2
الروح : روح الراء والواو والحاء أصل كبير مطّرد، يدل على سعة وفسحة واطّراد. وأصل ذلك كلّه الرّيح، وأصل الياء في الرّيح الواو، وإنما قلبت ياءً بكسرة ما قبلها. فالرّوح رُوح الإنسان, وإنما مشتق من الريح, وكذلك الباب كله، والرَّوح نسيم الرّيح ، ويقال أراح الإنسان، إذا تنفَّسَ،..5.
قلت أن النفس البشرية ضمن قانون الجعل ( الصيرورة) تحولت إلى نفس إنسانية وهو ماعبر عنه القرآن ( بنفخة الروح) وهو التحول الذي أستمر ملايين السنين لحين توفر الشروط المادية والمعرفية للنفس البشرية في صيرورتها نفساً إنسانية وكان ذلك بداية مع آدم أبو الإنسانية وليس والدها أي البشر الذي تحول إلى إنسان باكتمال بناءه المادي والمعرفي ( وبدأ خلق الإنسان من طين. ثمَّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثمَّ سوَّاه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلاً ما تشكرون). لاحظ كيف يعمل قانون الجعل ( التطور) =( ثمَّ جعل ، ثمَّ سوّاه وجعل).
فما هي نفخة الروح، التي بها صار البشر إنساناً ؟.
نفخ :النون والفاء والخاء أصل صحيح يدل على انتفاخ وعلوّ . منه انتفخ الشيء انتفاخاً، ويقال انتفخ النهار : علا, ونفخة الربيع: إعشابه, لأن الأرض تربو فيه وتنتفخ. 6.
فإذا قرأنا النفخ على أساس العلو في الشيء أي إنه كان في مرتبة دنيا وأصبح في مرتبة أعلى تحقق المراد من النفخ . أما الروح والتي بواسطتها إنتقل الإنسان من مرحلته البشرية ( الأدنى) إلى مرحلة الإنسان ( الأعلى) فهي وحسب تعريف القرآن لها : من أمر ربي . فما هو أمر ربي ؟.
أمر: الهمزة والميم والراء أصول خمسة: الأمر من الأمور, والأمر ضد النهي، والأمر النّماء والبركة بفتح الميم , والمَعْلَم ، والعَجَب.7
فأي واحد من الأصول الخمسة يعطي المعنى المطلوب ، أقول الأصل الرابع المَعْلَم : الأمارة العلامة ، والأمار أمار الطريق معالمه ، والأمر واليأمور العَلَم أيضاً.8. فيكون معنى الروح : العلامة على الرب في هذا المخلوق الذي أسمه الإنسان . وبتملكه لهذه العلامة أرتفع إلى منزلة عالية وهي هي النفخ . فنفخة الروح : هي العلامة الدالة على الرب والتي إرتفع فيها البشر إلى مقام الإنسانية الرفيع وهو هو مقام الخلافة في الأرض له سبحانه وتعالى. وهي هي المعرفة وهو مانقرأه في الآيات المرتلة أعلاه . وهي على مستويات عدّة كما النفس الإنسانية كذلك. ولها أدواتها المعرفية الخاصة أيضاً ، وهي تخضع لقانون الجعل ( الصيرورة ) كما النفس الإنسانية !. أول ممارسة عملية كانت مع آدم كما يقرر القرآن وبها أنتج اللغة وأعطى للأشياء المشخصة أسماءها بعد تميزها ( وعلّم آدم الأسماء كلها) من خلال الصوت المقطع ( النبأ) فكانت أول عملية تجريد معرفي للوجود قام به الإنسان آدم بعد أنسنته . وهو تمييزه للأشياء المادية الخارجية بعضها عن بعض بتسميتها بواسطة المقطع الصوتي
النبأ , وبعد ذلك إنتاجه لمفهوم التوبة الممارسة الجنينية الأولى للنقد الذاتي , معرفة الخطأ في الممارسة أو التفكير والإقرار بذلك وتصحيحه. وهذا كله من آثار ( نفخة الروح) وهي كما أقرأها تمثل الميزة المعرفية الأصيلة التي وهبها الله للإنسان فنستطيع القول : بشر + معرفة = إنسان أو بشر + نفخة الروح = إنسان . فكلا المعادلتين صحيح . أما كيف تكون للروح مستويات مختلفة وكيف تتطور فهو مانقرأه في الآيات المرتلة أعلاه حيث نجد هناك : الروح من أمر ربي ، مطلق أمر ، وبعد ذلك يفصل لنا القرآن عدّة مستويات للأمر : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، دلالات ومعالم متعددة ( من كل أمر)، والأخرى ( بالروح من أمره) ، والثالثة (الروح من أمره) ، والرابعة ( روح منه) ، ( وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه) ومستوى آخر ( بروح القدس)، (نزله روح القدس)، ومستوى آخر ( نزل به الروح الأمين) ، ( أوحينا اليك روحاً من أمرنا) ومستوى آخر ( من روحي)، ( من روحه) ، ( من روحنا) ، ( من روح الله) , ( يوم يقوم الملائكة والروح صفاً) والأخيرة توضح علاقة التلازم بين الملائكة والروح وهي هي المعرفة التي تميز بها الإنسان عن باقي المخلوقات واستحق بها وسام الخلافة له سبحانه .فهل الفرق فرق كمي أم نوعي أو بمعنى آخر هل أن كل روح تحمل معلم محدد من الرب به يتحدد ويتميز جانب من الربوبية ؟ الإثنين معاً وإلا لافرق معرفي بين أبناء يعقوب ويوسف ويعقوب نفسه ، وبين عيسى وأمه والذين آمنوا، وبين محمد وبين أتباعه من المؤمنين. إذن هناك الروح العامة المشتركة بين بني الإنسان وهي التي ينتج بها المعرفة ، وروح للمؤمنين ليثبت إيمانهم وروح للإنذار ( النبوة) ، وروح للإحياء( روح القدس) ، وروح للإخصاب, معالم متنوعة للربوبية وهو هو التميز المعرفي للقانون الكوني للخلق والذي تمثله الربوبية وهو ضرورة معرفية لإنتاج المعرفة نفسها فكما قررت في الحلقات السابقة حول التنزيل والإنزال عن ضرورة التمييز المعرفي للمستويات الوجودية لعملية الإنتاج المعرفي لها. وهي عملية لاتتم إلاّ بأدواتها هي وهي الروح !.
مسألة أخرى لاحظ أنه لاروح دون تميز وتمييز من قبل الوجود المعرفي للإنسان في مستواه الإنجذابي ( الملائكة) أي لايمكن إنتاج معرفة حقيقية دون ذلك وهنا نفهم عدم ذكر الشيطان مع الروح ، بل بالعكس قرأنا على لسان يعقوب تحذيره لإبناءه بعدم اليأس من روح الله وعزا ذلك أي اليأس إلى الكافرين وهو من الكفر = نكران الوجود الموضوعي والستر والتغطية.فهما النقيضان في بنية الوجود المعرفي للإنسان كما تقرر. فبالإنجذاب إلى الروح ننتج الحق وبالإنتباذ عنها ننتج الباطل .
*;81,2,3,4,5,6,7 ابن فارس : المقاييس في اللغة