من ذات الكتاب
نجوم في فلك النبوة
اختصر واكتب
عبد الله بن حذافة السهمي
ابن قيس بن عدي بن سعد السهمي القرشي
كان من أوائل السابقين إلى الإسلام و كان من المهاجرين الأولين إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة و كان له دعابة شهر بها و قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه صاحب مزاح فقال : (( اتركوه فإن له بطانة بحب الله الله و رسوله )). وجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة من الصحابة و قال لهم : (( أما بعد فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنوا اسرائيل على عيسى بن مريم )) و كان ذلك في السنة السادسة للهجرة. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : نحن نؤدي عنك ما تريد فابعثنا حيث شئت. و كان منهم عبد الله بن حذافة فقد اختير لحمل رسالة النبي إلى كسرى ملك الفرس . دخل عبد الله بن حذافة على ملك الفرس مرفوع الهامة و أعطا كسرى باليد الكتاب و قرأه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس , سلام على من اتبع الهدى فما إن سمع كسرى هذا القدر من الكتاب حتى مزقه .فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخبره ما حدث فما قال إلا : (( مزق الله ملكه )) .و جاءت خلافة عمر بن الخطاب و بعث جيشاً لحرب الروم و فيه عبد الله بن حذافة فظفر الروم ببعض جنود المسلمين و من بينهم عبد الله فأسروهم و أخذوهم إلى قيصر عظيم الروم فنظر إلى عبد الله فرآه شاباً مرحاً قوي النفس لم يرى على وجهه أثر ملاقاة الأسير للملك فقال : يا عبد الله؟ تنصر أشركتك في ملكي و لك ما تحب و تختار فقال الأسير إن الموت لأحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه .فقال : إني لأراك رجلا شهما فإن أجبتني إلى ما أعرضه عليك أشركتك في أمري و قاسمتك سلطاني .فتبسم عبد الله و قال : و الله لو أعطيتني جميع ما تملك و جميع ما ملكته العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه و سلم طرفة عين ما فعلت . قال إذن أقتلك !! . قال: أنت و ما تريد ثم أمر به فصلب و قال لقناصته : ارموه قريباً من يديه و رجليه و هو يعرض التنصر فأبى .فأمرهم أن يكفوا عنه و دعا بقدر عظيم من الزيت و رفعت على النار حتى غلت و دعا إحدى أسارى المسلمين فأمر بأحدهما أن يلقى فيها فألقي فإذا لحمه يتفتت و إذا عظامه تبدوا عارية . و التفت إلى عب الله فدعاه إلى النصرانية فكان أشد إباء من قبل . فيئس منه فقال ألقوه في القدر فدمعت عيناه فقال رجل لقيصر إنه قد بكى . فقال ردوه إلي فعرض عليه النصرانية فأبى . فقال : ويحك!! مالذي أبكاك إذن؟ فقال : ما بكيت زوجة ولا ولداً ولا دنيا ولا وطنا و إنما بكيت أن لي نفس واحدة تذوب عل هذا اللهب ليت لي مئة ألف نفس تموت هذه الميتة في سبيل الله . فقال الملك : يا عبد الله أتقبل رأسي و تذهب طليقا و أخلي عنك السبيل؟ فقال له عبد الله : و عن جميع أسارى المسلمين أيضاً ؟
قال : و عن جميع أسارى المسلمين أيضاً . ثم دنا منه و قبل رأسه . فانطلق عبد الله بمن معه من المسلمين إلى عمر بن الخطاب فلما قدموا عليه و أخبروه بقصتهم قام عمر بن الخطاب فقبل رأس عبد الله إكراماً و قال : حقا على المسلمين أن يقبلوا رأس عبد الله بن حذافة السهمي .و امتد عمره إلى خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنهما ثم توفي مسلما روحه إلى بارئها مخلداً وراءه ذكراه المشرقة .