أنك ما زلتِ تحنّين إلى أسمر اللّون الذي سرق قلبي حيّاً ، وميتاً ؟؟
    قطّبتْ حاجبيها ، وكانت قد وصلت إلى المكان المقصود ، ثمّ أمسكتْ بكفّة الميزان ، وبين الحزم والمزاح ، وجهتها نحوه ، لحظة كان يهمّ بفتح الطاولة الصغيرة المغلقة ليثبّت عليها الصينية :
    _اصمتْ وإلاّ ... قالتها ضاحكةً ثمّ أردفت: عمر أنت أخي ، بل كلّ أهلي ، أنت المخلص ،الوفيّ ،الذي ما غيّره الزّمان..
    _ولن أتغيّر ، منذ طفولتي أحبّك ، رغم كلّ محطّات عمري التي عبرتها ، أحبك ، ولكن ...وآاااه من لكن ، بقي الحلم حلماً ، وبقي قلبك رهيناً لفارسك الأسمر..حتى بعد أن صار ظلاً نائماً.
    _ ولداي.. عمر.. ولداي ، وأميّ المشلولة ، هم أمانةٌ في عنقي ، والدّرب طويلٌ .. طويلٌ ، والكسب قليلٌ ..قليلٌ،والقلب المتيّم مأسورٌ لحبّ أوّل يسكن الضلوع ، وليس له خيار.
    قطع حديثهما توافد الصّبية مهرولين نحو المدرسة القريبة من مكانها، امتدّتْ الأيدي تدفع بالقروش القليلة إليها ، تتوافق مع تحيّة الصّباح التي باتتْ كطقوسٍ يوميّةٍ بين صحبةٍ طيّبة ، حميمةٍ تجمعها بهم ، وتغوص في أنسجتهم بودّ ، وتحنانٍ.
    كان يرقبها بطرف عينه ، وهي تقسم لقيمات تطعم بها أفواهاً فقيرةً ، عذبة الأنفاس، لا تمتلك الثّمن ..
    _ لن يتبقّى على هذا الحال إلاّ القليل من الهريسة يا سعديّة ، يقول لها مشفقاً
    _ الرّزق على الله يا عمر ، كلّهم أولادي ، أحسّهم كلّهم أولادي ، صغاراً ، وشباباٌ ، آااه لو يسعهم هذا الحضن !!!.
    تركها مزروعة في قلبه ومضى .
    نال منها التعب ، كم تؤلمها فقراتُ ظهرها ..!!؟؟ اعتدلتْ في جلستها ، تفرك عنقها ، حتى أسفل ظهرها ، تغمض عينيها ، تتحسّس الليرات المعدودات، ترى .. هل تكفي متطلّبات ما يلزمها..؟؟
    اخترقها صوتٌ مزلزلٌ ،لا يشبه الأصوات التي ألفتها ، وتراكض أقدامٍ مضطربةٍ حولها ، عجّتْ الأرصفة بالغبار ، ساد الهرج ، والمرج ، فقطع أصوات الحياة الآمنة.
    هبّتْ مستفسرةً عمّا يدور حولها ، لم تستبن طلاسم ما قيل أمامها من تبرير ..، كلّ فتية الحيّ يحبّونها ، يعرفونها ، ولكنهم لم يسمعوها ، وهي تقف عرض الشارع ، محاولةً الفصل بينهم.
    لعلع الرّصاص كأمطارٍ رماديّةٍ أسالت لونها الأحمر على الإسفلت ، على الرّصيف ، على الجدران ، تؤرّخ لجرحٍ كبيرٍ.
    صرخت: كفاية يا أولادي بالله عليكم ، كفى ...مهما كان الخلاف ،هناك حلول منصفة ، عادلة ،اسمعوني أرجوكم ..
    ضاع صوتها وسط الجموع الهادرة بحنقٍ ، وغضبٍ ، كأمواج نارٍ لاهبةٍ ، تأكل حشاشة الأرض ، وأجساد الحشود المتصارعة.
    اختلّ توازنها ، ارتمتْ على قارعة الطريق ، وتبعثرتْ الحلوى بين الأقدام ،معجونة بالوحل ، وما تنبّهوا إليها.
    وقفتْ من جديدٍ ، تلمّ بعض قوّتها ،المستمدّة من قلبها المرتجف حبّاً، لم تيأس ، راحتْ تجذب هذا ، وذاك :
    _انظروا إليّ ...اسمعوني : أرجوكم : أنتم إخوة ، أبناء هذا الحيّ الطيّب ، وحين تسيل الدّماء ، لا قاتل، ولا مقتول، لا غالب أو مغلوب..من يمتلك القوّة ، أو من لا يمتلك إلاّ صدره الأعزل.
    كلّكم مقتولون ...كلّكم ..
    ازداد الموقف ضراوةً ، وعنفاً ، وتناثرتْ أشلاء قابيل ، وهابيل معاً ، وحطّ الغراب بجناحيه ينعق في الخراب .
    واختفى صوت سعديّة ، وغاب ..وغاب ..حتى تلاشى ، سمعتْ وقع أقدامٍ تتباعد عنها،وارتحل بصرها إلى بقعة ضياء، تحمل معها قطع حلوى ،تلقم بها أفواهاً فقيرةً ،وادعةً ،كأكمام الزّهر ، تعرفها جيدا،وصوتا سكن أذنها ، أحبّها منذ الطفولة ،تميّزه بدرايةٍ يناديها:
    سعديّة ...سعديّة ...أولادك قتلوك يا سعديّة ، أولادك قتلوكِ ، يردّ ثوبها المنحسر عنها ، يضمّ جسداً بارداً إلاّ من بعض دمٍ يدفق بدفء الحبّ ، والخير.
    وهناك ...عند الوادي البعيد ، عانقتْ وجهاً أسمر اشتاقته طويلا ، تهمس له :
    يا أسمر اللّون ...يا أسمراني ...تعباااان يا قلب خيّو ..هواك رماني ...
    ************************************* ************************ **********************

  2. #2

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    حسبنا الله ونعم الوكيل...
    نص يقطر أسى ويتحدث عن واقع فقد أبسط معاني الإنسانية
    يا الله..كنت رائعة هنا
    محبتي
    راما
    رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
    رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
    **************
    قال ابن باز رحمه الله
 :

    لباسك على قدر حيائك
    وحياؤك على قدر ايمانك

    كلما زاد ايمانك زاد حياؤك
    وكلما زاد حياؤك زاد لباسك

  3. #3

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /


    السلام عليكم
    أنت يا إيمان الغالية تحثين الخطة بقوة نحو القصة والأدب

    سوف أنتظر نصوصك دوما
    الف مرحبا بك
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    قصة مؤثرة ورائعة
    ايمان الدرع
    سنتوق لجديدك
    ونتمنى ان تمتعينا بقصصك
    تحيتي

  5. #5

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    السلام عليكم
    تشرفت بالمرور بتلك القصة الانسانية المؤلمة
    تحيتي واحتراماتي

  6. #6

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راما مشاهدة المشاركة
    حسبنا الله ونعم الوكيل...
    نص يقطر أسى ويتحدث عن واقع فقد أبسط معاني الإنسانية
    يا الله..كنت رائعة هنا
    محبتي
    راما
    كم أنا سعيدة بمرورك ..؟؟!!
    بمشاعرك الطيّبة التي تبدّتْ لي من خلال تفاعلك الرّائع مع النصّ..
    شكراً أستاذة راما ..كبيرة دائماً كما عرفتك ..
    ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي

  7. #7

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    أنت يا إيمان الغالية تحثين الخطة بقوة نحو القصة والأدب

    سوف أنتظر نصوصك دوما
    الف مرحبا بك
    أستاذة ريمه :
    أشكرلك ثقتك الغاليه بي ..وبما أكتب ..
    لا حُرمتُ مرورك العطر ، الذي يمنحني الفرح الدائم ..
    قريبة مني أكثر مما تتصوّرين ياغالية ويسعدني رأيك ..لا حُرمتك

  8. #8

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظميان غدير مشاهدة المشاركة
    قصة مؤثرة ورائعة
    ايمان الدرع
    سنتوق لجديدك
    ونتمنى ان تمتعينا بقصصك
    تحيتي

    أستاذي القدير ظميان :
    حلولك على أيّ نصّ ، يعطيني سعادة لا مثيل لها..
    أشكر لك ثقتك بما أكتب..
    أتمنى دائماً أن أقدّم ما هو جدير بالمتابعة ..والرضا ..
    أنت قامة كبيرة ، وأفخر بتوقيعك ، وشهادتك ..
    ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي ..


  9. #9

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فراس الحكيم مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم
    تشرفت بالمرور بتلك القصة الانسانية المؤلمة
    تحيتي واحتراماتي
    أخي وزميلي : فراس الحكيم ..
    أنا من تشرّف بحضورك ، برأيك ، بتشجيعك ..
    لك من احترامي ...وشكري ...الكثير ..الكثير ..
    لأعبّر عن سعادتي بحضورك ..


  10. #10

    رد: يا أسمر اللّون / إيمان الدرع /

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
    يا أسمر اللّون ...

    باغتْتها نسيماتٌ باردةٌ ، سحبتْ الغطاء تدثّر ولديها ، وبعينٍ نصف مغمضةٍ تنبّهتْ للوقت ..
    ياااااه أوشك الصّبح أن يشرقَ ، قالتْ في سرّها ، وهي تطرد عنها سطوة النوم اللّذيذ .
    رشقتْ وجهها برذاذ الماء ، ثمّ استدارتْ على عجلٍ ،لتنثر بعض الحبّ المجروش في قنّ الدجاج ، لمّا تعالتْ صيحات الدّيك تعلن بدء رحلة يومٍ جديدٍ ، بعد أن خلع اللّيل بردته القديمة ،الملوّثة بالأحلام الواهمةِ،المعطوبة على الغالب.
    واتّجهتْ نحو المطبخ ، ترفع الغطاء النديّ عن المعجن ، تتأكّد من تخمّر الخليط بطرف إصبعها ، أيقنتْ بخبرتها صلاحيتها الآن للشواء، زجّتْ الصينيّة في الفرن ، فاحتْ أنفاس الحلوى في صحن الدّار ، شمّرتْ ثوبها الطويل بزنّارٍ قماشيٍّ ، تقيه من البلل ، وهي ترشّ الماء على الأرض وأحواض الزّرع ، غرّد الحسّون ، فشرعتْ تغنّي لوجه رجلٍ راحلٍ ، إلاّ من أعطافها ..
    تظنّ حدّ اليقين بأنه قربها الآن ، تعدّ له قهوة الصّباح ، وتهيئ له الجلسة الصباحية، برائحة الورد الذي كانت تجدله بين ضفائرها ..





    حقيقة أعجبني كثيراً هذا المقطع من القصة


    القدرة على وصف ذلك المشهد الدرامي الانساني الرقيق


    هو أمر لا يقدر عليه إلا أصحاب المواهب الفذّة أصحاب الخيال الساحر


    أهنئك على هذه القصة



    شكراً جزيلاً لك


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. إدمان ( ق.ق.ج)*
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-12-2012, 07:15 PM
  2. أسمر سبيت الروح
    بواسطة فاتن علي حلاق في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 08-05-2011, 08:16 PM
  3. نرحب بالأستاذة/ إيمان الدرع
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 02-05-2011, 05:18 PM
  4. ماهو إدمان النت؟
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الطب النفسي .
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-03-2009, 09:16 AM
  5. إدمان اريش فريد
    بواسطة معاذ العُمري في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-23-2009, 09:48 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •