تقدم الأمير إلى المنبر وهو يوزع نظراته وابتساماته على جميع الحاضرين وقد تملكه اليقين بأن لكلمته التي سيلقيها

كل الصدى والأثر في قلوب المستمعين لها وكانت تلك الابتسامات والنظرات هي عنوان تلك الثقة .

جمع الأمير أوراقه المبعثرة بسرعة عشوائية ٍ غير منتظمة وبعد أن انتهى من ترتيبها أمعن النظر مجدداً بالحضورثم بدأ بتلاوة كلمته بزهوٍ واغترار قائلاً :

في البداية دعوني أتوجه بأسمى آيات الشكر والعرفان بالجميل إلى ملكة العشق لاستضافتها لنا في رحاب مملكتها

الساحرة و إن شعبي لينظرُ بإعجاب واستحسان كبيرين اتجاه جهودها الرائعة في نثر بذور الحب في كل مكان يصل

إليه عبير عطرها الفواح باعثة الأمل بمستقبل واعد لكل عُشاق العالم واسمحوا لي أيّها السادة أمراء دولة العشق

الكرام أن أنّتهز هذه الفرصة الذهبية التي لا تسنح لنا في كل عام إلا مرة واحدة لأعبّر لكم باسمي وباسم معشر

العشاق في دولتنا عن مشاعر الودّ والشوق التي تنتابنا عند لقياكم بخير سالمين أما بعد :

أيّها السادة تلك كانت توطئة يقتضيها الواجب علينا ويفرضها منطق الكلام عندنا فلا مناص من الورود إليها قبل

عرض مذهب دولتي المجيدة في الحب و إنه ليطيب لي أمام جمعكم الكريم هذا أن أدعوكم أن تجربوا ولو لمرة واحدة

الاستجابة لنداء أهواءكم أولاً دون أن تكترثوا أو تعبؤوا بكل تلك القيود الاجتماعية والدينية والاخلاقية التي تكبل

حرية تلك الأهواء وأن تفكروا جيداً في تلك المتعة واللذّة التي نستجديها دائماً عبر التزامنا المُطلق بالقواعد المُتحررة

و المُتجددة التي يسنّها و يشرّعها لنا المُؤسس الأول لدولتنا إبليس دام لنا عونا وذخرا ونارا تنير لنا كل دروب

الظلام المودية إلى رذائل الحب والعشق ولعلّ جهودنا في هذا العام لا تكون كسابقيها فتؤتِ ثمارها في إقناعكم

بالإبحارِ معنا على متن سفينة الحب المحررة من كل ما يعيق رحلتها نحو شواطىء العشق المظلمة .

إن تلك التحفة التي يُقال لها امرأة هي التي تجبر قلوبنا على القيام بمهمة الخفقان مرتين فإذا كانت الأولى من فعل

دورة الدماء في الجسد فإن الثانية لم تأتِ إلا من قوة تأثير تلك التحفة على تلك الرحلة لتجعلها مُتسارعة مُضطربة

ثائرةً هائجةً وإذا كانت الغريزة الجنسية قد أوجدها الله عند البشر كضرورة سببية حتمية لاستمرار النسل وبقاء

النوع الإنساني على هذه الأرض فإنّها عندنا ما وجدت إلا لتكون أولاً من أهم طقوس الحب .


إننا نستقي قوانين العشق من ثقافة الجسد الجميل الآخذ بالألباب والأبصار والفاتن لكل إنسان يسري في عروقه حب

الجمال إذا ما ارتدى ثوب الأنوثة الوقحة ولأجل ذلك كثيراً ما نسعى لتلبية نداء تلك الرغبة والمضي قُدماً في طلبها

أينما كانت الفرصة مُواتية لإشباعها وسواء أسلُكت عملية الإشباع طرقاً شرعية أم لا فهذا آخر ما نفكر به أو نحسب

له حساباً أو نقيم له وزنا فالعين إذا ما عشقت ثبت لها حقُ النظر بتلذذٍ ومتعة و نهمٍ وشهوة لمفاتن ذلك المخلوق

الرائع والأذن متى عشقت كان لها أن تسكر طرباً ونشوة بصوت من تحب سواء أتنصت وتجسست لتستمع له أم

نامت على أكتاف سماعة الهاتف بعد منتصف الليل أو أن تستدعي صوته الشجي وطيفه الجميل عبر استماعها

للموسيقى الصاخب منها كقرع طبول الحرب أو الخافت منها كفحيح الأفاعي أو لأغاني ترسم ألفاظها صورة قبيحة

لمعانٍٍ أقبح وهكذا يكون التعبير عن ذوقنا في الحب فالكلمات التي ترددها القينات هي التعبير الصادق عن سرائر

أنفسنا وعن الآهات والأحزان التي تنتابنا عند غدر العشاق وعن مشاعر البهجة والسعادة التي نسعد بها عند لقاء

الأحبة وأمّا مزامير أبانا الموسيقار إبليس فهي تارة تعمل عملها في العيون فتجبرها على ذرف الدموع حزنا

وحسرة على ضياع أحلام العاشقين وتارة أخرى تعمل عملها في حركات الجسد فتجبره على الحركة والرقص ابتهاجا

وانتظارا لساعة اللقاء مع حبيب طال انتظاره .

