استصلاح الأراضي الخصبة

يبدو العنوان غريباً بعض الشيء، إذ يتبادر لذهن القارئ تساؤل سريع : ما الذي نستصلحه بالأراضي الخصبة؟ لكنه يشكل معضلة شديدة في بعض المناطق المروية والتي تمتاز تربها بالخصوبة الفائقة، وقد شاهدت بنفسي مظاهر تلك المشكلة في حوض نهر دجلة في منطقة الموصل، حيث كانت طبقات الطمي المتراكم لآلاف السنين تجعل نباتات الأدغال مثل (السوس والسعد والحليان والحلفا) تعيق استغلال مثل تلك الأراضي لزراعتها بالخضراوات أو المشاتل أو حتى البساتين... فجذور تلك النباتات وريزوماتها ستعاود الإنبات وتنافس المحصول الرئيسي وتهبط من الإنتاج والنوعية...


وقد لاحظنا ذلك عندما تعاقدنا على شراء خمسة آلاف هكتار من الأراضي الخصبة في حوض نهر زمبيزي في موزنبيق. فقد أُهملت الأراضي خلال الحرب الأهلية التي استمرت 17 عاماً، فاخترقت بعض نباتات الأدغال سقوف قاعات تربية الدواجن وارتفعت فوقها عدة أمتار. وكان يكفي ثلاثة أسابيع لنمو نباتات الأدغال بعد حراثتها وإزالتها، أو الاعتقاد بأنها زالت، ليعود ارتفاعها لثلاثة أمتار أي بارتفاع متر لكل أسبوع!

كيفية استصلاح تلك الأراضي؟

يتوهم البعض بأن تلك المشكلة ممكن التغلب عليها بموسمٍ زراعيٍ واحدٍ أو موسمين. فهناك من يلجأ للحراثات المتكررة المتعامدة، وإزالة ما يظهر على سطح التربة بواسطة (الخرماشات: محاريث تجمع ما تصادف من قطع نباتية)، ولكن بالحقيقة فإن تلك الطريقة ستزيد من ظهور نباتات الأدغال بشكل أكبر، إذ تسهم تلك الحراثات بتقطيع الريزومات وتحويلها لنباتات جديدة.

كما يتوهم البعض بأن استخدام مبيدات الأعشاب مثل (الكرامكسون واللانسر و 2,4,D) ستؤدي الغرض. فبعض تلك المبيدات متخصص في قتل الكلولوروفيل الأخضر فوق سطح التربة مما يستوجب تكرار تلك التجربة عشرات المرات لجعل الريزومات والجذور المتدرنة تفقد حيويتها بالتدريج، وهذا سيزيد من كلفة الاستصلاح غير المضمونة، وصحيح أن بعض تلك المبيدات يسير بعكس الأوكسينات النباتية التي تتجه نحو الأعلى في حين تلك المبيدات تتجه نحو الأسفل، فإن عرفنا أن سعر اللتر الواحد يزيد عن 30 دولار، وأن الهكتار يحتاج 45 لتراً ولثلاث رشات أو أكثر، فإن تلك الطريقة ستكون مكلفة في النهاية.

وهناك من يقترح فرش تلك الأراضي بالبلاستيك الأسود، ووضع البذور في فتحات ضيقة بالفرش البلاستيكي، ووضع أنابيب (خراطيم) الري تحت الفرش. قد تنجح تلك الطريقة، لكن على المستثمر في مثل تلك الترب أن يقوم بتجديد الفرش وتفقد شبكات الري سنوياً، مما يرفع كلف الاستثمار.

استخدام المكائن الثقيلة في الاستصلاح


في البداية، نقول أن تلك الطريقة لا يستطيع الأفراد القيام بها وحدهم، حيث يستوجب شراء أو تحوير المكائن الثقيلة لهذا الغرض، ولا تنفع تلك الطريقة إلا في مساحات واسعة ومن قِبل الدولة أو شركات وطنية عملاقة تشارك الدولة:
لأن الساحبات العادية لا تستطيع القيام بهذا الدور.
ولأن العملية قد تحتاج الى استخدام المتفجرات وما تحمله من مخاطر أمنية.
ولأن المزارعين أو الأفراد يحتاجون الى أفرادٍ كُثُر، فيفضل المزارع العادي بيع الأرض أو تركها مهملة على أن يقوم بمثل تلك العمليات.

ويجب الانتباه أن تكون المنطقة المراد إصلاحها قريبة من شبكات البزل (الصرف) حتى تتم العمليات الإنتاجية بشكل مربح.

الدفع والاقتلاع

دفع وسحب الأشجار والشجيرات والجذور التي تكون منتشرة لإزالتها وهذا أسهل من رفعها الذي يتطلب التغلب على وزنها وبالتالي تعتبر أرخص الطرق، لكن عيوب الدفع والسحب هو التأثير السيء الناتج من إثارة التربة. وقد تغلب المختصون على تلك المشكلة باستخدام بلدوزرين قويين يتصل بهما جنزير يحيط بالأشجار ويندفع البلدوزران للأمام فيزيل ما قد يقف أمام الجنزير من عوائق من الأشجار والشجيرات بما فيها جذورها العميقة.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
بعد قلع الأشجار تأتي عملية التقطيع والرفع للأخشاب وإزالتها من مكانها، ثم تُحرق البقايا من أطراف وأوراق وحشائش وغيرها، فيُقضى على البذور والريزومات القريبة من سطح التربة.

بعدها يتم التسوية والطربسة ( أي ري الأرض رياً غزيراً) ومن ثم تزرع بمحاصيل غير مخصصة للاستهلاك البشري، بل يمكن زراعة الذرة العلفية الخضراء وحشيشة السودان وغيرها وتربية قطيع مواشي للاستفادة من رعي تلك المزروعات، لمدة سنتين أو ثلاثة، وبعدها تُخصص للاستفادة بزراعتها بالمحاصيل الحقلية والبساتين.