الفصل السادس والعشرون: الكنيسة الكاثوليكية والإسلام ..
تقديم: آنزو باتشي .. أستاذ في جامعة بادوفا ـ إيطاليا
من الجائز أن يصبح تحليل الصورة التي تنحتها الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا عن الإسلام المعاصر موضوعا (سوسيولوجياً) مفيدا شريطة أن ندرس هذه المسألة في سياق ما استحدثته هذه الكنيسة من استراتيجية على إثر سقوط جدار برلين.
ما هي استراتيجية الكنيسة الكاثوليكية؟
بادرت الكنيسة الكاثوليكية بعد انهيار الشيوعية، الى إعلانها أن ذلك يعود الى انتصار ملكوت الخير على ملكوت الشر، وذكرت العالم بنشاطها من أجل دحر الشيوعية.
ثم قامت الكنيسة الكاثوليكية لتعلن نفسها رائدة على صعيد العلاقات التواصلية، فإرادة الحوار التي يجب أن تسود العالم لا بد لها من أن يكون لها ممثلٌ عن الغرب المسيحي، وتقدم الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها الأكثر جدارة بهذا التمثيل عن كل المسيحيين بما فيهم الأرثوذكس والبروتستانت.
إن الكنيسة الكاثوليكية بذلك التوجه الاستراتيجي، تريد أن تفرض هيمنتها على الكنائس الأخرى، ولكنها تحاول تغطية ذلك الاستحواذ بغطاء أخلاقي، يظهر الرغبة في سيادة السلام والمحبة في العالم، ومن جانب آخر تريد إظهار الإسلام كعدو لا تستطيع أي كنيسة التعامل معه كما تتعامل الكنيسة الكاثوليكية.
وساطات الكنيسة الكاثوليكية وتدخلاتها
في سعي بعض الدول الإسلامية للاندماج مع الكتلة الأوروبية الغربية، أو أخذ حظوة استثنائية منها، كما حدث في مطالبات المغرب بذلك سابقا، أو ما يحدث مع تركيا اليوم، فيجب على تلك الدول القبول بوساطة الكنيسة الكاثوليكية، أي القبول بأرضية حوار تقلل من المزاعم التبشيرية للاسلام في أوروبا، كما ذُكر في كتابات (Bastenier) و (Dassetto).
نشاطات الكنيسة الكاثوليكية فيما يخص الإسلام
تعتبر نشاطات الكنيسة الكاثوليكية حديثة العهد بالنسبة للإسلام، وتعود بداياتها (الحديثة) الى اهتمام (مجمع الفاتيكان الثاني عام 1963) وتبعه طائفة من الأحداث لها مضمون رمزي هائل مثل:
1ـ خطابات البابا بولس السادس في آب/أغسطس 1969 في أوغندا.
2ـ العديد من المنتديات الإسلامية المسيحية التي صارت تغذي المعرفة المتبادلة على المستوى اللاهوتي وبين علماء مسلمين، ابتداء من منتدى طرابلس 1976.
3ـ لقاء البابا يوحنا بولس الثاني مع ملك المغرب الحسن الثاني 1985
4ـ الصلوات المسكونية التوحيدية المقامة عام 1986 و 1992 في آسيزي.
5ـ زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للسودان 1993.
لنلقي نظرة على التطور الحاصل في إنشاء صورة الإسلام داخل الكنيسة المسيحية الأوروبية:
أولا: الصورة المشوهة
كانت الصورة القديمة عن الإسلام في أوروبا من قبل الحروب الصليبية ولغاية العصر الراهن تتمثل بما يلي:
1ـ الإسلام عبارة عن (هرطقة مسيحية) هذا ما قاله: يوحنا الدمشقي في الماضي. وهو ما قيل عن المسيحية من قبل اليهود على أن المسيحية عبارة عن هرطقة يهودية.
2ـ يلقب محمد صلوات الله عليه، بألقاب أطلقها المسيحيون على اليهود بالدجل والتضليل.
3ـ نعت المسيحيون الديانة الإسلامية بأنها ديانة المتعة الجسدية (مقابل المسيحية بأنها الديانة الروحانية).
4ـ وعليه فإن الديانة الإسلامية أدنى مرتبة من الديانة المسيحية حسب (لاغرانج)
ويصف (برنارد لويس) و (عبد الله العروي) أن بين الإسلام والمسيحية قامت (لعبة مرايا) تقليدية لا فكاك منها، إذ تصف كل ديانة الديانة الأخرى بالكفر والجهل.
ثانيا: الصورة المصححة
أعلن مجمع الفاتيكان الثاني وثيقة أسماها (إعلان القطيعة مع الماضي في 28/10/1964 سنلخص أهم ما جاء فيها:
1ـ تكن الكنيسة الكاثوليكية للمسلمين تقديرا ساميا لأنهم يعبدون الرب الأوحد الحي الذي تكلم الى الإنسانية. وهم يخضعون لله شأنهم شأن ابراهيم عليه السلام.
2ـ إنهم يكرمون عيسى المسيح عليه السلام باعتباره نبيا، كما يكرمون أمه مريم باعتبارها قديسة. على الرغم من أنهم ينكرون أن المسيح هو الله، حيث يصفونه أحيانا بالتقوى ومخافة الله.
3ـ إنهم ينتظرون يوم الحساب عندما يجازي الرب كل العائدين. ويقدرون الحياة الأخلاقية ويعبدون الله صلاةً وصدقةً وصياماً.
4ـ تنهي الوثيقة القول: لننس الفتن والأحقاد، ولننهض مدافعين معا عن العدل الاجتماعي والقيم الأخلاقية والسلم والحرية بين البشر.
خاتمة
يختتم المؤلف (الباحث الاجتماعي) ورقة عمله بالقول: إنه انقلاب هائل حدث من قبل الكنيسة الكاثوليكية (حسب اعتراف كافتارو: مفتي سوريا 1989).
وبهذا تم إدراك المسيحيين أن الدين الإسلامي هو دين سماوي له وزنه وتأثيره في المجال الاجتماعي والثقافي والسياسي. كما أقر الباحث أن المسلمين ينظرون للديانة المسيحية على أنها كديانتهم ديانة سماوية لها وزنها في كل المجالات.