منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 26
  1. #11

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"9"أهلا بكم في بيروت ... ومع القسم الثاني .. هذا القسم يبدأ بداية غريبة ... يبدأ هكذا نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفي وسعها أن تصفعني بقدر ما تستطيع،فلن أخفض عيني. وتكفي شكوى واحدة،وتكون قد انتقمت،ولن يكون بها حاجة إلى الضرب،وقد تعفو. إنني لن أقدم لها هذه الفرصة. فذلك معناه أنها على حق.وفي ساحة اللعب،وحول المرأة التي تلبس الثياب السوداء،وحول الفتاة ذات الخُصل الحمراء،كانت الطالبات يزدحمن،صامتات. وهذا الذي بدا كأنه وليمة – يكاد ينتهي إلى مأساة – وأخيرا سنرى هذه الوقحة تبكي. والأم أشيليه تضرب بعنف – إنها على وشك أن تقصم ظهرها ... فلماذا لا تصرخ وتبكي هذه الحمقاء؟ أولا تعلم أن عليها أن تصرخ قبل أن تشعر بالألم. فالراهبات ذوات قلوب رقيقة،ولا يحتملن سماع الصراخ.وتوقفت الراهبة،متعبة. وترفع سلمى ذقنها،وتكسو وجهها بسيماء الاحتقار – كما لو أنها ضحية أمام معذّبها. - ستكتبين لي الدرس مئة مرة!- كلا.فعمّت الدهشة الطالبات : إنها قوية،هذه التركية الصغيرة. واصفرت الأم أشيليه،وقالت :- إنكِ الشيطان! وسنرى ماذا تقول عن سلوكك الأم المديرة. وانطلقت بما تلبس من تنانير وأكمام،وأدارت ظهرها،واتجهت إلى مكتب الراهبة العليا.واقتربت مراهقة سمراء من سلمى بخجل. إنها أمل،بنت أسرة درزية كبيرة،من هؤلاء الإقطاعيين الذين سيطروا على الجبل اللبناني قرونا وقرونا. وقالت لها،قلقة :- ستُطردين إذن. فماذا ستقول أمك.- ستهنئني.- ؟؟؟- إن أمي لا تقبل أن تهان أسرتنا. وهذه التي يقال إنها مدرّسة تاريخ ليست إلا كاذبة! أو يقال عن راهبة إنها كاذبة! إن الطالبات لا يصدقن ما يسمعن. ويبتعد بعضهن لينقلن الكفر الذي لا يصدق،لغيرهن. ولا يَجرؤ أحد على تخيل ما قد يقع – ولكننا حتما سنتسلى. وتنظر الأم مارك،في مكتبها المغلف بخشب قاتم،إلى الصليب الذي علّق فيه المسيح،داعية أن يلهمها الصواب. فهذه حالة تمرد موصوفة. وهي مضطرة إلى الرد بعنف. ولكن هل تستطيع أن تقسِر هذه الصغيرة على أن تقول السوء عن ذويها؟ وفي العام الماضي،جوبهت بمشكلة مماثلة،بعد الدرس الذي كان يتعلق بالحروب الصليبية! وكان في الصف طالبتان مسلمتان،جاء أبوهما فأخذهما دون أن ينبسا ببنت شفة.وهذه المؤسسات،الشبيهة بهذه التي تديرها الأم مارك في بيروت – أي مدرسة أخوات بيزانسون – مفتوحة للأطفال من كل الأديان. وهي لا تهدف إلى هداية "الغنمات الشاردة"ولكنها لا تفقد الأمل بأن كلام الربّ مثل البذور التي تُرمى في الهواء وستنتهي ذات يوم بأن تنبت. ويقرع الباب بثلاث ضربات خفيفة. وتدخل صبية ذات شعر كثيف،ملتهب،فوق ياقة من الدانتيل الأبيض،الذي يُحلي اللباس الأزرق – البحري. وعيناها مخفضتان،والجبهة عنيدة،وتقدّم عميق الاحترام بانحناءة كبيرة.- يمكنكِ أن ترفعي راسك يا آنسة.وتضرب الأم مارك على مكتبها ضربات خفيفة بأصبعها العاجية الطويلة.- إنك ترين،يا ابنتي،أني مترددة. فماذا تفعلين لو كنت في مكاني؟ولكنها لم تتوقع تلك النظرة المثقلة بالتأنيب،ولا الرد الجارح،على ما فيه من حسن التهذيب.- ليس لي شرف الحلول محلك،أيتها الأم المحترمة.- "الأم"!- عفوا؟- أمي المبجلة.- نعم،الأم المبجلة.واختارت الأم مارك أن تضع الحذف (حذف حرف ي من "أمي"والاكتفاء بالأم وحدها) على حساب الجهل باللغة الفرنسية،وتابعت كلامها بلهجة ناعمة،قائلة :- إن الأم أشيليه تطلب طردك. وتؤكد أن في سلوكك خطر على النظام في الصف.وتسكت سلمى. وتفكر بأمها. مسكينة أيندجيم. فبعد خيري الذي يأبى أن يذهب إلى المدرسة،لأن رفاقه يسمونه "صاحب الحمرنة Annesse" بدلا "صاحب السمو Altesse". وهاهي تسبب لها مشكلات جديدة. وعندما خطر لها ما ستعانيه أمها من ذلك،ضعُف عزمها.- أيتها الأم المحترمة – ما ذا تفعلين لو أنهم أرغموك على حفظ – وهنا يضعف صوتها – على حفظ أن جدك كان مجنونا ... وعمك الكبير كان شيطانا مغرما بدم الآخرين ... وعمك الآخر ضعيف العقل،والأخير جبانا؟وتنظر الأم مارك من جديد إلى الصليب الذي عليه المسيح. ثم استدارت إلى المراهقة،وعيناها تلمعان.- إن سيدنا يسوع المسيح قد صُلب{"ولكن شبه لهم"}،لأن معاصريه كانوا يرون فيه "دجالا".فأحكام الناس،كما ترين،تعكس حدودهم : فليس هناك من تاريخ،بل هناك وجهات نظر. والوحيد الذي يعرف الحقيقة،هو الذي لا يملك وجهة نظر،لأنه غير محدود بشيء. فهو في كل مكان،إنه الله.وباعتبارها حفيدة متأخرة لأسرة عظيمة من أيام الصليبيين الذين حاربوا،ووهبوا حياتهم للحقيقة،فإن الأم مارك تضطرب وكأنها قد خانتهم. ورأت أن تستعجل الخلاص من هذه القصة،ولكن صوتها يضطرب قليلا عندما تنطق بحكمها :- إنك لن تحضري بعد الآن درس التاريخ،وستدرسين البرنامج وحدك. وأعتقد أنه ليس من الضروري أن أشير إلى هذا الحادث أمام السلطانة.- أوه! شكرا يا أمي المبجلة!وباندفاع طبيعي،قبلت سلمى يد الراهبة العليا،وحملتها إلى جبينها كما كانوا يفعلون في البلاط العثماني. وتمتمت الراهبة، مندهشة :- امضي بسلام،يا بنيتي!ومن غير أن تفكر سلمى،وحسب العادة الإسلامية،أجابت :- رافقتك السلامة،يا أمي!وبدا للأم مارك أن المسيح،من صليبه،يبتسم لها. وإذا قارنا بيروت بالعاصمة العثمانية،وجدناها مدينة حلوة في المحافظات،يسكنها حوالي المئة ألف نسمة،تزينها بيوت بيضاء ذات سقوف من القرميد الأحمر،ومحاطة بحدائق كثيرة الظلال. وفي الغرب في حي رأس بيروت،حيث استقرت السلطانة،يمكن للإنسان من الشرفة أن يرى البحر،ذا اللون الأزرق الشديد الزرقة حتى أن سلمى صُدمت منه أول مرة،كما يُصدم الإنسان مما يبدو له من سوء الأدب لدى إنسان ما. ولكن البُنيّة فهمت تدريجيا أن كل بيروت كانت على صورة البحر المتوسط ضاحكة،ممتلئة حيوية،على نقيض إستانبول وبوسفورها،اللذين كان شفوفهما المتقلب المغمور بالأحلام والأشواق،يُثير الرغبة في البكاء من شدة الرقة. ثم إن السيدة اللبنانية التي أجرتهم بيتهم الجديد"تعشق تركيا والأتراك!" – ككل سكان الحي،على ما تؤكد هي.وبزهو ما تعظّم لهم شأن بيتهم المجمل بأشجار التين دون أن تشير إلى المزاريب التي تهرّب ما يجري فيها من الماء،وتملأ الجدران ببقع كبيرة من العفن،ولا إلى النوافذ التي لا ترى حرجا من مرور الهواء،منها،بكامل الحرية.وتشرح لهم :- أن الأسر السنية تسكن في رأس بيروت،وتلك الأسرة التي كانت في عهد العثمانيين،وحتى مجيء الفرنسيين،سادة المدينة،خلال أربعة قرون."أما هنا فتسكن عائلة الغندور،التي كانت تملك إدارة حصر التبغ والتنباك. وأسرة البلطيجي،والتي تسيطر على المرفأ. وهناك نجد بيت الداعوق،وبيهم،والصلح. وهم جميعا أغنياء جدا! ثم إنهم يتكلمون اللغة التركية،كما يتكلمون اللغة العربية،وأحيانا نراهم يفاخرون بوجود دم تركي في عروقهم،عن طريق جدّة شركسية أو إستانبولية". وتضيف إن هذا المجتمع الراقي السني،على أفضل حال مع الأسر الرومية الأرثوذكسية،التي تشكل أقلية عظيمة القوة. وهذه جميعا تستقبل الزوار،تقريبا كل يوم. فيلعب الرجال بالورق والبوكر،وتلعب النساء بالبيناكل،وفي آخر ما بعد الظهر،يتنزه الناس على الأحصنة،في الهضاب المجاورة،ولاسيما في الربيع عندما يتعطر الجو برائحة الزعتر والزعرور. وتهز السلطانة رأسها،بأدب،فتفهم صاحبة البيت أن في ذلك دعوة لمواصلة الحديث،فتسرع إلى إيضاح أن هذه الأسر : أي السرسق،والطراد،والتويني،وكلهم من أصحاب المصارف،هي التي تقدم أجمل الاستقبالات.ويلتقي عندهم كل أهل بيروت،من مسيحيين ومسلمين.والمسيحيون هنا هم الذين يتبعون الطقوس الإغريقية،ذلك أن الموارنة،باستثناء بعض الأسر المقيمة هنا منذ أجيال كثيرة،قلائل في بيروت. وما تزال أكثريتهم تسكن في الجبل،وهم فلاحون حريصون على أرضهم وكنيستهم. (..) .. إن الهوة تكبر بين البيروتيين القدماء،و البيروتيين الجدد. بيد أن الإدارة الفرنسية لا تشجع المارونيين وحدهم،بل إنها بحاجة كذلك إلى دعائم قوية لدى الطائفة الإسلامية. وهي تعلم أنه لا يمكنها أن تنتظر من البورجوازية السنية العليا،الكثير من الحماسة،وذلك أنها عندما أنشأت لبنان،فصلته عن المملكة العربية التي وعد بها الإنجليز العرب والتي كان عليها أن تضم سورية ولبنان وفلسطين. وعدا ذلك فإن الانتداب اضطر لكي يثبّت وجوده إلى الضغط على المصالح الاقتصادية لهؤلاء السنيين الأغنياء. ومع ذلك فإن العلاقات تظل سليمة،وأحيانا جيدة بين الطوائف. فقد كان اللبنانيون دبلوماسيين دوما. أما فيما بينهم (بين السنيين خاصة) فإنهم يتهمون فرسنا بأنها أساءت إلى ثروة البلاد،بصورة خاصة،عندما عوضّت عن الليرة الذهبية،بليرة ورقية تعتمد على الفرنك. وهم مستاؤون،بشكل خاص،من أن أعظم المراكز نفوذا في السياسة،والقضاء،والجيش،قد أعطيت للمسيحيين. وبالمقابل فإن هناك طبقة بورجوازية متوسطة،سنية،لم تكن تكلّف في عهد العثمانيين بوظائف هامة. فصار الفرنسيون يعتمدون على بعض هذه الأسر،ويشجعونها ليكسبوا إخلاصها. وإلى هذا المجتمع البيروتي،المشرف على تحولات عظيمة،بتأثير سادته الجدد و"أصدقائه"وصلت السلطانة خديجة،مصحوبة بولديها،و زينل،وكالفتين.) {ص 215 - 221 }. وهنا بالضبط ... انتهت هذه الحلقة .. فإلى اللقاء في الحلقة القادمة.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  2. #12

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"10"إلى ذلك ..(المجتمع البيروتي،المشرف على تحولات عظيمة،بتأثير سادته الجدد و"أصدقائه"وصلت السلطانة خديجة،مصحوبة بولديها،و زينل،وكالفتين.وهنا حصلوا على نجاح كبير نشأ عن فضول الناس أولا،وعن تعاطفهم ثانيا. وعلى كل حال فإن السلطان مراد الخامس لم يؤذ أحدا،لا لسبب غير أنه لم يحكم،ذلك المسكين،إلا ثلاثة أشهر .. أما ابنته البائسة! فلقد بقيت سجينة مع أبيها ثلاثين سنة،ثم عشرين سنة أخرى،مقسمة بين زوج كان على الأرجح يضربها،والآخر كان بالتأكيد يخونها،ثم جاءت الحرب،والثورة،والنفي أخيرا! وهكذا فإن كل سيدات المجتمع المحيطات بها،كن يتألمن لها،وصرن يتسابقن إلى زيارتها.ولكن إذا كن يتوقعن – وعيونهن سلفا تتألق لهذا التوقع – كنشوة مؤثرة،وتفاصيل لم يُسمع بها من قبل حول الصورة التي عوملت بها الأسرة الملكية،أو في أقل الدرجات،بعض التنهدات،والنظرات الحزينة،التي توفر الفرص للإمساك بيد الأميرة،وحلف اليمين لها بأن ستملك صداقتهن الأبدية – فإنهن قد خاب فألهن.وفي البهو ذي الستائر الحريرية الصفراء التي عفا لونها قليلا،كانت السلطانة تستقبلهن بالبسمة الأليفة،وبحس الكرامة الخاص بملكة تأتيها رعاياها لتقدم لها احترامها. أما أسئلة الزائرات التي بدأت بأن تكون رسمية،ثم مع الأيام،غدت أكثر فأكثر إلحاحا على ما يتوقعنه من كشوف ومصارحات،فإنها كانت تجيب عنها بهدوء لا يعرف الاضطراب. وحقا،فإنه ليس لديها ما يمتعهن أن تقوله،فكمال لم يفعل إلا ما قدر أنه واجبه،أما إمكانية قيام ثورة مضادة،وإعادة النظام السابق؟ فذلك خاضع لإرادة الله ... (..) وخلال أسابيع كان البهو لا يفرغ من الزائرات. ولكنهن مع الأيام،باعدن بينها. ذلك أن هذه الأميرة التي كان يقال : إنها ذكية،والتي كانت شخصيتها ممتدحة بينهن،ليس لديها ما تقوله! فيزهد المجتمع البيروتي،ويمضي ليتعلق بآخرين. فيما عدا بعض المتحذلقات من ذوات المستوى الأكثر تواضعا واللواتي واظبن على زيارتها،بغية أن يروين لصديقاتهن المنبهرات،بأن "صديقتهن"السلطانة،كانت اليوم"مزكومة"بعض الشيء أو أنها كانت تلبس ثوبا من الحرير الأخضر كان يهبها حقا سمتها السلطانية!وفي الهدوء الذي اعتادت عليه السلطانة فوجدته من جديد،كانت تضحك بصمت.لقد لقنتهن درسا،هؤلاء البله،اللواتي كن يردن التطاوس،إذ يضعن على صدورهن سلطانة! أيدعونني! حقا إنهن لا يرين ما في ذلك من حرج! فهل لأميرة من أسرة ملكية،ومن عمري،أن تتحرك من بيتها؟ فاذكري يا سلمى هذا : إنه ليس لأننا أصبحنا لا نملك المال،يجب أن نغير طريقتنا في السلوك. فأنت أميرة،ويجب ألا تنسي ذلك أبدا. وتطلق سلمى واحدة من تنهيداتها .. "أميرة بلا مال،ماذا يعني ذلك؟ إنني أضحوكة الصف كله. ورفيقاتي يسمينني بصاحبة السمو ذات الكلسات الملقوطة".ومع ذلك فإنها تكتفي بالجواب :إنه يصعب عليّ،يا أيندجيم،أن أنسى ذلك.وتنظر إليها خديجة مندهشة :هل من شيء يزعجك؟ في المدرسة؟كلا يا أيندجيم. إن المدرسة سارة جدا.كان يجب أن توفر العناء على أمها،بأي ثمن. فالسلطانة تظل شامخة الرأس،ولكن،بمرور الزمن،كانت نظراتها التي كانت ممتلئة حيوية في الماضي،وعميقة،قد غشيها تعبير مؤلم. فهي لا تفهم،ولا تقبل سوكت شعبها.وفي الصباح والمساء تصغي إلى الإذاعة،وتحاول الاستماعي إلى أخبار تركيا. فحذف المدارس والمؤسسات الدينية،وإغلاق مراكز التجمعات الصوفية،قد أثار استنكارها. وبالمقابل فإنها شعرا بلذة الانتصار عندما سمعت أنهم ينزعون الحجاب بالقوة،ويأمرون الرجال بنزع الطربوش،كرمز على الانتساب إلى الإسلام،تحت طائلة الشنق! ففي هذه المرة،لا بد للأتراك أن يثوروا! ولكن الأمر في هذه المرة ظل كما كان في غيرها من المرات،فقد قبل الأتراك ما جرى. ويوما بعد يوم كانت الثنية تتعمق أكثر فأكثر على زاوية شفتي خديجة. (..) لا ريب أن المحاكم الاستثنائية قائمة في كل مكان والمعارضة و الصحافة،ما زالتا خاضعتين للرقابة. (..) .. ذات يوم،ألغى أستاذ الرياضيات درسه،لأنه كان مريضا. فعادت سلمى إلى البيت قبل ساعة من موعدها. فأوقفت على العتبة : وسمعت جلجلات الضحك! وببطء اقتربت ورأت ... أيندجيم – أيندجيم التي تضحك كما لم ترها تضحك منذ زمان طويل منذ مغادرة إستانبول. وكان زينل جالسا على وسادتها وهي،جاثية بين قدميها،وهو سعيد يخطب :فشعرت المراهقة بأن حنجرتها تنقبض،وأنها خدعت : فأمها لا تريها إلا وجها حزينا. فلِمَ تجد مع زينل بهجتها القديمة؟ وتقدمت وهي صفراء الوجه تماما،فنهض الخصي،وتوقفت السلطانة عن الضحك،وسألتها :- ماذا هناك يا سلمى؟ أأنت مريضة؟وتتصنع القلق وتقول في نفسها : ولكني أستطيع أن أموت مادام زينل هنا.أما خيري الذي لم تكن سلمى قد رأته،فيضحك،ويقول :- هي غيرى. هذا كل شيء. أوَلا تفهمين،يا أيندجيم،أن الآنسة لا تحتمل أن تهتمي بأي إنسان آخر غيرها،حتى بي أنا؟ وعندما تبتسمين لي،يمتقع لونها كسفرجلة قديمة!وتنظر سلمى إلى أخيها نظرة أفعوية. إذ لقد كانت تسيء تقدير قوة الملاحظة لدى أخيها (الباتابوف) السمين. ولكنه سيدفع الثمن. وبانتظار ذلك،فإن من الأفضل التخلص من هذا الموقف.- أأنا غيور،أية فكرة! إني لست غيور! بل كنت مندهشة .. ومسرورة بأن أسمعك تضحكين يا أيندجيم. وتشعر آنئذ أن صوتها يرن رنة المداجاة. وقطعا لما قد يحدث،تدّعي أنها تريد ترتيب كتبها،وتنسحب إلى غرفتها.(..) - إنهم يقتلون أصحابنا بالمئات.وجذبت أمل سلمى،إلى ركن من أركان ساحة اللعب،وكان وجهها أكثر شحوبا مما هو في العادة.قام الفرنسيون،في الجبل،بإحراق قرى بكاملها،بلا أدنى شفقة على النساء والأطفال. وسوف يندمون. إن انتقام الدروز،سيكون مخيفا.وهبط بالون الأرض بين أرجلهما. وتزاحمت طالبتان وهما تضحكان،للإمساك به. إنها الأيام الأولى للخريف،والشمس أشبه ما تكون بالحرير.وأخذت سلمى بيد أمل. ذلك أن هذه الدرزية الصغيرة هي صديقتها الوحيدة في مدرسة أخوات بيزانسون،بل الوحيدة التي تجرأت على كسر العزلة التي كانت تحيط بها. وفهمت المراهقة ما في سلمى من قلق واضطراب،ذلك أنها مرت،هي الأخرى،بمثل هذا،وهي التي يقول فيها الراهبات : "أمل،جميلة،ذكية،وكم هو مؤسف أن تكون هذه المسكينة مسلمة!". وفي البداية،لم تكن تريد البقاء. وكانت تبكي كل يوم،ولكن أباها لم يقبل ذلك منها : فأفضل المدارس في لبنان هي المدارس المسيحية. وتعتبر الأسرة المسلمة أن مما يشرفها أن ترسل بناتها إليها. وتسأل سلمى أمل،بنعومة،قائلة :- أمل اشرحي لي أرجوك،فاللبنانيون الآخرون قبلوا الانتداب الفرنسي. فلم يحارب الدروز؟- إنها مسألة شرف!وتتألق العينان الزرقاوان.لم نكن في البداية ضد الفرنسيين،ولكن المندوب السامي،الجنرال ساري،شتم رؤساءنا. (..) – إذن فأنتما تتآمران؟وانتصبت أمل أمامهما،وقد استعدت للقتال.- ما أكثركما حصافة! { ما أشد حصافتكما} والواقع أننا كنا نتناقش في الطريقة الأنجع لطردكم من لبنان.وكانت ماري لور تنظر إليها بشيء من العطف.- أوه،أوه! هوني عليك،يا صغيرتي،فبعد كل حساب،لولانا،لكانت بلادكم ما تزال منطقة مستعبدة للعثمانيين! وتتدخل ماري أنييس قائلة :- أنهوا أحاديثكم. فحولنا من يستمع إلى ما نقول. ولئن علمت الأمهات أننا نتحدث في السياسة،إذن لكان عقابنا الطرد من المدرسة. واحتجت سلمى بلهجة جافة،قائلة :- إن هذا بالغ السهولة أن نهرب الآن بعد أن شتمتمانا!وهزئت ماري لور من صاحبتها،وقالت :- انظري،إن الأميرة تطلب تعويضا. حسنا. إني أقترح أن نسوي النزاع فوق ساحة الرياضة. وأنا أترك لكما اختيار الأسلحة : فإما العدو،وإما القفز.- القفز! بالمظلة. وكانت ماري لور أطول منها بعشرة سنتيمترات،وسلمى تعرف أنه ليس لها أدنى حظ في التسابق بالعدو معها.وتقع ساحة اللعب (..) وحلوهما كانت الطالبات يتجمعن منتبهات.وتتطوع اثنتان لرفع العوارض على أبعاد متساوية : عشرين فعشرين سنتيمترا. ولديهما القليل من الوقت قبل نهاية الفرصة. وهناك طالبتان للمراقبة. وأول قفزة كانت كلعبة أطفال.(..) وهنا يصبح الأمر جديا. وتقفز الواحدة بعد الأخرى،متجمعة كل منهما حول نفسها،ومتركزة. (..)ولم تكد تنهض من مكانها حتى هبطت ماري لور وراءها. فتصالبت نظراتهما،وترددتا لحظة،ثم تباعدتا.- 80 ،2 مترا.وبهدوء تسلقت سلمى الدرجات. وشعرت بارتجاف غريب في صدرها. أما تحتها فيسود الصمت. وهناك عشرون زوجا من العيون ينظر إلهيا.ولا مجال للتراجع.فتتنفس بعمق : هيا!وما كادت تنطلق حتى عرفت. وكما لو أنها تضاعفت – سجلت الكسر،وحرقة ضربة السوط،والألم اللامحتمل،,في الوقت نفسه،تسجّل نوعا من الارتياح : لقد انتهى الأمر،,ليس عليها الخوف.وكانت الصرخات تدوي حولها،وكل شيء يدور. لا .. إنها لن تتقيأ،إنها ... أين هي،وماذا حدث.ولِمَ تغسل لها الأم جان وجهها بالماء المثلج؟ ولِمَ هذا الوجه المرعوب؟وعندئذ شدها ألم في الساق اليمنى إلى الحقيقة. - لا تتحركي يا صغيرتي،ستصل عربة المستشفى. ولكن أي سوء تبصر. كان يمكن أن تقتلي نفسك. فلِم قفزت من مكان بهذا العلو؟وترد سلمى بتقطيب وجهها،وتقول :- كنت أتدرب .. كمقدمة للألعاب الأولمبية. وينقلب وجوه البنات من القلق إلى الإشراق،وتكثر الضحكات. وكان هذا أكثر مما تتحمله ماري لور. - إن الحق عليّ،يا أمي فأنا التي .. وقاطعتها سلمى بحدة :- إنك أنت التي جعلتني أتذوق الرياضة. وكان عليّ أن أفهم أني لست بحيث أضاهيك.وتتنهد الأم جان قائلة :- يا طفلتي المسكينة. أترين إلى أين يؤدي الغرور والزهو بالنفس؟ (..) وعادت سلمى بعد شهرين إلى المدرسة على عصوين،ودخلت الصف. فاستقبلت بحماسة. وحتى البنات اللواتي لم يكلمنها قط،تجمعن حولها،عَجِلات.ومن آخر الساحة كانت ماري لور،تتقدم غير مبالية. وقالت لها :- إني سعيدة أن أراك ثانية.وهي جملة بسيطة. ولكن أحدا لم يخطئ في فهمها : إذ صدرت عن رئيسة الرابطة الفرنسية المارونية،مما يعني أنها تؤكد الصداقة.أما بالنسبة لسلمى فإن النهار مضى كعيد،وحتى الراهبات كن يقدمن لها مختلف صور العناية. وفي المساء، اقترحت عليها ماري لور أن ترافقها. وكما هي الحال مع أكثر الطالبات الفرنسيات،فإن تحت تصرفها عربة لها سائق ينتظرها عند باب المدرسة. وكادت سلمى أن تقبل عندما فاجأت نظرة أمل الحزينة.- إن هذا لطف منك. ولكني أحب أن أتنفس الهواء الطلق. وشاءت أمل أن تحمل لي كتبي. ولم تُخدع ماري لور بالكلام،فهزت كتفيها،وقالت :- إني آسفة،وكنت أظن أن لدينا أشياء نقولها لبعضنا. ثم أضافت : ولكنك على حق،بلهجة اللا مبالية،التي لا تحسن إخفاء خيبة أملها. فالوفاء في المقام الأول!ورأتها سلمى تبتعد،وقلبها حزين لأنها رفضت اليد الممدودة. وكانت تشعر أنها أخطأت. وعبثا حاولت أن تفكر في الأمر،وأن تبرر ما فعلت – فهل كانت تستطيع التخلي عن أمل التي كانت إلى جانبها حتى في أسوأ الظروف؟ وأخيرا تضاءل الفرح بذلك النهار. وحتى الشمس،فإنها فقدت بعض حرارتها. ){ص 221 -235 }.إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  3. #13

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"11"وتبدأ سلمى في الحلم .. تحلم بحضور (حفلة راقصة ) ... ولكن!! (وتتأمل سلمى الجالسة بين زينل والكالفات،نقوش السجادة الأرابسك التي تكاد ... أن ترقص. ولقد سمعت ماري أنييس تقول إن أستاذا في هذه العصرونيات جاء ليعلمهن الشارلستون فتتخيل الضحكات،والموسيقى،وكأن ساقيها تمشي عليهما النمل ولكن ماذا يجدي أن تحلم؟ فهي لن تذهب.وأصلا،فإنها لا تملك ثوبا مناسبا تضعه على جسمها لمثل هذه الزيارات. ثم إن الزيارة تقتضي أن يُرد عليها بمثلها. فأين تجد المال اللازم لذلك؟وقد أصبحت الأسرة تعيش على ميزانية صغيرة. وفي كل شهرين أو ثلاثة،وعن طريق ابن عم ميمجيان آغا،يأتي صائغ قضى شبابه في إستانبول،وهو مخلص لهذه الأسرة،فتبيعه السلطانة قطعة مجوهرات،تتنازع عليها نساء المجتمع الماروني،اللواتي اغتنين من جديد. لا من أجل جمال الحجرة{هكذا} الثمينة،ولكن من أجل أن يحظين بحمل مخلفات هذه الأسرة العثمانية التي كانت مسيطرة في بلادهن مدة أربعة قرون.ولكن مقتنيات الأسرة من الحلي ليست مما لا ينفد. ويحدث أحيانا أن تتخذ السلطانة لهجة قاسية،وأن تتكلم عن ضرورة الاقتصاد – مما يضحك كل الموجودين في البيت. ذلك أن الأميرة لا تملك أي فكرة عن المال. ولقد رفضت باستمرار أن تراجع الحسابات – وتقول : "أتنظرون إليّ كبائعة؟ أو كامرأة قادرة على تقليب القطع النقدية التي تبعث على التقزز".وكان زينل هو الذي تولى الشؤون المالية للبيت. فهو منذ الآن الرجل الوحيد في الأسرة. ذلك أن خيري في السادسة عشرة من عمره،ليس إلا صبيا يكثر من الحرد. أما وأن السلطانة قد سعدت بخلاصها من هذه المهمة"التي لا تحتمل"فقد تركت له كامل الحرية في التصرف،وما من مرة تتقدم بملاحظة ما،أو تقول كلمة حول تواضع المائدة التي كثيرا ما تكون هزيلة. فهي قادرة فقط على التحليق فوق هذه التفاصيل. وبالمقابل فإنها لا تعرف أن ترفض شيئا على الفقراء الذين يقرعون بابها،{"ترفض"هنا بلا معنى!! والمقصود : أنها لا تستطيع أن ترد سائلا} فكرمها مشهور لدى سكان الحي جميعا،وما من إنسان يفكر في جعلها تلاحظ بأن الدنيا قد تغيرت،وأن عليها أن تكون أقل كرما. ولاسيما سلمى. فلقد رأت دوما من حولها يعطي للأصدقاء والخدم والعبيد والمعوزين. كانوا يعطون. وكان هذا أمرا طبيعيا،يؤلف جزءا من نظام الأشياء. أما اليوم،فإنه لم يعد هنالك مال. فهل هذا سبب كاف للتغيير؟ الحقيقة أنها،كأمها،لا تستطيع أن ترى عينين تتوسلان من دون أن تستجيب لهما. ذلك أن فعل الخير يسرها أعظم السرور. وذات يوم،كانت إحدى رفيقاتها تراها تفرغ ما لديها في حاملة النقود،في كل مرة يمر بها سائل ويمد إليها يده،فاستاءت منها هذا،وقالت لها :- ولكن توقفي عن القيام بدور الأميرة!وفي تلك اللحظة،دهشت سلمى من هذا القول. أما فيما بعد فقد تساءلت عما إذا كانت تعطي ما تعطيه لتحتفظ بوهم التميز عن الآخرين،أو بوضع لم يعد لها أبدا. وقد أقضها هذا التساؤل،بعض الوقت. ثم إنها قالت لنفسها،إنها لا تزيد على أن تنقاد لغريزتها: وكما أن واجب الجندي أن يقاتل،وواجب الطبيب أن يُعنى بالمرضى،فإن طبيعة الأمير،على ما ترى هي،أن يظهر بمظهر الأميري.وجاء موزع "بربري"يحمل رسالة. ولما كان مزهوا بلباسه الأحمر الرسمي الذي يبرز عظمة بشرته السمراء،فإنه وقف على مدخل البهو،حين كانت السلطانة تمزّق الغلاف المزين بتاج ذهبي سميك. وتقرأ :"وصحيح أن (الخديوي) حصل بفضل الإنكليز،على لقب "ملك مصر"،على ما كانت تفكر به،متسلية،وإذا هو بقي على شروط الطاعة المعروفة،فلعله يصل ذات يوم،إلى لقب "الإمبراطور". وكان التسامح الساخر،الذي كانت تستقبل به،بوجه عام،صغائر الغرور لدى أمثالها،قد تلوّن اليوم بشيء من الزهد : وهي غير قريبة من نسيان ما وقع سابقا،وهو أن السلطان الكريم رفض عام 1924 أن يستقبل الأسرة العثمانية المنفية.وتدل الكتابة العالية المركز عليها على شخصية تعي أهميتها،وهذه بنت أختٍ للملك فؤاد،هي الأميرة زبيدة،تمر ببيروت وتحب بهذه المناسبة أن "تَسعَدَ"بمحادثة السلطانة. "أوَ تَسعد. فعندما كنا حماتهم .. ولم يمر وقت طويل على ذلك،أي منذ اثنتي عشرة سنة،كانوا يطلبون التشرف باستقبالنا لهم! ولكن هيا ... سنستقبلها بشكل لائق. ولكنه ليس من المؤكد أنها ستجد فيها .. ما يسعدها!؟.وأخذت السلطانة واحدة من أواخر أوراقها التي تحمل شعارات الإمبراطورية،وخطت،مع بسمة خبيثة،بضعة سطور،تدعو فيها الأميرة إلى زيارتها في الغد،في ساعة الشاي.وكان العقد الثقيل المؤلف من حبات الزمرد يتوهج،وفي المركز ماسة كبيرة كعين السّماني تتألق بأشعتها المتنوعة الألوان.وعلى العتبة وقفت الأميرة زبيدة مبهورة،حتى ليصعب عليها أن ترفع عينيها عن عنق السلطانة.- ادخلي،يا عزيزتي،أرجوك.وفي الحال تعرفت زبيدة على اللهجة الإمبراطورية،حيث يختلط التهذيب المرهف،والسمو الرفيع،مع أكبر قدر من الظهور على السجية،هذه اللهجة التي تملؤها وهي فتاة شابة،بالإعجاب،والحقد،والتي لم تصل،مع جهودها كلها،إلى تقليدها.وعلى الكرسي العالي،في آخر الصالة،كانت السلطانة في شكلها القاتم،تنتظر،بلا حركة.وبسرعة تعود الأميرة إلى نفسها،وتنحني بلطف مقدمة أعمق تحياتها وتمنياتها،واليد على القلب،ثم الشفاه،ثم على الجبهة. وعندما تنتصب واقفة،ترى نظرة باردة،كلها تساؤل. ومن المؤكد أن مضيفتها كانت تتوقع ثلاث انحناءات،كما يقضي بذلك العرف في البلاط العثماني. وفي هذه القاعة الضيقة في بيتها البيروتي المتواضع. تبقى السلطانة "سلطانة"أكثر منها في أي وقت آخر. وتعود هذه المرأة الشابة،بعناء كبير،فتنقاد للعرف،موائمة بين تمنياتها وبين المكان الشديد الضيق،في الوقت الحاضر،محمرّة خجلا منذ البداية بعد أن أعيدت بصمت،ولكن بوضوح إلى مكانها.وأخيرا تبتسم لها السلطانة،وتشير إلى مقعد قريب منها لتجلس عليه. ولا تدرك ما وراء ذلك إلا بعد أن جلَست : ذلك أن المقعد الذي تجلس عليه الأميرة أدنى من الكرسي العالي الذي تجلس عليه السلطانة،مما يرغم الأولى على مد عنقها لكي تكلم مضيفتها : ذلك هو مبدأ العرش ومقاعد الدوقات الصغيرة. وكانت الأميرة التي شعرت بأنها تضيق بجلستها أكثر فأكثر،تتساءل عما إذا كان يجب عليها أن تعتبر نفسها مهانة،وأن تعرب عن ذلك. وفي هذه اللحظة بالضبط تتلكم السلطانة بأعذب لهجة في العالم لتشكرها على إضاعة جزء من وقتها الثمين للقيام بزيارة لمسكينة منفية. ترى هل كانت تسخر؟ ولكن ما الوسيلة لاتخاذ موقف بائس،أمام هاتين العينين البراقتين،وهذه الكلمات التي تقطر عسلا ..؟لكن الساعة التي تلت كانت من أطول الساعات التي عرفتها الأميرة زبيدة في حياتها،فقد جاءت متوجة بثروتها،وقوتها،لتلاحظ شقاء أسرة كانت دوما تغار منها،وفي نفسها أن تتألم،وتواسي،بل لتقدم بلطف وذوق،مبلغا صغيرا خبّئ في أعماق حقيبتها. وهاهي الآن تستقبل بنبل وتعاظم كانا أكبر مما عرفته في الأيام التي كانت فيها هذه الأسرة هي الحاكمة.وتساءلت الأميرة عن الأقاويل التي كانت تذاع عن فقر السلطانة – وحتى عن شقائها على ما كان يقول بعضهم. ترى كيف أخذت بها وخُدعت إلى هذا الحد. وحقا فإن البيت ليس كبيرا،ولكن حليّ السلطانة،وفخامة الاستقبال،حيث كانت تتتابع المشروبات،والحلوى المقدمة في آنية من أفخر ما يوجد من أنواعها،أي من الفضة المذهبة،وعلى أيدي ثلاثة من الخدم الذين يتقنون المهنة إلى أبعد حد،كل ذلك لا يدل على الضيق : فماذا تفعل؟ وكان التساؤل مثيرا للغاية،وكان من المستحيل طرحه.ومنذ أن حانت فرصة طبيعية،عادت الأميرة فقدمت شكرها،وطلبت الإذن بالانصراف،دون أن تنسى التمنيات – التي قدمتها،ثلاث مرات،دون أن تدير ظهرها،أمام السلطانة الجالسة على كرسيها العالي،التي تبتسم لها في طيبها العظيم.أما الشيء الذي لن تسمعه الأميرة المنكودة الحظ زبيدة،وما هي بعيدة عن تخيله،فهو انفجار الضحك لدى السلطانة خديجة بعد مغادرتها مباشرة.- حقا لم تكن تلك المرأة المتصنعة تصدق ما تراه عيناها! وأعتقد أني لقنتها درسا جيدا!ولن نحصل بسرعة على زيارات من هذا النوع. هيا،يا أبنائي،تعالوا،فالحلوى لذيذة جدا!فجاءت سلمى وخيري و زينل والكالفتان المتنكرتان بزي القائمات بالخدمة،وجلسوا جميعا على الطاولة. وتبعهم رجل قصير،أجلسته خديجة إلى يمينها،وملأت له هي بنفسها صحنه. إنه صديقها الصائغ الأرمني الأمين. وسيغادر المنزل بعد ساعة،وفي كيسه الجلدي الكبير،ذلك العقد الضخم،وصحون الفضة المذهبة التي أعارها للسلطانة بهذه المناسبة.){ص 239 - 242}.لابد أن تنتهي هذه الحلقة هنا ... والسلطانة تحتفل بهذا (الانتصار الصغير) .. هل من جديد في هذه الدنيا؟!!الملك فؤاد يرفض استقبال (الأسرة العثمانية المنفية) ... ثم لا يجد (رضا بهلوي : ملك الملوك) من يستقبله ... غير "السلطان" محمد أنور السادات ... وها هو "السلطان" زين العابدين بن علي معلقا في السماء لعدة ساعات لا يجد من يستقبله!!!!!!!!!! وذلك (الصهيوني) يحاول (إهانة) السفير التركي – قبل سنوات – بإجلاسه على كرسي أكثر انخفاضا من كرسيه هو!!!!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  4. #14

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"12"نبدأ هذه الحلقة،بحنين (سلمى) إلى وطنها ... (في وسعنا،بكل هدوء،أن نلاحظ مرفأ بيروت،من شاطئ مدينة الحصن،من فوق صخرة تنهض عموديا من البحر.وفي كل خميس،تأتي الباخرة بيير – لوتي من إستانبول،وتفرغ حمولتها من الركاب. وبعد عدة ساعات،وعندما تكون قد امتلأت بالبضائع والمسافرين،تعود الباخرة البيضاء الكبيرة من جديد إلى العاصمة،وتحمل معها أحلام مراهقة تستند إلى الجانب الصخري،وتتابعها بنظراتها،بعنف،حتى تختفي عند حدود الأفق. وفي البداية كانت سلمى تنزل إلى المرفأ. وهناك تختلط بالجمهور،وتترك الناس يزحمونها ويهدهدونها،وعيناها مغلقتان،محاولة أن تجد آثار أصوات بلدها،ورائحته. ثم إذا هي غمرت بذلك كله،عندئذ،وعندئذ فقط،كانت تسمح لنفسها بالنظر. ويبدو لها عندئذ أن هذه الوجوه التي رأتها،تعرفها،وكانت تتفحصها بحماسة،واحدا بعد آخر،محاولة أن تلتقط في النظرات صورا تحدثها عن مدينتها،وأن تجد في بسمة ما،ذلك الألق المتشوق،لغروبات الشمس،على القرن الذهبي. وكانت تمسك نفسها بعناء عن سؤال الناس : هل الأهل في إستانبول سعداء؟ وأن تطلب قطعة من خبز السمسم،تجاوزت السلة،لتلحظ بها حرارة نبرة،أو وردة ذابلة.وكان هؤلاء المسافرون،المزدانون بأوهامها،موضوع تأمل من قبل هذه المسكينة. وكانوا يتجاوزونها،مندهشين،مستنكرين. أما بعد ذلك، فقد فضلت أن تلجأ إلى صخور هذا الشاطئ الخيالي.وبعيدا عن الجمهور الذي ظل محتفظا بسره،وعن هذا الشيطان ذي الجوانب الحسنة الاستقبال والهادئة،تجد حلمها بصورة أفضل. (..) واستمر ذلك حتى فقدت بييرلوتي،بالتدريج،سحرها وأصبحت كغيرها من المراكب،وأصبح لركابها ذلك الوجه العاجي المغتبط،كالمسافرين الذين يفدون من أية نقطة في العالم. (..) وبعد ذلك. وبعد زمن طويل من نسيانها طريق المرفأ،بدأت سلمى تتساءل عما إذا كانت تمضي إلى هناك لتغذية عذابها،أو لتقضي عليه،ولتتحرر منه.){ص 259 - 260}.وتنتقل دفة الحديث إلى السلطانة خديجة .. (وهذه السلطانة التي كان قصرها أورطاكوي،يعج بالناس،والتي كانت تقسم وقتها بين أعمال البر التي تقوم بها،وبين المناقشات السياسية،وبين مجالس الأسرة،وأصدقائها وصديقاتها،والتي كانت تشرف على جيش من العبيد والخادمات وتقوم هي نفسها بحل مشكلة كل واحد منهم على حدة،هاهي ومنذ سنتين،محصورة في هذا البيت،وليس لها من صحبة غير هاتين الكالفتين،وغير هذا الخصي ... وحقا فإن زينل أكثر بكثير من خصي،إذ لقد أصبح المحاسب،وأمين السر،والمستشار في كل ما يهم الحياة اليومية،ولكن هل هو صديق،أو ممن يباح له بما في النفس؟ إن سلمى تعرف أمها،وتعرف أنها حتى إذا أصابها اليأس،فإنها لن تتساهل ... تجاه الأدنى. وليست القضية قضية زهو أو عجيب – فالسلطانة تقدر زينل أكثر بكثير مما تقدر أغلب أمراء الأسرة – ولكنها قضية منظومة من القيم،وهي من الرسوخ،بحيث أنه ما من كارثة تستطيع هزها أو زلزلتها : إذ لا يطلب العونُ من أولئك الذين يعتبرون بحكم التقاليد،ممن علينا أن نحميهم،فمع هؤلاء يمكن أن نتقاسم الأفراح،ولكننا لا نتقاسم المصائب والأتراح.{يبدو الأمر شبيها،حد التطابق،مع رفض بعض الرجال استشارة زوجاتهم!! وهم الذين يفترض فيه أن يكونوا "حمتهن"!!!} وفي القاعة يجلس شخص مهيب،كله أسود : إنه نائلة السلطانة بنت السلطان عبد الحميد. وكانت الأسرتان لا تتزاوران في إستانبول. ولكن المنفى قرّب بينهما. وما أقلهم عددا في بيروت! ذلك أن أكثر الأمراء والأميرات قد تبعوا الخليفة إلى نيس،حيث عاد للتكوّن،بلاط صغير. وإلى هنالك ذهب العم فؤاد – "إلى بلاد النساء الجميلات"على ما كان قد صرح به،مغطيا شقاءه بالمزاح – والسلطانة الفراشة التي طالما حلمت بأن تعرف الشاطئ اللازوردي. وكثيرا ما كانت سلمى تفكر بهذه الخالة،المرحة،الأنيقة،التي كانت تدفع بالذوق إلى الدرجة التي كانت معها تجعل فرش عربتها منسجما مع لون أثوابها،يوم تحتاج إلى التنقل. ترى ماذا فعل الله بها؟ وهل هي سعيدة في باريس؟ بل إن مراهقتنا لا تستطيع أن تتخيل صورة حياتها هناك. أما فهيمة السلطانة فقلما تكتب عن أخبارها. وبالمقابل فإن فاطمة السلطانة،تكتب بانتظام. فلقد استقرت في صوفيا مع زوجها وأولادها الثلاثة،وأصبحت تعيش حياة هادئة،يضيئها وجود شيخ عظيم للدراويش،تزوره عدت مرات في الأسبوع.(..) والباقي هنا – هو المنفى،والعودة الممكنة – وهذا ما كانت تتحدث عنه السلطانة خديجة وابنةُ عملها نائلة. أما أخبار إستانبول فسيئة. ذلك أن مصطفى كمال أوقف أهم معارضيه،بحجة اكتشاف مؤامرة ضده. وبعد أن حوكموا محاكمة تافهة،صرح خلالها القاضي "علي الأصلع"للصحفيين بأن المتهمين كانوا مذنبين حقا،نُصبت لهم المشانق،وتم التنفيذ هذا الصباح،في 27 آب / أغسطس 1926. وكانت إذاعة لندن هي التي أشاعت الخبر،وأوضحت أن الوضع هادئ. أما محاكم الاستقلال فإنها تظل عاملة، في المدن كافة.وتعبر السلطانة خديجة عن استيائها،وإذن فمن بين كل الأبطال الذين حاربوا من أجل استقلال تركيا،لم يبق أحد؟ وعلى كل حال يبق الوزير الأول عصمت اينون. وقد أطلق عليه لقب"سوط الغازي"لأنه شديد على الذين ينحرفون عن الخط. أما أكثر الآخرين،مثل رؤوف باشا ورحمي والدكتور عدنان وخالدة أديب،فقد نفوا أنفسهم منذ عدة أشهر. وعندما حل كمال الأحزاب رأى هؤلاء أنه لم يبق لهم ما يفعلونه،وأنهم هم أنفسهم في خطر. وتنهدت السلطانة . وقالت : - مسكينة تركيا. وماذا أقول عندما أفكر بأن هذه الحكومة مضت إلى حد تغيير اسم الله وأن على الناس في المساجد أن يُصلوا لـ"تانري"بحجة أنه اسم أكثر تركية! .. ولقد انتظرت مدة طويلة رد فعل الشعب على هذا،ولكني ألاحظ الآن أنه مقيد تماما.وهنا ضعف صوتها،وتابعت تقول : - وأصل من هنا إلى التساؤل،عما إذا كنا حقا سنعود يوما ما لديارنا .. وبلادنا ... وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها السلطانة بشكوكها. فأخذ الاضطراب بسلمى كل مأخذ،واقتربت،فقبلت يد عمتها،وجلست على الوسادة إلى جانب أمها. - أيندجيم،من المؤكد أننا سنعود. ففي إستانبول،كل الناس مستاؤون،كالطلاب،والمثقفين،ورجال الدين،والتجار خاصة. وتذكري ما كتبه ميمجيان آغا إلى ابن عمه : "إن السوق كلها معادية للنظام الجديد،وعندما تبدأ السوق بالتحرك،فإن القادة يكونون في خطر".وكانت المراهقة قد وضعت في نظراتها كل ما تستطيعه من القناعة : إذ يجب ألا تفقد أمها الأمل. فبدأت الأم تداعب بحنان،خصلات شعر ابنتها الأحمر. - إنك على حق يا بنيتي. وقد تنتابني أحيانا نوبات اكتئاب ليس على الإنسان أن يُعيرها أي انتباه.وتشعر سلمى بقلبها ينقبض : فإنها تقبل كلامها حتى لا تحزنها،وكل منهما تمثل على الأخرى. وفي الحقيقة فإنهما،كلتيهما،تعرفان. تعرفان؟ وتعود فتنتصب،استياء – فماذا تعرفان؟ لا شيء! بل هما بكل بساطة في حال من قبل الهزيمة. ولكن سلمى،وهي وحدها،ترفض! "إذ يجب أن تناضل،على ما كانت تقوله قديما أيندجيم. فكل شيء ممكن دائما". (..) وذات صباح،ومن غير أن يحدث شيء ينبئ عما سيكون،استيقظت سلمى مرهقة،مثبطة العزيمة. ونظرت إلى غرفتها ذات الأثاث العادي جدا،وفكرت : "إن الحقيقة،هي هذا!". ودفعة واحدة،استولى عليها اليأس،وارتمت على وسادتها وبدأت شهقات البكاء. آه،كم تكره لبنان. فنحن دوما أمام هذا البحر الأزرق،وهذه الشمس العنيدة،وهذا المرج! وكم تكره هؤلاء الناس الذين يستقبلونها في"بيوتهم"،وكل هؤلاء الذين يستطيعون أن يقولوا : "جماعتنا،بلدنا،وطننا"من دون أي رغبة في البكاء. وكل هؤلاء الذين يخصّون الآخرين ... وأبدا لم تعود فتجد إستانبول،ولن تخص أحدا مطلقا. ففي كل هذه الأيام،كانت تكذب على نفسها. إذ لا يمكن أن نناضل إلا إذا كان لنا أرض نقف عليها،ونحارب فيها وجها لوجه،أرض لنقع فيها،ومنها سننهض. ولكن عندما لا يكون هناك ما يثير فيك أي صدى،وعندما لا تستطيع يداك أن تلمس شيئا لك حقا،وعندما يحكم على أقوالك بأن لا تكون أكثر من ضجيج ... فأنى لك أن تحارب؟ وضد ماذا؟ وضد من؟ (..) – ولكن من الذي سرق البسمة من ابنة عمي الحلوة؟وكان قد وصل الأمير أورهان،حفيد السلطان عبد الحميد،وهو يوقد سيارة من نوع دولاهي،بيضاء رائعة. إنه يقوم بوظيفة تاكسي،كما يقول. وهذه طريقة في أن يضع نفسه في خدمة كل الناس،وبالتالي لا يخدم أي إنسان. كان قصيرا ونحيلا،ولكنه ذو قوة هركولية،ومزاج حاد،وهو لا يتردد،عندما يتخذ زبون ما لهجة لا تروقه،لا يتردد في أخذه من عنقه،ورميه خارج السيارة. وهكذا وجد بعضهم نفسه ملقى على الأرض،دون أن يفهم ماذا كان يحدث له : وكان ذلك فقط لأن سموه شعر بأنه شُتم. وسلمى تعشق هذا الرجل. فهو غريب،لا يتقيد بالمواضعات،على نقيض ابن عمه خيري الذي لا يرتدي منذ بلغ الثامنة عشرة من العمر،إلا بدلات قاتمة وياقات منشّاة،حتى في عز الصيف. أما أورهان،فإنه في العشرين من عمره،ولا يتخذ موقف الجد من شيء. وهو يأبى الكلام عن تركيا،ويسخر من مزاج ابنة عمه الصغيرة.إنه دمك السلافي! فكل هؤلاء الجميلات الأوكرانيات والشركسيات،اللواتي حلّى بها أجدادنا حريمهم،نقلن إلينا حبة! هيا،يا أميرة،استفيدي من حريتك. فأنت تعرفين أنك في إستانبول تظلين سجينة. هيا أسرعي وجمّلي نفسك،فأنا آخذك لأنزهك.ويركبان،ضاحكين،في السيارة البيضاء،تحت بصر السلطانة المتسامحة. فابنتها الصغيرة بحاجة إلى بعض التسلية،ومع أورهان،تكون تحت حراسة جيدة.وأخذ الاثنان طريق دمشق،الذي يصعد متثنيا بين أشجار الجيكاراندا ذات الأزهار البنفسجية،والعندم الهندي،والعرعر. ولقد طلبت سلمى،بأعذب صوت لها،أن تسرع السيارة،وأن تمضي بعيدا. (..) وتنهدت لشعورها بالراحة،وأنزلت زجاج السيارة وعرّضت وجهها للهواء،وكانا كلما ارتفعا على الطريق،ابترد الهواء،وصفا الضياء وترك الصنوبر والسرو مكانهما لأشجار الخروب،ذات الجذوع الملساء والأوراق الخضراء البرونزية،الناعمة الملمس،حتى ليكاد الإنسان أن يداعب جسده بها.ولقد تجاوزا بحمدون. وانتصبت أماهما سلسلة جبال لبنان،الزرقاء بعض الشيء،مما عليها من ضباب،وتميز فيها بعض شعاعات الشمس،قمة جبل صنين الملأى بالثلج.وقفزت سلمى من العربة،وبدأت تعدو على الطرق،في وسط الحشائش العالية،والغويبات الملأى "بالوزال"ووجهها يتطلع إلى السماء،وذراعاها مفتوحتان،كما لو أنها تريد ضم كل هذا الأفق،وامتصاصه،وتملكه،ثم تعدو وتعدو حتى ليقال،إنها لا تريد أن تقف،فتسمع من بعيد صوت أورهان،يناديها،ولكنها لا تلتفت إليه،وتريد أن تبقى وحيدة مع هذه الطبيعة التي تردها إلى نفسها،والأقرب إليها من أعز الصديقات،هذه الطبيعة التي تستسلم لها دون الخوف من أنها ستتخلى عنها،والتي تشعر من كل مسامها بأنها تدخل إليها،وتهبها القوة،والشدة.وارتمت بعنف على العشب،وهي تشم الآن رائحة الطبيعة،ورأسها فيما يشبه الدوار،وتصعد إلى ساقيها وبطنها تلك الاهتزازات الحارة للأرض،وهي تشعر بأنها تنصهر فيها. إنها لم تعد سلمى،بل هي أكثر من ذلك،إنها هذا الغصين من العشب،وهذه الوريقات،وهذا الغصن الذي بتمطى لكي يبلغ السحاب،بل هي هذه الشجرة التي تمد جذورها حتى الأغوار العميقة والخفية لولادتها،وهي هدير النبع وماؤه الشفاف الذي ينطلق هاربا،فيبقى دوما هناك. إنها مداعبة الشمس،دوران الريح،وهي لم تعد سلمى،بل هي موجودة،فقط.وعلى طريق العودة لا تنطق الفتاة بأية كلمة،وتحاول أن تحمي فرحها،كأنما هو لهب ضعيف تخاف أن يخبو. وظن أورهان أنها حزينة،فجد يبحث عن طريقة لتسليتها. ويقص عليها مئة قصة لا تسمع منها شيئا. ولعلها تؤثر أن يسكت. ولكن أنى لها أن تفهمه أن الصمت قد يكون أعز الرفاق،وأكثرهم حرارة وأعظمهم انتباها،{طبعا هذه العبارات تذكر بالحكمة المشهورة لـ"كونفوشيوس" : ((الصمت صديق لا يخون أبدا))} وأوسعهم كرما،وأنها في كلمة "الوحدة"ترى "الشمس". { في الهامش : كلمة الشمس بالفرنسية هي Soleil،وكلمة الوحدة التي تعني العزلة هي Soletude،ومن هنا نشأ جناس خاص،لا يمكن إنشاؤه في العربية.}.وفيما بعد،عندما كانت سلمى تذكر هذه الفترة من مراهقتها،كانت تقول : إنها هذه الصلة الرحيمة مع الطبيعة التي حمتها من اليأس،وردتها إلى نفسها. ولولا هذه الانطلاقات في هذا العالم السحري،لما احتملت الانفصال عن كل ما كانت تحبه،ولما استطاعت،على الأرجح،أن تقاوم الاكتئاب اللاذع،الذي كان يهاجم شيئا فشيئا،منزل طريق رستم باشا.){ص 262 -267 }.إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  5. #15

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    إجازة : ليست لكم بل لي!!!!!!!!! فقد هاجمتني (آلام) في (الظهر) .. دعواتكم أبو أشرف حياة أميرة عثمانية في المنفى"13"هذه الحلقة تبدو امتدادا ليأس سلمى في الحلقة الماضية،ولكننا هنا أمام السلطانة خديجة ... (وكانت السلطانة تنهار أكثر فأكثر كل يوم. ثم إن إعادة انتخاب مصطفى كمال لرئاسة الجمهورية،مرة ثانية،في تشرين الثاني / نوفمبر 1926،أصابتها بصدمة لن تبرأ منها. ومنذ الآن،رأت نفسها مرغمة على القول بأن الشعب التركي لن يحارب من أجل عودة الأسرة العثمانية. وتأثرت بذلك صحتها،وازدادت خطورتها. وجاء الطبيب فشخص لديها مرضا في القلب. وقالت له مبتسمة : "حقا يادكتور،إن القضية قضية مرض في القلب"،وتطمينا لزينل وللكالفات،قبلت أن تتناول،كل يوم،جملة الحبّات والنقاط التي كانت زجاجاتها مصفوفة على طاولة نومها. وكان ما يقلق سلمى أكثر من المرض،هو ذلك الانقياد أو المطاوعة اللامألوفة لديها : وهي تشعر جيدا أنها ليست نتيجة الأمل في الشفاء،بل نتيجة اللامبالاة العميقة في بالحياة،كأنما هي استقالت منها.وكانت المراهقة تتألم من أجل أمها. وفي الوقت نفسه كانت تحقد عليها أنها لا تقاوم ما بها. وتلك التي كانوا يسمونها "جيها نجير" "غازية العالم" – وإلى هذه الدرجة كانت قوتها لا تنحني في الخصومة – ليس لها الحق في ترك الأمور على عواهنها،ولا الحق في التنكر لنفسها! ولا يجوز لها أن تكشف ضعفها للناس،كأي واحدة من البشر،بل يجب أن تستمر في البقاء "سلطانة". ولئن كان الوثن يبدأ بالتحطيم،فإن العالم كله حولها ينهار.) {ص 267 - 268}.وانتهت السنة دراسية،وتتعلق سلمى بالسينما،أما السلطانة .. (فإنها لم تقف ضد حب سلمى للسينما،وتعلقها بها. وتقول لنفسها إن خيال ابنتها سيجد ما يتغذى به في هذه القصص الرومانطيقية الجميلة،أكثر مما يجد في الوحدة،داخل بيت،كل ما فيه يتحدث لها عن الماضي. فهذا الفن السابع هو في سبيله إلى أن يأخذ مداه. وهناك شركة هوليودية كبرى اسمها Warmer Bros،نجحت نجاحا ضخما في إنتاجها فيلما ناطقا باسم مغنى الجاز،حيث نجد الممثلين يتكلمون. وهكذا اعتادت سلمى وأمل،أن تذهبا إلى السينما كل يوم جمعة في الساعة الثالثة،في الحفلة المخصصة للنساء. ويأتي مروان بسيارته إلشيرنار وووكر التي تحمل النسر المذهب الشهير،فيوصلهما إلى السينما،ثم يعود بهما عند نهاية الفيلم.ولكن كثيرا ما تقع أخطاء فنية عند العرض،وقد يحدث أن هاتين الفتاتين المراهقتين من انقطاع العرض،تتركان السينما المظلمة وتذهبان فتتنزهان في ضياء الشمس.وهذا الحي من المدينة،الذي تجتمع فيه كل قاعات السينما،هو بذاته مغامرة. وهو يبدأ من ساحة المدافع،التي اصبح اسمها ساحة الشهداء،منذ أن قام جمال باشا التركي بشنق أحد عشر معارضا فيها،عام 1915. وهذا الحي هو أكثر الأحياء حركة،وكثرة مارة،في بيروت،وهو مجمع المقاهي العربية،حيث تجد رجالا يضعون الطرابيش على رؤوسهم،ويقضون ساعات طويلة في لعب الطاولة،بكل رصانة،(..) ثم إنه المكان الذي تكثر فيه المطاعم والمقاهي الليلية،أي هذه المحلات التي تتحدث عنها النساء المسلمات في رأس بيروت،ويقلن إن النساء فيها يرقصن عاريات. وتأخذ سلمى بيد أمل : فبمجرد المشي بجانب هذه المحلات يعني أنك تذوقت الثمرة المحرمة. وكان في ذهنهما أن الناس جميعا ينظرون إليهما،وتتخذان صورة اللا مبالي وهما تقطعان الساحة ببطء،باتجاه المطعم الفرنسي،"وهو ملهى مرح جدا" على ما قال أورهان الذي زاره مرة.){ص 271}.ويقترب حلم سلمى – بحضور حفلة – من التحقق،ولكن مع مؤامرة صغيرة،بين الصديقتين نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوعندما وصلت بطاقة الدعوة،كانت أمل،كما لو أن الأمر،بالصدفة،عند صديقتها – وسألت السلطانة بلهجة الاحتقار :من عساهم أن يكونوا هؤلاء السرسق؟ أيكونون تجارا على ما أقدر؟وأجابت أمل بلطف :أوه،كلا،يا صاحبة السمو،إنهم إحدى العائلات الكبيرة ويقومون بأعمال ضخمة في ... وقاطعت السلطانة كلام أمل بجفاف،قائلة :إن هذا ما كنت أقوله. إنهم تجار.من حسن الحظ أن السيدة غزاوي كانت موجودة هناك. وهذه لبنانية ولدت في إستانبول،وتزوجت أحد كبار الموظفين. فشرحت للسلطانة أن "السرسق"هم أحسن من يوجد في لبنان! وهم روم أرثوذكس،بطبيعة الحال،ولكنهم في النعومة،التي للسنيين. ففي أبهائهم لا نلتقي إلا بأفضل شخصيات المجتمع اللبناني. ولئن شاءت الأميرة سلمى أن تخرج إلى الناس ذات يوم،فإنه لا يمكن أن يوجد مكان أفضل من قصر السراسقة. ولكن إذا كانت،سموك،تبتغين إبقائها في البيت،بطبيعة الحال ... وكانت سلمى مستعدة لتقبيل السيدة غزاوي على دفاعها هذا،ولكنها كانت مسرورة بتقليب صفحات إحدى المجلات،وعليها سمة اللا مبالاة،كأن الأمر لا يعنيها.وتتردد السلطانة خديجة. فالسيدة غزاوي تعرف معرفة كاملة عالمها اللبناني الصغير،واتضح أن نصائحها ثمينة ،دوما : ولكن ملاحظتها الاخيرة هي التي هزت أركان السلطانة،ذلك أنها تنسجم مع الهم الذي بدأ يسكنها منذ بعض الوقت،ويمنعها أحيانا من النوم : ترى ماذا سيكون أمرُ سلمى؟وعندما كانت في المدرسة،مشغولة بدراستها،فإن هذا الأمر لم يكن مطروحا،ولكن الآن؟ الآن والمنفى يطول،والعودة إلى تركيا تبدو مجرد خيال،فإذن ماذا سيكون أمرها بعد هذا؟يجب أن نجد لها زوجا،و مسلما طبعا،وغنيا،وأميرا على الاقل،وهذه شروط الثلاثة يستحيل الجمع بينها في هذه البيروت،حيث لا تطمع حتى العائلات السنية بزواج مع بنات الأسرة العثمانية. ولعل ذلك ممكن من جهة الأسرة الملكية المصرية،أو من الإمارات الهندية..؟ وبانتظار ذلك،فإن السيدة غزاوي على حق. فليس على سلمى أن تبقى قابعة في البيت. ويجب أن تتعلم منذ الآن الدخول في المجتمع. ولا تكفي المعرفة التي يمكن أن تنقلها السلطانة إليها،لتقوم بهذا الدور،بل إن على ابنتها أن تجابه الواقع. (..) وبكل نعومة تستدير السلطانة نحو أمل،وتقول لها :عودي في الغد،يا بُنيّة. وسأعطيك جوابي.والحقيقة أنها كانت قد اتخذت قرارها. فسلمى تذهب إلى دعوة ليندا سرسق. ولكن بقى هنالك مشكلة صعبة : فماذا تلبس؟ إذ ما من مال متوفر لشراء الفستان المناسب. ولكنّ عليها،بين كل هؤلاء اللبنانيات المترعات بالحلى،واللواتي يلبسن أحسن ما تخترعه الخياطة الفرنسية،أن تحتفظ بمقامها! لكنّ لدى السيدة غزاوي رايا في هذا الموضوع،وهي امرأة ذات .."لئن استطعت أن أسمح لنفسي،يا صاحبة السمو،فإني أسأل لماذا لا تقوم ليلى هانم التي تملك أصابع الجنيات،بأخذ واحد من أثوابك القديمة،وتطوره لهذا الغرض؟ فهذه الثياب الفخمة المقصبة لابدّ أن يسوء حالها إن هي بقيت نائمة في الخزائن.ويلاحظ الجميع أن هذه الفكرة رائعة الذكاء،فتقوم سلمى عندئذ باختيار فستان حريري لونه أزرق بحري،يبرز لون عينيها.وخلال ذلك يصل سورين آغا. فيوضع في الصورة. إذ لقد أصبح الارمني صديقا للاسرة منذ أن أشار ذات يوم على الأميرة،وضد مصلحته هو،أن تشتري بثمن المجوهرات التي تبيعها له،أسهما في الشركات،لكي تستفيد من أرباحها. ولقد وضع نفسه في خدمة زينل في هذه القضية الحساسة. فكسب بإخلاصه ووفائه ثقة كل هذه الأسرة،وكل أفرادها.(..) وربما لاحظ الإنسان أنه يريد أن يقول شيئا،ولكنه لا يجرؤ. وأخيرا غامر،محمر الوجه،بالقول :عفوك يا سيدتي السلطانة،واغفري لي جرأتي،ولكن الأميرة سلمى جميلة. ويجب أن تكون الأجمل،فهل تقبل أن تختار بين الحلي التي أملكها ما ترى أنه الأفضل بالنسبة إليها. كل ما لديّ هو بين يديها،في كل المناسبات التي تحتاج فيها إلى الحلي،وسيكون ذلك شرفا كبيرا لي! وتأثرت السلطان بهذا القول،وابتسمت للرجل القصير،ومدت إليه يدها التي أمسك بها،متعثرا،وقبّلها بحماسة.الآنسة أمل الدروزي،والآنسة سلمى رؤوف،والسيد مروان الدروزي.هكذا قدم المعلن القادمين الجدد،وألقى بنظرة حائرة على الفتاة التي تصحب الدروزي. إذ أنه لم يرها قط في "أربعاءات"ليندا سرسق،(..) وكانت المضيفة قد أسرعت إلى لقاء القادمين الجدد. (..) ولكن اعذروني،إني أترككم،فها هو غبطة البطريرك!وتنطلق مهفهفة لكي تقبل الخاتم الذي يتألق في اليد المعطرة. (..) وقاد مروان الفتاتان إلى الشرفة،وهي مكان مثالي ليستمتع الإنسان،دون أن يزعجه أحد،برؤية هؤلاء الحاضرين بألوانهم الغريبة. وبدأ مرشد سلمى يعرفها بالحضور.فهذا السيد النشيط،الذي يضع قرنفلة في مزررته،هو نيقولا بطرس،من عائلة من الروم الأرثوذكس أيضا،وهي تنافس عائلة سرسق في فخفخة الاستقبالات. وإلى جانبه الماركيزة جان دو فريج،وهي نبالة بابوية،تلقبها ألسنة السوء"بالماركيزة من عهد قريب". وأبعد منها،هذا السيد القصير،وهو هنري فرعون،رئيس الناي الأدبي،وهو لا يعطي انطباعا هاما،ولكن لا تنخدعي بمظهره،فهو يملك أعظم مجموعة من الأشياء الفنية في لبنان كله،وسوريا على أغلب الظن! (..) وانظري،إن الأميرة شهاب قد وصلت. وهي تنتسب إلى أقدم اسرة أمراء الجبل،وهاهي الجميلة لوسي طراد،مصحوبة بجان تويني،هذا الكهل المتميز جدا،فقد كان سفيرا للأمبراطورية العثمانية،في عاصمة القيصر الروسي،وهو صديق شخصي لإدوار السابع.(..) ويضحك الجميع،دون أن يلاحظوا أن رجلين كانا منذ بضع دقائق،يراقبانهم من الجهة الأخرى من الشرفة،مراقبة المهتم الحريص.أقول لك إنها فرنسية! فانظر إلى هذه القامة المشيقة،والخصر النحيل،والبشرة البيضاء،إنها روعة حقيقية!إنك لا تعرف من الأمر شيئا يا أوكتاف! فهذه العيون الناعسة،وهذا الفم البض الشفتين،البريء والشهواني معا،لا يمكن أن يكون إلا لواحدة شرقية.حسنا،فلنتراهن،يا ألكسيس. ولكن لنتراهن،لا على أصل الفتاة،بل على أي منا يكسب مودتها.لم أكن أتوقع اقل من ذلك من ضابط فرنسي،فأنت دائما مستعد للهجوم،أليس كذلك؟ ولكن حذار. لقد لاحظت يدها فهي غير ذات بعل. (..) وبكل سهولة ويسر،اقتربا. وإذن،يا صدقي مروان!وبصورة أليفة جدا،ضربا على كتف الشاب ضربات خفيفة،وانحنيا أمام أخته،مع شيء من التردد أمام سلمى.الآنسة؟ وتسرع أمل فتقول :الآنسة سلمى رؤوف. يا سلمى إني أقدم لك ابن العم الصغير لمضيفتنا. ألكسيس،والكابيتين أوكتاف دي فير بري.ويبدأ الحديث،بحيوية. وهذان القادمان الجديدان يتمتعان بحب النكتة،وبجمال الخلقة،وهذا الأخير لا يفسد فيهما شيئا.وكانت نظرتهما المعجبة تجعل سلمى شديدة الخفة. ولنذكر الآن أنها كانت قد ترددت في المجيء،خجلا وخوفا من أن يصيبها الملل! ويتناول الحديث كل شيء ولا شيء. وبصورة خفية يسال ألكسيس سلمى :آه : أنت مستقرة إذن في بيروت. وأبوك ديبلوماسي فيها على الأرجح؟ لا؟ هل هو ... ميت؟وتخذ وضع المتالم.أرجوك أن تعذريني. يجب أن تكون أمك متألمة من الوحدة،وأنا واثق من أمي ستسعد بأن تدعوها إلى حفلة شاي. أفلا تخرج؟ أم هي مريضة؟ ما أكثر البؤس! وهكذا فأنت زهرة حلوة وحيدة. ..ويحمر وجه سلمى. فما من مرة كلمها رجل بهذه الصورة. والواقع أنها لم تسنح لها فرصة للكلام مع رجل،غير إخوة صديقاتها،اللواتي يعتبرنها كأخت. وبدأ قلبها يخفق بسرعة أكثر بقليل. ترى أهذا هو ما يسمونه "المناغشة"أو الغزلFieurt؟ وهذه اللحظة التي يختارها مروان،غير الشاعر بما يجري حوله،ليتذكر بأنه لم يقدم احتراماته للخالة إيملي.(..) ويبستم ألكسيس إذ يرى مروان يبتعد ويقول :إن هذا المروان رجل لطيف حقا.وقالت سلمى :بلى،دون أن تدرك الغمزة،مما أضحك أوكتاف كثيرا.وغامر فقال ايضا :أولا ترين،يا آنسة،أن هذه الأمسية تتطاول قليلا،بل ليس هناك من موسيقى جيدة. فهل تحبين الرقص؟وترد سلمى :أحبه كثيرا،ولعلها تفضل أن تفرم قطعا صغيرة من أن تعترف بأنها لم ترقص قط،إلا مع رفيقاتها في الصف.وإذن فأنا أقترح عليك شيئا أكثر إمتاعا من هذا الاستقبال المزعج. سنقوم بتهيئة حفلة لديّ،مع بعض الأصدقاء،ونساء جميلات. ولديّ آخر الاسطوانات التي ظهرت في باريس. وأنا أضمن لك أنك لن تملي لحظة واحدة. (..) وتتلعثم قليلا،وتقول:لا أعرف ما إذا كان مروان وأمل ..فيغمز أوكتاف بعينه.أوه! إنهم من (الدقة) القديمة،بل لسنا بحاجة إلى أن نقول لهما. فسنقترح أن نصحبك في العودة،لأن بيتك على طريقنا،وتكون اللعبة قد تمت.ويشعر ألكسيس أنهما يسرعان أكثر مما يجب. ولكن الزمن يفرض ذلك،إذ سيعود مروان بين لحظة وأخرى. فيقرر أن يضرب ضربته الكبرى.لا تقولي لي،أنك لست واثقة منا! ويقو هذا وعليه سمة من جرحت كرامته.والحقيقة أنه غير منزعج،من أن ترغمه على الإلحاح في الرجاء. فهو لا يحب الانتصارات السهلة. (..) هيا يا ينيتي الجميلة،افلهذه الدرجة لا نعجبك؟وتقدم أوكتاف دو فير بري فاقترب من الفتاة،وبحركة طالما نجحت في الماضي يمد ذراعه الملاطف حول خصرها.وحالا،وبقفزة واحدة،تخلصت سلمى من يده،مرتجفة من الاستنكار وقالت له :اتركني أيها المقرف!وإذن فقد كان هذا لطفهما،وجميل تقربهما. فكيف لم أفهم ذلك من قبل؟ ولكن كيف لها أن تقدر أنهما يعتبرانها ... فتاة ... وتشعر بأنها لوثت،وأذلت،ولديها رغبة في البكاء.أهذا أنت. إنه لغريب. وماذا تفعلين هنا يا أميرة؟وكان على الشرفة سيدة طويلة القوام تتقدم،فتعرف سلمى بدهشة. أنها عمتها،نائلة السلطانة. فكيف حدث لها وهي القليلة الظهور جدا بين الناس،أن توجد لدى العائلة "سرسق"،عرفت العمة إيميلي في إستانبول،وأنها أرادت تكريمها – والمرة الوحيدة ليست بالعادة – بحضور هذه الأمسية. فطار صوابها – ولكن ماذا حزرت؟ - فتقوم سلمى بتقديم احتراماتها العميقة،وتقبل اليد الممدودة إليها،بينما كان الشابان المبهوتان،ينحنيان :صاحبة السمو.فنظرت إليهما بعين مملوءة بالشك،ثم قالت بلهجة جافة :إني أحرمكما أيها السيدان،من قريبتي. فقد مضى وقت طويل لم أرها خلاله. وتأخذ سلمى بذراعها،وتستولي عليها بحكم السلطة.هل أنت مجنونة،يا صغيرتي،ووحيدة في شرفة تكاد أن تكون غير مضاءة،مع رجلين ليس لهما – وهذا ما أستطيع أن أقوله لك – أية سمعة حسنة! ولئن كان شرفك رخيصا عليك،فإن شرق لأسرتنا،غالي عليّ! وستعدينني أن تتصرفي في المستقبل،تصرفا أرعى للكرامة. فإذا لم تفعلي فأنا مضطرة إلى إخبار أمك المسكينة،ونصحها بأن تحبسك في غرفتك،حتى يجدوا لك عريسا.) {ص 273- 283}.إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  6. #16

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"14"بعد حضور سلمى إلى تلك الحفلة : (حبست نفسها في بيتها،بعد هذه التجربة المؤلمة. وهي ناقمة على الأرض كلها،إنها لا تحبها(..) وسرعان ما شاع الخبر بوجود هذه الأميرة الشابة ذات العيون الزمردية،الطويلة،بقدر ما هي متعالية. وفي كل يوم تأتيها بطاقات دعوة موجهة من أسماء عظيمة.وفي مثل هذا المجتمع الذي يعرف بعضهم بعضا حتى الفتيان،فإن وجها جديدا هو تسلية عظيمة القيمة. وكانت الفتاة قد أقسمت ألا تقبل أية دعوة. ولكنها انتهت بعد بعض الوقت،ومن طرف الشفاه،بالقبول : فها إنها قد بلغت الثامنة عشرة .. (..) وخلال بضعة أشهر تنشئ سلمى لنفسها مكانا تغبط عليه،في المجتمع البيروتي العالي،لا لأنها الأجمل بين كل هؤلاء النساء – فاللواتي يغرن منها ينتقدن أنفها الطويل بعض الشيء وذقنها المثلثة الشكل – لكن الرجال لا ينظرون إلى هذه التفاصيل.){ص 282 - 284}. ويحل عيد ميلاد سلمى .. فيا لله من الفرق بين احتفال الحاضر،واحتفالات الماضي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفيلاديتين تيدريك إيدريم! ليكن مبارك يوم ولادتك! ولتزهر زمنا طويلا ورود خدّيك،وتملأ روائح الجنة أنفك،ولتكن حياتك كلها عسلا ولبنا!واجتمعت الأسرة في الصالة التي قامت الكالفتان بتزيينها بطاقات الخبيزة والداتورا،لكي تحتفل بالعيد العشرين لولادة سلمى. وكانت الهدايا المقدمة قد صُفت على الطاولة المصنوعة من الخشب المذهب،وأحاطوها،بعناية،بالورق البلوري. فقد جاءها من نيرفين و ليلى خانم مناديل لطيفة من الباتيستا،طرزتاها بأرقام سلمى،وفقوها تاج،ومن زينل زجاجة من"الكريب دوشين"من صناعة مييو،وهي الرائحة التي تفضلها لدى العزيز زينل. والذي احتاج إلى أن يحرم نفسه من السجائر خلال أسابيع لكي يستطيع شراءها لها. أما خيري،العملي دائما،فقد قدم لأخته علبة من الفواكه المجففة التي يمكن لأهل البيت جميعا أن يستفيدوا منها. أما السلطانة ... فقد هيأت مانطو من الزيبلين،وهو روعة تتذكر سلمى أنها رأته على أمها في الماضي،عندما كانت تذهب إلى "ضولمة باهشتة"،ووضعته على الفوتوي. (..) وأشعلت نيرفين الشمعات العشرين الموضوعة في قالب الكاتو الكبير،بالشوكولا. (..) وتتأمل سلمى،حالمة تلك "الشعل"التي تتراقص،وقليلا تراها تتحول،وتكبر،وتتكاثر. وهي الآن مئات ومئات تتألق تحت ثريات الكريستال في قصر أورطاكوي. وكانوا في أعياد ميلادها،في عهد الطفولة يشعلونها كلّها،على شرفها. وتعود تفاصيل هذه الحفلات الفخمة كلها إليها الآن،واحدا بعد آخر. وكانت الأوركسترا النسوية التي توقظها على نغمات الموسيقى،بينما كانت الإماء تُعنى بها لجعلها أجمل ما يمكن،تستمر في عزف الأنغام التي كانت تحبها،ثم يأتي دور الكالفات الصغيرات،الاثناعشرة،وقد لبسن ثيابا جديدة قدمتها السلطانة،فيأتين ويواكبنها إلى بهو المرايا،حيث كان أبواها ينتظرانها،هما وكل من كان الحرملك. وعندما كانت الأوركسترا تبدأ بعزف لحن عيد الميلاد – وكانوا في كل عام يؤلفون لحنا جديدا – وكانت الكالفات ترمي فوقها آلاف من زهرات الياسمين الصغيرة التي كانت تعطر الغرفة كلها. وعندئذ يبدأ توزيع الهدايا التي تكون سلمى قد اختارتها مع أمها السلطانة،لكل واحدة من إماء القصر ونسائه. ذلك أنهم،في المشرق،يعرفون،أن في العطاء من السعادة أكثر من تلك التي توجد في الأخذ،وأن عيد الميلاد يجب أن يكون عيد بالنسبة لكل من يحيط بنا. (..) وكانت سلمى تحتاج إلى ساعتين أو ثلاث لتفتح هذه الحزم،وتنظر في محتوياتها (..) وكثيرا ما تتذكر سلمى،بشكل خاص،عيدها الثالث عشر،أو الأخير،قبل النفي. ذلك أن أباها استقدم من باريس،من عند بائع الحلي المشهور كارتييه ساعة صغيرة عجيبة،لم تستطع البُنية أن تفهمها لأول وهلة. وكان الإطار الكريستال محاطا بلآلئ وماسات،وكانت عقارب الساعة من الماس أيضا،وكان الرقاص المصنوع من الذهب،والمعلق بين عمودين صغيرين من الكوارتز الزهري،ينعكس في قاعدة من الكريستال الصخري. (..) ومن خلال الشعل التي تترنح،كانت سلمى ترى نفسها لابسة ثوبا طويلا له ذيل،وعلى جبينها تاج. كما ترى باقات وأزهارا نارية،تلهب حديقة قصرها،قصر الدانتيل،وأوركسترا متوارية في الغيوبات،تعزف فالسات رومانتيكية. أما هي فإنها تمشي والوجه معرض لنسائم البسفور،وحولها نساء يلبسن قفطانات مطرزة بالذهب،يهرولن ويضحكن من سعادتها ... وبدأ الشمع يسيل على قطعة الكاتو الشوكولاتية. وبنفخة واحدة قوية،أطفأت سلمى الشموع،وصفقت الكالفات. وهذا يعني،على ما يتنبآن به،أن الأميرة ستتزوج خلال سنة. أتتزوج إذن؟ ولكن ممن؟ إن سلمى تعرف أن أمها عادت إلى مراسلة بعض الأمراء،الذين كانوا، في الماضي،من أتباع الإمبراطورية. وحزرت الآن أنها كانت موضوع هذه الرسائل،ولكنها تتظاهر بأنها لا تُعنى بهذا الأمر.){ص 289 - 291}. يبدو أننا سنخرج إلى الحديث عن السياسة في لبنان,بطبيعة الحال كما جاءت في الرواية ... والحديث عن إضرابات 1931 نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيأما المطالبة بالاستقلال،ومشكلة الاحتلال حتى لو أطلق عليه اسم الانتداب،فإن سلمى عاشت مثل ذلك كله في تركيا،وتألمت منه بدرجة كافية،لكي تفهم نفاد صبر أصدقائها.(..) لكن أكثر المرشحين لرئاسة الجمهورية هم الموارنة. ومن أبرزهم،إميل إدّة،وهو رجل قصير القامة في السابعة والأربعين من عمره،ومعروف بسلامته الخلقية وعواطفه المنحازة إلى فرنسا،وبشارة الخوري،وهو محامي لامع،أكثر انفتاحا على العالم العربي،وأشد نقدا لنظام الانتداب. ويقف ضد هؤلاء جميعا رجل مسلم هو الشيخ محمد الجسر،رئيس البرلمان. وهو رجل وسيم ذو لحية بيضاء،محترم بين أنداده المسلمين والمسيحيين على السواء. وكان نائبا في العهد العثماني،ونائب حاكم بيروت. وأثناء الحرب قام بخدمات كبيرة للطائفة المارونية،وأنقذ بطريركها من النفي. وهكذا فإنه مدعوم لا من الشيعة والسنة والدروز فحسب،بل كذلك من الكثيرين من الروم الأرثوذكس ومن الموارنة. ولما كان المسيحيون منقسمين على أنفسهم،فإن النجاح يصبح كبيرا. ولكن أيُقبل مسلم على رأس الحكم في لبنان؟ ويرى كثيرون من المسيحيين اللبنانيين،وفرنسا التي فصلت لهم بلدا على مقاسهم بُغية أن يكون لها في الشرق الأوسط حليف موثوق،أن هذا غير معقول،إذ يوشك أن يرمي لبنان في فلك سورية والعرب. (..) وتقضي سلمى ساعات في النقاش مع مروان وأمل. ونراها تستاء أشد الاستياء من موقف الفرنسيين،وملأى بالحماسة للشيخ الجسر،وهو صديق السلطانة يساعدها بأكثر مما يستطيع منذ أن جاءت منفية : وهي لم تنس قط تلك الليلة التي قضاها في قصر ضولمة باهتشه،وعندما كانت لا تزال في عمر الرابعة. وكان يصحب أباها إلى الدعوة الموجهة إليه من قبل السلطان عبد الحميد. وتقف سلمى مع أنصار الشيخ الجسر المتحمسين جدا. وظلت تفعل ذلك حتى جاء ابن عمها أورهان مع خيري،إلى شارع مار إلياس،وأنّبها بعنف على ما تفعل. - إن هذا كله أمر لا علاقة له بك،أيتها الأميرة. وليس عليك أن تدخلي فيه. وعلى الطريق،أمعن أورهان في تأنيبها،لمدة طويلة. - سلمى،أأضعت صوابك. أتريدين أن يطردونا جميعا مرة جديدة؟ وإلى أين نذهب؟ أرجوك أن لا تكثري من الكلام،وتذكري أننا لسنا في بلادنا.ترى أكان يمكن أن تنسى ذلك. ولكن عليها أن تعترف أن أورهان على حق. ذلك أن أفراد الأسرة العثمانية ما يزالون يُنظر إليهم وكأنهم السادة القدماء. فلا يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بالتحيز لأية جهة. "وحتى بين الأصدقاء ينبغي أن تظلي على الحياد،إذ ما من شيء يبقى خافيا على الناس".){ص 292 - 293}. في الحلقة القادمة : هل تصبح الأميرة سلمى نجمة من نجمات هوليود؟ أم تصبح "ملكة"على ألبانيا؟ .. إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  7. #17

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"15"
    نبدأ هذه الحلقة بالحديث عن السينما .. ( ومنذ عشر سنوات،فرضت هوليود نفسها كعاصمة "للفن السابع"،ولقد وصف تشرشل في مقال له في جريدة الـ Reveil،إحدى أهم جريدتين في لبنان،بعد أن تخلي مؤقتا عن العمل السياسي،وزار الولايات المتحدة،وصف هذه المدينة الجديدة "ككرنفال في بلاد الجن".فالستوديوهات تغطي آلاف الفدادين التي تؤوي آلاف الممثلين – الاختصاصيين من ذوي الأجور العالية. وهناك جيوش من العمال يبنون بسرعة ومهارة شوارع صينية،أو لندنية،أو هندية. وقد يجد الإنسان عشرين فيلما في آن واحد. "والشباب والجمال هما ملكا العالم".وعلى كل حال،فإن نجوم هذا العالم هن الإمبراطورات،اللواتي يفرضن معايير الموضة على العالم كله. فإذا ظهرن على الشاشة،ابتهجت الجماهير أكبر الابتهاج. وما من يوم بلغت فيه ملكة ما،مهما كانت شعبيتها طاغية،درجة الشهرة التي بلغها "الملاك الأزرق" أو "المرأة السماوية la Divine..".وتذهب سلمى لرؤية كل فيلم من أفلام هؤلاء. فمارلين تهزها وتغريها. أما شخصية "لولا"فإن صوتها الأجش،وشهوانيتها المضطربة،عندما تغني "إني ملأى بالحب،من الرأس إلى القدمين"كل ذلك كان بالنسبة لفتاتنا اكتشافا حقيقيا. أوَ يمكن أن نَحمل الرجال على الافتتان إلى هذه الدرجة؟ ولكنها تجدها أجمل في فيلم "موروكو"عندما سحرت الجندي غاري كوبر،وهي في السموكنغ،واللباس الرسمي جدا،أو عندما تراها في فليم ماتا – هاري،مرة كطيارة في لباسها الرسمي،ومرة كامرأة مشؤومة،تصلح،بحركة أخيرة،حمرة شفتيها الحلوتين بحد سيف الضابط المكلف بإعدامها. ومع ذلك فإن جريتا جاربو هي التي تستهويها أكثر من كل واحدة أخرى. (..) وذات يوم،وبمناسبة استقبال تم في منزل أسرة طراد،وهي من الأسرة التي تملك المصارف،والبارزة جدا في بيروت،تلاحظ سلمى رجلا في الخمسين من عمره،لم ينقطع عن النظر إليها طيلة العشاء. وعندما انتقل المدعوون إلى الصالة لشرب القهوة،فإنه يقترب منها ويقول : - لقد نسي أصحاب الدعوة أن يقدمونا لبعضنا. فأنا ريشارد مورفي،المدير الفني لمترو غولدن ماير،وأنا ألاحظك منذ بداية السهرة،فهل أنت ممثلة؟وسُرت سلمى لهذا المديح،وفتحت فمها لضحكة خفيفة وقالت : - هل تدل هيئتي على ذلك؟ - أنت جميلة،وهذا لا ريب فيه،ولكن ليس هذا هو الأهم. ذلك أن لك حضورا وهذا أمر نادر جدا. فهل فكرت يوما ما بالدخول في عالم السينما؟ - لن أكون قادرة على ذلك أبدا ... - هيا،لا تكوني متواضعة. فالتحرك أمام الكاميرا،هو مهنة،وهي تتعلم. ولكن الذي ينقص هوليود،هو هؤلاء الفتيات الشابات مثلك،ممن يمتلئن حيوية،ورقة،ومع وجود المستوى الذي ينبئ عن نفسه،بمجرد النظر. وأريد أن أقول لك شيئا قلما أقوله : إنك من قماشة الكواكب ... فما هو اسمك؟ - سلمى ... - رائع،وخلال سنة سيكون هذا الاسم معروفا لدى الناس جميعا،ذلك لأني،يا آنسة سلمى،أريد أن أقود خطاك إلى المجد. فهل تسمحين لي بذلك؟ ولا يقول ريشار مورفي أنه استعلم،وأنه يعرف جيدا من هي سلمى،وأن هذا وحده هو الذي يهمه. ذلك أنه إذا كانت فتاة حلوة،فإنها،على الأرجح،ستكون ممثلة تافهة. أما المهم فهو أنها أميرة في هوليود! .. ويكاد من الآن أن يرى عناوين الصحف. فالأمريكيين يجنون بكل ما له رائحة الأرستقراطية. ومع حفيدة لسلطان،وحتى إن كانت لأفلام تافهة،فإن الـ MGM ستسبق بكثير الكولمبيا،والوارنر والفوكس. ولكن المسألة ليست بهذه السهولة. إذ لا يمكن للسلطانة المعروفة بطبعها المتصلب،أن تسمح لابنتها بأن تنطلق إلى مهنة،لابد أنها تعتبرها معادلة لمهنة المومس. ثم هي في الجانب الآخر من العالم،في هوليود،هذا المكان المضيّع! ويبتسم مورفي داخليا : "فماذا إن هو أخذ الأم مع البنت لتراقبها؟ سلطانة مكتهلة محجبة في هوليود. إن الضربة ستكون عبقرية .. ولكن لا ندع لنفسنا أن تحلم: فإن الصغيرة هي التي يجب إقناعها وإغراؤها،بآمال المجد،إلى الدرجة التي تكون معها قادرة على تجاوز الاستئذان من أمها. فهي في عمر الرشد،أخيرا! وها هو الخطر يمد يده إلهيا. إن حياتها كلها هنا في الميزان".وهذا ما حمل ريشارد مورفي على العمل لإقناع سلمى. فهو يسكن الآن ضيفا عند عائلة طراد،وسيدعوها كل يوم إلى حفلة شاي. ولا ينبغي أن يترك لها فرصة لتعود فتتماسك وهو يعرف التكتيك الذي يجب استخدامه مع هؤلاء الفتيات الطموحات والساذجات. وهو لم يعرف الخيبة قط. - سلمى،أعتقد أنك أصبحت مجنونة تماما!وهاهي السلطانة منتصبة على كرسيها،وحاجباها متقطبان،وهي تنظر إلى ابنتها كما لو أنها تحاول الإمساك بالشخص الغريب الذي يكلمها.وللمرة الثالثة،تعود سلمى فتقدم شرحها للموضوع. - أيندجيم،أرجوك حاولي أن تفهمي. فالـ MGM هي أكبر شركة للسينما في العالم. ويريدون أن أعمل معهم. إنهم يعقدون معي عقدا ذهبيا : خمسة أفلام في العام،وفي كل منها أنا البطلة. وهل تعرفين كم يدفعون لي؟ مئة ألف دولار في العام. تخيلي إذن. سنستطيع أن نشتري لأنفسنا قصرا،وستكوني براحة حتى آخر أيامك. - إنك طفلة. أفلا تتخيلين فساد الجو المفعم بالممثلين،وما فيه من اللا أخلاقية؟ - أوه،ولكني أعرف كيف أفرض احترامي. {هذه عبارة تتكرر في تأريخ المرأة المحدثة بشكل لافت!! فكل ما حُذرت المرأة من أمر ما قالت : أستطيع أن أحمي نفسي!! فهل دعاهن جميعا ريشارد مورفي؟!!!} وأصلا فإني أفهمت أصحاب العلاقة أني لن أمثل أدوارا جريئة،وقد قبلوا. - أدوار جريئة! .. ,قد قبلوا! ... إنه لشيء حسن من جانبهم. وحقا فإني أرى الآن أني أنا التي أصبحت مجنونة. ولن أناقش لحظة واحدة بعد الآن في هذا المشروع اللا معقول. ونفرت الدموع إلى عيني سلمى،,هي لا تحاول حتى إيقافها. فنهضت واجتازت الغرفة بخطوات كبيرة غاضبة.- بدأت أفقد الصبر من الحياة التي أعيشها! من حفلات الشاي الراقصة،والدعوات إلى العشاء،والبالات ثم البالات ... وها إني قد قضيت أربع سنوات بعد أن غادرت المدرسة. وعمري واحد وعشرون عاما،والزمن يمضي،ولم أفعل شيئا بعد بحياتي.وشعرت السلطانة أن في هذا الانفجار العاطفي الشاب،آثار مرارة،ويأس،يرهقانها. وكانت تفكر أيضا بأن ابنتها لا تستطيع أن تكتفي بهذه الحفلات،كشاغل لحياتها. فقالت بصوت حنون : - هيا،يا سلماي. لا تأخذي الأمور بصورة مأساوية. والحقيقة أن لك من الشخصية أكثر مما ترضين معه بحياتك هذه. ويجب أن نزوجك. ووقفت سلمى،وقالت بصوت ساخر : - وأين هو الأمير الرائع؟وردت الأم من غير أن تفارق هدوءها. - لقد فكرت أنه ينبغي لك ملك. فنظرن سلمى إلى أمها مذهولة : إذ ليس من عادة أمها أن تمزح! وقالت : - ملك؟ ولكن ..ومن غير أن يبدو على السلطانة أنها لاحظت دهشة ابنتها تابعت كلامها بنفس اللهجة : - شكرا لله،فما يزال هناك بعض الملوك على هذا الكوكب. والملك الذي فكرت فيه لك،هو زوغو ZOG ملك ألبانيا. ومنذ بعض الوقت،قمت ببعض الاتصالات،السرية طبعا. وأنت تعرفين أن أخته تزوجت منذ مدة قريبة،عمك الأمير عابد،أصغر أبناء السلطان عبد الحميد. وهذا مما ييسر المفاوضات. وأنا لا أخفي عنك أن الملك أحمد زوغو ليس بملك كبير،ذلك أنه لا يحكم إلا ما هو قريب من المليون نسمة. ولكنه ما يزال شابا،وهو جميل،ويبدو أنه يملك صورة التعامل الحلوة،ولا يُعرف له عيب شائن. ثم إنه يتكلم التركية بطلاقة لأنه أتم دراسته في إستانبول،وهو يُكن أكبر الاحترام لأسرتنا. (..) فما رأيك في هذا؟ أترضين أن تكوني ملكة؟"أي دور"وقضت سلمى ليلها بالتقلب في سريرها،مرة لطرف،ومرة لطرف آخر،ذلك أنها أكثر هيجانا مما تستطيع معه النوم. وفجأة تظهر لها أنوار هوليود براقة وتافهة : وستكون ملكة،ولكن لا ملكة من السيلوئيد! ومنذ الغد سنخبر مخرج مترو غولدن ماير أنها لم تعد مستعدة لتوقيع العقد،وأن لديها ما هو أفضل كعمل! وتتخيل دهشته : سيفتح فاه ليصبح أكبر من فم الأسد الذي جعلته الشركة شعارا لها،وسيطرح عليها ألف سؤال. وبديهي أنها لم تستطيع أن تجيب بشيء..وخلال الأسابيع التالية،ستغرق سلمى في كل الكتب،وكل المجلات،التي تتحدث عن ألبانيا. واتفقت مع أمل على القيام بغزو على جميع مكتبات المدينة،لأنها الوحيدة التي حدثتها عن هذا الموضوع. ستقرآن،وتناقشان،وتُشغفان بالإطلاع. غير أن ما تكتشفانه ليس بالمفرح دوما. لاشك أن المملكة الصغيرة الجبلية رائعة الجمال : وقد عُرف أبناؤها،وهم فلاحون جفاة وشرفاء كيف يحتفظون بعادات أجدادهم،واحتفظوا بقانون رائع لقضايا الشرف. (..) وهناك صحف تُعجب بكرم الملك،وتوضح أن الهدايا التي يقدمها لأصدقائه وأسرته،تنشأ إلى حد كبير عن خلطه بين ماله و مال الدولة. (..) وبالجملة فإنها تسجل،بانتباه شديد،جملة الأرقام والتفاصيل التي تتحدث عن فقر المملكة وعما فيها من تخلف. إذ يجب أن تبني المشافي والمدارس. ومنذ الآن تتخيل البسمة المطمئنة التي ترتسم على وجوه النساء والأطفال،الذين قررت أن تكرس نفسها لهم. وهي تعرف أن مهمتها ليست سهلة،وأنه يجب تغيير العادات،والاصطدام بالمواقع المكتسبة،ولكنها ستناضل،و تشعر فجأة أنها قوية بالحب الذي يحمله شعب كامل. وبنوع من الاندفاع العفوي،أحاطت بذراعها خصر صديقتها،لتقول لها : - لن تنسيني. و ستأتين مرات كثيرة لزيارتي،أليس كذلك؟فتعانقها أمل بحنان،وتقول سآتي لرؤيتك طبعا،أعدك بذلك. (..) منذ ذلك الحين،ومنذ أن تعود سلمى إلى البيت،نراها تختلي بزينل. وخلال ساعات،يتكلمان "على بلادهما"وما فيها من غابات واسعة،وشلالات،وقرى جميلة من الحجارة البيضاء،جاثمة على طرف الجبل،وعلى الليالي الطويلة في الزاوية التي فيها النار،حيث بتسامر الناس حول حكايات فرسان شجعان تحميهم الجن،وعن المُعيزة الرائعة التي تزوجها ابن الملك،ذلك أنها كانت تخفي تحت صوفها وقرنيها"حسناء الأرض"،وحكاية"الدب النادم"وحكاية"الصوص الساحر"..وكان زينل في الثالثة عشرة من عمره،عندما أخذه جنود السلطان من قريته في ألبانيا،إلى عاصمة الإمبراطورية. ولقد حاول النسيان،و نجح في ذلك جزئيا. ولكنه اليوم يتذكر كل التفاصيل،كما لو أنها حدثت البارحة.(..) ومضى شهران. ولا يصل من ألبانيا خبر. وبعد أن أعطت السلطانة موافقتها المبدئية،فإنها ترفض الآن متابعة الاتصالات. وهذه المفاوضات حرجة بطبيعتها،وتحتاج إلى وقت. وقد يكون أثر الاستعجال فيها سيئا جدا .وأخيرا وصلت الرسالة المنتظرة من زمن طويل،مختومة بخاتم الأسرة الملكية. وكانت صادرة عن أمين السر الشخصي للملك. وهو شخص في غاية التميز عرفته السلطانة منذ أن كانت وظيفته في إستانبول. وبعد التهاني المعتادة والتمنيات المتصلة بالصحة والسعادة وللأسرة الإمبراطورية،يقول فيها :..) {ص 294 - 301 } ذلك ما سنعرفه في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.

  8. #18

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"17"
    هذه الحلقة أهديها إلى بُنيتي (أم عبد الملك) والتي منحتني دفعة معنوية،جعلتني أواصل الكتابة،بعد أن كنت قد نويت التوقف عن كتابة هذا المسلسل الذي طال،وربما أصاب بالملل ... بني يدي الحلقة .. حكم مقتطفة من رسائل مجموعة (علي بطيح العمري) :أقوال مأثورة- أجمل مـا في الحياة أن تبني جسراً من الأمل فوق بحر من اليأس. - الإنسان الناجح هو الذي يغلق فاه قبل أن يغلق الناس آذانهم، ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم. - تستغرق مناقشة المسائل التافهة وقتاً طويلاً؛ لأن بعضنا يعرف عنها أكثر مما يعرف عن المسائل المهمة. - عندما يمدح الناس شخصاً، قليلون يصدقون ذلك، وعندما يذمونه فالجميع يصدقون. - اختر كلامك قبل أن تتحدث، وأعط للاختيار وقتاً كافياً لنضج الكلام، فالكلمات كالثمار تحتاج لوقت كاف حتى تنضج.
    حياة أميرة عثمانية في المنفى"17"
    إلى الهند وصلت سلمى .. (أين هو إذن قطار المهراجا؟ويبدو لسلمى أنها ما تزال تمشي منذ ساعات في هذا العفن المشمس،وفي هذا الصخب من الألوان والأصوات وفي هذه الفوضى الغريبة التي تهدد في كل لحظة أن تودي بها،لولا هذا الحاجز القوي،من حولها،والمؤلف من حوالي عشرة حراس في غاية الضخامة،ومن ذوي الشوارب أيضا. ونحن في شهر آذار / مارس / والجو حار،ومحطة بومباي تشبه مركز ألعاب فروسية،في حالة الجنون،أكثر منها محطة أولى في شبكة السكة الحديدية التابعة للإمبراطورية البريطانية الفائقة العظمة،فهناك تحت القباب القوطية بين تيجان الصلصال،الرملي،والأعمدة الفكتورية المنحوتة نحتا يملؤها بالأزهار،جمهور صاخب يزدحم،صاما أذنيه عن النداءات الخنّاء للباعة الصغار،باعة الحمص،وغير مبالين بالروائح الكريهة لأطواق الياسمين المخلوطة ببقايا العرق والبول. وتشعر سلمى بالاختناق،ولكنها لاتريد أن تكون في أي مكان آخر،مهما كان الثمن : هاهو إذن وطنها الجديد،وبعيدا جدا تقوم أبهاء الرخام الأبيض و نوافير الماء في فندق تاج محل (..) لقد شعرت بالاضطراب فالتفتت إلى رشيد خان،الرجل الثقة لدى الراجا،والذي جاء لاستقبالها لدى وصولها من بيروت،كأنما هي تسأله،ولكنه ابتسم مطمئنا،أمام سؤالها الصامت (المضمر) ثم كيف لها أن تصوغ سؤالا مطلقا كهذا؟وقال : - لا تخافي شيئا،يا صاحبة السمو،فالهند،صادمة لكل قادم جديد،ستتعودين.ثم أضاف،كأنما يقول لنفسه : - بمقدار ما يستطيع الإنسان التعود على ما لا يقبل التفسير .. وفي آخر الرصيف،هنالك حراس مدججون بالسلاح بلباسهم الرسمي الأزرق،الذي يحمل شعار دولة بادلبور،وهم يقومون على حراسة عربة قطار خاصة جاءت من أجلهم،وكان حولها عناقيد بشرية تحاول عبثا أن تأخذها عنون. واستولت على سلمى دهشة،كبتتها : فقد كانت تنتظر قطارا كاملا،كقطار ابنتي عمها نيلوفر و دورو شيهفار،زوجتي أميري حيدر آباد،ولم تعد تندهش من أن يخبرها رشيد خان بأن أمامها ثلاثة أيام وليلتين من السفر،ضرورية لاجتياز ثلاثة آلاف كيلو كم،(..) وبصورة غامضة بعض الشيء،شعرت بإهانة وُجهت إليها،كما حدث البارحة،عندما لاحظت لدى وصولها أن الراجا لم يكون موجودا. (..) أما داخل العربة،فإنهم يتمايلون،ويترجحون. وها إن الخدم المعممين يندفعون من مرقاة العربة،متطلعين بفقدان صبر إلى رؤية رانتهم {في الهامش : الراني،أو راني : هي زوجة الراجا في لغتهم.} الجديدة. ومن خلفهم تتكاثر الأصوات الحادة لنساء يكدن يختنقن من الأغطية السوداء التي تلفهن وتحجبهن. - يا صاحبة السمو،هؤلاء هن حشمك. وقد حرص الراجا على أن يأتين ليكن في مرافقتك .. ولكن ليس لهن الحق بالخروج،فلنصعد،أرجوك،إن السفر بادئ عما قريب. وتتنفس سلمى في ظل العربة،على حين أن القطار يهتز . أما المكان فمريح : ومغطى بخشب الأكاجو الذي رصع بنحاس متألق وما صبيح من الكريستال. أما المقاعد المخملية والستائر الحريرية الكثيفة فتبدو وكأنها مصنوعة لإنكلترا القاتمة أكثر مما رُوعي فيها هذا الطقس الشديد الحرارة. (..) وأما الفتيات فهنالك نصف دزينة من النسوة اللواتي افترشن غطاء أبيض،مُدّ على ظاهر الأرض،وأخذن يتفحصن الراني،ويتبادلن التعليقات بصوت أجش بعض الشيء. (..) وبدت حناجرهن،وآذانهن،والسواعد مغطاة بالذهب. وكن ينظرن بدهشة غير راضية إلى يدي سيدتهن العاريتين،وإلى عنقها المحلى بعقد من دور واحد من اللآليء.و تبتسم سلمى،المندهشة بعض الشيء : فكيف تشرح لهؤلاء أن مثل هذا التراكم،لديهن ... ولكنهن لا يدعن لها المجال. وبدورة واحدة،خلعن عليها،هذه أساورها،وهذه حلق أذنيها،وهاهي الآن مزينة كوثن معبود. - روبسرات، روبسرات .. أي هي جميلة وجد جميلة.وهذه هي الكلمة الوحيدة من اللغة الأردية التي تفهمها لأنها سمعتها تعاد مئة مرة،على طريقها،منذ وصولها. (..) وعلى عتبة العربة،كان رشيد خان واقفا : وكان في عينيه لوائح إعجاب،سرعان من احتجب. وبكل احترام يسأل : - هل ترغبين بشيء،يا صاحبة السمو. فمرافقتك السيدة غزاوي،و زينل آغا يستريحان في العربة المجاورة. وهما يريدان أن يعرفا ما إذا كنت بحاجة إلى شيء ما،منهما .. - شكرا خان صاحب.(..) - إني لا أرغب،إن كان هذا ممكنا،إلا في شيء من الهدوء.ذلك أن غرائب هؤلاء السيدات قد أرهقتها،وهي تطمح إلى أن تبقى وحدها. ولكن أنى لها أن تقول لهن ذلك بدون أن تجرحهن؟ فيبتسم رشيد خان. - سأقول لهن أنك بحاجة إلى أن تنامي. (..) كم هو مسكين رشيد خان،لقد كان لطيفا،وغريبا إلى حد كبير. وعندما وصلت جاءها محملا بباقة ضخمة من الزهر،ثم أسمعها دفعة واحدة جملة من التمنيات،والمباركة بالوصول بالسلامة،باللغة التركية،وكان واضحا أنه حفظها عن ظهر قلب،لهذه المناسبة. ولكن بدلا من "التحيات والاحترامات"فإن الذي وضعه على قدمي سلمى هو قلبه الملتهب،وعندما لاحظ تعابير الدهشة على الفتاة،أدرك فورا أن أصدقاءه لعبوا معه هذه اللعبة. فاحمرت وجنتاه بقوة جعلتها تضحك،وذاب الثلج بينهما،ومنذ تلك اللحظة أصبحا صديقين. (..) سنصل لو كنوف بعد ساعتين. (..) وقلما ترددت أمام الفساتين المنشورة بمقدار ما ترددت هذه المرة،وكل ذلك لكي تتعجب أخيرا وتقول : - ولكن أين عقلي،إن الساري هو ما يجب أن ألبسه! (..) وفجأة ثارت ضجة في العربة،أو هو أمير؟ وشعرت بأن قلبها يتوقف. ولكنه لم يكن إلا رشيد. - لحظات أخرى أيضا،يا صاحبة السمو،ريثما يهيئون البردة {في الهامش : البردة : هي ستارة تفصل النساء عن الرجال. ولكنها أصبحت تعني كون الإنسان محبوسا أو سجينا.}. - ال : ماذا؟ولا يجيب الرجل،وكأنه مزعوج. والسيدة غزاوي تتمتم بجانبها أن هذا كله غير طبيعي،فتسكتها سلمى.(..) ولكن هاهن النساء الهنديات المرافقات،يظهرن من جديد : أما هنا فإنهن يستعدن كل حقوقهن التي مورين بها بشكل مخجل،خلال هذه الرحلة،وكوجوه الراهبات القديمات اللواتي يستقبلن،بكثير من الطيب،راهبة جديدة،يمددن لسلمى جبة سوداء طويلة (كاغول) شبيهة بتلك التي تغطي أجسامهن من الرأس إلى القدمين .. فاندهشت سلمى مما يفعلن،وسألتهن بنظراتها. ولكنهن يحطن بها،ولا يتركنها. - وتصرخ هي : لا ،لا!! ولما كانت صرختها حادة،فقد انطلقت بقوة. فاندفع رشيد خان إليها بسرعة. وكانت سلمى في زاوية العربة،ترتجف،من شدة الاستنكار،وتحاول تمزيق هذا الحجاب إربا إربا. وكانت النسوة اللواتي يُحطن بها يتشاورن في نوع السلوك الذي يجب أن يلجأن إليه. أما السكرتير،فقد وجد أكبر العناء في الاحتفاظ ببرودة دمه أمامهن. لقد تمت الرحلة على ما يرام،إلا أن هؤلاء الغبيات على وشك أن يفسدن كل شيء! فماذا سيظن القصر إذا وصلت الخطيبة باكية!ومع أن الرجل في العادة مجامل جدا،فقد أمرهن،مع ذلك،بصوت قاطع بالخروج. وبعد شيء من التمرد الشكلي،عدن فخرجن،وفي ذواتهن أنهن جرحن،أو جرحت كرامتهن.(..) - أين هو الراجا؟ماذا؟ هوزرو{صاحبة الشرف} – وبدت المرأة القصيرة،وكأنها منزعجة – سيدتي،لن تستطيعي رؤيته قبل الزواج. ولكن اطمئني – ذلك أنها لاحظت على الفتاة سيماء خيبة الأمل – فحفلات الزواج تتم بسرعة كبيرة،خلال أسبوع واحد تماما. وبانتظار ذلك،ستعيشين في القصر لدى الأخت الكبرى لسيدنا،الراني عزيزة.وفي إحدى زوايا السيارة الضخمة (إيزوتا فراشيني) شعرت سلمى،المجردة من كل قوة،بأنها لم تعد تسيطر على خيبة آمالها. ومن كل السيارة الفخمة البيضاء،حتى العادمات والأضواء المذهبة،لم تلاحظ،بصورة خاصة،إلا الستائر التي تغطي النوافذ،تماما كما كانت الحال في إستانبول المغلقة،أيام طفولتها. وقليلا فقليلا كانت تشعر بأن الغضب يشتد : وهذا الذي كانت تأباه في الثامنة عشرة من عمرها،يجب عليها أن تقبله الآن،بعد سنوات الحرية هذه،ولا مجال للبحث فيه،ولكن هذا كله ليس سوى إنذار كاذب : إذ لقد رأت بنات أعمامها،نيلوفر ودورو شيهفار،في صورهما،كل يوم في الصحف،وهما تدشنان المعارض،أو ترأسان بعض حفلات العشاء،ولم تحلم بهذا حلما. فتحاول أن تطمئن نفسها،وسد المنافذ على الرعب الذي بدأ يستولي عليها. إلا أنها تجد صعوبة في التنفس. ولا تملك أن تمتنع عن تذكر نظرة الإشفاق التي كانت تلمحها في عيني رشيد خان،وصمته المتلجلج،تجاه بعض أسئلتها. فلأول مرة،منذ وصلت إلى الهند،تشعر بأنها أخطأت خطأ فاحشا.){ص 357 -367 }. إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  9. #19

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"18"
    س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    (الكتاب مثل الناس فيهم السيد الوقور وفيهم الكيس الظريف وفيهم الجميل وفيهم الرائع وفيهم الساذج الصادق وفيهم الأديب والمخطئ والخائن والجاهل والوضيع والخليع)عباس محمود العقاد .. وصلت سلمى إلى القصر نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيهاهم إذن خصيان طفولتها ... وشعرت سلمى فجأة بأنها عادت خمس عشرة سنة إلى الوراء. ولو لم تكن أمامها هذه السراويل الواسعة (الشالفار) والكرتاه الزرقاء اللون التي تعوّض الإستامبولينيات القاسية،إذن لظنت أنها في قصر ضولمة باهشتة. ولكن ما إن صعدت على السلم الحجري الهائل حتى تبدد هذا الإحساس. إذ تعود الهند،فتفرض نفسها بهذه الشرفات المنحوتة،كالدانتيل،وهذه الشرفات المنحوتة على الفناء الداخلي،حيث تجري المياه من النوافير جريانا غنائيا،وبصورة خاصة،بهذه المجموعات من النساء اللواتي يتلاصقن ليقبلن يدي الراني الجديدة،أو ليمسكن بطرف ساريها،بأشد المسكنة والتواضع،في حين أن أطفالا نصف عراة يحدقن { هكذا} فيها بعيونهم الواسعة السوداء المكحلة. لكن البيجوم،تدفعها لأنه لابد من السرعة،ذلك أن الراني عزيزة تنتظرهما.وراني عزيزة .. هي ابنة حماتها المقبلة،وتريد سلمى أن تعرف المزيد من المعلومات حولها. ونُصرت لا تطلب إلا هذا،فتقول :- إن راني عزيزة هي أخت غير شقيقة للراجا. وهما من أمين مختلفتين. وهي أكبر من أخيها بخمس عشرة سنة. وعندما فقد أبويه،وهو صغير،في حادث يكتنفه الغموض،كانت له بمثابة إلام. إنها سيدة كبيرة،,لديها من الذكاء مثل ما للرجال! وفي عمر الرابعة عشرة،عندما أشرف أميرنا على الموت مسموما،على يد عمه على الأرجح،عمه الذي كان له حق الحكم كرئيس للدولة،حتى بلوغ ابن أخيه سن الرشد،وقررت راني عزيزة أن ترسله إلى إنكلترا للدراسة،وأخذت على عاتقها تسيير شؤون القصر. وكان القيمون على الشؤون المالية يخافونها أكثر بكثير من الراجا العجوز الذي لم يكن يطلب قط بأي حساب،معتبرا أن هذا يحط من شأنه.{الله يذكر السلطانة خديجة بالخير!!!} وتخفض البيجوم نُصرة صوتها،فتقول :وهم يأملون أن يكون سيدنا الشاب أقل محاسبة لهم. فهذا المسكين إنما عاد حديثا،بعد غياب اثنتي عشرة سنة. وهؤلاء الأوغاد يخططون لاختلاس أمواله. ومن حسن الحظ أن أخته الراني هنا."وأنا،لن يحسب حسابي أبدا،إذن"{مكتوب بخط صغير،وكأنه منقول من "مذكرات"} ومن دون أن تعرف سلمى هذه الراني،فإن حدسها يقول : إنها لن تحب راني عزيزة.وكانتا قد مشتا أكثر من ربع ساعة،عندما دخلتا إلى غرفة ذات سقف عال : ووجدتا هناك نصف دزينة من النساء،جالسات على الأرض،يثرثرن،وهن يكسرن جوز التنبول betel (من فصيلة الفلفليات) بكسارات من الفضة. فلما وصلت سلمى أثارت موجة من الاستغراب والعجب : إذ أنهن يحطن بها،ويضممنها بين أذرعهن،ويُشدن بجمالها. ولما كانت مذهولة،ومطمئة بحكم حرارة الاستقبال،فقد سمحت لنفسها بالانطلاق مع هذه المجموعة الضاحكة : ثم يفتح لها ستارة أخيرة من الحرير وتدخل إلى قاعة واسعة مزخرفة بموزاييك من الصدف،وبمرايا على صورة العصافير والأزهار. وهناك وجدت سلمى مجموعة نساء جالسات على سُرُر من الحبال،ذات أرجل من الفضة {هذا مع فقر المواطنين المدقع!!!} وهن يتسامرن،ويمضغن البان Pan ،أي الحلوى الوطنية التي تُصنع من جوز التنبول ومن بعض أوراق مُرة، أو أنهن ينتشين بشرب نوع من التبغ المعطر،من أنابيب النرجيلة،الطويلة،المصنوعة من الكريستال. وفي آخر القاعة،,على سرير مرتفع،تلمع أرجله الذهبية،في الظل،كانت هناك امرأة تستريح بين وسائدها،على حين أن عبدين يهزان فوقها مراوح عريضة من ريش الطاووس. وعرفت سلمى مباشرة،من خلال تعابير الوجه،أنها أمام الراني عزيزة،وهي ما تزال جميلة : فقسماتها حادّة،وعيناها عميقتان،وفمها متعاظم،لا تبلغ بسمتها أن تخفيه.- تعالي واجلسي بجانب،يا بنيتي.أما الصوت فغنائي،وأما الضمة فباردة. وبلغة إنكليزية ذات لهجة غريبة،تسأل الفتاة عن رحلتها،وهي تتفحصها من الرأس حتى الأقدام.وانتهت من ذلك إلى القول :- إنك جميلة جدا – لكن الصوت يرتفع،كما لو أنها تريد أن تسمع الجميع ما تقول – وعليك أن تتعلمي لبس الغارارا (تنورة تلبسها المسلمات). أما الساري فهو لباس أتباع الديانة الهندية. ونحن،هنا، مسلمون.واحمرّ وجه سلمى حتى لكأنه كله دم : أوتُذكّرُ هي بأنها مسلمة؟ وهي حفيدة خليفة المسلمين! فلو أنها صفعتها على وجهها،لما أذلّتها أكثر مما فعلت. و تلاقت نظرات الامرأتين { هكذا} : فمنذ هذه اللحظة تعرف كل منهما أنها عدوة للأخرى.ثم حمل إليهما بعض الحلوى التي صنعت من اللوز والعسل،وشاي مشرب بالسكر. "لتحلية حموضة الاستقبال على الأرجح" {مكتوب بخط صغير،وكأنه منقول من "مذكرات"} على ما فكرت به سلمى،وهي تبلل به شفتيها. وبدأت الراني تسأل عن صحة السلطانة أمها،وحياتها في بيروت،فأجابت دون انتباه كبير. وعندما رأت أن الحديث يطول،غامرت بهذا السؤال : - عفوك يا سيدتي،لكني متعبة من السفر. أفيمكن أن أنسحب إلى غرفتي؟فارتفع حاجبا الراني،كجواب على هذا الطلب.- ولكن غرفتك هنا،يا بنيتي،فخلال هذا الأسبوع،ستسكنين معي. ولكن ماذا بك،أليست الغرفة واسعة بشكل مناسب.وحملت الخادمات "غارارا"أخضر،زمرديا،فأعفاها ذلك عن الجواب.- خذي هذا،وغيري به ثيابك،فهذا اللون يناسبك إلى أعلى الدرجات. وأكثر من ذلك أنه لون الإسلام ...وأجابت سلمى مجروحة :- إني أعرف ذلك.- وإذن فأنت تعرفين كذلك أن أسرتنا تنحدر من النبي مباشرة،عن طريق حفيده الحسين. ونحن شيعة.{ورارنا ورانا؟!! حتى ونحن في هذه السياحة .. بعيدا عن الواقع ومشاكله!!} أما أنت فسنية بطبيعة الحال – وتتصنع آنئذ التنهد،بصورة مدروسة – ولكننا،على كل حال،مسلمون جميعا!"هذه الأفعى،على ماذا تريد أن تبرهن؟ على أني لست إلا غريبة،وأنها هنا تظل ذات الكلمة العليا؟". {مكتوب بخط صغير،وكأنه منقول من "مذكرات"}. غير أن مزاج سلمى لن يقاوم طويلا رغبتها في الحمام. فتتذكر أباريق الفضة،والماء الساخن المعطر،والرغوة ذات الألوان الناعمة،وزيت العنبر في زجاجات الكريستال. (..) - ولكن أين هي إذن السيدة غزاوي؟وأجابت الراني،مطمئنة:- لا تقلقي عليها. لقد أخذت تستريح. وهي تسكن في الجهة الأخرى من البهو،بعد الفناء الثاني من جناح النساء.- كيف؟ إن هذه مرافقتي! ويجب أن تبقى معي!- أوليس لديك ما يكفي من الخادمات؟ يمكنك أن تحصلي على عشرة،أو عشرين،وبقدر ما تردين. وإن لم يعجبنك،فنستبعدهن،ونأتيك بغيرهن.وشعرت سلمى بأنها على وشك أن تبكي. فالسيدة غزاوي و زينل هما صلتاها الوحيدتان مع الماضي. وبدونهما تشعر بالضياع. ولكنها تفضل أن تموت في مكانها،على أن تعترف بضعفها. وهنا تظهر بسمة صغيرة على شفتي الراني،فتسأل : - أولستِ على ما ينبغي معنا هنا؟ نحن أسرتك منذ الآن : ويجب أن تنسي الباقي.وتسكت سلمى. وقد سجل الخصم نقطة. فهل في وسعها أن تقضي ثمانية أيام مع هذه المرأة،وتحت بصرها الثاقب،السيئ النية؟ تصبرين إذن ثمانية أيام،وأمير يكون هنا،وستشرح له ما يعنيها،وتساعدها. وبانتظار ذلك،لعل رشيد خان .. بطبيعة الحال،هذا هو الحل! فكيف لم تفكر به من قبل؟ وتنتصب،وتسأل بصوت تريد أن يكون واثقا من نفسه :- أيمكن أن نخبر رشيد خان،بأنني أود أن أكلمه.- تكلمين من ..؟ اعرفي،يا أميرة،أنه إذا كان سكرتير أخي قد ذهب لاستقبالك في بومباي،فذلك لأنه كان لابد من رجل لمواكبتك. ولكن لا مجال لك بعد الآن لرؤيته ثانية. فالرجال لا يستطيعون الدخول إلى الزنانا (جناح النساء).{هنا سجل الخصم"ثلاثية" لا نقطة!!}وبحجة الإرهاق،نزلت سلمى إلى الحديقة،وسحبت الوشاح،الذي كان يحجب عنقها،بعض الشيء. إنها تختنق. وسجينة،إنها سجينة. وكعمياء رمت نفسها في الفخ. ولكن الوقت ما زال يسمح بالخروج منه. وستعود عن عزمها. إذ ليس في وسعهم،على أي حال،أن يحتفظوا بها عندهم،بالقوة! وجلست على العشب،وحاولت أن تسترد أنفاسها. فإذا بيد توضع بيدها.- لا تخشي شيئا،هوزور. فالراني ليست بهذا السوء. إنها تريد فقط الحفاظ على التقاليد. وبدون ذلك فالمجتمع كله سينهار.وكانت هذه امرأة الحاكم التي لحقت بها،وعلى وجهها المستدير نظرة حلوة.- اصبري،أسبوعا فقط. إن زوجك المقبل رجل عصري،كإنكليزي تقريبا! ومتى كنت معه،صرت حرة،ستكونين السيدة الأولى. ولن يكون للراني عزيزة ما تقوله. وهي تعرف ذلك جيدا ولهذا فإنها تبدي المرارة،أسبوعا واحد،هوزور. ولاشك أنك تستطيعين بذل هذا الجهد.وتفكر سلمى : إنها على حق. وإذن فلن أدع نفسي تمّحي،بسبب هذه المرأة. وبقلب طيب تبتسم. إلا أن توترات هذا اليوم كانت عنيفة. وعلى شفتيها،كانت البسمة ترتعش. ونسيت مقامها كأميرة إمبراطورية،واستسلمت للبكاء.){ص 368 - 372}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله. (الحبر،ويحك،نور أسود،وكنز سائل وهو عطر الدفاتر وشبع الفراغ وري البياض وغيث الورق)الأمين نخلة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  10. #20

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"19"
    في واقع الأمر،لا بيروت،ولا إستانبول : (وفي اليوم التالي عُرف أن الراني عزيزة مريضة،وأنهم وضعوها في الطرف الآخر من الزينانا،وأنها لا تريد أن ترى أحدا. ولن تعرف سلمى أبدا ماذا حدث،إلا ما يتعلق بأن الراجا غضب،ولأن{هكذا} أخته اضطرت لمسايرته لأول مرة. وقد أفاد تمرد سلمى،في رفع نفوذها ومقامها،أكثر من كل ما كانت قدمته من مجاملات كثيرة. فالنساء اللواتي لم يكن يتعرفن إلا على الراني،ويتبنين بصورة عمياء عواطفها الطيبة والسيئة بنفس القوة،صرن – خلافا للعادة والتقاليد ،التي تقضي ألا يكون للشابة الزوجة أي صوت في الميدان – صرن ينظرن إليها وكأنها هي سيدتهن الجديدة. وجاء بعد الصاغة باعة البروكار،والحرير،والدانتيل،يعرضون ما عندهم. وفي البهو كان كل هذا العالم الصغير يشتغل في التفصيل،والخياطة،والتطريز. إذ يجب أن يتهيأ جهاز العروس،خلال خمسة أيام،وهو عادة يهيأ خلال سنين كثيرة،بصورة مسبقة،وأن تهيأ الغرارات (الملاءات الخاصة بمسلمي الهند) والشيكان كرتاه Chekan Kurah،أي القمصان المصنوعة من اللينون الناعم،الناعم،والتي يمكن لفرط النعومة أن تدخل في خاتم،وأن تكون جاهزة تلك الروبوتراه Ruputrah– أي فرو الكتفين المحلى بالذهب واللآلئ – التي تخفي الأشكال التي تكون وراءها.وما من مرة بذلت هؤلاء النسوة،الكسولات في العادة،مثل هذا الجهد. ولقد طلبن مساعدة القريبات والجارات،وتحولت الزينانا كلها إلى معمل،إذ لا يكفي أقل من مئة مجموعة من الثياب،كجهاز أساسي. أما بالنسبة إلى أميرة الأحلام هذه،التي لا يكل أحد من الحديث عن جمالها،فهل تعتبر ثلاثمئة منها مجموعة كافية؟ ولكن النساء الأكبر سنا يروين،مع تكشيرة استصغار،أن جدة الراجا الحالي،لم تلبس مرتين نفس اللباس،وأنها عندما ماتت بعد عشرين سنة من الزواج،كانت هنالك عشرات من الحقائب من جهازها لم تفتح بعد : أما ثلاثمئة غاراراة،فهذا بؤس كبير! ){ص 377 }.أعلم أن الوقت ... وقت (فرح) ومع ذلك لم أستطع أن أتجاوز عبارة ظلت تقرع أذني .. أو ذاكرتي .. وأنا أقرأ هذا الكلام .. تلكم العبارة،قالها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. حين وجد أحد ولاته يعلق (ستائر) على جدار بيته ... مجرد (ستارة) ... فلامه قائلا :تعلق ثياب المسلمين على حائطك؟!!ولو كانت بادلبور .. خالية من الفقراء - فقرا مدقعا - فربما اعتبر الأمر – ما لم يصل حد الإسراف – من باب المباحات ... ولكن .. ولكن نعود إلى تجهيز سلمى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيواشتدت المناقشات : ترى هل يجب تأخير الزواج لكي تعامل الراني المقبلة،كما تستحق؟ فهذه سلطانة،حفيدة خليفة،تشرفنا بالانضمام إلى أسرتنا،ويقدم لها جهاز واحد؟ مسكينة. ترى ماذا نعمل؟ والراجا يأبى أن ينتظر يوما واحدا إضافيا. فلقد أصبح قليل الصبر. "كواحد من الإنكليز". وتشكو العاملات. ولكنهن في الواقع يختنقن من شدة الزهو. ذلك أن هذا الزواج يضع بيت بادلبور على نفس المستوى الذي استقرت عليه أسرة نظام {في الهامش : نظام : ملك. ولم يكن في الهند إلا نظام واحد،هو نظام حيدر آباد.} أي الملك الأغنى والأقوى في البلاد. (..) وهنالك فتاة واحدة تبقى بعيدة عن كل هذا الصخب. إنها ممتلئة،والبشرة من لون الحليب،والشعر الأسود المزيت جدا،ينزل على ظهرها حتى منخفض الكليتين. ولهذا فهي تعتبر هنا،ما اصطلح على تسميته،باسم "الفتاة الجميلة"،على الرغم من أنفها المدور بعض الشيء،وذقنها الثقيلة،ولقد بقيت سلمى مدة طويلة،قبل أن تفهم أهم معيار جمالي،هو بياض البشرة،وأن المرأة التي تملك أنعم القسمات،تعتبر بشعة،إذا كان لون بشرتها قاتما.){ص 377 - 378}.مع أننا لسنا في (خلطة كتب)،إلا أن عبارة (بشرتها قاتمة) عادت بي إلى سياحة سابقة. فرغم أن سلمى تتحدث عن فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية،إلا أننا نجد العبارة نفسها مستعملة بعد سنة ألفين بقليل!! كل شيء .. أو معظم الأشياء تغيرت في الهند .. إلا !!! تقول السيدة (بُقول) – هل يتذكر أحد تلك الأمريكية،خفيفة الظل؟! – والتي نقلت لنا حوارا لها مع صديقتها الهندية نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيسألت تولسي ما الذي يجعل زواج الفتاة الهندية صعبا،فقالت كثير من الأسباب. "إن كان طالعها سيئا. إن كانت كبيرة في السن،إن كانت بشرتها داكنة جدا. إن كانت متعلمة إلى حد يصعب إيجاد رجل أعلى مركزا منها،وتلك مشكلة شائعة هذه الأيام لأنه لا ينبغي على المرأة أن تكون متعلمة أكثر من زوجها. أو إن أقامت علاقة مع شخص وعرف بها الجميع،آه،يصبح من الصعب عليها إيجاد زوج بعد ذلك ..".رحت أفكر على الفور إن كان من السهل عليّ إيجاد زوج في المجتمع الهندي. لا أدري ما ذا كان طالعي جيدا،ولكنني بالتأكيد كبيرة جدا ومتعلمة جدا وأخلاقي ملطخة علنا .. أنا لا أشكل عروسا محتملة. على الأقل بشرتي فاتحة،هذا كل ما لديّ في رصيدي.){ص 221 - 222 (طعام .. صلاة .. حُب) / إليزابيث جيلبرت / ترجمة : زينة إدريس / مراجعة وتحرير : مركز التعريب والبرمجة / الدار العربية للعلوم : ناشرون / مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم}.ولكن لماذا يعشق الهنود اللون الأبيض؟! ذلك ما سيعود بنا إلى سلمى .. (ولقد بقيت سلمى مدة طويلة،قبل أن تفهم أهم معيار جمالي،هو بياض البشرة،وأن المرأة التي تملك أنعم القسمات،تعتبر بشعة،إذا كان لون بشرتها قاتما. وهذا انتباه كبير يمنح اللون الذي يكشف – على حد ما شرحوا لها – نبالة الأصل من عدمه،بأكثر من أي شجرة نسب. ذلك أنه إذا كان غزاة الهند،من آريين،وعرب،ومغوليين- كلهم بيض البشرة،فإن السكان المحليين كانوا سمرها. ومن هنا جاء التعادل،الراسخ بقوة في الوعي العام،وهو أبيض"عرق السادة". وأسود"عرق العبيد".وعلى مرأى من سلمى،أدارت الفتاة وجهها،بشكل بين،بارز. "ترى؟ .. بلى حتما،ويجب أن تكون هذه بارفان. وفي هذه الأيام الأخيرة،دُهشت من أنها الوحيدة،خلافا لغيرها،التي لم توجه إليّ الكلام. مسكينة هذه الصغيرة! .. لقد رُبيت على فكرة الزواج بالراجا،الحلو،وعلى الأرجح فإنها كانت تهواه. وها إن قادمة جديدة،ليس لها من ميزة،إلا أنها من أصل محترم،هي التي تحرمها من تحقيق أحلامها!" "وماذا سيكون من أمرها؟ كانت موعودة لرجل. ثم اطرحها بعيدا،فمن يريد أن يتزوج بها الآن،وأية أسرة مناسبة ستغامر بطلبها للزواج،على حين أنها،كما يقولون"ملوثة"بحكم رغبة إنسان آخر. وفي ذهنهم الضيق،أنها ليست عذراء تماما!"{كتبت هذه الأسطر بخط أصغر،كأنما نُقلت من "مذكرات"}.وعبثا ستحاول سلمى أن تتقرب من الفتاة (..) ومشاغل سلمى كثيرة هذه الأيام. وعندما كانت تتجول في الممرات،لاحظت بهلع أنهم كانوا يهيئون غرفة عرسها،في وسط الزينانا،تماما إلى جانب غرفة الراني. وهكذا فإن هذه الأخيرة،يمكن أن تراقب على راحتها كل حركات العروسين. - ترى هل الراني التي أتزوجها،أو هو الراجا؟وهكذا انفجرت ذات صباح،عندما اتجهت إلى امرأة الحاكم.- أوليس في هذه البلاد مكان للحياة لخاصة. ففي تركيا عندما كانت إحدى السلطانات تتزوج،كان لها قصرها،وخدمها،وكانت مستقلة.- أرجوك،هوزور. إن هذه تفاصيل. وكل شيء سيتم على ما يرام.وبفضل الله،ليس عندك إلا بنت حماة واحدة. ولو أنه كان عندك حماة،فإن أعظم الأزواج حبا لم يكن ليستطيع عمل شيء،ضد إرادتها .. ولكن لِمَ تريدين أن تكوني وحدك؟ وهل في الحياة شيء أتعس من ذلك؟ فهنا،عندما تنشأ لنا مشكلة فإن الأسرة تنضم إلينا للمساعدة،وحل المشاكل نيابة عنا.وصرخت سلمى مزعوجة :- أما هذا فلا،وعلى الأقل اتركوا لي مشكلاتي.ورأت البيجوم أن من الأفضل أن تغيب عن وجهها. والتدليك شيء لا مثيل له للروح،كما هو كذلك بالنسبة لأمراض الجسم. وتقتنع سلمى بهذا مرة أخرى. فهمومها،تحت الأيدي المرنة والناعمة تتطاير مزقا،وتصبح تفاهات. وبلذة كبيرة تترك إماءها يدهن جسمها بمعجون أصفر،معطر،يتألف من حبوب الخردل الممروث بالحليب،والتوميريك Tumeric وستة أنواع من البهارات المطحونة جيدا،,بنشارة خشب الصندل وبأنواع نادرة من العطور. وبهذا المعجون يطلى جسمها من القدمين حتى جذور الشعر. ثم يفرك جسمها به فركا قويا،حتى يصبح كل مليمتر من جسدها كالساتان النقي،وحتى تفوح مسامها كلها برائحة علوية. ولا يسمح لها خلال خمسة أيام بعد ذلك أن تغتسل. وقد ذهبت احتجاجاتها على ذلك،أدراج الرياح. ذلك أنهم قالوا لها يجب ترك المرهم العجيب،الذي يُحتفظ به للأزواج الجدد،حصرا،حتى يدخل في اللحم،ويصفي الدم. وفي صباح يوم الزواج،وعندما يسمح لها بالاغتسال في الحمام،ستخرج منه رائعة،كالفراشة التي تولد من الشرنقة بعد نضج طويل. (..) "راني بيتا قد وصلت"{في الهامش : بيتا أو Bita هي فتاة المنزل.} وعندئذ تنطلق صرخات في جنبات البهو. ولكن ماذا يحدث أيضا. هاهي غائبة في حلمها،مستندة إلى كتف أمير الذي يداعب شعرها. فتغمض سلمى عينيها،وتتعلق بعناء بالصورة اللامعة،فلا تكاد تشعر إلا بيد خفيفة،تأخذها من ذراعها،وبصوت يقول بلغة إنكليزية صافية :انظري إليّ،أبا Apa. أنا زهراء،أختك الصغيرة وجثت على ركبتيها،فتاة نحيلة تبتسم. فترتجف سلمى. وصحيح أنهم حدثوها عن أخت للراجا،أصغر منه بعشر سنين،موجودة الآن في بادلبور لدى جدتها لأمها،المريضة. فتفحصت وجهها العريق،وعينيها الحالمتين. يا الله،ما أجملها من فتاة. وكم هي شبيهة بصورة أمير. ولكن زهراء،من جهتها،لا تخفي إعجابها،وتقول :- إنك جميلة! (..) وفي الأيام التالية ستقوم زهراء،بما لها من جاذبية،ومرح،بتمهيد صعوبات كثيرة أمام سلمى. لقد رُبيت على يد معلمة إنكليزية – وهذا ما قضى به أمير،رغم التقاليد التي ترى أن الدراسة المعمقة،تأتي بالبلاء للفتاة،وهي مولعة بالأدب الأجنبي. إذ لقد قرأت كيتس Keats ،وبيرون،وستاندال،وبلزاك كله،وعلى الرغم من أنها لم تخرج قط من الزينانا،إلا في عربة مغلقة تأخذها إلى زينانا أخرى فإنه يبدو أنها تعرف الدنيا. (..) وفي هذا الصباح أوقظت سلمى على شعاعات الفجر بضحك بعض الفتيات. وكان الجو لا يزال رطبا،والياسمين،على طول الشرفة،يعطر الجو. ولكن لِمَ هي تعيسة؟ والنهار جميل! آبا،استيقظي،وهاتي يديك ورجليك لكي نرسم عليها بالحناء كل بشائر السعادة. وافتحي عينيك على أجمل يوم في حياتك.وكن فرحات،وبدأن عملهن حول السرير،وهن يغنين أغاني الحب بصوت خفيض،وهي أغاني ينبغي،تقليديا،أن ترافق تجميل الزوجة قبل زواجها. (..) وكما لو أنها في حلم ترى الراني عزيزة تقترب،وتربط في رسغها سوارة ناعمة من القماش وتنطق ببطء تلك العبارات التي كرستها القرون :- أعطيك هذه السوارة. وهي تحتوي على أرز يحمل إليك الهناء والسعادة،وعلى عشب يؤمن الخصب،وخاتم من الحديد،هو ضمان الوفاء.وتحركت أوتار قلوب النساء،فسكتن : إنهن يتذكرن. وفجأة دوت ضربات ضخمة قرعت الباب البرونزي الذي يفصل الزينانا عن أجنحة الرجال. وتندفع الفتيات بصرخات الفرح،وفي أيديهن وردة : إنه الخطيب،وهو يحاول أن يدخل ليخطف الجميلة،وهن مكلفات بدفعه عنها بضربه بعنف بالأزهار. وبعد محاولة أو محاولتين غير ناجحتين،يتراجع الخطيب مكللا بالسخرية،ويعود إلى أقربائه ومعارفه،المجتمعين في "الإيمام بارا"العائلية،وهو معبد من الرخام والموزاييك،مجاور للقصر،حيث يحتفل دينيا بالزواج. ولقد تركت سلمى وحدها في غرفة تقع فوق بهو النساء. وهناك تستعرض الخطيبة عادة،وهي محاطة بأعز صديقاتها،تستعرض ذكرياتها كمراهقة،وتذرف بعض الدموع على الحياة التي ستتركها. ولكن صديقات سلمى بعيدات و .. هي لم تعد تحب البكاء. (..) ترى كم يجب على سلمى أن تنتظر. إنها لا تعرف شيئا عن ذلك. والسيدة غزاوي،الجالسة إلى جانبها تضيق ذرعا،لاسيما وأن ضجة أدوات المطبخ المشيرة إلى بدء حفلة الطعام،تصل إليها. وتعبر عن ذلك بقولها :- إن هذا مخجل. فكل الناس يستمتعون،ويحتفلون،ويتركونك وحدك! إنهم برابرة. فاعدلي يا أميرة عن هذا الزواج اللا معقول. فما يزال أمامك متسع من الوقت.- اسكتي.ولم يكن مزاج سلمى يسمح لها بالاستماع إلى شكوى مرافقتها (..) – استيقظي يا آبا {في الهامش : أبا APAالأخت الكبيرة.} فالمولوي يصل عما قريب. وزهراء هي التي تقول هذا بصوتها الشفاف.وتقوم النساء حول سلمى بإسدال ستائر واسعة،حتى لا يراها الشيخ. ولكن أين هو الخطيب؟ وبدأت زهراء تضحك من قلق الفتاة. - مالك،يا آبا؟ غدا سترينه. غدا؟ إن سلمى لم تعد تفهم،ولكن لم يعد هنالك وقت لطرح الأسئلة. وتنظر فترى في الجانب الآخر من الستارة،صخبا عنيفا،وهمسا،وسعالا. وأخيرا،من داخل الصمت،يرتفع صوت أجش،يتلو آيات من القرآن. وفجأة تسمعه يناديها ويقطّع كل كلمة من كلامه،ويقول : يا سلمى بنت خيري رؤوف،وخديجة مراد السلطانة. هل تقبلين بأمير،بن أمير علي من بادلبور،وعائشة سليم آباد زوجا لك؟ هل تقبلين؟"كلا .. لا أريده".){ص 378 - 383}.إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ومضة بل مشهد من كتاب "حياة أميرة عثمانية ..."
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-26-2016, 12:32 PM
  2. حياة أميرة عثمانية في المنفى
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 05-22-2015, 12:50 PM
  3. المنفى – ريتشارد نورث باترسون
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-01-2013, 10:35 AM
  4. مشاهدات عائد من المنفى إلى منفاه
    بواسطة عماد على قطرى في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-09-2010, 09:17 PM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2008, 04:36 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •