((يا دكتور يا بروفسور الوضع عال العال))
"لا تنكر أصلك ..البلد بلدك ...وبحاجة لعلمك ..إياك و الزواج من غربية ..بنت البلد بتفهم طبعك...و..و" سيل من النصائح من أحبتي و أنا عائد لغربتي..بعد انتهاء زيارتي و ها أنا حازم حقيبتي ..لحظة لحظة ...سأسرد لكم قصتي قبيل سفرتي سطرتها لكم في هذه الصفحة:
كان اختصاصي بعد تخرجي من كلية الطب البشري في ذاك المشفى الحكومي الذي بوابه (هبوش أبو هبشة) أداعبه أحيانا : يا عم أبو هبشة أ لن يرقوك من بواب إلى رئيس الطباخين ..فيجيبني :أعوذ بالله من كلامك حتى تضيع كل إمتيازاتي ثم يصيح على اثنان قادمان :: الزيارة ممنوعة فيدس الزائر (ربع) في يده فيقول أبو هبشة أنتما اثنان رأسمالها أكثر لكن سماح هذه المرة..هكذا كان حال المشفى بداية من البواب إلى الممرضة الباهرة الجائعة التي تستقبلني يوميا بقولها الفطور يا دكتور ..فأرفض في كل مرة قائلا عمليات عمليات آه من عملياتي و راتبي الشهري في هذا المشفى حين أقارنها مع أجرة عملية لسباك في المجاري فتدعوني هذه المفارقة للتساؤل لماذا درست الطب؟؟!ثم أعود للتفاؤل من هذه الوسوسة وأعود إلى أبو هبشة عندما يدس الأفندي (ربعين) فيبتسم أبو هبشة بدهشة ويقول أحمدك يا رب ...
أعود للمنزل ماراً بالبقال فيحدثني و يقول : ما آن الأوان ؟ يا دكتور لازم تعمل لنا حفلة عرس يكون فيها فرقة (نونو جاي) والمطرب (المضروب بالناي) و لازم يكون عرسك طبل و زمر وبنت الحلال مهرها أغلى مهر...أنت دكتور وعندما أسأله لماذا (الربع)الزيادة في سعر الخضار يقول لي أنت دكتور..و يكمل حديثه..
أعود للمشفى من أجل المناوبة الليلية أسلم على البواب أبو هبشة المنهمك بعـدِّ (أرباع)هذا اليوم و في الداخل تستقبلني الممرضة البهية بابتسامة كهربائية و نظرات مغناطيسية و تقول لي يا دكتور القهوة ؟؟أقول في نفسي حلوة القهوة بل صاحبة الصدرية الشبه شفافة فالدنيا حر أقول في نفسي اصمد تماسك هذا لقاء عمل ..و تبدأ عندها سلسلة من الاستنتاجات حول زواج رئيس الأطباء من الممرضة عنطزية و رئيس قسم الشؤون العاطفية من أمينة سر العلاقات الوردية ومدير الاتصالات العاشقين من عاملة مقسم الغرام أوقات الدوام...و أنا في خضمّ العملية التحليلية تأتي حالة إسعافية لأستخدم أدوات المفروض أنها تنسقت و بُدِّلت بغيرها لما يرصد لهذا المشفى من ميزانية ولكن لا تحديث لا تجديد..أدري عفواً لا أدري
هذه معاناة مختصرة دفعتني أراسل الكترونيا مشافي عالمية لأودع هذا الصرح لأودع أبو هبشة ...لتكون بداية حياتي في لإحدى المشافي الفرنسية ليطلق عليّ بعد سنوات لقب بروفسور و أمنح من هيئة المشفى تقديراً لمجهودي معنويا و ماديا ..
يبدو أنني أطلت قليلا في سرد قصتي المهم في زيارتي هذه القصيرة تأكدت أن هبوش أبو هبشة لم يتغير إلا ما يدس في يده فقد أصبحت التسعيرة (نصف) وأصبح بملامح الشيب أكثر وقاراً...
وهنا أحبتي أستودعكم الله ..ها أنا أحمل حقيبتي مودعا مدينتي و طرقاتها وأزقة طفولتي مودعا ً بدمعتين :دمعة الفراق مرارتها تسكب في حنجرتي , ودمعة أنقلها إلى احضان غربتي لتمتزج بألام بسمتي المتعاطية جرعة من أفيون الأمل ..ودمتم بلا دموع
Lبقلم فادي شعارJ