منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 162

العرض المتطور

  1. #1

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    الأحرف المشبهة بالفعل

    الأحرفُ المشبَّهةُ بالفعل ستَّة، هي: (إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ وليتَ ولعلَّ).
    وحكمُها أنها تدخلُ على المبتدأ والخبرِ فتنصبُ الأولَ، ويُسمّى اسمَها، وترفعُ الآخرَ، ويُسمّى خبرَها، نحو: (إن اللهَ رحيمٌ. وكأنّ العلمَ نورٌ).
    (وسميت مشبهة بالفعل لفتح أواخرها، كالماضي، ووجود معنى الفعل في كل واحدة منها. فان التأكيد والتشبيه والاستدراك والتمني والترجي، هي من معاني الأفعال).


    ويجوزُ في (لعلَّ) أن يقالَ فيها (علَّ) كقوله:


    فَقُلْتُ عساها نارُ كأْسٍ وعَلّها

    تَشَكّى، فآتي نَحْوَها فأعُودُها

    وفيها لُغاتٌ أُخَرُ قليلةُ الاستعمال.


    وفي هذا الفصل ثمانيةَ عشرَ مبحثاً.


    1ـ مَعاني الأَحرُفِ المُشَبَّهَةِ بالفعْلِ


    معنى: (إنَّ وأنَّ) التوكيدُ، فهما لتوكيدِ اتصافِ المُسنَدِ إليه بالمُسند.


    ومعنى: (كأنَّ) التشبيهُ المؤكدُ. لأنها في الأصل مُركبةٌ من (أنَّ) التوكيدية وكافِ التشبيه، فإذا قلتَ: (كأنّ العلمَ نورٌ) فالأصل: (إنَّ العلمَ كالنور) ثم إنهم لما أرادوا الاهتمامَ بالتشبيه، الذي عَقَدوا عليه الجملة، قدّموا الكافَ، وفتحوا همزةَ (إنّ)، مكان الكاف، التي هي حرفُ جرّ، وقد صارت وإيّاها حرفاً واحداً يُرادُ به التشبيهُ المؤكد.


    ومعنى: (لكنَّ) الاستدراكُ، والتوكيد، فالاستدراكُ نحو: (زيدٌ شجاعٌ، ولكنه بخيل)، وذلك لانَّ من لوازم الشجاعةِ الجودَ، فإذا وصفنا زيداً بالشجاعة، فرُبما يُفهمُ أنهُ جوادٌ أيضاً، لذلك استدركنا بقولنا: (لكنه بخيل). والتوكيدُ نحو: (لو جاءني خليلٌ لأكرمتُهُ، لكنه لم يجيء)، فقولك: (لو جاءني خليلٌ لأكرمتُه) يفهم منه أنه لم يجيء، وقولك: (لكنه لم يجيء) تأكيدٌ لنفي مجيئه.


    ومعنى (ليتَ) التمني، وهو طلبُ مالا مطمع فيه، أو ما فيه عُسرٌ، فالأول كقول الشاعر:


    أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً

    فأُخبرَهُ بما فَعَل المَشِيبُ

    والثاني كقول المعسر: (ليتَ لي ألفَ دينارٍ).


    وقد تُستعمل في الأمر الممكن، وذلك قليلٌ، نحو: (ليتك تذهب).

    ومعنى (لعلَّ) الترجّي والإشفاق. فالترجي طلبُ الأمر المحبوب، نحو: (لعلَّ الصديقَ قادمٌ). والإشفاق هو الحذَرُ من وقوع المكروه، نحو: (لعلّ المريضَ هالكٌ). وهي لا تُستعملُ إلاّ في الممكن.

    وقد تأتي بمعنى (كي)، التي للتعليل، كقولك: (ابعث إليّ بدابتك، لعلي أركبها)، أي: كي أركبها. وجعلوا منه قوله تعالى: {لعلكم تتَّقون. لعلّكم تعقلون. لعلّكم تَذكّرون}، أي: (كي تَتقوا، وكي تَعقلوا، وكي تَتذكّروا).


    وقد تأتي أيضا بمعنى الظنَّ، كقولك (لعلي أزورُك اليوم). والمعنى: أظنَّني أزورك. وجعلوا منه قولَ امريء القيس:


    وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ

    لَعَلَّ مَنايانا تَحُولَنَّ أَبْؤُسا

    وبمعنى: (عسى)، كقولك: (لعلَّكَ أن تجتهدَ). وجعلوا منه قولَ مُتَمّمٍ:


    لَعَلَّكَ يَوْماً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ

    عَلَيْكَ، منَ اللاَّتي يَدَعْنَكَ أَجدَعا

    بدليل دخول (أنْ) في خبرها، كما تدخل في خبر (عسى).


    2ـ الْخَبرُ المُفْرَدُ، والْجُمْلَةُ، والشبيهُ بالجملة


    يقع خبر الأحرف المشبّهة بالفعل مفرداً (أي غيرَ جملةٍ ولا شبْهَها) نحو: (كأنَّ النّجمَ دينارٌ)، وجملةً فعليّةً، نحو: (لعلك اجتهدتَ. وإنَّ العلمَ يُعَزَّزُ صاحبهُ)، وجملة اسمية، نحو: (إنَّ العالمَ قدرُهُ مرتفعٌ) وشِبْهَ جُملةٍ (وهو أن يكون الخبر مُقدَّراً مدلولاً عليه بظرفٍ أو جارّ ومجرورٍ يتعلقانِ بهِ)، نحو: (إنّ العادلَ تحتَ لِواءِ الرَّحمن، وإن الظالمَ في زُمرة الشيطان).


    (والخبر هنا يصح أن تقدره مفرداً: ككائن وموجود، وأن تقدره جملة ككان ووجد، أو يكون ويوجد. فهو مفرد. باعتبار تقديره مفرداً، وجملة، باعتبار تقديره جملة، فالحقيقة فيه أنه شبيه بالمفرد وبالجملة، وتسميته بشبه الجملة فيها اكتفاء واقتصار).


    3ـ حَذْفُ خَبَرِ هذهِ الأَحرُف


    يجوز حذف خبرِ هذه الاحرفِ. وذلك على ضربينِ: جائز وواجب:

    فيُحذَفُ جوازاً، اذا كان كوناً خاصاً (أي: من الكلماتِ التي يُرادُ بها معنًى خاصّ)، بشرطِ أن يدُلَّ عليه دليلٌ، كقوله تعالى: {إنَّ الذينَ كفروا بالذّكر لمّا جاءهم. وإنهُ لكتابٌ عزيزٌ}.

    (أي: إن الذين كذبوا بالذكر معاندون، أو هالكون، أو معذبون).


    وقال الشاعر:


    أَتَوْنِي، فَقالوا: يا جَميلُ، تَبَدَّلتْ

    بُثَيْنَةُ أَبْدالاً، فَقُلْتُ: لَعَلَّها

    (أي: لعلها تبدَّلت، أو لعلها فعلت ذلك).


    ويحذفُ وجوباً، إذا كان كوناً عاماً (أي: من الكلمات التي تدُلُّ على وجودٍ أو كونٍ مُطلقَينِ، فلا يُفهَمُ منها حَدَثٌ خاصٌّ أو فعلٌ معيَّنٌ، ككائنٍ، أو موجود، أو حاصلٍ) وذلك في موضعينِ:


    أ ـ الأول بعدَ (ليتَ شِعري)، إذا وَلِيَها استفهامٌ، نحو: (ليتَ شِعري هل تنهضُ الأمةُ؟ وليتَ شِعري متى تنهضُ؟)، قال الشاعر:


    ألاَ لَيْتَ شِعْري كَيْفَ جادَتْ بِوَصْلِها؟

    وكيفَ تُراعي وُصْلةَ المُتَغَيِّبِ

    (أي: ليت شعري (أي: علمي) حاصل. والمعنى: ليتني أشعر بذلك، أي: أعلمه وأدريه. وجملة الاستفهام في موضع نصب على أنها مفعول به لشعري، لأنه مصدر شعر).


    ب ـ أن يكونَ في الكلام ظرفٌ أو جار ومجرورٌ يتعلقانِ به، فيُستغنى بهما عنهُ، نحو: (إنَّ العلمَ في الصدور. وإنَّ الخيرَ أمامك).


    (فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف المقدر بكائن أو موجود أو حاصل).

  2. #2

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    4ـ تَقَدُّمُ خبَرِ هذِه الأَحرُف

    لا يجوزُ تقدُّمُ خبرِ هذه الأحرف عليها، ولا على اسمها.


    أما معمولُ الخبرِ، فيجوزُ أن يتقدَّم على الاسم، إن كان ظرفاً أو مجروراً بحرف جرٍّ، نحو: (إنَّ عندَك زيداً مُقيمٌ)، قال الشاعر:


    فَلا تَلْحَني فيها، فإنَّ بِحُبِّها

    أَخاكَ مُصابُ الْقَلْبِ جُمٌّ بَلابِلُهْ

    (لا تلحني: لا تلمني، وهو بفتح الحاء، من لحاه يلحاه إذا لامه، ولحا العود: يعني أزال اللحاء عنه وقشره. البلابل: الهموم والوساوس)

    ومن ذلك أن يكون الخبرُ محذوفاً مدلولاً عليه بما يتعلقُ به من ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ مُتقدمين على الاسم، نحو: (إنَّ في الدَّار زيداً)، ومنهُ قولهُ تعالى: {إنَّ فيها قوماً جبّارينَ}، وقولهُ: {إنَّ مع العُسرِ يُسراً}.

    (فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف غير أنه يجب أن يقدر متأخراً عن الاسم، إذ لا يجوز تقديمه عليه، كما علمت، وليس الظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، كما يتساهل بذلك كثير من النحاة، وإنما هما معمولان للخبر المحذوف، لأنهما متعلقان به).


    ويجبُ تقديمُ معمولِ الخبر، إن كان ظرفاً أو مجروراً، في موضعين:


    أ ـ أن يَلزمَ من تأخيره عودُ الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً وذلك ممنوعٌ نحو:

    (إنَّ في الدَّارصاحبَها).


    (فلا يجوز أن يقال (إن صاحبها في الدار)، لأن (ها) عائدة على الدار. وهي متأخرة لفظاً، وكذلك هي متأخرة رتبة، لأن معمول الخبر رتبته التأخير كالخبرِ).


    ب ـ أن يكون الاسمُ مُقترِناً بلامِ التأكيد، كقوله تعالى: {وإنَّ لنا للآخرة والأولى}، وقولهِ: {إنَّ في ذلك لَعِبْرةً لأولي الأبصارِ}.


    أما تقديمُ معمولِ الخبرِ على الخبر نفسهِ، بحيثُ يَتوَّسطُ بينَ الاسمِ والخبر، فجائزٌ، سواءٌ أكانَ معمولهُ ظرفاً أو مجروراً أم غيرَهما، فالأول نحو: (إنكَ عندَنا مقيمٌ)، والثاني نحو: (إنكَ في المدرسة تتعلّمُ)، والثالث نحو: (إنَّ سعيداً دَرْسَهُ يكتبُ).


    فائدة


    متى جاء بعد (إن) أو إحدى أخواتها ظرف أو جار ومجرور، كان اسمها مؤخراً. فليتنبه الطالب الى نصبه، فان كثيراً من الكتاب والمتكلمين يخطئون فيرفعونه، لتوهمهم أنه خبرها نحو: (إن عندك لخبراً)، ونحو: (لعل في سفرك خيراً).


    5ـ لامُ التأْكيدِ بعدَ "إنَّ" المَكسورةِ الهمزة


    تختصُّ (إنَّ)، المكسورةُ الهمزةِ، دونَ سائرِ أخواتها، بجوازِ دخولِ لامِ التأكيد،ِ، وهي التي يُسمونها (لامَ الابتداءِ) على اسمها، نحو: (إنَّ في السماءِ لخَبَراً، وإنَّ في الأرض لَعِبَراً)، وعلى خبرها نحو: (إنَّ الحقَّ لمنصورٌ)، وعلى معمول خبرها، نحو: (إنه للخيرَ يفعلُ)، وعلى ضمير الفصلِ نحو: (إنَّ المجتهدَ لَهُوَ الفائزُ).

    6ـ شَروطُ ما تَصحَبُهُ لامُ التأكيد


    أ ـ يُشترطُ في دخول لام التأكيد على اسم "إنَّ" أن تقع بعدَ ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ يتعلقان بخبرها المحذوف، نحو: (إن عندَك لخَيراً عظيماً، وإنَّ لك لخُلُقاً كريماً).


    (فان وقع قبلهما لم يجز اقترانه باللام فلا يقال: (إن لخيراً عندك، وإن لخلقاً كريماً لك).


    ب ـ يُشترط في دخولها على الخبر أن لا يقترنَ بأداةِ شرطٍ أو نفي، وأن لا يكون ماضياً مًتصرفاً مُجرَّداً من (قد). فان كان الخبرُ واحداً منها لم يَجُز دخولُ هذه اللام عليه. فمثالُ المستكملِ للشرط: {إن ربي لسميع الدُّعاء}. {وإنَّ رَبَّكَ لَيعلمُ}. {وإنَّا نحنُ نُحيي الموتى}.


    ومتى استَوفى خبرُ (إنَّ) شروط اقترانه بِلام التأكيد، جاز دخولها عليه، لا فرقَ أن يكون مفرداً، مقترنٌ بقد، نحو: (إن الحق لمنصور)، أو جملة اسمية، نحو (إنَّ الحقَّ لصَوتُهُ مرتفعٌ، أو جملةً مضارعيّةً، نحو: (إنَّ ربّكَ ليَحكُمُ بينهم)، أو جملةً ماضيَةً فعلها جامدٌ، نحو: (إنك لَنِعْمَ الرجل)، أو متصرف مقترن بقد، نحو: (إن الفرجَ قد دنا).


    وإذا حُذفَ الخبرُ، جازَ دخولُ هذهِ اللامِ على الظرف أو الجار المتعلّقينِ به، نحو: (إن أخاكَ لعندي، وإنَّ أباكَ لَفي الدّار)، ومنهُ قولهُ تعالى: {وانك لَعَلى خُلُقٍ عظيم}.

    ج ـ يُشترطُ في دخولها على مفعول الخبر شرطان، الأول: أن يتوسَّطَ بين اسمها وخبرها. والثاني أن يكونَ الخبرُ ممّا يَصلُحُ لدخول هذه اللامِ عليه، نحو: (إنَّ سليماً لفي حاجتك ساعٍ، وإنه لَيومَ الجمعةِ آتٍ، وإنهُ لأمرَكَ يُطيعُ).

    د ـ أما ضميرُ الفصلِ، فلا يُشترطُ في دخولها عليه شيءٌ، كقوله تعالى: {إنَّ هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ}.

    (وضمير الفصل: هو ما يؤتى به بين المبتدأ والخبر، أو بين ما أصله مبتدأ وخبر: للدلالة على أنه خبر لا صفة. وهو يفيد تأكيد اتصاف المسند إليه بالمسند. وهو حرف لا محل له من الإعراب، على الأصح من أقوال النحاة، وصورته كصورة الضمائر المنفصلة: وهو يتصرف تصرفها بحسب المسند إليه، إلا أنه ليس إياها.

    ثم إن دخوله بين المبتدأ والخبر المنسوخين بكان وظن وأن واخواتهن تابع لدخوله بينهما قبل النسخ، نحو: (إن زهيراً هو الشاعر). وكان علي هو الخطيب وظننت عبد الله هو الكاتب).


    (وضمير الفصل حرف كما قدمنا: وإنما سمي ضميراً لمشابهته الضمير في صورته. وسمي ضمير فصل لأنه يؤتى به الفصل بين ما هو خبر أو صفة، لأنك إن قلت: (زهير المجتهد)، جاز أنك تريد الإخبار وأنك تريد النعت. فان أردت أن تفصل بين الأمرين. وتبين أن مرادك الإخبار لا الصفة. أتيت بهذا الضمير للإعلان من أول الأمر بأن ما بعده خبر عما قبله لا نعت له، ثم انه يفيد تأكيد الحكم، لما فيه من زيادة الربط.


    ومن العلماء من يسمي ضمير الفصل (عماداً) لاعتماد المتكلم أو السامع عليه في التفريق بين الخبر والصفة).

  3. #3

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    7ـ شرحُ لامِ الابتداء

    تدخلُ لامُ الابتداء في ثلاثة مواضع.

    الاولُ: في باب المبتدأ. وذلك في صورتين:

    أ ـ أن تدخلَ على المبتدأ، والمبتدأ مُتقدّمٌ على الخبر، ودخولها عليه هو الأصل فيها نحو: {لأنتم أشد رَهبةً في صُدورهم}. فإن تأخرَ عن الخبر امتنعَ دخولها عليه، فلا يُقال: (قائمٌ لَزيدٌ). وما سُمعَ من ذلك فلضَرورةِ الشعر، وهو شاذٌّ لا يُقاس عليه.

    ب ـ أن تدخل على الخبر بشرط أن يتقدم على المبتدأ، نحو: (لمُجتهدٌ أنت) فان تأخرَ عنهُ امتنع دخولها عليه، فلا يقال: (أنت لمجتهدٌ). وما سُمعَ من ذلك فشادٌّ لا يُلتفتُ إليه. ومن العلماءِ من لا يُجيزُ دُخولها على خبر المبتدأ، سواءٌ أتقدَّمَ أم تأخر.


    الموضع الثاني: في باب (إن) المكسورةِ الهمزة. وقد سبقَ أنها تدخل على اسمها المتأخر، وعلى خبرها، اسماً كان، او فعلاً مضارعاً، او ماضياً جامداً أو ماضياً متصرفاً مقروناً بِقَدْ، أو جملة اسميَّة. وعلى الظرف والجارّ المُتعلقينِ بخبرها المحذوف دالين عليه، وعلى معمول خبرها.


    الموضعُ الثالثُ: في غير بابيِ المبتدأ وإنّ. وذلك في ثلاث مسائل:


    أ ـ الفعلُ المضارع، نحو: (لَتَنهض الأمة مُقتفيةً آثارَ جدودها).


    ب ـ الماضي الجامد، نحو: {لَبئسَ ما كانوا يعملون}.


    ج ـ الماضي المتصرف المقرون بِقَدْ، نحو: {لَقد كان لكم في يوسفَ وإخوتِهِ آياتٌ}.


    ومن العلماء من يجعلُ اللامَ الداخلةَ على الماضي، في هذا الباب، لامَ القسم فالقسم عنده محذوف، ومصحوب اللام جوابُه.
    واعلم أنَّ للام الابتداء فائدتين.


    الفائدة الأولى: توكيدُ مضمونِ الجملة المُثبتة. ولذا تُسمّى: (لام التوكيد) وإنما يُسمونها لامَ الابتداء لأنها في الأصل، تدخل على المبتدأ، أو لأنها تقع في ابتداء الكلام.


    وإذْ كانت للتوكيد فإنها متى دخلت عليها (إنَّ) زحلقوها الى الخبر، نحو:

    {إنَّ ربي لَسميع الدعاء}، وذلك كراهية اجتماع مُؤكدينِ في صدر الجملة، وهما: (إنَّ واللام). ولذلك تُسمّى (اللامَ المزحلقَةً أيضاً).
    وإِذْ كانت هذه اللام للتوكيد في الإثبات، امتنعت من الدخول على المنفيِّ لفظاً أو معنى، فالأول نحو: (انكَ لا تكذبُ)، والثاني نحو: (إنك لو اجتهدتَ لأكرمتُكَ. وإنك لولا إهمالك لَفُزتَ). فالاجتهادُ والإكرامُ مُنتفيانِ بعدَ (لو)، والفوزُ وحدَهُ مُنتفٍ بعدَ (لولا).

    الفائدةُ الثانيةُ: تَخليصها الخبرَ للحال، لذلك كان المضارع بعدها خالصاً للزمان الحاضر، بعد أن كان مُحتملاً للحال والاستقبال.


    وإذ كانت لتوكيد الخبرِ في الحال امتنعت من الماضي والمضارع المُستقبل، إلا أن يكون الماضي جامداً أو مُتصرِّفاً مقترناً بِقدْ. إما الجامدُ فلأنه لا يَدلُّ على حدثٍ ولا زمان. وأما المقترنُ بِقدْ فلأنّ (قد) تُقرِّبُ الماضيَ من الحال.


    ولا فرقَ بينَ أن يكون المضارعُ المستقبلُ مسبوقاً بأداةٍ تَمحَضُه الاستقبالِ كالسين وسوفَ وأدواتِ الشرطِ الجازمة وغيرها، أو غيرَ مسبوقٍ بها، وإنما القرينةُ تدلُّ على استقباله، نحو: (إنه يجيءُ غداً). وأما قوله تعالى: {إنَّ ربكَ لَيحكُمُ بينَهم يوم القيامة}، فإنما جازَ دخولُ اللام لأنَّ المستقبل هنا مُنزَّلٌ مَنزلةَ الحاضرِ لتحقُّق وقوعهِ، لأنَّ الحكمَ بينهم واقعٌ لا محالةَ. فكأنهُ حاضر، وكذا قولهُ تعالى: {ولَسوفَ يُعطيكَ ربُّكَ فترضى}، فانَّ الإعطاءَ مُحقَّقٌ، فكأنه واقعٌ حالاً. وأما قوله عز وجلَّ على لسان يعقوبَ: {انهُ ليحزُنُني أن تذهبوا به}، فإنّ الذهابَ، وان كان مُستقبلاً فان أثرَهُ، وهو الحزنُ، حاضرٌ، فانهُ حَزِنَ لمُجرَّدِ علمهِ أنهم ذاهبُون به، فلم يخرُج المضارعُ هنا، وهو (يُحزُنني)، عن كونهِ للحال.


    ويرى بعض العلماء (وهمُ الكوفيُّون) أنها لا تمحَضُ المضارع الحالَ، بل يجوز ان تدخل عَليه مُستقبل، بالأداة او بِدونها، وجعلوا الاستقبالَ في الآياتِ على حقيقته.


    8ـ (ما) الكافَّةُ بعدَ هذهِ الأحرُف


    إذا لحقت (ما) الزائدةُ الأحرف المُشبّهةَ بالفعل، كفتّها عن العمل، فيرجعُ ما بعدها مبتدأً وخبراً. وتُسمّى (ما) هذه (ما الكافةَ) لأنها تَكُفُّ ما تلحقُهُ عن العمل، كقوله تعالى: {إنما إِلهكُم إِلهٌ واحدٌ"}، ونحو: {كأنما العلمُ نورٌ} و (لَعلَّما اللهُ يرحمُنا).
    غير أنَّ (ليتَ) يجوزُ فيها الإِعمالُ والإِهمالُ، بعدَ أن تَلحقَها (ما) هذه، تقولُ: (ليتما الشبابَ يعودُ) و (ليتما الشبابُ يعودُ). وإعمالها حينئذ أحسنُ من إهمالها. وقد رُوِيَ بالوجهينِ، نصبِ ما بعدَ (ليتما) ورفعه، قولُ الشاعرِ:
    قالتْ: أَلاَ لَيتَما هذا الحمامَ لنا

    إلى حَمامَتِنا، أو نِصْفَهُ فَقَدِ

    (فالنصب على أن (ليتما) عاملة، و (ذا) اسمها، و (الحمام) بدل منه. والرفع على أنها مهملة مكفوفة بما، و (ذا) مبتدأ، و (الحمام) بدل منه. وكذا (نصفه) إن نصبت الحمام نصبته، وإن رفعته رفعته، لأنه معطوف عليه).


    ومتى لحقت ( ما الكافَّة) هذهِ الأحرف زالَ اختصاصُها بالأسماء. فَلِذا أُهملت، وجازَ دخولُها على الجملة الفعليّة، كما تدخلُ على الجملة الاسميَّة، إلاَّ (ليتَ). فمن دخولها على الجملةِ الفعلية قولهُ تعالى: {كأنما يُساقونَ الى الموت} وقول الشاعر:



    أَعِدْ نَظَراً يا عَبْدَ قَيْسٍ، لَعَلَّما

    أَضاءَتْ لكَ النَّارُ الحِمارَ المُقَيَّدا

    ومن دخولها على الجملة الاسميَّة قوله تعالى: {قل إنما أنا بشرٌ مثلُكُم يُوحى إلي إنما إلهكم إلهُ واحدٌ}، وقولهُ: {إنما اللهُ إِلهٌ واحدٌ}.
    وأما (ليتَ) فإنها باقيةٌ على اختصاصها بالأسماءِ، بعدَ أن تلحقها (ما الكافةُ) فلا تدخلُ على الجُمل الفعليَّة، لذلك يُرَجَّحُ أن تبقى على عملها: من نصب الاسمِ ورفعِ الخبر، كما تقدَّم.


    فائدة وتنبيه

    (إن كانت (ما) اللاحقة لهذه الأحرف اسماً موصولاً، أو حرفاً مصدرياً، فلا تكفها عن العمل، بل تبقى ناصبة للاسم: رافعة للخبر. فإن لحقتها (ما الموصولة) كانت (ما) اسمها منصوبة محلاً، كقوله تعالى: {إن ما عندكم ينفد}، أي: إن الذي عندكم ينفد. وإن لحقتها (ما المصدرية) كان ما بعدها في تأويل مصدر منصوب، على انه اسم (إن) نحو (إن ما تستقيم حسن)، أي: إن استقامتك حسنة. وحينئذ تكتب (ما) منفصلة. كما رأيت. بخلاف (ما الكافة)، فإنها تكتب متصلة كما عرفت فيما سلف. وقد اجتمعت (ما) المصدرية و (ما) الكافة في قول امرئ القيس:

    فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة

    كفاني ولم أطلب، قليل من المال

    ولكنما أسعى لمجد مؤثلٌ

    وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

    [قليل: فاعل (كفاني)، وجملة (لم أطلب) اعتراضية. والمعنى لو كنت أسعى لحياة ساذجة لكفاني قليل المال، ولم أطلب ما فوق ذلك من عزٍ ومجد، يعني مُلك أبيه الذي كان يسعى له]
    [المؤثل: المؤصَّل الثابت]

    فما في البيت الأول مصدرية. والتقدير: لو أن سعيي. وفي البيت الآخر زائدة كافة، أي: ولكني أسعى لمجد مؤثل).

  4. #4

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    9ـ العَطْفُ على أسماء هذهِ الأَحرُف

    إذا عطفتَ على أسماء الأحرف المشبَّهة بالفعل، عطفت بالنصب، سواءٌ أوقعَ المعطوفُ قبلَ الخبر أم بعدَهُ، فالأول نحو: (إنَّ سعيداً وخالداً مسافرانِ)، والثاني نحو: (إنَّ سعيداً مُسافرٌ وخالداً).


    وقد يُرفعُ ما بعدَ حرف العطف، بعدَ استكمالِ الخبر، على انهُ مبتدأٌ محذوفُ الخبر، وذلك بعد (إنَّ وأنَّ ولكنَّ) فقطْ، فمثالُ (إنَّ) (إنَّ سعيداً مسافرٌ وخالدٌ).

    [خالد: مبتدأ، وخبره محذوف. والتقدير وخالد مسافرٌ أيضاً]
    ومنهُ قولُ الشاعر:

    فَمَنْ يَكُ لم يُنْجِبْ أَبُوهُ وأُمُّهُ

    فَإنَّ لَنا الأُمَّ النَّجيةَ، والأَبُ
    [الأب: مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: (ولنا الأب النجيب أيضاً).]
    وقول الآخر:

    إنَّ الخِلافَة والمُروءَةَ فيهمُ

    والمَكْرُماتُ وسادةٌ أطهارُ


    ومثالُ (أنَّ) قوله تعالى: {وأذان من الله ورسولهِ الى الناس يومَ الحجِّ الأكبر أنَّ اللهَ بريءٌ من المشركينَ، ورسولهُ}.


    ومثالُ (لكنَّ) قولُ الشاعر:


    وما زِلتُ سَبَّاقاً إلى كُلِّ غايةٍ

    بها يُبْتَغَى في النَّاس مَجدٌ وإِجلالُ
    وما قَصَّرَتْ بِي في التَّسامي خُؤُولةٌ
    ولكنَّ عمِّي الطَّيِّبُ الأَصلِ والخالُ
    [أي: والحال الطيب الأصل أيضاً و(الخؤولة جمع خال)، كالعمومة جمع عم أو هي المصدر للخال. و(الطيب): خبر لكن، أي: لكن عمي هو الأصل، والخال كذلك]

    وقد يُرفعُ ما بعدَ العاطف قبل استكمالِ الخبر، لغرضٍ معنوي، على أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر فتكونُ جُملتُهُ مُعترِضةً بينَ اسمِ (إنّ) وخبرِها، كقول الشاعر:


    فَمَنْ يَكُ أَمسَى بالمدينَةِ رَحْلُهُ

    فإنِّي، وقَيَّارٌ، بِها لَغَريبُ

    (غريب: خبر عن اسم، (إن)، وقيار: مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: وقيار غريب بها أيضا. وقيار اسم فرسه أو جمله. وإنما قدمه واعترض بجملته بين اسم إن وخبرها لغرض أن هذا الفرس أو الجمل استوحش في هذا البلد، وهو حيوان، فما بالك بي، فلو نصب بالعطف على اسم (ان) فقال: (فإني وقياراً بها لغريبان)، لم يكن من ورائه شدة تصوير الاستيحاش الذي يعطيه الرفع في هذا المقام).


    ومنهُ قولهُ تعالى: {(إنَّ) الذينَ آمنوا والذينَ هادُوا، والصابئون، والنصارى، مَن آمنَ منهم باللهِ واليومِ الآخرِ وعملَ صالحاً، فلا خَوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون}.


    فالصابئون: مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير: والصابئون كذلك، أي: لهم حكم الذين آمنوا والنصارى واليهود. والجملة معترضة بين اسم (إن) وخبرها، وخبر (إن): هو جملة الجواب والشرط، والغرض من رفع (الصابئون) وجعله مبتدأ محذوف الخبر أنه لما كان الجواب والشرط، والغرض من رفع (الصابئون) وجعله مبتدأ محذوف الخبر أنه لما كان الصابئون، مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها، يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان، واعتصموا بالعمل الصالح، فغيرهم ممن هو على دين سماوي وكتاب منزل، أولى بذلك).



    10ـ إنَّ المكسورةُ، وأَنَّ المفتوحة

    يجبُ أن تُكسرَ همزةُ (إنَّ) حيث لا يصحُّ أن يقومَ مقامَها ومقام معمولَيها مصدرٌ.

    ويجبُ فتحُها حيثُ يجبُ أن يقوم مصدرٌ مقامَها ومقامَ معموليها.


    ويجوزُ الأمران: الفتحُ والكسرُ، حيثُ يَصحُّ الاعتبارانِ.

    (فإن وجب أن يؤول ما بعدها بمصدر مرفوع أو منصوب أو مجرور (بحيث تضطر الى تغيير تركيب الجملة)، فهمزتها مفتوحة وجوباً، نحو: (يعجبني أنك مجتهد)، والتأويل: (يعجبني اجتهادك) ونحو: (علمت أن الله رحيم)، والتأويل: (علمت رحمة الله)، ونحو: (شعرت بأنك قادم)، والتأويل (شعرت بقدومك). وإنما وجب تأويل ما بعد (أن) هنا بمصدر لأننا لو لم نؤوله، لكانت (يعجبني) بلا فاعل، (وعلمت) بلا مفعول، و (الباء) بلا مجرور فالمصدر المؤول: فاعل في المثال الأول، ومفعول في المثال الثاني، ومجرور بالباء في المثال الثالث.

    وإن كان لا يصح أن يؤول ما بعدها بمصدر (بمعنى أنه لا يصح تغيير التركيب الذي هي فيه) وجب كسر همزتها على أنها هي وما بعدها جملة، نحو: (إن الله رحيم). وإنما لم يصح التأويل بالمصدر هنا لأنك لو قلت: (رحمة الله) لكان المعنى ناقصاً.


    وان جاز تأويل ما بعدها بمصدر، وجاز ترك تأويله به، جاز الأمران، فتحها وكسرها نحو: (أحسن إليّ علي، أنه كريم)، فالكسر هنا على أنها مع ما بعدها جملة تعليلية، والفتح على تقدير لام الجر، فما بعدها مؤول بمصدر. والتأويل (أحسن إليه لكرمه).


    وحيث جاز الأمران فالكسر أولى وأكثر لأنه الأصل، ولأنه لا يحتاج معه الى تكلف التأويل).


    11ـ مَواضعُ (إِنَّ) المكسُورة الهمزة وجوباً

    تُكسرُ همزةُ (إنَّ) وجوباً حيثُ لا يصحُّ أن يُؤَوّلَ ما بعدَها بمصدر، وذلك في اثنيْ عَشر موضعاً:


    أ ـ أن تقعَ في ابتداءِ الكلام، إمَّا حقيقةً، كقوله تعالى: {إنا انزلناهُ في ليلة القَدْرِ}، أو حُكماً، كقوله عَزَّ وجلَّ: {ألا إنَّ اولياءَ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون}.


    وإن وقعتْ بعدَ حرف تنبيه، كألا، اوِ استفتاحٍ، كألا وأمَا، او تحضيضٍ كهَلاً، أو رَدْعٍ، كَكَلاَّ، أو جوابٍ، كنَعْم ولا، فهي مكسورةُ الهمزةِ، لأنها في حكم الواقعة في الابتداء.

    وكذا إن وقعت بعدَ (حتّى) الابتدائية، نحو: (مَرِضَ زيدٌ، حتى إنهم لا يَرجونه، وقَلَّ مالُه، حتى إنهم لا يُكلّمونه). والجملة بعدَها لا محلَّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيةٌ، او استئنافيّة.

    ب ـ أن تقعَ بعد (حيث) نحو: (اجلِسْ حيث إنَّ العلم موجود).


    ج ـ أن تقعَ بعد (إذْ) نحو: (جئتُكَ إذْ إنِّ الشمسَ تطلُعُ).


    د ـ أن تقعَ صدرَ الواقعةِ صِلَةً للموصول، نحو: (جاء الذي إنه مجتهدٌ)، ومنهُ قولهُ تعالى: {وآتيناهُ من الكنوزِ ما إن مَفاتحَهُ لتَنوء بالعُصبةِ أولي القوَةِ}.


    هـ ـ أن تقعَ ما بعدَها جواباً للقسَم، نحو: واللهِ، (إن العلمَ نورٌ)، ومنه قولهُ تعالى: {والقرْآنِ الحكيمِ، إنكَ لَمنَ المُرسلينَ}.


    و ـ أن تقعَ بعد القولِ الذي لا يَتضمَّنُ معنى الظنِّ، كقوله تعالى: {قال إني عبدُ اللهِ}، فان تَضمَّنَ معناهُ فُتحت بعدهُ، لأنَّ ما بعدَها مَؤوَّلٌ حينئذٍ بالمفعول به، نحو: (أتقولُ أن عبدَ الله يَفعلُ هذا؟)، أي: (أتظنُّ أنهُ يَفعلهُ؟).


    ز ـ أن تقعَ معَ ما بعدها حالاً، نحو: (جئتُ وإِنَّ الشمس تَغرُبُ)، ومنه قولهُ تعالى: {كما أخرجَكَ رَبُّكَ من بيتكَ بالحقِّ، وإنّ فريقاً منَ المُؤمنينَ لكارهون}.


    ح ـ أن تقعَ معَ ما بعدَها صفةً لما قبلها، نحو: (جاءَ رجلٌ إنه فاضل).
    ط ـ أن تقعَ صدرَ جملةٍ استئنافيَّةٍ، نحو: (يَزعُمُ فلانٌ أني أسأتُ إليه، إنه لكاذبٌ}. وهذهِ من الواقعة ابتداءً.


    ي ـ أن تقعَ في خبرِها لامُ الابتداء نحو: (علمتُ إنكَ لمجتهدٌ). ومنه قولهُ تعالى: {واللهُ يَعلمُ إنكَ لرسولُه، واللهُ يشهدُ إنَّ المُنافقينَ لكاذبون}.


    ك ـ أن تقعَ مع ما بعدَها خبراً عن اسم عين، نحو: (خليلٌ إنه كريمٌ) ومنه قولهُ تعالى: {إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّابِئينَ والنَّصارى والمجُوسَ والذينَ اشركوا، إنَّ اللهَ يَفصِلُ بينهم يومَ بالقيامة}.

    [اسم العين: هو ما دل على ذات، أي شيء قائم بنفسه. ويقابله اسم المعنى، وهو ما دل على شيء قائم بغيره: كالعلم والشجاعة ونحوهما * وجملة (إن الله يفصل بينهم ) خبر عن (إن الذين آمنوا وما عُطف عليه]

  5. #5

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    12ـ مَواضعُ (أَنَّ) المفْتوحةِ الهمزة وجوباً


    تُفتحُ همزةُ (أنّ) وجوباً حيثُ يجبُ أن يؤوَّلَ ما بعدَها بمصدرٍ مرفوع أو منصوبٍ أو مجرور. وذلك في أحدَ عشرَ موضعاً:

    فيؤوَّل ما بعدها بمصدرٍ مرفوعٍ في خمسة مواضع:


    أ ـ أن تكون وما بعدها في موضع الفاعل، نحو: (بلغني أنك مجتهدٌ) ومنه قولهُ تعالى: {أَولم يَكْفِهم أنَّا أنزلنا عليكَ الكتاب}.


    ومن ذلك أن تقع بعد (لَوْ)، نحو: (لو أنك اجتهدتَ لكان خيرٌ لك)،

    [والتقدير: (لو ثبت اجتهادك)، فما بعد أن في تأويل مصدر مرفوع فاعل لفعل محذوف تقديره (ثبت)]
    ومنه قولهُ تعال: {ولو أنهم آمنوا واتقَوْا لمثوبة من الله خيرٌ}.

    ومن ذلك أن تقع بعد (ما) المصدريّة الظَّرفيَّة، نحو: (لا أُكلمك ما أنك كسُولٌ)، ومنه قولُهُمْ: (لا أُكلِّمهُ ما أنَّ حراءً مكانَه) او (ما أنَّ في السماءِ نجماً).

    [حراء: جبل بمكة]

    ب ـ أن تكون هي وما بعدها في موضعِ نائب الفاعل، نحو: (عُلمَ أنك منصرفٌ)، ومنهُ قولهُ تعالى: {قُل: أُوحِيَ إلي أنه استمعَ نفَرٌ من الجن}.


    ج ـ أن تكونَ هي وما بعدها في موضع المبتدأ، نحو: (حَسَنٌ أنك مجتهدٌ)،

    [والتأويل: حسن اجتهادك، فحسن خبر مقدم واجتهادك مبتدأ مؤخر.]
    ومنهُ قولهُ تعالى: {ومن آياته أنك تَرى الأرض خاشعةً}.
    د ـ أن تكون هي وما بعدها في موضع الخبر عن اسم معنًى واقعٍ مبتدأ أو اسماً لأنَّ، نحو: (حَسبُكَ أنكَ كريمٌ)، ونحو: (إن ظني أنك فاضلٌ). فإن كان المخبَرُ عنهُ اسمَ عينٍ وجب كسرُها، كما تقدَّمَ، لأنك لو قلت: (خليلٌ أنهُ كريمُ)، بفتحها، لكانَ التأويلُ: (خليلٌ كرَمُهُ)، فيكونُ المعنى ناقصاً.

    هـ ـ أن تكون هي وما بعدها في موضعِ تابعٍ لمرفوعٍ، على أنه معطوفٌ عليهِ أو بَدَلٌ منه، فالأول نحو: (بلغني اجتهادُك وأنكَ حَسَنُ الخُلُق)، والثاني نحو:

    (يُعجبُني سعيدٌ أنهُ مجتهدٌ).

    وتُؤَوَّلُ بمصدرٍ منصوبٍ في ثلاثةِ مواضعَ:


    أ ـ أن تكون هي وما بعدها في موضع المفعول به، نحو: (علمتُ أنكَ مجتهدٌ)، ومنهُ قولهُ تعالى: {ولا تخافون أنكم أشركتم باللهِ}. ومن ذلك أن تقع بعد القول المتَضمّنِ معنى الظنّ، كما سبق.

    ب ـ أن تكون هي وما بعدها في موضعِ خبرٍ لكانَ أو إحدى أخواتها، بشرطِ أن يكون اسمُها اسمَ معنًى، نحو: (كانَ عِلمي، أو يَقيني، أنك تتَّبعُ الحقَّ).

    ج ـ أن تكون هي وما بعدها في موضعِ تابعٍ لمنصوبٍ، بالعطف أو البَدَليّة فالاوَّلُ نحو: (علمتُ مجيئَكَ وأنكَ مُنصرفٌ)ومنهُ قولهُ تعالى: {اذكروا نِعمتيَ التي أنعمت عليكم، وأني فَضَّلتكم على العالمين}، والثاني نحو: (احترمتُ خالداً أنه حَسَنُ الخُلقْ" ومنه قولهُ تعالى: {واذْ يَعِدُكم الله إحدى الطائفتين انها لَكُم}.


    وتؤَوَّلُ بمصدرٍ مجرورٍ في ثلاثة مواضعَ أيضا:


    أ ـ أن تقعَ بعد حرف الجر، فما بعدَها في تأويل مصدرٍ مجرورٍ به، نحو:

    (عَجبتُ من أنكَ مُهملٌ)، ومنه قولهُ تعالى: {ذلكَ بأن اللهَ هوَ الحقُّ}.
    [والتأويل: عجبت من إهمالك]

    ب ـ أن تقعَ مع ما بعدها في موضعِ المضاف إليه، نحو: (جئتُ قبلَ أنَّ الشمسَ تَطلُعُ)، ومنه قوله تعالى: {وإنه لحَقٌّ مثلما أنكم تَنطِقون}.


    ج ـ أن تقع هي وما بعدها في موضع تابعٍ لمجرورٍ، بالعطف او البَدَليةِ، فالأول نحو: (سُررتُ من أدَبِ خليلٍ وأنه عاقلٌ)، والثاني نحو: (عَجبتُ منهُ أنهُ مُهملٌ).


    13ـ الْمَواضِعُ التي تَجوزُ فيها (إِنَّ وأَنَّ)


    يجوزُ الأمران، كسر همزة (إنَّ) وفتحُها، حيثُ يَصح الاعتباران: تأويلُ ما بعدها بمصدرٍ، وعدمُ تأويلهِ. وذلك في أربعة مواضع:


    أ ـ بعد (إذا) الفُجائيّةِ، نحو: (خرجتُ فإذا إنَّ سعيداً واقفٌ).


    (فالكسر هو الأصل، وهو على معنى (فإذا سعيد واقف) والفتح على تأويل ما بعدها بمصدر مبتدأمحذوف الخبر، والتأويل (فإذا وقوفه حاصل)).


    وقد رُوي بالوجهينِ قولُ الشاعر:


    وكُنْتُ أَرَى زَيْداً، كما قيلَ، سَيِّداً

    إِذَا أَنَّهُ عَبْدُ الْقَفا واللَّهازِمِ

    (فالكسر على معنى: (فإذا هو عبد القفا). والفتح على معنى (فإذا عبوديته حاصلة). [اللهازم: جمع لهزمة واللهمزتان: عظمتان تحت الأذن. يريد أنه ليس سيداً، وكنى عن ذلك بأنه يُضرب على قفاه ولهزمتيه]


    ب ـ أن تقعَ بعدَ فاءِ الجزاءِ، نحو: (أن تجتهدْ فإنكَ تُكرَمُ). وقد قرئ بالوجهين قولهُ تعالى: {مَنْ يُحادِدِ اللهَ ورسولَهُ فانَّ لهُ نارَ جهنمَ}. وقولهُ: {مَن عملَ منكم سُوءًا بِجهالةٍ، ثمَّ نابَ من بعدهِ وأصلح، فانهُ غفورٌ رَحيمٌ}.

    (فالكسر على جعلها جملة الجواب. والفتح على أن ما بعدها مؤول بمصدر مرفوع مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير في المثال: (إن تجتهد فإكرامك حاصل). والتقدير في الآية الأولى (فكون نار جهنم له أو ثابت أو حاصل) والتقدير في الآية الأخرى: {فمغفرة الله حاصلة له}. وتكون جملة المبتدأ المؤول وخبره المحذوف جواب الشرط).


    ج ـ أن تقعَ مع ما بعدها في موضعِ التَّعليلِ، نحو: أكرمه، انّهُ مُستحِقٌّ الإكرامِ، وقد قرئ بالوجهينِ قولهُ تعالى: {صَلِّ عليهم، إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهم}.
    (فالكسر على أنها جملة تعليلية. والفتح على تقدير لام التعليل الجارة أي: لأنه ولأن صلاتك. والتأويل في المثال: (أكرمه لاستحقاقه الإكرام)، وفي الآية: (صل عليهم لتسكين صلاتك إياهم)، والسكن (بالتحريك) ما يسكن إليه، ويفسر أيضا بالرحمة والبركة).


    د ـ أن تقعَ بعدَ (لا جَرَمَ) نحو: (لا جَرَمَ انكَ على حَقٍّ). والفتح هو الكثير الغالبُ. قال تعالى: {لا جَرَمَ أنَّ اللهَ يَعلَمُ ما يُسِرُّونَ}. (ووجه الفتح أن تجعل ما بعد (أن) مؤولاً بمصدر مرفوع فاعل لجرمَ. وجرم: معناه حقَّ وثبتَ. وأصل الجرم القطع، وعلمُ الله بالأشياء مقطوعٌ به لأنه حق ثابت.

    و (لا) حرف نفي للجواب، يرد به كلام سابق. فكأنه قال: (لا)، أي: ليس الأمر كما زعموا، ثم قال: (جرم أن الله يعلم) أي: (حق وثبت علمه). وقال الفراء: لا جرم بمعنى (لا بد)، لكن كثر في الكلام، فصار بمنزلة اليمين، لذلك فسرها المفسرون: حقاً: وأصله من جرمت: بمعنى كسبتُ.
    فتكون (لا) على رأيه نافية للجنس. و (جرم) اسمها مبني على الفتح، وما بعد (أن) مؤول بمصدر على تقدير(من)، أي: لا جرم من أن الله يعلم، أي: لا بد من علمه.

    ووجه الكسر: أن من العرب من يجعل (لا جرم) بمنزلة القسم واليمين، نحو: (لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت). فمن جعلها يميناً كسر همزة (إن) بعدها نحو:

    (لا جرم إنك على حق)، وجعل جملة (إن) المكسورة واسمها وخبرها. جواب القسم. وعلى من جعلها يميناً فإعرابها كإعراب (لا بد) وقد أغنى جواب القسم عن خبرها.

    وقد علمت انه حيث جاز فتح (أن) وكسرها، فالكسر أولى وأكثر، لأنه الأصل، ولأنه لا تكلف فيه، إلا إذا وقعت بعد (لا جرم) فالفتح هو الغالب الكثير، وان نزّلتها منزلة اليمين، لأنها في الأصل فعل).


    14ـ تخفيفُ "إنَّ وأَنَّ وكأنَّ ولكنَّ".

    يجوزُ أن تُخفَّفَ (إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ) بحذف النون الثانية، فيقال: (إنْ وأنْ وكأنْ ولكنْ).

  6. #6

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    15ـ (إنْ) المخففة المكسورة


    إذا خُفّفت (إنَّ) أُهمِلتْ وجوباً، إن ولِيَها فعلٌ، كقوله تعالى: {وإن نَظنكَ لَمِنَ الكاذبين}. فان ولِيَها اسمٌ فالكثيرُ الغالبُ إهمالها، نحو: (إن أنتَ لصادقٌ)، ويَقِلُّ إعمالها، نحو: (إنْ زيداً مُنطلِقٌ)، ومنهُ قولهُ تعالى: {وإنْ كُلاً لمَا ليوَفينَّهم ربكَ أعمالهم}، في قراءَة من قرأ: (إنْ ولَمَا) مخفّفتينِ.


    [لما: هي لام الابتداء، و (ما) زائدة للتوكيد، واللام في (ليوفينهم): هي اللام الموطئة للقسم، دخلت على جوابه، وجملة الجواب سادّة مسّد الخبر]

    ومتى خُففت وأُهمِلَت لزمتها اللامُ المفتوحةُ وجوباً، نحو: (إنْ سعيدٌ لمجتهد) تَفرقةً بينها وبين (إنْ) النافيةِ، كيلا يقع اللبسُ. وتُسمّى (اللامَ الفارقةَ). فان أُمِنَ اللَّبس جاز تركُها، كقوله:

    أَنا ابنُ أُباةِ الضَّيْمِ منْ آلِ مالِكٌ
    وإِنْ مالكٌ كانتْ كِرامَ الْمَعادِنِ


    [المعادن: الأصول]

    لأن المقامَ هنا مَقامُ مَدح، فيمنعُ أن تكونَ (إنْ نافيةً، وإلا انقلبَ المدحُ ذَماً).


    وإذا خُففت لم يَلِها من الأفعال إلا الأفعالُ الناسخةُ لحكم المبتدأ والخبر (أي التي تَنسَخُ حُكمهما من حيثُ الإعرابُ. وهي كانَ وأخواتُها، وكادَ وأخواتُها، وظنَّ وأخواتُها). وحينئذٍ تدخلُ اللامُ الفارقةُ على الجزءِ الذي كان خبراً.

    والأكثر أن يكونَ الفعلُ الناسخُ الذي يليها ماضياً، كقوله تعالى: {وإِنْ كانت لكبيرةً إلاّ على الذينَ هدى اللهُ}، وقوله: {قال تاللهِ إن كِدتَ لَتُردِينِ}، وقولهِ: {وإن وجدنا أكثرَهم لَفاسقينَ}. وقد يكونُ مضارعاً كقوله سبحانهُ: {وإن نظنكَ لَمِنَ الكاذبين}.


    ودخولُ (إنْ) المخفّفَة على غير ناسخٍ من الأفعال شاذ نادرٌ، فما وردَ منه لا يُقاسُ عليه، كقولهم: (إنْ يَزينُكَ لنَفسُكَ، وإنْ يشينُكَ لهِيَهْ).


    16ـ (أنْ) المُخفَّفَةُ المفتوحة


    أذا خُفّفت (أن) المفتوحةُ، فمذهبُ سيبويه والكوفيين أنها مُهمَلةٌ لا تعمل شيئاً، لا في ظاهر ولا مُضمر، فهي حرفٌ مصدري كسائر الأحرف المصدرية. وتدخلُ حينئذٍ على الجملِ الاسمية والفعلية. وهذا ما يظهرُ أنه الحقُّ. وهو مذهبٌ لا تكَلُّفَ فيه.


    واعلم أنَّ (أنَّ) المخفّفةَ، إن سبقها فعل، فلا بُدَّ أن يكونَ من أفعال اليقينِ أو ما يُنزَّلُ منزلَتها، من كل فعل قلبيٍّ، يُرادُ به الظنُّ الغالبُ الراجح. فالأول كقوله تعالى: {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرْضى}، ومنه قول الشاعر:
    إذا مِتُّ فادفنِّي إِلى جَنْبِ كرْمةٍ
    تُرَوِّي عظامي بعْد مَوتي عُروقُها

    ولا تَدفِنَنِّي في الْفَلاةِ، فإنَّني

    أحافُ إِذا ما مِتُّ، أَن لا أذُوقُها

    فخوفهُ أن لا يذوقها بعدَ مماته يقينٌ عنده، مُتحققٌ لديهِ. والثاني كقوله تعالى:

    {وظنُّوا أنْ لا مَلجأ من اللهِ إِلاّ إليه} وقولهِ: {أيحسَبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ}.

    فائدة


    (إذا وقعت (أن) الساكنة بعد فعل يفيد العلم واليقين، وجب أن تكون مخففة من (أن) المشددة. وأن يكون المضارع بعدها مرفوعاً، كما رأيت. ولا يجوز أن تكون (أن) الناصبة للمضارع. وان وقعت بعد فعل يدل على الظن الراجح، جاز أن تكون مخففة من (أن) المشددة فالمضارع بعدها مرفوع، وجاز أن تكون (أن) الناصبة للمضارع، فهو بعدها منصوب. وقد قريء بالوجهين قوله تعالى: {وحسبوا أن لا تكون فتنة}، بنصب (تكون) على أن (أن) هي الناصبة للمضارع، ورفعه على أنها هي المخففة من (أن) المشددة. وذلك لأن (أن) الناصبة للفعل المضارع تستعمل في مقام الرجاء وللطمع فيما بعدها، فلا يناسبها اليقين، وإنما يناسبها الظن، فلم يجز أن تقع بعد ما يفيد اليقين. و (أن) المخففة هي للتأكيد، فيناسبها اليقين. ولما كان الرجاء والطمع يناسبهما الظن، جاز أن تقع بعده (أن) الناصبة للمضارع المفيدة للرجاء والطمع. وإنما جاز أن تقع (أن) المخففة المفيدة للتأكيد. إذا كان ظناً راجحاً، لأن الظن الراجح يقرب من اليقين فينزل منزلته).

    واعلم أنَّ (أن) المخفّفَة لا تدخل إلا على الجمل، عند من يُهملهُا وعند من يُعمِلُها في الضمير المحذوف، إلا ما شذ من دخولها على الضمير البارز في الشعر للضّرورة، وقد علمت أنه نادر مخالفٌ للكثير المسموع من كلام العرب.

    والجملةُ بعدها إمَّا اسميَّةٌ، وإما فعليَّة.

    فان كانت جملةً اسميَّة أو فعليَّة فعلُها جامدٌ، لم تحتجْ الى فاصل بينها وبين (أنْ) فالاسمية كقوله تعالى: {وآخِرُ دعواهُم أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين}.
    والفعليَّةُ، التي فعلُها جامدٌ، كقوله سبحانهُ: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، وقولهِ: {وأن عسى أن يكونَ قد اقتَربَ أَجلُهم}.

    وإن كانت الجملةُ بعدها فعليّةً، فعلُها متصرّفٌ، فالأحسن والأكثر أن يُفصلَ بينَ (أنْ) والفعلِ بأحدِ خمسة أشياءَ:


    أ ـ قد، كقوله تعالى: {ونَعْلَمَ أنْ قد صَدقتَنا

    ب ـ حرف التّنفيسِ: (السينُ أو سوف) فالسينُ كقوله تعالى: {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرضى}، وقولِ الشاعر:

    زَعَمَ الْفَرزْدَقُ أنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعاً

    أَبشِرْ بطول سَلاَمةٍ يا مِرْبَعُ

    وسوف، كقول الآخر:


    واعلمْ، فَعِلْمُ الْمَرء يَنْفَعُهُ،

    أن سَوْفَ يأْتي كُلُّ ما قُدِرا

    ج ـ النفي بِلَنْ أو لم أو لا، كقوله تعالى: {أيحسَبُ الإنسانُ أنْ لنْ نجمَعَ عظامَهُ} وقوله: {أيحسَبُ أنْ لم يرَهُ أحَدٌ}، وقولهِ: {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يرجِعُ إليهم قَوْلاً}.


    د ـ أداةُ الشرطِ، كقوله تعالى: {وقد نَزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتُم آياتِ الله يُكفَرُ بها ويُسْتهزأ بها، فلا تَقعُدوا مَعَهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِهِ} وقولهِ: {وأن لوِ استقاموا على الطريقة لأسقيناهُم ماءً غَدَقاً}.


    هـ ـ رُبَّ كقول الشاعر:


    تَيَقَّنْتُ أَنْ رُبَّ امرئ، خِيلَ خائناً

    أَمينٌ، وخَوَّانٍ يُخالُ أَمِينا

    17ـ كَأَنْ المُخَفّفة


    إذا خفّفت (كأن)، فالحقُّ (على ما نرى) أنها مُهمَلةٌ، لا عمل لها. وعلى هذا الكوفيون. وهو قولٌ لا تكلفَ فيه.


    وعلى كلِّ حالٍ فيجبُ أن يكون ما بعدها جملةً، فان كانت اسميّة لم تحتج الى فاصل بينها وبين (كأن) كقوله:


    وصَدْرٍ مُشْرِقِ اللّوْنِ

    كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّان

    وإن كانت جملةً فعليّة، وجب اقترانُها بأحدِ حرفينِ:


    أ ـ قد، كقول الشاعر:


    َزفَ التّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكابَنا

    لما تزُلْ برحالِنا، وكَأَنْ قَدِ

    وقول الآخر:


    لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاءُ لظى الحرْ

    بِ، فمحذُورُها كَأَنْ قَد أَلَما

    ب ـ لم، كقوله تعالى: {كأن لم تَغْنَ بالأمسِ}


    18ـ لكن المخففة

    إذا حُفّفت (لكنَّ) أهملت وجوباً عند الجميع، ودخلت على الجُمل الاسميّةِ والفعليّة، نحو: (جاء خالدٌ، لكنْ سعيدٌ مسافرٌ. وسافرَ عليٌّ لكنْ جاء خليلٌ)

  7. #7

    رد: من موسوعة (جامع الدروس العربية)

    (لا) النافية للجنس


    (لا) النافية للجنس هي التي تدلُّ على نفي الخبر عن الجنس الواقع بعدها على سبيل الاستغراق، أي: يرادُ بها نفيُهُ عن جميع أفراد الجنس نصّاً؛ لا على سبيل الاحتمال. ونفيُ الخبرِ عن الجنس يَستلزمُ نفيَهُ عن جميع أفراده.

    وتُسمّى (لا) هذهِ (لا التّبرِئَةِ) أيضا، لأنها تُفيدُ تبرئةَ المتكلّم للجنس وتنزيهَهُ إياهُ عن الاتصاف بالخبر.


    وإِذْ كانت للنفي على سبيل الاستغراقِ، كان الكلامُ معها على تقدير (منْ)، بدليلٍ ظهورِها في قول الشاعر:


    فَقامَ يَذودُ النَّاسَ عنها بِسَيْفِهِ

    وقالَ: أَلاَ، لا من سَبيلٍ إلى هِندِ

    فاذا قلت: (لا رجل في الدار)، كان المعنى: لا من رجل فيها، أي: ليس فيها أحد من الرجال، لا واحد ولا أكثر. لذلك لا يصح أن تقول: (لا رجل في الدار، بل رجلان أو ثلاثة) مثلاً، لأن قولك: (لا رجل في الدار) نص صريح على نفي جنس الرجل فقولك بعد ذلك: (بل رجلان) تناقض.

    بخلاف (لا) العاملة عمل (ليس). فإنها يصح أن ينفى بها الواحد، وأن ينفى بها الجنس لا على سبيل التنصيص، بل على سبيل الاحتمال فإذا قلت: (لا رجل مسافراً) صح أن تريد أن ليس رجل واحد مسافراً، فلك أن تقول بعد ذلك: (بل رجلان) وصح أن تريد أنه ليس أحد من جنس الرجال مسافراً. وكذلك السامع له أن يفهم نفي الواحد ونفي الجنس لأنها محتملة لهما. وستقف على مزيد بيان لهذا الموضوع).

    وفي هذا الفصل خمسةُ مباحث:


    أولاً: عملُ (لا) النافيةِ للجنْسِ وشُروطِ إعمالِها


    تعملُ (لا) النافيةُ للجنس عملَ (إنّ)، فتنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبر، نحو: (لا احدَ أغيرُ من الله).


    وإنما عملتْ عملَها، لأنها لتأكيد النفيِ والمبالغةِ فيه، كما أنَّ (إنّ) لتأكيد الإثبات والمبالغة فيه.


    ويُشترطُ في إِعمالها عملَ (إنّ) أربعة شروط:


    أ ـ أن تكونَ نصّاً على نفيِ الجنسِ، بأن يُرادَ بها نفيُ الجنس نفياً عامّاً، لا على سبيلِ الاحتمال.

    (فإن لم تكن لنفي الجنس على سبيل التنصيص، بأن أريد بها نفي الواحد، أو نفي الجنس على سبيل الاحتمال، فهي مهملة. وما بعدها مبتدأ وخبر، نحو: (لا رجل مسافر) ولك أن تعملها عمل (ليس) نحو: (لا رجل مسافراً) وإرادة نفي الواحد أو الجنس بها هو أمر راجع الى المتكلم، أما السامع فله أن يفهم أحد الأمرين).

    ب ـ أن يكون اسمها وخبرُها نكرتين.


    (فان كان المسند إليه بعدها معرفة أهملت ووجب تكرارها، نحو: (لا سعيد في الدار ولا خليل)).


    وقد يقعُ اسمُها معرفةً مُؤَوّلةً بنكرةٍ يرادُ بها الجنسُ، كأن يكونَ الاسمُ عَلَماً مُشتهراً بصفةٍ (كحاتمٍ المُشتهرُ بالجود، وعَنترةَ المشتهر بالشجاعة، وسَحبانَ المشتهرِ بالفصاحة، ونحوهم ) فيُجعلُ العلمُ اسم جنسٍ لكل من اتصف بالمعنى الذي اشتهرَ بهِ ذلك العلَمُ، كما قالوا: (لكل فرعونٍ موسىً)، بتنوينِ العلَمينِ، مُراداً بهما الجنسُ، أي: (لكلِّ جبّارٍ قهّارٌ). وذلك نحو: (لا حاتم اليومَ، ولا عنترةَ، ولا سحَبانَ). والتأويلُ: (لا جَوادَ كحاتم، ولا شجاعَ كعنترةَ، ولا فصيحَ كسَحبانَ)، ومنه قولُ الراجز:


    لا هَيْثَمَ اللَّيلةَ للِمَطِيِّ

    ولا فَتى إِلاَّ ابنُ خَيبَريِّ

    أي: لا حاديَ حَسَنَ الحُداءِ كهيثم، ومنه قول عُمرَ في عليّ (رضي الله عنهما): (قضيّةٌ ولا أبا حَسَنٍ لها)، أي: هذهِ قضيّةٌ ولا فيصلَ لها يَفصِلُها. وقد يُرادُ بالعلَم واحدٌ مما سُميَ به كقول الشاعر:


    ونَبْكي على زَيْدٍ، ولا زَيْدَ مِثْلُهُ

    بَرِيءٌ منَ الحُمَّى سَليمُ الجَوانِحِ
    ج ـ أن لا يفصلَ بينها وبين اسمها بفاصل.

    (فإذا فصل بينهما بشيء، ولو بالخبر، أهملت، ووجب تكرارها، نحو: (لا في الدار رجل ولا امرأة). وكان ما بعدها مبتدأ وخبراً).


    د ـ أن لا يدخل عليها حرفُ جرّ.


    (فإن سبقها حرف جر كانت مهملة، وكان ما بعدها مجروراً به، نحو: (سافرت بلا زاد) و (فلان يخاف من لا شيء)).


    ثانياً: أَقسامُ اسمها وأحكامُهُ


    اسمُ (لا) النافيةِ للجنس على ثلاثة أقسامٍ: مفردٍ، ومضافٍ، ومشبَّه بالمضاف.


    فالمفرد: ما كانَ غيرَ مضافٍ ولا مشبّهٍ به. وضابطهُ أن لا يكونَ عاملاً فيما بعدهُ، كقوله تعالى: {ذلك الكتابُ لا رَيبَ}.

    وحُكمُهُ أن يُبنى على ما يُنصبُ به من فتحةٍ أو ياءٍ أو كسرةٍ، غيرَ مُنوَّنٍ نحو: (لا رجلَ في الدار، ولا رجالَ فيها، ولا رجلين عندَنا، ولا مذمومينَ في المدرسة، ولا مذموماتٍ محبوباتٌ) ويجوز في جمع المؤنّثِ السالم بناؤُه أيضاً على الفتح، نحو: (لا مجتهداتَ مذموماتٌ) وقد رُوِيَ بالوجهينِ قول الشاعر:

    لا سابِغات، ولا جَأْواءَ باسِلَةً

    تَقِي المَنُونَ، لَدَى استِيفاءِ آجالِ
    [السابغات: الدروع التامات الطويلات، من سبغ الثوب والشيء إذا طال والجأواء: الكتيبة من الجيش، وأصلها فعلاء من الجي أو الجؤوة. وهي حمرة تضرب الى السواد، سميت بذلك يعلو لونها من السواد لكثرة الدروع. والباسلة: الكريمة اللقاء]

    وقولُ الآخر:


    أَوْدَى الشبابُ الذي مَجدٌ عواقبُهُ

    فيهِ نَلَدُّ، ولا لَذَّاتِ لِلشيبِ
    وقد بُنيَ لِتركيبهِ مع (لا) كتركيبِ (خمسةَ عشرَ).

    وحكمُ اسمها المضافِ أن يكون مُعرباً منصوباً، نحو: (لا رجلَ سُوءٍ عندنا. ولا رَجلَيْ شرٍّ محبوبانِ. ولا مهمِلي واجباتهم محبوبون. ولا أخا جهلٍ مُكرَّمٌ. ولا تاركاتِ واجبٍ مُكرَّماتٌ).


    والشبيهُ بالمضافِ: هو ما اتصلَ به شيءٌ من تمامِ معناه. وضابطُهُ أن يكون عاملاً فيما بعده بأن يكون ما بعده فاعلاً له، نحو: (لا قبيحاً خُلقُه حاضرٌ)، أو نائبَ فاعلٍ، نحو: (لا مذموماً فعلُه عندنا)، أو مفعولاً، نحو: (لا فاعلاً شراً ممدوحٌ)، أو ظرفاً يُتعلّقُ به، نحو: (لا مسافراً اليومَ حاضرٌ) أو جاراً ومجروراً يتعلقانِ به، نحو: (لا راغباً في الشر بيننا)، أو تمييزاً له، نحو: (لا عشرين دِرهماً لك).


    وحكمُهُ أنه مُعربٌ أيضاً، كما رأيتَ.

    يتبع في هذا الفصل

المواضيع المتشابهه

  1. موسوعة اللغة العربية واللسانيات
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-25-2015, 08:06 PM
  2. الدروس المستفادة من الثورات العربية الحالية
    بواسطة د.مهندس عبد الحميد مظهر في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 03-23-2013, 05:14 PM
  3. موسوعة من الخطوط العربية
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان التصميم والابداع.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 01:17 AM
  4. موسوعة شهداء الأمة العربية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-08-2011, 09:33 AM
  5. موقع التعليم الإلكتروني باللغة العربية يقدم كافة الدروس مجانا
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-29-2008, 09:56 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •