منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    الشاعرة المغرية نجاة الزاير من شعرها : عبد الرحيم محمود

    وجهت الشاعرة المغربية نجاة الزباير رسالة لي لنقد شعرها ، فكانت هذه الدراسة :


    الشاعر المتألق و الناقد عبد الرحيم محمود

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


    وبعد؛ يسر هيئة تحرير كتاب أفروديت أن توجه لكم الدعوة للمشاركة في عددها الجديد الذي ارتأينا أن يكون محوره "الشعر المغربي الحديث وآليات اشتغال النقد التطبيقي عليه".

    نظرا لمكانتكم الأدبية وباعكم الكبير في إثراء المشهد الثقافي.



    ملحوظة: صورة شخصية للكاتب





    نجاة الزباير ......... شخصيتها من شعرها


    الداخل لبستان نجاة الزباير يثمل عند باب الحديقة ، يتفاجأ أنه أمام شجر باسق بأغصان برية متوحشة شديدة التنوع ، متوهجة الأزهار توهجا يخطف البصر ، ويعشي الناظر إليه ، لا تكاد عين الداخل تنتقل من مكان جميل لآخر إلا قسرا ، ليقع على مكان أجمل منه ، أو يحتار العقل في أيهما أكثر جمالا ، فيندفع فيه حب الارتواء من تعابث الحروف ، وتشابك الصور ، وارتباط الحرف بأجزاء الجسد الراعف حبا ، أو المرتجف عطشا وجوعا لموجة عشق تأخذ المركب نحو صخور الحيد فتتحطم دفة القيادة ويوشك البحار على الاختناق حبا ، إذا صورت يكون زووم عدستها في غاية التحدب تجمع ، وتكثف ، وتخلط ألوان الطيف ، لتصبح الصورة في غاية التصغير والتكثيف ، والحدة تكاد تجرح العين عندما تصطدم بحائط الزمن المسجون داخل اتساع ضيق ، فتحاول العين توسيع بؤبؤ العين لمحاولة التحديق في كثيف الضباب ، فلا تستجيب الحدقة ، ويضيق المكان عن احتواء كمية الزمن المحبوس في بؤرة الحروف !!

    عندما قرأت نجاة الزباير ولا أقول قرأت شعر نجاة ، تحيرت بأي عقل تكتب ؟ أبعقلها الواعي ، أم بعقلها الباطن ؟ أم بخليط متفاوت ما بين الوعي واللاوعي ، وبومضات متبادلة ، متناوبة الارتطام بجدار الذات مرة وملتصقة بجدار الجسد مرات !!
    نجاة الزباير تعكس انفلاتة فنية خارج إطار المتعارف عليه ، فهي تنطلق من الخارج إلى داخل نفسها على العكس من كثير من الشعراء الذين ينطلقون من ذواتهم للخارج فتحركهم الـ ( أنا) وهي تتحرك في البعد الثالث تبني هرم إبداعها من همسات الطبيعة وتحركات نسيم الفجر ولا تفرض لونها على ألوان الطبيعة العذراء تقول في :

    قَصِيدَةٌ مُتَسَوِّلَةٌ...

    اُلْأَمْطَارُ تَغْسِلُ وَجْهَ اُلْمَدِينَةِ

    وَ اُلَّليْلُ يَجْمَعُ حَقَائِبَهُ

    فَجْأَةً طَرَقَتْ بَابِي قَصِيدَةٌ مُتَسَوِّلَةٌ

    كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهَا جُزُرٌ مِنَ اُلْمَعَانِي

    هكذا إذن الطبيعة تأتي إليها لتطرق بابها بأمطارها التي تجعل الطهر في كل زقاقات المدينة وتجعل وجه المدينة في غاية النضارة من غير ما مكياج صناعي ، والليل على وشك الرحيل فهو يجمع حقائبه ، عند تلك اللحظات الإلهية الرائعة ، التي تمتزج فيها الأضداد بقدرة عجيبة ، تأتي شاعرتنا قصيدة متوسلة ، متسولة ، ترى ماذا تتسول أو تتوسل ؟
    إنها تتسول من شاعرتنا ألقها لتحول أجزاءها المبعثرة ، وتلملم شظاياها المتناثرة ، وتخيط بإبرة إبداعها سائر الأجزاء دون ترك ندوب على بشرة وجه القصيدة ، ولهذا لم تأت القصيدة لغير بابها فهي تعرف من أين فقط يمكنها اكتساء الجمال ، وتدثر السحر ، تأتي القصيدة جزرا ، تحتاج لخيال مجنح ليصل الجزر ببعضها حتى تتبدى روعة الزنبقة البرية ، التي جزأتها يد الإعصار !!
    تتوجه الشاعرة بزاوية حادة لترى انعكاس الخارج على صفحة نفسها وإحساساتها وهواجسها ، فالعوامل البنائية الخارجية ، خلقت اللوعة ، وتدحرج النفس على جراح الوطن المفتوحة ، وعلى جراح الجسد الملتاع لكثير من التطلعات المحطمة على صخور الخذلان ، فتقول :
    تَصْطَادُ لَوْعَتِي

    دَحْرَجَتْنِي فَوْقَ بِسَاطِ اُلسُّؤَالِ

    وَ قَالَتْ: - "هَلُمِّي إِلَيَّ"

    أَغْلَقْتُ جُرُوحَ وَطَنِي اُلْمَفْتُوحَةَ

    وَقُلْتُ: - "اُرْحَلِي فَكَأْسِي صِهْرِيجُ دَمْعٍ

    وَ فِرَاشِي هَدِيرُ أَرْضٍ

    وَ اُلْأَحْلَامُ مِقْصَلَةٌ فِي كُلِّ اُلدُّرُوبِ !"

    قَالَتْ: "إِلَيْكِ هَذَا اُلْوَرَقَ اُلطَّرِيدَ"

    تَبَسَّمْتُ: - "أَفِيهِ حِكَايَاتٌ عَنِ اُلْهَوَى؟"

    حاولت الشاعرة الحل بمحاولة تجاهل جراح الوطن لأنها أكبر من أن تستطيع تقطيبها وأقوى من قدرة ساعديها على حمل أي جزء منها فهي تحس بمحاذين أن تتكلم حتى أو تهمس بأن هناك جرحا في الوطن وإلا فالمصير المجهول يصبح الطريق الوحيد لها ، ارتدت لتهامس قلبها بحلم قد يتحقق أو ربما هي تظن أن بإمكانها التأثير فيه وهو أن تكتب حكاية هواها أو هوى ما بصورة ما .

    ترى كيف ستتعامل مع بركان جسدها ، وبركان أحاسيسها ، وبركان مشاعرها ، كيف تسير ، والطريق مزروعة بالنار والألغام ، كيف ينتهي جوعها ، والطريق تتناثر تحت قدميها فترتجف من الوقوع في هوة ما تنتظرها فاغرة فاها ؟

    تقول بحروف عصبية واضحة وأصابع مرتجفة ، وقلب يكان لا يحتمل عدد نبضاته :
    جَلَسَتْ فِي لَهْفَةِ اُلْفَاتِحِينَ

    أَقْدَامُهَا حَرِيقٌ أَضَاعَ مَلاَمِحَ اُلطَّرِيقِ

    أَثْوَابُهَا هَمْسٌ تَنَاثَرَ فِي يَدَيَّ

    قُلْتُ:- " دَعِينِي أُسَامِرُ جُوعَكِ

    أَسْتَجِيرُ مِنْ تَعَبِي

    تتشابه والطريق تناثرا وتمزقا وتشظيا ، وتتحسر وتحترق لتشابهها مع تمزق الطريق ولتشابه وطنها بالقصيدة التي طرقت الباب عليها ليلا لتتسول وجودا ، فهو أيضا يتسول ، وهي تسجل بحرقة وحسرة هذا الحال فتقول :

    فَوَطَنِي مِثْلُكِ مُتَسَوِّلٌ

    يَنَامُ عَلَى شَفِيرَةِ اُلَّليْلِ"

    "أَهُوَ شَرِيدٌ ؟" غَمْغَمَتْ

    قُلْتُ:- " اُلْمَآذِنُ فِيهِ تُعَاشِرُ اُلرَّصَاصَ

    وَ اُلْمَقَابِرُ بِلَا هُوِّيَّةٍ

    وَأَرْضُنَا ذَبِيحَةٌ قُرْبَانًا لِلطَّامِعِينَ

    فَهَلْ هَذَا يَكْفِيكَيْ تَعْرِفِي بُؤْسَنَا اُلْكَبِير؟"

    يا لهذا الوطن المتسول النائم على شفير المجهول المظلم ، فمستقبل الوطن غائم مظلم مدلهم ، مشرد أبناؤه يهربون منه لأنه أصبح كالسفينة الغارقة يلقي الركاب بأنفسهم إلى البحر قبل أن يبتلعها الموج ، فالمآذن تتسبب بمقتل من يحبها ويقترب منها أو يعلن عن أنه عبد لله ، عندها يعانقه الرصاص ، وتتحول ارض وطنه كلها مقبرة جماعية ، لأن تلك الأرض يريدها الطامعون الأجانب ، بعد أن استطاع المتنفذون تحويل حب الوطن بقلوب أبنائه أما إلى كره فيرتحلون أو إلى مشاريع شهادة فيقبرون في المقابر ، وتتساءل نهاية عن نجاحها في تصوير بؤسها وبؤس وطنها ، أقول نعم يكفي فقد نجحت تماما !!

    ثم تنتقل نجاة لمحور آخر شديد الحساسية ، متحدية سيف الجلاد ، وحبل المشنقة ، ألا وهو حق المرأة التي لازالت ترزح تحت عبودية مفروضة عليها ليست من الدين ولكن من المزاج الاجتماعي الذكوري لا لسبب سوى أنها تملك جمالا ، وأنوثة ، وظواهر فيسيولوجية مختلفة ، ولا تملك شنبا ولا لحية وليس صوتها خشنا أجشا ، تقول :

    تَنَهَّدَتْ : - "وَ اُلْعِشْقُ ؟"

    قُلْتُ:

    "ذَاَك وَطَنٌ آخَرَ...

    لَمْ يَعُدْ لِلْمَجْنُونِ فِي حَيِّنَا مُقَامٌ

    وَحَتَّى لِدِيكِ اُلْجِنِّ ...

    اُلْهَوَى دَرْبٌ جَدِيدٌ يَقْتُلُ اُلنِّسَاءَ !! "

    من الواضح أن الواو المتصلة بالعشق هي واو المعية لا واو العطف وهي واو تعني التلاصق دون تلامس ، فهنا اللمس يؤدي لحبل المشنقة ، وربما الذبح من الوردي للوريد ، تنهدت الشاعرة لتخرج زفير الحزن من صدرها فتنهد معها العشق ، فكما هي محرمة عليه ، هو محرم عليها ، ويمنع دخوله أي قلب بدون رخصة مسبقة ، وبدون موافقة ، تجعل للكل فيه رأيا ، ولم يعد عصرنا حتى كسابق العصور في عهد قيس بن الملوح وجنونه بليلى ، وكذلك ليس للشاعر ديك الجن مكان بوطن في القرن الواحد والعشرين ، لأن الحب هو مشنقة النساء في وطن لا يعترف بحق النساء حتى في أن تحب قبل اختيار من ستعطيه كل تفاصيلها ؟؟!!!
    نظرة صوفية للعشق

    لنجاة الزباير نظرة صوفية خاصة للعشق والهوى ، نظرة تجرد الجسد من طينه وتجعله في كأس بلور شفاف وسائلا شفافا يسحر القلب ويذهب العقل من أول قطرة تلامس الشفتين في تجربة غاية في التفرد والغرابة ، فمن أجل العشق يهون الجسد ولا يعود سوى جثة تحملها أجنحة الروح ، لا يهم النتائج ما دام العشق المذاب وجدا قد ملأ الكأس فالنتيجة لا ترتبط بالسبب فلم تعد العلاقة جدلية ديالكتيكية تربط النتيجة بالسببية .
    عندها عالمها الخاص المعزول داخل جسدها المضطرم وروحها القلقة ، وهي ربما تسير عكس عقارب منطق السببية التي تنتهي بنتائج لا تخضع لقوانين الحساب المعروفة ، فالمهم هو الارتواء وليكن بعد ذلك طوفان يغرق كل الطين !
    فهي تسمر على حافة الأشياء ، والسؤال هو بداية المعرفة ، والمعرفة هي أهم من النتائج التي تخضع لمنطق التبادلية المنطقية بين العلة والنتيجة ، تقول شاعرتنا بنظرتها الفلسفية المتبصرة غير الآبهة بنتيجة رد الفعل المتسببة عن الفعل ذاته :

    سَمَرٌ عَلَى حَافَةِ اُلسُّؤَالِ..!!



    رَأَيْتُهُ يَزْحَفُ فَوْقَ اُلْأَرْضِ

    كَاُلْحَلَّاجِ يَحْمِل جُثَّتهُ

    وَجْهُهُ مُسَافِرٌ فِي رَاحَةِ اُلرِّيَاحِ

    لَمَحْتُ فِيهِ أَطْيَافًا مُثْقَلَةً بِاُلْعَوِيلِ.

    تقف على الحافة فترى الباكين تحت قدميها ، تتعجب لم يصبغ العشق بالدموع ، ويقتل الشوق روح المحب ؟
    لماذا الحب في بلادنا ينتج البكاء والنواح وقلة الأمل وخيبة الرجاء ؟
    لماذا كل منا يبكي ليلاه ؟
    والواجب لا بل النتيجة الطبيعية والحكمة من الخلق أن تسعد كل ليلى قيسها وأن يتذوق كل عاشق قطرات السحر من كأس ليلى لتكون الحياة مصبوغة عشقا وولها وتدلها ، فكؤوس سرة الرصافة لا تبقي على عطش عاشقين اضطجعا في أقداح الشوق !!
    تقول :

    قُلْتُ:

    -("تُرَاهُ عَاشِقٌ

    أَغْلَقَ اُلصَّبَاحُ دُونَهُ عَيْنَيْهِ

    فَاُضْطَجَعَ فِي أَقْدَاحِ اُلشَّوْقِ

    يُشْعِلُ اُلطُّرُقَاتِ مَوَاوِيلَ

    وَ يَبْكِي لَيْلَاهُ ؟

    أَمْ شَاعِرٌ

    يُهْدِينَا عَطَشَ غُرْبَتِهِ

    وَفِي قَبِيلَةٍ دُونَ خَيْلٍ وَلَا خِيَامٍ

    أَمِيرٌ لَا يَقْرَأُ سُرَّةَ اُلرُّصَافَةِ

    وَعِنْدَمَا تَتَرَاقَصُ اُلْكُؤُوسُ

    هكذا إذن من سكر بخمر الحب يقام عليه حد العشق ، ويقتل بالسيف لتنفيذ عدل إمارة ، وعلى من يريد السلامة أن يعيش بغربته بعيدا عن كينونته الإنسانية ، ويكتب عن لوعة العشق ، وعذابات الحب ، ولا يقترب من أسواره حتى لا يحل عليه غضب الأمير في إمارة الموت عطشا !!
    فالسيوف في إمارات العرب ، خلقت فقط لمنع الحب وتنفيذ الحد على العشاق ، ولم توجد من أجل غير ذلك كالدفاع عن الأرض ، ولا للثورة على الظلم ، فالعاشق يقتل ، وقصيدة العشق التي تتبرج تقتل ، لأنها تخلع ثيابها في غير مخدع زوجها ، وتصبح بنادق بيد الأعداء ، والكل هنا في إمارة اللاحب واللاعشق عليه أن يخلع جسده ، وأن يصبح روحا هائمة في أنوار السلطان ، تستحم في طهر مثله وتهاب قوانينه ، هنا إمارة اللاجسد ، إلا للسلطان وحريمه فقط وأجساد النساء أسيرات في مخدع رغباته !!
    تقول الشاعرة :
    يَقُولُ اُلسَّيَّافُ :

    -"اُسْتَنْفِرْ حُرُوفَكَ لِتُنْشِدَ عَدْلَ اُلْإِمَارَةِ

    وَلَا تُعَرْبِدْ فَوْقَ كَتِفِ اُلثُّوَّارِ !!".

    تَوَهَّمْتُ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ

    قَصَائِدَ لَيْلٍ تَخْلَعُ ثَوْبَهَا

    زِينَتَهَا (...)

