الفصل الثالث عشر:

المعرفة الغربية والمايجي إيشين

تقديم: لو وان هي/ أكاديمية تيانجين للعلوم الاجتماعية/الصين

(1)

شن المعتدون الاستعماريون الآتون من الغرب حرب الأفيون في الصين العام 1840، وضغطوا على اليابان، مهددين باستخدام القوة العسكرية لفتح موانئها في العام 1853. وهكذا حمل منتصف القرن التاسع عشر الى كل من اليابان والصين أزمة قومية خطيرة.

نشأت هذه الأزمة أساساً ـ إذا وصفت بلغة الفروقات القومية ـ من التناقض بين الدول الإقطاعية والدول الرأسمالية. وتفرض الظروف السائدة على الشعب الذي يتعرض للغزو أن يتفادى الخضوع فقط عبر تحويل مجتمعه وبسرعة الى نظام رأسمالي، ومن لم يفعل أصبح مستعمراً أو شبه مستعمر من قبل قوى الغرب وهذا ما أثبته التاريخ. وقد اختارت اليابان المسار الأول فيما عانت الصين قدر أن تكون شبه مستعمرة.

(2)

يتساءل الباحث: لماذا أنجزت اليابان نهضتها قبل الصين؟
يستبعد الباحث أثر العوامل الخارجية، فاليابان كما الصين تعرضتا لأطماعٍ استعمارية. كما يستبعد أثر البرجوازية فالشعب الصيني يتشابه مع الياباني في نمو التيار البرجوازي. ويستبعد أيضاً نشاط ثورة الفلاحين في اليابان وتفوقها على ما كان موجودا في الصين...

يركز الباحث على ناحية بعينها هي التي ميزت الوضع في اليابان عنه في الصين. وتلك الناحية تتجسد في نقل المعارف الغربية الى اليابان بسرعة ودقة.

يقول: لقد بدأت أوروبا بالتفوق علمياً وحضارياً وفلسفياً على بقية أنحاء العالم، منذ القرن السادس عشر. ويشير الى أن تلك المعارف قد دخلت الصين لأول مرة في العام 1581 على يد الإرسالي اليسوعي الإيطالي (ماثيو ريتشي)، في حين دخلت المعارف الأوروبية الى اليابان على يد راهب يسوعي آخر هو (فرانسيس خافيير) في العام 1549. كانت تلك المعارف تدعى في ذلك الوقت ((ثقافة البرابرة الجنوبيين)).

هذه المعارف الغربية، تم التعامل معها بأسلوبين مختلفين في اليابان والصين، وقد تشابه الأسلوبان في البداية لكنهما اختلفا في مراحل لاحقة.

فقد توقف انتشار ثقافة البرابرة (كما كان أهل اليابان يطلقون عليها) في عام 1663، وتوقفت في الصين عام 1720، وكان توقفها في الصين بسبب النزاع الذي حصل بين بابا الفاتيكان والإمبراطور الصيني (كانغشي) حيث أرسل البابا مبعوثاً الى الصين مرتين في عام 1705 وعام 1720، أمر فيهما الصينيين الكاثوليك أن يمتنعوا عن ممارسة الشعائر الصينية التقليدية في طقوسهم المسيحية، مما حدا بإمبراطور الصين للقول (أعيدوا مبشريكم الى الغرب) ولكنه لم يحرم نقل المعارف العلمية لإيمانه بالفصل بين الدين والعلم.

لم يلتزم أباطرة الصين الذين جاءوا بعده، بالفصل بين الدين والعلم، بل حرموا حتى دخول المواد العلمية والثقافية وغيرها، وبقي هذا التحريم زهاء 80 عاما.

(3)

في اليابان، كان الوضع مختلفاً، فحتى في سنوات العزلة والانغلاق، (بين عامي 1683 و 1751) فقد كانت النخب الحاكمة تطلع على ثقافات الغرب.

وفي عام 1720 بالذات، تم التساهل في استقبال المواد العلمية والثقافية، ولم يستمر اليابانيون في نعتها بثقافة البرابرة بل أسموها (رانغاكو) أو (المعارف الهولندية)، لأنها أدخلت أساساً بواسطة الهولنديين الذين أقاموا في المصنع في (ناجازاكي).

وقد قُدِّر عدد الكُتب التي ترجمت من الدول الأوروبية بين عامي 1744 و 1852، حوالي 500 كتاب غربي بواسطة 117 مترجما وكاتباً يابانياً.

وقد لمّح أحد المفكرين اليابانيين في معرض انتقاده للرؤية الصينية ونزعتها الانعزالية والمعتدة بهويتها القومية بقوله (إن الأرض كُرة توزعت عليها دولٌ كثيرةٌ وعليها تعيش كل شعوب الأرض. ويجب النظر الى كل دولة بنفسها على أنها مركز الكرة الأرضية، والصين بدورها كباقي الدول) ...(وأنه من الخطأ عبادة الصين على نحوٍ أعمى على أنها المملكة الوسطى مع النظر الى الدول الأخرى على أنها بربرية).

وفي اجتماعهم السنوي في عام 1795 اجتمع 30 من دارسي العلوم الغربية (الرانغاكو) للاحتفال برأس السنة الميلادية لأول مرة في اليابان، دوّن في هذا الاجتماع (أن لنا أصدقاء لنا على بعد 9000 لي [لي: 540متر]، كل شعوب القارات الخمس هم جيرانٌ لنا).

(4)

تصاعدت وتيرة انتشار العلوم الغربية في اليابان بسرعة هائلة ففي عام 1868 كانت الرياضيات تُدرَّس في 141 مدرسة من أصل 240 مدرسة تديرها الدولة، والعلوم الغربية في 77 مدرسة والطب في 68 والفلك 5. وكلها علوم ومعارف غربية.

وقد كان في عام 1872 حوالي 500 ياباني يستطيعون قراءة وفهم ما يقرءونه من كتب غربية، في حين كان في السنة نفسها 11 صينياً يستطيع ذلك.

واجهت كل من اليابان والصين في منتصف القرن التاسع عشر أزمة خطيرة على المستوى القومي كما على مستوى الحكومة الإقطاعية، ولم تكن الرأسمالية والبرجوازية في كلا البلدين قد اكتملتا نمواً، كما أن البرجوازية فشلت في أخذ زمام المبادرة في إطلاق الثورة. فهل كان من الممكن تأجيل الثورة الاجتماعية حتى اكتمال نضج الطبقة البرجوازية؟

الجواب الواضح هو لا، فالأوضاع التاريخية آنذاك قد جعلت الرأسمالية الغربية القوة المهيمنة في كل أنحاء العالم، واستطاعت البرجوازية الغربية، كما أشار ماركس وأنجلز، أن تهزّ سور الصين العظيم.

إن إرجاع نهوض اليابان لا يفهم منه أن وراءه المعارف الغربية وحدها، فضربات الفلاحين للإقطاع ونضال القوى المسحوقة لا يمكن بدونها أن تقوم المعارف الغربية بأي أثر. لكن أثبت التاريخ أن المعرفة والثقافة والعلوم لها الدور الفعال في إرساء الأسس العقائدية لعمليات النهوض.