ومنّا من يرى في الوشمِ أجلّ و أصدق تعبير عن مقام المحبوب في قلبه فيقدم أجزاءً من جسده كقرابين يتقرب بها

ممن يحب زلفى فيحفر أخاديد الألم على يديه وقدميه وكتفيه وصدره راسماً ما يعتقد أنه البُرهانٌ المُثبت بالأدلةً

على صحة دعواه في الحب ويكون ذلك الوشم المزخرف شعار حُبه الذي يتباهى به أمام حبيبته أولاً وجميع العشاق

ثانياً .

ومنّا من توصل إليه شياطين الشعر من معاني الحب أرذلها و أقلها شأنا ومرتبة فينظم القصائد و يقص القصص

جاعلاً من الحب مجرد قيمة مادية محسوسة فحسب مُجرداً إياه من كل معانيه المعنوية السامية مُغلفاً تلك البضاعة

الفاسدة الرديئة بكلمات بالية وعبارات مُهترأة .

ومنا من تراوده نفسه بالانتحار إذا لم تنتهِ قصة حبه بالظفر بالحبيبة أو قالت الأقدار كلمتها ورمتها

بسهام المنية حيث تصبح الحياة عنده كالماء لا رائحة لها ولا لون ولا طعم وتُصبغُ كل الألوان عنده باللون الأسود

فلا قيمة ولا معنى لبقائه على قيد الحياة من دونها وإذا كان ذلك من حماقة الحب فإن من جنونه

وجنوحه إقدام العاشق منا إذا ما ارتمت معشوقته في أحضان أو قلب غيره إلى قتلها و إزهاق روحها

بألم ولكن بعناد بأسى ولكن بتشفي يسارع للندم لكنه يدفن ذلك الندم في مقبرة كُتب على بابها ( مقبرةُ الخونة )

إننا في دولتنا أيُها السادة لا نعبأ بمشاكل العصر ومآسيه فمفهوم الإحتلال عندنا هو احتلال قلوبنا من قلوب أرادت

استعمارها وتعذيبها ومفهوم الخيانة عندنا هو خيانة من نحب ومفاهيم الفقر والتشرد عندنا هي في افتقارنا لقلب

يستحق أن نحبه وأن نبذل له أواقتنا ودموعنا وقصائدنا هكذا هي مفاهيم الحياة عندنا تدور دورتها الطبيعية بين

كل الناس لكنها لا تأتِ إلينا إلا خاضعةً لمذهبنا في العشق على إطلاقه

وبلغ بنا الإفراط والإسراف إلى أن بات المعشوق عندنا أحب إلى قلوبنا من خالق تلك القلوب وإن ادعت ألستنا

بخلاف ذلك وما أقوالنا و أفعالنا إلا تبياناً صادقاً لتلك الحقيقة و باتت حياتنا عذابا وعقابا لنا حتى رثى أحد أجدادنا

القدامى حالنا هذه فأنشد قائلاً :

فينا تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقا إاليهم وتسخن عينه عند التلاقي

وهكذا أيّها الأمراء أتمنى أن أكون قد وفقت في بيان دستور الحب في بلادنا وسأترك لكم حرية التفكر في مذهبنا في

العشق القائم أساساَ على دعائم الحرية المطلقة وإلى لقاء آخر..........دمتم سالمين



أخوكم أمير دولة العشاق الظالمين لأنفسهم


ثم عاد الأمير إلى كرسيه المخصص له وقد انتفخت وجنتيه وكأنه قد ألقى خطبة عصماء أمام أحد ملوك الأرض أما

بقية الحضور فقد علا في القاعة صوت أحاديثهم الجانبية الخافتة والمُحتدة والتي عكست بانفعالاتها تباين واختلاف

رؤيتهم وتقييمهم لكلمة ذلك الأمير وما احتوته من أفكار ومبادىء وما قطع صوت تلك الجلبة إلا صوت مطرقةً

صغيرة بيد ملكة العشق مُعلنة انتهاء تلك الجلبة وما أن استجاب الجميع لتلك الطرقات التي حمل رنينها لحن

الصرامة والهيبة حتى قالت بعد أن شكرت أمير دولة العشاق الظالمين لأنفسهم على كلمته :

والآن أيُها السادة دعونا ننصت لكلمة أمير دولة العشاق التائبين وعاصمتها000000التوبة



يتبع










هذا وما الفضل إلا من الرحمن






بقلم.........صاحب القلم