    كَغَانِيَةٍ تمَزْجِ ُعِطْرَهَا بِاُللَّهَبِ

    فَتَتَحَوَّلُ لِبَنَادِقَ تَعْدِمُ سَرِيرَةَ اُلنَّهَارِ

    لِتَهْرُبَ اُلْقَصِيدَةُ مِنْ ثُقْبِ اُلْجِرَاحِ.

    كُلُّ اُلْقَنَادِيلِ تَتَسَوَّلُ ضَوْءَهَا

    فَهُنَا ضَفَائِرُ اُلْأَسِيرَاتِ

    تَفْتَحُ لِي وَطَنًا غَرِيبَ اُلْأَحْجَارِ

    تَتَعَثَّرُ فَوْقَ مِلْحِهِ

    مُدُنٌ أَضَاعَتْ مِفْتَاحَهَا اُلْقُدُسِيِّ.

    وَهُنَا تَرْقُصُ الَأبْجَدِيَّةُ فِي ثَوْبِ الْحَضَارَاتِ

    وَتَنَامُ فَوْقَ سَجَّادَةِ اُللَّيْلِ

    تَلْفَظُ جَسَدًا هَدَّهُ اُلْإِعْصَارُ..

    والجسد في قصائد الشاعرة وبوح حروفها يأخذ مساحة واسعة باتساع حرمان الأنثى الشرقية من الحب ، ومن حق اختيار من تخفق له شرايين أنوثتها باللهفة والشوق والرغبة بالانفعال في غالب الأحايين ، حيث يقرر لها من يرى مصلحتها أفضل مما ترى هي ، عند ذاك يحدث بداخلها زلزال يجعل جدران الجمال كومة من التراب العبثي أو إعصار من عذابها يجعل ورود البستان يبابا ، عندما تجد العاشقة نفسها مجبرة على إعطاء أدوات العشق لمن لا تريد وحرمان من ترغب بعطائة ، عندها تتوقف العلاقات السببية بين الفعل والانفعال ، ويصب الجسد عندها مجرد مكان لا تعرفه ، يأخذ دور المفعول ، وتلك الطامة في حياة وأنوثة الأنثى الرائعة التي ترى أنها يجب أن تختار شريك اتحادها به ، وتجعل جسدها يتعبد بانفعالها لتأوهاته في محراب جمال أنوثتها !!!

    لماذا تتعمد الشاعرات العربيات أن يغلفن قصائدهن تحت سجف معتمة ، وسحب قاتمة ، وآبار عميقة ؟
    ولماذا يحاولن جهدهن أن يقطعن صلتهن بما يكتبن ؟
    ولماذا يحاولن بتر إحساساتهن إلا القليل ؟
    ولا يحببن التوحد فيما يكتبن ؟
    هن يتعمدن الحفاظ دائما سلم النزول عن الشجرة العالية تحت ستار الحياء والخوف والعيب والحرج والقيد الاجتماعي والعرف والعادة ، فالفتاة عرفا وعادة لا تحب إلا زوجها بعد الزواج في مجتمعاتها المغلقة
    شاعرتنا نجاة صنف مغاير ، متوحد ، ينبع من حروفها شرر الرغبة ، ووهج الانفعال ، وشبق التفاعل ، متحد ، رافض للمعادلة ، ولذا نرى أن هناك خليطا عجيبا بينها وبين حروفها ، فهي حروفها ، وحروفها هي ، توحد كامل ، تقول ما تحس ، وتحس ما تقول ، تتوهج فتتساقط الكلمات ذهبا مصهورا ، أو رغبة شبقة جامحة قاتلة كالإعصار المجنون الجامح !!!
    نرى الشاعرة تنتقل في محاور منفصلة شكلا مرتبطة حقائقا ووجودا ، برشاقة وحذق ، تربط بين المنفصل وتدخل قضيتها – قضية الأنثى – في كل محاور الكينونة ، محور الوطن ، ومحور البؤس ، ومحور المواطن المسحوق ، ومحور الأنوثة ، ومحور العشق ، ومحور التلاشي في الحروف والذوب في الانفعال العاطفي المجرد ، تريد الارتواء من سراب العشق ، وجنون لحظات الرعشة التفاعلية ، لحظات اتحاد روحين وجسدين ، وتناغم التوتر اللفظي في القصيدة مع التوتر الجسدي لصاحبة القلم .
    تقول الشاعرة في محور تفاعلها مع قضايا أمتها :
    أَمْ لَاجِئٌ

    اُغْتَالَهُ اُلْكَلَامُ فَاُنْكَسَرَ

    يَعْدُو مَلْهُوفًا بَيْنَ اُلْخَنَادِقِ

    وَاُلْحَرَائِقِ

    يَنْتَظِرُ اُلْغَدَ اُلْآتِي وَجَعًا يَتَعَمَّدُ

    فِي خَارِطَةِ اُلْوَطَن..

    يَنَامُ فِي حَنَاجِرِ اُلْغَرَابَةِ

    وَ كُلَّمَا هَتَكَ اُلتَّارِيخُ صَوْتَهُ

    نَزَفَ فِي تَيَّارِ اُلْغَضَبِ.

    اغتال المواطن كذب كلام الحكام ومعسول وعودهم الزائفة ، فتعثر المواطن في حروب خاسرة وعيش مرير ، ولكنه لم يفقد الأمل تماما ، برغم ما يأتيه في غده من مزيد من المرارة واليأس الذي يحاولون إدخاله لنفسه ، والإحساس بالغربة ، وازدياد إحباطه لا غضبه كلما سارت قضيته بعكس اتجاه التاريخ !
    والكاتبة تحاول فصل قدميها عن الطين اللازب الذي يكبل حركتها ، فتضع مشاعرها داخل قصائد الوطن ، وتغلف عشقها بغلاف عشق الوطن ، وتخفي ثورتها المتأججة داخل ثورتها على الظلم ، ذكاء تام ، ومحاولات للبس طاقية الإخفاء داخل الأشياء حتى لا تصبح الشجرة بلا ورق !
    أَمْ تَائِهٌ

    تَهَجَّى رَسْمَهُ فيِ زُقَاقِ اُلْمَلْعُونِينَ

    وَهَرْوَلَ نَحْوَ اُلْغُبَارِ

    كَفَّاهُ حَانَةٌ عَارِيَةٌ لَا تَقْرَأُ أَسْرَارَهَا

    غَيْرُ أَرْضٍ تَغْسِلُ وَجْهَ اُلْمَكَانِ

    وَتُفَصِّلُ مِنْ نَبْضِ اُلْأُفْقِ بُرْقُعَهَا.

    وَكُلَّمَا اُغْتَالَهَا إِهَابُ اُلسُّؤَالِ

    رَدَّدَتْ قَصَصَ مَجْدٍ هَوَى

    حَتَّى تَنَامَ اُلْقَصِيدَةُ

    فِي خِبَاءِ بِلَادٍ تَئِنُّ أَبْوَابُهَا.

    غسل وجه المكان الذي يتكرر هنا وهناك ، من الغبار مرة ، ومن غيره مرة أخرى ، يدل على الشعور العميق بالدنس النفسي ، أو الحسي ، بالتواجد بين نجاسات وأدران الظلم الاجتماعي الرامي بكلكله فوق مساحات الوطن ، فأبواب كل البلاد تئن من عمق الجرح ، ومن الظلم الذي يحيق بالناس وخاصة الشباب منهم ، الذين يهرولون بزقاقات الوطن باحثين عن ضياعهم خارج أسواره ، والمفتشين عن أنفسهم داخل متاهة اسمها وطن عن باب فرج أو كوة ضيقة يتسربون خارجه حتى لو كان التسرب للموت أو الضياع في أوطان غيرهم !
    فالمدينة ضريرة لا تبصر فقدت العيون وربما فقدت الاتجاه أيضا تتخبط في ظلام عماء اللاإتجاه ، واللاهدف فالمدينة ليست للناس وإنما هي وعاء يملكه صاحب القرار بجعل أهلها يتخبطون ، صاحب السلطان الذي يعتبر الرجال عبيدا والنساء إما إماء أو داخل حريم قصره !

    يتخيل الناس أنهم يعيشون ، لكنهم يمسكون بهامش الحياة وذيلها يتسكعون على رصيف الأمل المفقود !!

    فهل انعكست ذيلية الأمة على اسم الديوان فكان اسمه أقبض قدم الريح ، وعلى الشاعرة فتمسك بذيل الزمن لأن هذا الزمن ليس زمنها لترتحل عن عالم يتمسك به أصحابه بذيل الحياة وبحذاء الأحداث !!
    فَجْأَةً تَسَلَّقَ جَبِينَ اُلْمَدِينَةِ اُلضَّرِيرَةِ

    أَمْسَكْتُ خُطَاهُ مِنْ دُبُرٍ

    لَكِنَّهُ خَتَلَنِي وَاُنْدَثَرَ..!!.

    معكوسة كل الأشياء ، نمسك بقشور الأمور المهمة ونترك لبابها ، لكن الأشياء لا تقبل من يتغابى معها ويعاملها بغير ما يليق بها ، فهي ترفض أن تتعامل بغير حقائق المواجهة ، لا بمحاولة خداع النفس ، أو التغابي المتعمد ، فمن يمسك بذيل الأشياء ترمي به وتتركه لغبائه ، ومن يخادع يخدع !!


    أَزْرَارٌ مِنْ سُتْرَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ

    اُلزِّرُّ اُلْأَوَّلُ:

    تَرَكَنِي لِلسُّهَادِ

    أُقَتِّرُ عَلَى نَفْسِي مِنْ بَقَايَاهُ

    - "مَا اُلَّذِي يَتَوَقَّدُ بَيْنَ أَغْطِيَةِ اُلصَّمْتِ" ؟

    قَالَتْ رِيَاحٌ أَضَاعَتْ شِرَاعَهَا.

    كُنْتُ أَرْتَدِي قِنَاع اُلشَّمْسِ

    أَتَبَخْتَرُ فِي مَدَارَاتِ اُلْوَطَنِ

    وَ كُلَّمَا أَتْعَبَنِي اُلسَّيْرُ

    غَسَلْتُ أَنْفَاسِي فِي رَقْصَةِ عَيْنَيْهِ

    وَ تَرَبَّعْتُ وَسَطَ طُقُوسِ اُلْقَبِيلَةِ

    يَنْهَشُنِي اُلظَّنُّ...

    كَحُلْمٍ عَلِقَتْ ضَفَائِرُهُ.. !

    مزج كامل بين رجلها وبين الوطن ، مداراته مدارات الوطن فهو يرتدي البزة العسكرية التي تعتبر رمزا لسياج الوطن ، فهو من طهر ترابه ، طهارتهما واحدة ، ولكنها تتفاجأ أن الاثنين ـ الوطن والرجل بالبزة العسكرية – يتخلون عنها لأن أشرعتهما ليسا في اتجاهها ، فلا الوطن يحس بها ولا صاحب البزة العسكرية ، كلاهما يتركانها لنهش الظن والظفائر العالقة بالأسلاك الشائكة !

    هذا المفصل الأول ، كانت النتيجة فيه إخفاق تام ، ترى هل ستتغير النتيجة في الزر التالي !
    ربما سيكون اكتشافا أن نعرف رمزية الزر العسكري ، عندما ينفتح وينتهي الانضباط العسكري ويتحول الجندي بهيبته إلى عاشق يفك زر زيه العسكري بالتدريج ، ولا يهم سبب ذلك !
    اُلزِّرُّ اُلثَّانِي:



    فَتَحْتُ أَبْوَابَ اُلْقَصِيدَةِ

    - قُلْتُ: " هَلَا دَخَلْتَ أَيُّهَا اُلْمَاءُ ؟ "

    مَشَى حَافِيًا فَوْقَ أَمْسِي

    أَحْنَى ظَهْرَهُ لِجُرْحِي

    وَلَجَّ فِي هَدِيرِهِ.

    طالما تم تزامن فك الزر الثاني بفتح أبواب القصيد ، فهذا يعني أن الورد يريد أن يتبلل بقطر الندى الآتي من الماء المدعو للدخول ، حافيا (!) ، ثم تدخل الكلمات في خطوط سيريالية ، فمذا يعني الجرح ، ربما عرفت لكنني لن أجرؤ على البوح ، وكذا إحناء الظهر والهدير ، خطوط عشوائية متروكة لكل واحد منا يفهم بقدر فكه رموز الطلاسم والقراءة السحرية على الباب المقفل بعبارات لا يعرفها إلا سحار عليم !!
    اُلزِّرُّ اُلثَّالِثُ:

    وَ أَنَا أَتَسَكَّعُ

    بَيْنَ تَوَابِلِ اُلزَّمَنِ اُلْمَكْسُورِ

    وَجَدْتُ أَلْوَاحًا مِنَ اُلطُّوفَانِ

    فِيهَا يَخْنُقُ نُوحٌ حَمَامَتَهُ

    وَيَتَحَوَّلُ غُصْنُ اُلزَّيْتُونِ إِلَى رَصَاصٍ

    يَنْبُتُ فِي وَجْهِ اُلْقُدْسِ !!!

    أما الزر الرابع فنظرة في الاتجاه الآخر نظرة بغير اتجاه الجرح ، وبغير اتجاه انحناء الظهر ، فهو حلم يقظة ، أو أمنيات جائع ، ربما لن تتحقق إلا في الحلم فحسب ، فالطوفان جرف الأمة باتجاهات الضياع والعدم واللاوزن ، والحمامة التي تبحث عن أغصان الزيتون تختنق ولن يتوقف اختناقها إلا إذا تحولت أغصان الزيتون بيد الأذلاء الذين يصنعون العبث إلى رصاص ، يغسل وجه القدس من عارهم وعار سقوطهم ، فهم يبحثون عن عزة الأمة في صناديق قمامة الأمم !!

    فماذا سيجدون غير العار والرجس والدنس وتلوث أيديهم بلا رجعة ، وبلا قدرة على تطهيرها من نجاستهم ورجسهم وانعدام رجولتهم ؟؟!!
    اُلزِّرُّ اُلرَّابِعُ:

    تَحْتَ لِحَاءٍ مِنْ شَجَرِ اُلصَّفْصَافِ

    أَخْفَتِ اُمْرَأَةٌ تَبَرُّجَهَا

    وَ حَتَّى لَا يَقُودَهَا اُلْعَسَاكِرُ

    خَنَقَتْ عِطْرَهَا

    لَكِنَّ اُلْعُيُونَ اُلْمَاطِرَةَ سَخْطًا

    حَاصَرَتْ بِاُلْمَوْتِ صَدْرَهَا

    وَ اُغْتَصَبَتْ طَرِيقَهَا.

    حَمَلَتْ جُثَّةَ صَحْوِهَا

    وَ بَعْثَرَتْ أَحْشَاءَهَا !!

    الزر الرابع يبدو زرا متمردا ، شبقا ، لا يخضع لقانون الأشياء ، ولا يمكن التعامل معه بسهولة ، فهو مهر أسود اللون جامح ، معجب برشاقة جسدة ، وقوته التي تتفجر حركة وحياة ، متوحش لم يروض بعد ، غاية في الإعجاب برشاقة حركته وجمالها ، وقدرته التي لا ينافسها منافس ، يرى في جلده عندما يلمع تحت أشعة الشمس المبهرة شيئا لا يتخيله غيره ، فأشعة الشمس تزيل قشرة الخمول وتجعل ما تحت اللحاء زوابع من الرغبة المكبوتة ، والتمرد البركاني النازف عشقا ، وشوقا ، يتوجس رقابة العسس ، ، ويخشى شباك الصيادين فيقهرهم باكتشاف حيلهم ، لكنه يعيش الخوف من انفلات قيود جسده وتنهار كوابح رغبته ، فتنهدم سدود الممنوع وتتعرى أغصان الأشجار فتصبح عرضة للحرق بتهمة الزندقة والدخول في حقول الألغام ، أو الأسلاك الشائكة المكهربة !!

    تقول الشاعرة : هناك امرأة متبرجة مختفية داخل لحاء شجرة الصفصاف ، والشجرة جميلة غير مثمرة ، حاولت الهرب من الجند لكنها انتهت في مستنقعهم ، ترى هل هي بغداد ، أم القدس ، أم أية مدينة أخرى ،
    أم هي الأمة التي تغوص في وحلها ، الوحل الداخلي والخارجي على حد سواء ، صورة قاتمة ، عند هذا الزر ، ترى هل كان الجنود في الزر الرابع يخلعون شرفهم العسكري ويبيعونه في سوق النخاسة أم كانت الموجة الطاغية فوق قدرة الزورق المرتعش عن الصمود ؟؟
    ثم تنتقل نقلة بالتفاتة بزاوية حادة لا يستطيعها إلا حاذق في فن المراوغة ، فتقول :
    اُلزِّرُّ اٌلْخَامِسُ:

    فِي رَمَادِ اُلْحَرْبِ

    دَاسَتِ اُلْمَدَائِنُ نِسْرِينَهَا

    خَلَعَتِ اُلْجُدْرَانُ ثَوْبَ عِفَّتِهَا

    ..خُطْبَةُ اُلْحَجَّاجِ

    مَهْزَلَةٌ تُقَيِّدُ اُلْمَسَاجِدَ

    فَمَاءُ اُلْحُسَيْنِ

    مُعَلَّقٌ فِي آبَارِ كَرْبَلاَءَ

    وَ فَوْقَ صَخْرَةِ يُوسُفَ

    تَلاَ اُلشَّرْقٌ بُنُودَهُ اُلْخَفِيَّةَ

    وَ اُنْهَارَ اُلْمَكَانُ... !

    الزر الخامس توظف فيه الشاعرة قواعد اللغة توظيفا لحمل جنين إحساسها داخل الكلمات ، فتراها تعزف عن جمع المدينة على مدن ، وإنما تطير به بعيد ليصبح المدائن ، وكأنها تشير لأصابع مشتركة في تدمير المدن ، وتشير لخطب الحجاج وعسفه ، وتستغرب تحالف من يحمل برقبته دم الحسين , مع من سيقتل أخوته ، وكأن مأساة مؤامرة إخوة يوسف على أخيه تتكرر ، لينهار الشقيق الضعيف المعزول أمام تخطيط الخيانة المحبوك بعناية فائقة ، فكربلاء ومن نصب نفسه سادنا لدم الحسين ، رفع بنود نصره الخفية عندما تهدمت مدائن يوسف حتى وإن كان شقيقه ، منتهى المهزلة المصورة تصويرا خفيا بكميرا حفية !
    ليعتصر الألم نفس الشاعرة في الزر السابع قبل أن تسقط البذلة العسكرية بتمامها عن جسد المحارب فتتعرى شخصيته تماما ، وتظهر خيانته للأرض ، فهو لم يعد له غيرة على الأرض المتوسلة التي ستجبر على معاشرة الأجنبي ، ولم تعد تتفهم كيف ستتعامل مع تلك اللحى الزائفة والعمائم الحاقدة رغم اختباء نوايا تلك اللحى والعمائم خلف بخور استهبال الناس وخداعهم وادعائهم بأنهم هم أولياء الله ، حتى الشوارع لم تصبر على تقززها من الخداع والزيف قتقيأت نزيفها !!
    اُلزِّرُّ اُلسَّادِسُ:

    قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

    تَوَسَّلَتِ اُلْأَرْضُ فَجْرَهَا

    " كَيْفَ أُعَاشِرُ بَسَاتِينَ عَادٍ

    كَيْ يَتَصَاعَدَ مِنْ حَوْلِي بُخُورُ اُلْأَوْلِيَاءِ ؟! "

    تَقَيَّأَتْ كُلُّ اُلشَّوَاِرِع نَزِيفَهَا.

    بعد انكشاف المستور لم يعد للزر السابع أهمية ، فسقوطه بات مسألة وقت ليتعرى المخادع من كل زيفه ، فالمحارب الزائف بدا عاريا على طبيعته ، كل ما كان يريد ليس ما بنفس شهرزاد ، لم يعد العاشق المبهر ولا الرجل الساحر برجولته ، أصبحت كل الفصول خريفا ، تساقطت كل أوراق الزيف وبدت الحقيقة عارية ، لم يكن يريد حبيبك يا شهرزاد غير مصلحته ، وفقط مصلحته الخاصة .


    اُلزِّرُّ اُلسَّابِعُ:

    لَمْ أُصَدِّقْ أَنَّ اُلْفُصُولَ

    سَتَغْتَالُ وَلَهَ اُلْعَاشِقَاتِ

    وَ أَنَّ شَهْرَزَادَ سَيَنْتَهِي حُلْمُهَا. !

    ولم يعد أمام شهرزاد إلا الاستيقاظ من حلمها على كابوس مر ، ومستقبل غاية في المجهول ، وصدمة رؤية حقيقة عاشقها مزيفا ، كاذبا بلا أزرار عسكرية تجذب القلب إليه !!


    للجسد عند نجاة مساحة كبيرة مرة تكون بمساحة الوطن ومرة تكون أكبر من ذلك بكثير فهي ربما اختارت أن تتعبد في ذلك المحراب المبهر الذي يحملدلائل عظمة خالقه ، وهه لهذا يتسع باتساع قدرة الصانع تربطه حينا بالحرف والحرف يعني بداية الخلق ، وتربطه حينا بمساحات الوطن الشاسعة ،ومرة ثانية بالقصيدة ، ومرة أخرى بالحلم والشعور والإحساس المعمق اللانهائي الحدود ، تقول الشاعرة في :



    شَرَاشِفُ قَصِيدَةٍ عَارِيَّةٍ!!

    سَلاَمٌ لِلْحَرْفِ

    يَجُرُّ خُطَاهُ فِي مَوْعِدٍ

    يَرْسُمُ جَسَدِي حَفْنَةَ نُورٍ.



    النتيجة لمجيء الحرف عشقه لرسم جسد الشاعرة بتلوي الحروف وانحناءات الكلمات ، ترى بأي لون وبأي خطوط سيفعل ذلك ، ولماذا يجر الحرف نفسه وخطاه وهو يسير باتجاه مركز الجاذبية السماوية ، وهي الأنوثة المطلقة ؟
    لكنه يرسم ذلك الجسد بحفنة نور ، في قصيدة أكاد أفهم لماذا جعلتها عارية ؛ فالنور لا ينتج إلا عن احتراق ، ترى هل هو الاحتراق داخلي ، أم احتراق خارجي ، سنبحث في التالي لعلنا نجد جوابا ، تقول الشاعرة :
    كَانَ اُلطَّرِيقُ أَعْمَى

    وَ كَانَ ثَغْرُ اُللَّيْلِ يُلاَمِسُ أَنْفَاسِي

    خَلََعَتْ قَصِيدَتِي ثَوْبَهَا اُلْأَوَّلَ

    فرَأَيْتُ "مَاوِيَّةَ" تَحْمِلُ تَارِيخَهَا

    تَحْتَطِبُ مِنْ دَمِي أَسْرَارَهَا

    وَ ذَا اُلرُّمَّةِ يَفْتَحُ لِلْحُبِّ مَغَارَتَهُ

    وَ عِنْدَمَا تُوصَدُ اُلْأَبْوَابُ

    يَخْتَصِرُ اُلْحُبُّ رَقَصَاتِهِ.

    مِثْلِي ..

    يَعُضُّ عَلَى شَفَتَيِّ اُلرِّيحِ

    يَلُفُّنِي فِي دُخَانِهِ

    فَيَحْلُو لِي أَنْ أَضِيعَ فِي كَفِّهِ.

    أَقْطِفُ ضَحِكَاتِ اُلْمُشْتَهَى.

    وَ عِنْدَمَا يَسْكُنُ اُلشَّوْقُ طَلْعَةَ اُلْمَاءِ

    تَتَوَسَّدُنِي أَحْدَاقُ اُلشَّوَارِعِ

    وَ كَأَنَّهَا تَحْتَرِفُ اُلْعِشْقَ

    تَتَلَصَّصُ عَلَيَّ ...

    هكذا إذن عرفنا أن الاحتراق داخلي ، فقد خلعت القصيدة أثوابها وبان منها ساحر ما تحت الحرير ، وأتت الرجفة التي تسبق انهيار جدار الصمت وانطلاق زفير البركان وحممه ، لتخلع القصيدة أو ذات الشاعرة فهنا التوحد كامل بينها وبين حرفها وقصيدتها هي ، وهي قصيدتها دون فرق ، لتخلع القصيدة ثوبها لتبدو حفنة النور تملأ الأفق وتسده ألقا سابحا في فضاءات اللامحدود ، وهي ترى ماوية التي احترقت بنار الحب ، تحتطب ، وكلمة تحتطب تدل على شدة حرارة البركان واستدامته ، ثم يختلى ذو الرمة بحبيبته وماوية بعشيقها في لقاء لا يبقي إلا الرماد ، حالة عشق متناهية الشبق يحترق في الحروف وفي الحطب على حد سواء ، والجسد يتلوى كتلوي الدخان فوق سماء البركان !!!
    ثم ماذا ؟؟ تستمر الشاعرة في إرسال حمم اللافا بلا توقف فهي تعيش رعشة اللهفة بعد أن حاولت ترك أحزان الوطن وراءها ، فتقول :

    (...) وَ أَنَا أَعْدُو فِي مَدَارِ اُللِّقَاءِ

    وَجَدْتُهُ يَنْتَظِرُنِي بَيْنَ بَعْثَرَةِ اُلْأَلْفَاظِ

    يُلاَمِسُ رَعْشَةَ اُللَّهْفَةِ

    تَرَكْتُ وَرَائِي أَحْزَانَ اُلْوَطَنِ

    وَ سَكَنْتُ زَوْبَعَةَ عَيْنَيْهِ.

    فِيهِمَا أَغْصَانٌ مُمْطِرَةٌ

    لاَ أَعْرِفُ شَبِيهَهَا...

    تَمْتَدُّ لِجَسَدِي كَحُرُوفٍ إِلَهِيَّةٍ .

    سِرْنَا تَائِهِينَ فِي قَسَمَاتِ اُلزُّقَاقِ

    نَبْحَثُ عَنَّا فِي ذُبُولِ اُللَّيَالِي

    نَخْتَلِسُ اُلْمَيْلَ...

    وَ عِنْدَمَا جَلَسْنَا فِي سَاحَاتِ اُلصَّوْتِ

    رَأَيْنَا كَوْنًا يَتَدَلَّى

    اُخْتَلَجْنَا

    وَ فِي آيِهِ تَرَجَّلَ اُلْهَمْسُ.

    ...كَمْ سَكَبْنَا مِنْ وَجْهِ اُلْمَسَاءِ

    نَبِيذَ اُلْمَدِينَةِ اُلْعَطْشَى

    خُطُوَاتُنَا قَصَائِدٌ مُخْضَرَّةُ اُلضِّفَّتَيْنِ

    يَنَامُ فِيهِمَا اُمْرُؤُ اُلْقَيْسِ ..

    اُنْسَحَبْنَا مِنْ تِيهِهِ

    يَقُودُنَا حُوذِيُّ اُبْنِ اُلْمُلَوَّحِ.

    "أَقْبِلِي"

    قَالَتْ صَبِيَّةٌ ضَرَبَتْ لَنَا مَوْعِدًا

    مَعَ اُلصَّبَوَاتِ

    مَشَيْنَا فِي حِبْرِهَا

    نَتَنَشَّقُ عِطْرَ اُلْمِرْآةِ !!

    خَاطَتْ بِأَهْدَابِهَا جَسَدِي

    وَ تَرَكَتْنِي أَتَلَظَّى

    وَ بِي أَوْجَاعُ اُلْهَوَى تُعَجِّلُ اُنْتِهَائِي.

    هو مكان النقاط المحذوفة رجل عاشق متوله لا بل متدله يقطر عنفا ، ورجولة ، ونيران شبق لأنثى تعشقه تتميز بالشوق والجمال الآسر ، لتحدث عاصفة التقاء الرياح الساخنة بالرياح المحترقة ويتحول المكان لإعصار لولبي ماحق يدمر كل من يقف بطريق دورانه !!
    فالأغصان الممطرة ، تدخل خبايا الجسد وتلغي الممنوع ، فترتعش الأرض بالمطر ، وترسم خطوط الإعصار لرجفات واختلاجات لحظات الاتحاد ونزول المطر داخل شقوق الأرض العطشى ، لتنبت في تلكم الشقوق بذرات الحياة المختبئة والمتلهفة على شق التراب ورؤية النور فوق أديم الأرض ، فخيوط الأهداب تخيط الجسد العاري مرتجفا بخيوط الأنوثة الطاغية التي تجعل زجاج المرآة ينزف عطرا ، ويترك اللظى يحترق وصولا للحظة الارتواء !!
    وتستمر القصيدة في المزيد من عرض لظى أنوثتها ، وحمى اشتياقها المطر ، فتخلع ثوبها الثاني ، وهو ثوب الخوف وثوب الزيف الاجتماعي الذي يكيل بمكاييل مختلفة ، فتقول :

    خَلَعَتْ ثَوْبَهَا اُلثَّانِي

    فَوَجَدْتُنِي فِي سَاحَاتِ اُلْوَطَنِ

    أُصَافِحُ أَشْلاَءَ اُلْأَشْيَاءِ

    أَمُدُّ إِلَيْهِ شَرَايِينَ اُلْأَبْعَادِ

    لَكِنَّ اُلرِّمَالَ اُلْمَذْبُوحَةََ تُعَانِقُ نَزِيفَهَا

    فَلِمَاذَا زَمَنِي مَعْصُوبُ اُلصَّدْرِ

    تَتَسَقَاطُ أَوْرَاقُهُ فِي رَحِمِ اُلْمَوْتِ

    لأَِرَى رُؤُوسًا يَتَقَاذَفُهَا اُلْعَارُ

    شَرْقَيْ وَغَرْبَي اُلْبُسَطَاءِ ؟!!

    وَ فِي كُلِّ دَرْبٍ اُمْرَأَةٌ تَشْنُقُ لَذَّتَهَا

    تَنْثُرُ بَحَّتَهَا

    يَضُمُّهَا اُلْحِصَارُ .

    فَكَيْفَ تَغْفُو فَوْقَ رَمَادِهَا

    اُشْتِهَاءَاتُ اُلْعُشَّاقِ

    وَ هِيَ تَقْرَعُ أَرْصِفَةَ اُلْأَوْجَاعِ عَارِيَّةً!!

    فهي كالوطن ، وكل أنثى مثلها محاصرة كوطنها ، فالوطن مشنوق الحرية ، محروم أن يتنفس بسعة صدره كما الأنثى ، يستورد الوطن إرادته من الرؤوس المربوطة بذل التبعية والخضوع وكذا كل أنثى أيضا هي وطن كامل مشنوق ، تشنق رغبتها ، وتشنق إرادتها وأنوثتها داخل قمقم الحياء المفروض بغباء متناه !!

    وتستمر في استكمال مسلسل خلع الأثواب لتصل لثياب منع الحلم ، ومصادرتها على حواجز المجتمع ، والعيب ، والحياء الزائف ، حتى تخنق بداخلها أدوات التعبير ، وتلجم أجزاء محرابها عن النطق بصلاة علمها لها الله عندما خلقها لتكون أنثى ، وجعلها وعاء الحياة ، فهم يريدونها أرضا تنبت بلا أي إحساس ، وترابا يخرج الزرع دون أن يعشق اخضرار أوراق الشجر ، ومجرى ماء ، لا يحب الماء العذب الجاري بين ذرات ترابه وعميق كيانه !!
    خَلَعَتْ ثَوْبِهَا اُلثَّالِث

    فَإذَا بِي أَسْقُطُ فِي مُنْتَجَعِ اُلْحُلْمِ

    وَ فِي فَيْئِهِ طَوَقَّنِي وَسَنُ اُلنَّبْضِ.

    وعندما تصل الأمور لهذا الحد تسقط الهدفية من الحياة وقداسة الأنوثة في منتجع الوحل العبثي ، وتصبح الأشياء لا فرق ، النبض وعدمه ، والحرية والقفص ، فردة الفعل ممنوعة ، والتفاعل ممنوع ، وإظهار العشق بين التراب والماء عار !!

    في القسم الأخير تناقش نجاة الشاعرة الإنسان ماضي ذكرياتها ، مناقشة حالمة حينا ، وبقطرات الدمع حينا آخر فهي تستحضر طفولتها وذكريات الحب البريئة بداية مستعملة دخان السماء مستعيرة بدء الخلق ببدء نبض قلبها الأنثوي الحاد الشعور ، تصبح فراشة طاهرة بلا عيوب ، ثم تتعمق فتعرف العشق بأنه أيضا نوع من التعبد في محراب ما وهبه الله للأنثى من أعضاء جميلة غاية في الحس ، وغاية في الاستجابة لهدف خلقها ، فهي طفلة على باب النضوج ، فتقول :
    أَشْجَارٌ مِنْ دفْتَرِ اُلْغِيَابِ

    تَدَاعِيَاتٌ...

    صَغِيرةً كُنْتُ...

    أَغْزِلُ مِنْ دُخَانِ اُلسَّمَاءِ عِطْرًا

    يَسْتَقْبِلُ ذُهُولَ اُلْغَيْمِ

    وَ يَكْسِرُ صُرَاخَ الُطُّفُولَةِ.

    وَ لَمَّا تَآخَيْتُ مَعَ اُلصَّمْتِ فَرَاشَةً

    نَفَضْتُ عَنْ جَنَاحَيَّ قِرْبَةَ اُلْمَوَاعِيدِ

    وَجَرَيْتُ نَحْوَ نَهْرِ اُلْهَوَى

    مِثْلَ لَيْلَى أَعُدُّ أَجْفَانَهُ

    وَأَتَمَلَّى عُبُورِي مِنْ قَصِيدِهِ.

    صَغِيرَةً كُنْتُ...

    أَطْوِي أَوْرَاقَ اُلرِّيحِ

    وَأَنْشُرُهَا عِشْقًا رَمَادِيَ اُلْبَوْحِ

    تَهَامَسَ اُللَّيْلُ :

    - "أَقِلِّي مَرْكبَ اُلْحُلْمِ عَارِياً فِي وَجْنَتَيْكِ

    فَبَيْنَ أَطْرَافِكِ اُلْمَصْلُوبَةِ فَوْقَ هُذْبِاُلْقَصِيدِ

    أَوْرَاقٌ قَدِيمَةٌ تَنْحَنِي لِرَعْشَةِ اُلْوَهْمِ."

    ثم مرحلة البلوغ والمراهقة العنيفة التي مرت بها والصراع الداخلي بين المسموح قبل نزيف الزهرة وبعده ، ويدخل عالمها شيء جديد ممزوج بالرغبة والشبق الطبيعي ولوعة الفراق ولوعة الاشتياق لمعرفة هذا العالم الجديد المحفوف بالممنوعات ، والمحذر من العار والعيب ، وتتقلص جدران القفص ليصبح العالم الذي يحيط بها حديدا باردا ، فبعد أن لم تعد صغيرة تصغر المكانية الظرفية التي من المفترض أن تتسع لتسع جسدها الذي بدأ يتحرك فيه أشياء عنيفة من تيارات الرغبة والكبت ، الفضولية والمنع ، والتطلع للأفق والغيوم ، وتدفق الماء وسدود الصد ، فهي وإن لم تعد بعد صغيرة إلا أنها تعيش اللوعة ، تقول الشاعرة :
    لََوْعَةٌ...

    لَمْ أَعُدْ صَغِيرَةً يَغْزِلُ اُلطَّرِيقُ اُنْتِظَارِي

    وَبَدَأَ اُلْغِيَابُ يَحْتَطِبُ مِنْ جُنُونِي أَغْصَانَهُ

    قُلْتُ لِلْكَأْسِ اُلرَّاقِصَةِ تَنْدَلِقُ مِنْ سَفْحِ اُلْوَحْدَةِ :

    -" لِمَاذَا أُهَاجِرُ فِي خِبَاءِ اُلصَّبَابَةِ

    لَغْوًا يَمْتَطِي حُزْنِي

    وَكُلَّمَا سَكِرْتُ مِنْ حَسَاءِ اُلْمُحَالِ

    نَبَتَتْ فِي ظِلِّي

    أَيَّامٌ تَغْفُو فِي حَشْرَجَةِ اُلشَّمْسِ

    خَزَفِيَّةَ اُلْعِشْقِ.؟ !!".

    قَهْقَهَتْ فِي رَحِمِ اُلْمَاءِ

    وَرَأَيْتُنِِي فِي طَيْلَسَانِهَا أَهْذِي.

    ثم تنتقل بتسلسل المراحل الطبيعي لتسير نحو المقدر ، تمشي متعثرة ، لأن العالم المحيط يخفي عنها ما يجب معرفته ، ويتركها تخوض التجربة داخل زجاجة المجتمع وقفص الموروث ، فهي تتعثر وهي تغزل جواز سفرها في الحياة من دفء يدي رجل ، وتحس برائحة الرجولة المغرية للأنوثة المتفجرة وردا متفتحا ، ويأخذها جنون الشوق بعيدا في عالم مجهول عليها لا تجد سواها في الزورق في الربان والموج والنوء والمجداف والشراع ونجوم الهداية التي تدلها على الطريق ، فتقول :
    غوَايَةٌ...

    مَشَيْتُ خُطْوَتَيْنِ..ثَلاَثًا...

    وَ إِذَا بِي أَغْزِلُ جَوَازَ مُرُورِي

    مِنْ دِفْءِ يَدَيْهِ ..

    طَوْقُ اُلْبُعْدِ يتَدَثَّرُ مِنْ زَنَابِقِ مَحْوِي

    وَ فِي أَحْذِيَةِ اُلشَّوْقِ تُهَرْوِلُ أَسَاطِيرِي

    وَهَذَا قَمِيصُ اُلْهَوَى تَتَحَوَّلُ رَائِحَتُهُ

    لِإِشَارَاتٍ تَضِيقُ بِهَا بَسَاتِينُ اُلتَّأْوِيلِ.

    - "تَمَهَّلِي"

    قَالَتْ أَعْنَاقُ اُلْفَجْرِ تَنْحَنِي لِغُرْبَةِ حُلْمِي.

    قُلْتُ لِلَّعْنَةِ تَرْشُفُ قَهْوَتَهَا :

    " لِمَاذَا يتَثَاءَبُ فِي قَلْبِهِ اُلْجَفَاءُ

    فَتَعْبُرُ دَرْبَ اُلْغَسَقِ اُمْرَأَةٌ

    تَلْطُمُ أَنِينَ خُطايَ ؟."

    - "قُومِي يَا اُمْرَأَةً أَسْكَرَتْهَا حُمَّى اُلْمَوَاوِيلِ"

    غَمَزَتْ زَيْتُونَةُ هَدِيلِهَا .

    قُلْتُ:

    -" رَعْشَةُ عَيْنَيْهِ تَسْتَظْهِرُ

    ثَوْبَ اُلْمُدُنِ اُلْخَجْلَى

    وَ فِي بَيَاضِ حُزْنِهِ تَشْنُقُنِي

    حَمَائِمُ اُلْكَلِمَاتِ

    فَيَقْصِفُ فِي عِبْءِ اُلْكَوْنِ

    هَذَا اُلْمَعْنَى اُلشَّارِدُ.... "

    كانت تجربة ، حدودها الإخفاق ، وسقفها ضياع الأمل ، تذهب للمرآة لترى أين الخلل ، هل العيب في تضاريسها ، أم في حرارة إحساسها ، أم في سرعة استجابتها وتجاوبها ؟؟
    فأراها تقول :
    مَرَايَا...

    لَمْ أَعْرِفْ أَنَّ اُلدِّفْلَى سَتَقْرَأُ تَبَارِيحِي

    تَتَقَاسَمُنِي أَلْحَانٌ قَمْحِيَّةُ اُلْكَسْرِ

    وَ فِي حَانَةٍ نُوَّاسِيَّةٍ

    تَنْزَعُ بِلْقِيسُ سِحْرَهَا اُلْمُرْتَجَلَ .

    تَرْسُمُ حَرْفَهَا نِسْرِينًا

    وَ فِي صَوْتِهَا اُلْعَاشِقِ

    أَشْعَارٌ عِذَابٌ

    تُرْقِصُ خِصْرَ اُلْقَصِيدَةِ.

    كَانَ اُلْعَالَمُ حَوْلَهَا يُولَدُ

    فَيَسْقُطُ خَرَزٌ أَخْضَر مِنْ شِفَاهِ اُلْوَالِهِينَ

    مَاذَا لَوْ غَنَّتْ عَارِيَةَ اُلْقَدَمَيْنِ

    تَكْتُبُ نَبْضِي اُبْتِهَالاً

    فَتُصْغِي اُلْأَرْضُ لِرَائِحَةِ اُلنَّزِيفِ ؟ !

    بعد مراجعة شاملة للمرآة ، لم تجد العيب في جسدها ، فالرغبة كانت كاملة ، واللقاء كان حميميا دافئا ، لم يبق جزء من محراب التعبد بلا صلاة ، كان الجسد عاصفا شامخا مع عواصف الحميمية في اللقاء ، والخصر ساحرا ، وسائر التفاصيل في غاية الرقة والجمال ، فلماذا إذن الجرح والغدر والفراق ، عندها فقط تربط جرحها بجرح الوطن هروبا من مواجهة الحال منفردة ، فهي تريد أن تتشارك في الجرح معه لتقوى على المواجهة أو لتجد لها شريكا ولو في الجرح فحسب !!
    تقول :
    شَيْءٌ مِنْ...

    شَيْءٌ مِنْ حَتَّى يُحَرِّضُنِي عَلَى هَاوِيَتِي

    تَضِيقٌ بِي رِئَةُ اُلْمَدِينَةِ اُلْعَابِسَةِ

    فَأَغْتَابُ شَهْقَةَ اُلْمَعَرِّي ...

    وَ فِي شَهوَةِ اُلْغُمُوضِ

    حِكَايَاتٌ ضَاعَ وَجْهُهَا.

    كَمْ كُنَّا نَتَلَاقَى فِي حَنْجَرَةِ بَابِلَ

    وَكُلُّ اُللَّفَتَاتِ تَتَدَثَّرُ مِنْ بَقَايَانَا.

    أَتَذَكَّرُ اُلشُمُوخَ اُلْعَاصِفَ فيِ جَسَدِي

    وَحُلْمِي اُلْمُدَخَّنِ فِي إِصْبَعَيْهِ

    قُلْتُ لَهُ ذَاتَ جُرْحٍ:

    -" لِمَاذَا عَلَى هَذَا اُلْوَطَنِ أَنْ يَتْلُوَ يُتْمَهُ

    وَكُلُّ اُلدُّرُوبِ مَهْجُورَةٌ يَغْسِلُهَا اُلْبَحْرُ؟"

    تَبَسَّمَتْ قَصَائِدُهُ.. وَ فِي غِيَابِهِ تَنَاثَرْتُ.

    ثم يجتاحها الحنين ، وتحس بضعف الاغتراب والوحدة ، فتتذكر أيام وليالي الحب ولكنها تتذكر أن ما خلفتها تلك الذكريات هي رماد أنثى متعبة ، تقول :
    حَنِينٌ

    كُنْتُ أَجْدِلُ أَلقَ اُللِّقَاءِ ...

    وَ حينَ يَنَامُ اُللَّيْلُ

    تَفْتَحُ عَتَمَةُ اُلْأَشْيَاءِ شَبَابِيكَهَا.

    مُتعَبٌ خَطْوِي يَجُرُّ رَمَادِي

    وَبِي ظَمَأٌ يَغْرِسُ كَفَّيْهِ

    فِي لَهْفَتِي اُلْمُبَعْثَرَةِ

    بِاُلْأَمْسِ ..يَا لَلْأَمْسِ يُوَشْوِشُنِي جُوعَهُ !

    يُفَصِّلُ اُعْتِرَافَاتِي رِدَاءً لِلْوَشْمِ اُلضَّرِيرِ .

    وَ فِي وَلَهٍ يَغْفُو بَيْنَ قَدَمَي اُلْحَنِينِ

    غَرْغَرَةُ اُلْغَوَايَةِ تَتَنفَّسُ نَوَامِيسَ اُلْجَسَدِ .

    تذكر بخوف تغير رجلها عليها ، فهو الذي كان والها متدلها مشتاقا محترقا ، يرمي نفسه تحت قدميها ، يغرس أظافر جوعه في عبق أنوثتها ، أصبح الآن متغيرا عليها يترك كل ذلك في رماد الذكريات الباردة !!
    والخلاصة ،،،،،،،،،،
    تعتبر المدرسة الشعرية المغربية أنموذجا متفردا في الشعر العربي ، فالشعر في تلك المدرسة يمتاز بالعمق وتعدد الأبعاد ، وحدة الإحساس ، والتأمل الفكري المجرد ، والوصول للبعد الرابع والخامس بعيدا عن سطحية التكلم في البعد الأول والثاني ، وتعتبر نجاة الزباير صرخة مدوية للرفض الحاد للواقع المهين ، ومحاولة جادة لكسر سور الممنوع والتطلع للعالم المفتوح بعينين غير مغمضتين !!!

  2. #2

    رد: الشاعرة المغرية نجاة الزاير من شعرها : عبد الرحيم محمود

    السلام عليكم
    دراسة مستفيضة لعنصر مشترك بين وجدان الأدباء وهو القلق وعندما تحكي لغة الجسد نجد أنسفنا مع روح شبقة تسعد الرجل لكنه لاتجعله يحترم هذا الشعور إلا على ضوء غريته فقط فعندما تخلع المراة ثوب الحياء سنعطف الرجل راجعا ليلبي حاجته إليها بينما هي تسفح انوثتها أمام من يشتريها بلا عقد فهل هذا من المزايا؟؟...
    ****
    انابع اولي امام ماقرات من جمال نصي برائحة العاطفة الأنثوية واقطتف ماوجدته يشرح النصوص بشكل لافت:
    عندها عالمها الخاص المعزول داخل جسدها المضطرم وروحها القلقة ، وهي ربما تسير عكس عقارب منطق السببية التي تنتهي بنتائج لا تخضع لقوانين الحساب المعروفة ، فالمهم هو الارتواء وليكن بعد ذلك طوفان يغرق كل الطين !
    لماذا تتعمد الشاعرات العربيات أن يغلفن قصائدهن تحت سجف معتمة ، وسحب قاتمة ، وآبار عميقة ؟
    ولماذا يحاولن جهدهن أن يقطعن صلتهن بما يكتبن ؟
    ولماذا يحاولن بتر إحساساتهن إلا القليل ؟
    ولا يحببن التوحد فيما يكتبن ؟
    هن يتعمدن الحفاظ دائما سلم النزول عن الشجرة العالية تحت ستار الحياء والخوف والعيب والحرج والقيد الاجتماعي والعرف والعادة ، فالفتاة عرفا وعادة لا تحب إلا زوجها بعد الزواج في مجتمعاتها المغلقة
    شاعرتنا نجاة صنف مغاير ، متوحد ، ينبع من حروفها شرر الرغبة ، ووهج الانفعال ، وشبق التفاعل ، متحد ، رافض للمعادلة ، ولذا نرى أن هناك خليطا عجيبا بينها وبين حروفها ، فهي حروفها ، وحروفها هي ، توحد كامل ، تقول ما تحس ، وتحس ما تقول ، تتوهج فتتساقط الكلمات ذهبا مصهورا ، أو رغبة شبقة جامحة قاتلة كالإعصار المجنون الجامح !!!
    الاقتباس الاول يشرح النصوص بوضوح أما الاقتباس الثاني فاستغربته من عنصر ذكري يتسائل ليميط اللثام عن بقايا الحياء المفروض ان يكون موجودا فلم السؤال؟
    ************
    اخيرا أشكر هذا الجهد الكبير شاعرنا
    ودمت بخير وسلام وتحية لأديبتنا
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: الشاعرة المغرية نجاة الزاير من شعرها : عبد الرحيم محمود

    جهد رائع حقيقة في تقييم أدب الأديبة المغربية/نجاو الزاير أديبنا عبد الرحيم.
    ويبقى عنصر الحياء في المراة خط فاصل حيوي في نصوصها يعني لنا الكثير..
    ع.ك
    موقع عدنان كنفاني
    http://www.adnan-ka.com/

المواضيع المتشابهه

  1. إلا الرحيل ............ للشاعر : عبد الرحيم محمود
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 01-16-2013, 04:40 AM
  2. البالون !!! / عبد الرحيم محمود
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-21-2012, 06:24 PM
  3. وهم وسراب / عبد الرحيم محمود
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-21-2012, 06:51 AM
  4. حب : عبد الرحيم محمود
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-15-2011, 01:18 PM
  5. آخر زمن/ عبد الرحيم محمود
    بواسطة عبد الرحيم محمود في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-03-2009, 11:27 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •