أبْقِ عليَّ حبيبِـيليسَ لِجَورِكَ دافِعْ
جُرْتَ عليَّ فطَرْفيحيثُ ذكرْتًكَ دامِعْ
سليمان ابو ستة
يرى الأخ الشاعر العروضي محمود مرعي إمكانية لورود فاعلن مع فَعِلن التي تشترك مع فَعْلن في تشكيل بحر الخبب ، ويستشهد لذلك ببيت لابن الجوزي يقول فيه :
أم أين التراب أما تربت.............. خداه ، أما سكن التربا
ولا أدري إن كان قد شعر بنشاز في إيقاع هذا البيت المفرد ، أو تساءل بينه وبين نفسه عن سبب انفراده بهذه التفعيلة من دون أبيات القصيدة كلها ؛ بل من دون كل ما كتب على بحر الخبب من شعر عدا قصيدة الشاعر الكبير حنا إبي حنا ( وهي على العموم محاولة تجريبية لا نظن أن أحدا تابعه فيها على ذلك ) ، وكذلك لا أعتقد أن محمود مرعي إن كان كتب على بحر الخبب قد انزلق به الإيقاع إلى تفعيلة المتدارك هذه .
لا أريد أن أقول أن في نسخ بيت ابن الجوزي المذكور تحريف أو تصحيف ، ولكن لا شك أن فيه التباسا سببه الخطأ في قراءة كلمة ( التراب ) بتخفيف الراء بدلا من تشديدها لتكون صيغة فعّال من الفعل ( ترّب ) بمعنى وضع عليه التراب ( مع أني لم أجد في المعاجم ذكرا لكلمة التراب مشددة الراء ) . يدلنا على هذا قوله في البيت السابق لهذا البيت من قصيدة ابن الجوزي :
أفأين الجار أما قد جار.............فجارته حتى ذهبا
فالحديث هنا عن ترّاب معطوف على جار وكلاهما بشر فهما يفنيان كما تفنى جميع الكائنات ولا وجه لاحتمال كون الكلمة هنا هي التراب الذي نخطو عليه . و ( تَرَبَت ) في هذا البيت فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره الدنيا المذكور في بيت سابق من القصيدة نفسها ولكن يظل في البيت خطأ نحوي في عدم نصب المفعول به وهو ( خداه ) .
ما رأي أخي خشان الذي حاول أن يصلح البيت بافتراض حدوث تحريف في كلمة ( التراب ) فاستقام له الوزن ولكن المعنى ظل بعيدا .
ثم إن في هذا البيت ـ بعد أن صححنا قراءته ـ حدوثا لتفعيلة ( فاعل ) وهي لا شك مقبولة في بحر الخبب ، وفيه نلاحظ أيضا زيادة سبب في الشطر الأول كما حدث في البيت الآخرالذي انتبه إليه الأخ محمود .
أريد أن أزيد على ذلك شيئا ، وهو أن الشعراء المحدثين لم يجدوا حرجا في وزن الخبب من الإتيان بما يقارب وزن ( فَعَلَتَ ) كما لاحظ الدكتور علي يونس في كتابه " النقد الأدبي وقضايا الشكل الموسيقي الجديد " من قصيدة للشاعر مجاهد عبد المنعم مجاهد في قوله :
كان اكتمل لها التكوين
ثم تجيء لتستلقي بجوار رجال القرن العشرين
ففي قوله ( لتستلقِيَ بِجِوار ) ما يمكن اعتباره سببين ثقيلين .
بل لاحظت مجيء بعض الشعراء بأسباب ثقيلة أكثر مما جاء به الشاعر مجاهد ( وهو ما لا شك يحطم تصور وجود تفعيلة في هذا البحر ) ، يقول معين بسيسو :
منذ خرجنا من تلك الحجرة فوق السطح
سقط كحجر فوق الأرض الجرح
إذ تجد في قوله ( سقط كحجر ) ثلاثة أسباب ثقيلة .
**************
اقتباس:
فالحديث هنا عن ترّاب معطوف على جار وكلاهما بشر فهما يفنيان كما تفنى جميع الكائنات ولا وجه لاحتمال كون الكلمة هنا هي التراب الذي نخطو عليه . و ( تَرَبَت ) في هذا البيت فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره الدنيا المذكور في بيت سابق من القصيدة نفسها ولكن يظل في البيت خطأ نحوي في عدم نصب المفعول به وهو ( خداه ) .
ما رأي أخي خشان الذي حاول أن يصلح البيت بافتراض حدوث تحريف في كلمة ( التراب ) فاستقام له الوزن ولكن المعنى ظل بعيدا .
الأخوين الكريمين د. عمر خلوف والأستاذ سليمان أبوستة
شجون حديثكما مونقة ولا يمل لكما مجلس
أما عن كلمة (تِرْب ) فهي المماثلة أو المماثل في السن، فكأن الشاعر في مفترض قوله:
أم أين التِّرْب أما تربت ................ خداه أما سكن التربا
يعني : أين الصديق أما مات وتحول خداه (فاعل) إلى تراب أو اكتسى خداه بالتراب
جاء في القاموس المحيط : تَرِبَ يَتْرَبُ تَرَباً :- المكان: كثر ترابُه.- الشيء: أصابه الترابُ؛ [ وهنا كل من المكان والشيء فاعل مرفوع]
وقد قادتني رحلة في الموسوعة الشعرية إلى هذه الأبيات
لعمر بن أبي ربيعة:
فَقالَت لِأَترابٍ لَها اِبرَزنَ إِنَّني…………أَظُنُّ أَبا الخَطّابِ مِنّا بِمَحضَرِ
لابن المعتز:
قالَت لِأَترابٍ خَلَونَ بِها…………وَبَكَت فَبَلَّلَ دَمعُها النَحرا
ما بالُهُ قَطَعَ الوِصالِ وَلَم………… يَسمَح زِيارَةَ بَينَنا شَهرا
لابن المقرب العيوني:
إِذا ما نِساءُ الحَيِّ رُحنَ فَإِنَّها……….لَها النَّظرَةُ الأُولى عَلَيهنَّ وَالعَقبُ
تَحَيَّرَ فيها رائِقُ الحُسنِ فَاِغتَدَت………..وَلَيسَ لَها فيهِنَّ شَكلٌ وَلا تِربُ
ولابراهيم طوقان:
وَثمَ رمانة قَد اِضطَرَبَت ………. وَاِقتَرَبَت تربُها تَحذّرها
تَقول اُختاه تَحتَنا لَهب………يَصهرنا دائِباً وَيَصهرها
لشهاب الدين الخفاجي:
لأنتَ تِرْبُ الغُصْنِ نَشْوانَ إذا………..أدارت السُّحْبُ له خَمْرَ النَّدَى
ولمهيار الديلمي:
نَمى المجدُ منهم كلَّ أغلبَ ناهضٍ………. له الحزم تِربٌ والحسامُ قرينُ
وللدكتور أحمد رجائي في كتابه أوزان الألحان حديث عن الخبب بمصطلحات الموسيقى ( المفصل والموصل ) ما ستكون لي به إلمامة هنا إن شاء الله في هذه الصفحة المشعة بنوركما.
***********
في قراءتي لبيت ابن الجوزي المثير للجدل اجتهدت في تتبع ما جرت به الدنيا ، مشيرا إلى أن من كان اعتاد أن يدفن الناس لم يلبث أن دفنته الدنيا ،واجتهد أخي خشان في تتبع حال المرء مع صديقه الذي يقاربه في العمر كيف يسبقه إلى سكنى الترب ( جمع تربة ) وكلانا في ذلك أفصح من ابن الجوزي في بيته المشكل ، مع أنه يجب ملاحظة ما نصت عليه المعاجم من أن الترب أكثر ما يكون في المؤنث وقد ذكّره أخي خشان كما لم ترد الكلمة بمعنى الصديق أبدا ، أضف إلى ذلك أن الخد مذكر وقراءة خشان تدل على تأنيثه .
ذكرني هذا الكلام حول الاجتهاد في قراءة البيت بقول السجستاني مما أورده السيوطي في المزهر ، قال : " قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء شعر الحطيئة ، فقرأ قوله :
وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر
أي كثير اللبن والتمر ، فقرأها : لا تني بالضيف تامر ، يريد : لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القرى إليه ، فقال له أبو عمرو : أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة !
وهنا أراني قد ولجت منطقة من النقد اختص بها في المنتدى أستاذنا محمد . ب ، ولا بد أن عنده فصل المقال .
**********
واجتهد أخي خشان في تتبع حال المرء مع صديقه
الذي يقاربه في العمر كيف يسبقه إلى سكنى الترب ( جمع تربة )
كما لم ترد الكلمة بمعنى الصديق أبدا
أخي سليمان
حفظك الله ورعاك، وزادك علما وفضلا. وأراك جبرت في قولك الأول ما في عبارتي من عدم دقة، وأشرت إلى جوهر مقصدي وهو ورود كلمة ترب للدلالة على شخص.
العروض ضروري للمحقق. ولدي ملاحظات كثيرة جدا بهذا الصدد حول " كل ما قاله ابن الرومي في الهجاء " للدكتورة نازك يارد يبين بعضها الأخطاء التي يمكن تلافيها بالاستعانة بالعروض. وتشجعني متابعتك على نشرها تباعا، قريبا بإن الله.
يرعاك الله.
********
ما بين القوسين [ ...] مني ، وليعذر القارئ طول [ تعليقي ] وتعدده فالغاية ربط الجزئيات بالمفهوم الكلي للرقمي وبيان مدى فائدته في تصوير التفاصيل ضمن نطاق شموليته.
يقول الدكتور أحمد رجائي في الصفحة 87 من كتابه أوزان الألحان :" ولكن يبقى الإيقاع موصلا إذا كانت الأسباب خفافا كلها، ويصبح مفصلا إذا تضمنت سببا ثقيلا واحدا على الأقل محل السبب الخفيف. نظرا لتفاوت المدد الزمنية التي تفصل بين نقرات الإيقاع.
وكان سبق ذلك في ص 66 قوله:" الفاصلة وتتالف من ثلاث متحركات وساكن [111ه= 1 3 = (2) 2 ]، أو من متحرك ووتد [ ظاهري] وقد يحسن أن نقول من متحركين [ سبب ثقيل ] وسبب خفيف .
والفاصلة مقطع أساسي في الشعر فوزنها هو وزن بحر الخبب، وتدخل في البحرين الكامل والوافر، أما في الموسيقى فهي مقطع يمكن الإبقاء عليه أو إلغاؤه واعتباره مؤلفا من سبب ثقيل وسبب خفيف. [ والأدق أن نقول من سبب خببي – خفيف أو ثقيل فهما في الخبب متكافئان – وسبب بحري خفيف.]
ويضيف في ص 68 : " وزحاف الفاصلة في الشعر يكون بتسكين المتحرك الثاني منها وبذلك تتحول ( لِمَلا ) إلى ( لمْلا) [ ودرجت في الرقمي إلى تخصيص تعبير الزحاف لحذف ساكن السبب البحري 2، أما هذا التغيير من سبب خفيف إلى ثقيل أو العكس فهو التكافؤ الخببي في السبب الخببي 2 ] كما أشرنا إلى أن من المسموحات الارتجالية إجراء التبادل بينهما لتساويهما في المدة الزمنية التي يستغرقها كل منهما. غير أن زحاف الفاصلة [ التكافؤ الخببي في سببها الأول ] هو التحول من الثقيل إلى الخفيف [ والقول باعتبار الثقيل أصلا يعني أن الكامل أصل الرجز في صورته 34 34 34 ، وهناك من اعتبر الرجز أصلا له ، والقول بالتكافؤ الخببي يعني أنهما كانا معا أو أنهما بحر واحد ] ويجب أن نعرف أن العكس أي إحلال السبب الثقيل مجحل الخفيف غير مسموح به في الشعر."
ويضيف في الهامش:" ونرى ذلك مباحا عندما يقصد قول الشعر على الإيقاع الموسيقي. وقد فعل بعضهم هذا في قصائد من بحر الخبب، وجملته ( فعِلن) ومنهم نزار قباني في قصيدته المغناة :
زيديني عشقا زيديني ........... يا أحلى نوبات جنوني
ويتجلى ذلك في حركة الجيم في ( جنوني) حيث يقتضي الوزن العروضي أن يكون محلها ساكنا [؟] وقبلها قال نزار في قصيدته المغناة ( قارئة الفنجان):
قالت يا ولدي لا تحزن .......... فالحب عليك هو المكتوبْ
ويتجلى ذلك في حركة اللام في ( ولدي ) وها التصرف منتقد عروضيا [؟] مقبول موسيقيا. وإن المرء ليستحيي أن ينتقد شعرا سحر الجماهير ."
إنتهى النقل.
من انطلق من فهم العروض الرقمي يرى الأمر واضحا كل الوضوح. فالخبب إيقاع مستقل بذاته ولعله جد البحور الذي انطلقت منه جميعا، فهو جد البحور عروضيا وهو جامع مشترك بين أصل الإيقاع الشعري والإيقاع الموسيقي. والتخاب أي التكافؤ بين السببين الخفيف والثقيل في الشعر صنو التماثل فلما كانت كل مقاطع الخبب متماثلة جاز في كل منها، وامّحى التماثل المطلق بين مقاطع كافة البحور وبقي منه تماثل (كبير) بين وحدات أكبر في الكامل هي 4 3 وفي الوافر هي 3 4 ولكن في البحور التي تحوي 32 لم يبق تماثل كبير أو صغير، ولهذا بقيت صفة التخاب في السبب الأول من 2 2 في الكامل والوافر بخلاف السبب الثاني فهو بحري فكل سبب قبل الوتد بحري، وانعدمت صفة التماثل في 22 في بقية البحور ( لأنها تحوي 32 رمز الإيقاع البحري ) إلا ما كان في العجز بعد الأوثق. وما كان من ثماثل البحريين الصرفين المتقارب والمتدارك وهو تماثل ناف للتخاب من أصله لأن كل أسبابه بحرية
وعليه تصبح لدينا الأصناف التالية من الأوزان :
الخبب = 2 2 2 2 2 2 2 2
الكامل = 2 2 3 2 2 3 2 2 3
الطويل = 3 2 3 2 2 3 2 3 2 2
المتدارك = 2 3 2 3 2 3 2 3
السبب
2 ثقيل الزحاف أو لا يزاحف.
**********
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سليمان أبو ستة
في قراءتي لبيت ابن الجوزي المثير للجدل اجتهدت في تتبع ما جرت به الدنيا ، مشيرا إلى أن من كان اعتاد أن يدفن الناس لم يلبث أن دفنته الدنيا ،واجتهد أخي خشان في تتبع حال المرء مع صديقه الذي يقاربه في العمر كيف يسبقه إلى سكنى الترب ( جمع تربة ) وكلانا في ذلك أفصح من ابن الجوزي في بيته المشكل ، مع أنه يجب ملاحظة ما نصت عليه المعاجم من أن الترب أكثر ما يكون في المؤنث وقد ذكّره أخي خشان كما لم ترد الكلمة بمعنى الصديق أبدا ، أضف إلى ذلك أن الخد مذكر وقراءة خشان تدل على تأنيثه .
ذكرني هذا الكلام حول الاجتهاد في قراءة البيت بقول السجستاني مما أورده السيوطي في المزهر ، قال : " قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء شعر الحطيئة ، فقرأ قوله :
وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر
أي كثير اللبن والتمر ، فقرأها : لا تني بالضيف تامر ، يريد : لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القرى إليه ، فقال له أبو عمرو : أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة !
وهنا أراني قد ولجت منطقة من النقد اختص بها في المنتدى أستاذنا محمد . ب ، ولا بد أن عنده فصل المقال .
أفأين الجار أما قد جار.............فجارته حتى ذهبا
أم أين التراب أما تربت.............. خداه ، أما سكن التربا
أخي وأستاذي الكريم سليمان أو ستة
في حرصي على النهل من معينك ومعين أستاذي د. عمر خلوف، عثرت على هذا الموضوع الشيق، وبحثت عن قصيدة ابن الجوزي في الموسوعة فلم أعثر عليها.
أكتفي بالبيتين الذين أرى أنهما على هذا النحو :
أفأين الجار أما قد جا......(م).......رَ فجارته حتى ذهبا
(2) 2 2 2 (2) 2 2 2 ........(2) 2 (2) 2 2 (2) 2
أم أين التِّرْب أما تربت.............. خداه ، أما سكن التربا
2 2 2 2 (2) 2 (2) 2 ..........2 2 (2) 2 (2) 2 (2) 2
والبيت الثاني بلفظ الترّاب
أم أين التّرّاب أما تربت.............. خداه ، أما سكن التربا
2 2 2 2 2 (2) 2 (2) 2 ..........2 2 (2) 2 (2) 2 (2) 2
يزيد فيه وزن الصدر سببا عن الأسباب الثمانية المعهودة في شطر الخبب. وربما كان في هذا الأمر نظر لو أن سائر الأشطر كان الصدر فيها هكذا. أما أن يتفرد صدر واحد بزيادة سبب فأمر يدعو لإعادة النظر بهذا القول.
فما رأيكم دام فضلكم ؟