ذات مرة ذهبت الى والدي وكان يقرا الجريدة ..حينها كنت في اولى سنوي وقلت له :
انا – بابا عايز اقولك حاجة .
ابي – قول يا حبيبي ؟
انا – تامر صاحبي ابن عم فريد لقيتو النهاردة في حمام المدرسة بيشرب سكاير
ابي ( وقد نحا الجريدة من وجهه ) – ايه ؟ ابن فريد بيشرب سكاير ؟ اخصة عليك واد مش محترم ..ما تمشيش معاه خالص , امشي مع عامر , عامر باين عليه مؤدب .
انا – عامر بيهرب من المدرسة وبيلعب كورة مع عيال بايظة .
ابي(بتأفف) – امشي مع سامر ..وربنا يستر بقى
انا – سامر بتاع بنات يا بابا
ابي – يوووووووه .. خليك مع حاتم انا شايفو واد مهزب شوية رغم اني ما بطيقش ابوه ولا هو بيطيقني .
انا – لا يا بابا ..انا شفت حاتم وهو بينط
ابي ( فتح عينيه وكانه سمع بكارثة ) – حاتم بينط ؟؟ قصدك ايه ؟؟ بينط ازاي
انا (بكل برود ) – انا شفتو بعنيه يا بابا وهو بينط ..مش حكدب والله
ابي (رمى الجريدة من يده ) – احكي ولد شفت ايه بالضبط ؟؟!!!
انا (خائفاً) –شفتو يوم الاربعاء في عز دوام المدرسة ..
أبي (مقاطعاً وهو ناظر الى الشعاع الخارج من الشباك ) – في عز النهار يحترق الضمير بالخطيئة ..ويحك ايها الاثم ..(ثم التفت الي ) كمل يا ولد ..والناظر والمعلمين كانوا فين ؟
انا – هم لاحقين على حاجة ..ده كل واحد منهم بينتهز أي فرصة عشان يعملها وخاصة يوم الخميس ..
ابي (شهقة عميقة ) – المعلمين كمان ؟؟!!!..يا خسارة العملية التربوية ...ده شارع الهوى يا ولاد مش مدرسة ..دي مدرسة المستقبل الليلية لتلبية الرغبات الشهوانية وليس لتربية النفس البشرية ..دي لوكاندة البرنسيسات..وانا بقول ليه الناظر كل ما بيشوفني يقوللي انت وامثالك بتعكروا صفو العملية التعليمية..انا لا يمكن اسكت على الكارثة دي ..حأتصل بمكتب الوزير شخصيا ..لا..لا.. انا حصور كل حاجة وابعتوا لمكتب الوزير ذات نفسه عشان يعرف اللي بيجري في العملية التربوية ..(ثم استدرك ) ..ولد ..احكي بالضبط شفت صاحبك ده بيعمل ايه ..اتكلم ..انطق !!!
أنا – عادي يابابا ..هو في الاول "بيتسلق" ..وبعدين شفتو بيمسك بأديه الاثنين وهوب راح رافع الفخدة اليمين
ابي (مقاطعا ) – يا نهار اسود انت شفت حاتم وهو "بيتسلق" وبعدين بيرفع الفخدة اليمين ؟؟
انا ( بكل برود ) – اه ..ورفع بعديها الفخدة الشمال يا بابا
ابي – انت حتغنيها يا ولد ؟؟ دي اخر تربيتي ليكو يا كلاب ..ها وكمل حصل ايه بعديها عايز اعرف انت شفت ايه ..
انا – نط على طول يا بابا .. على فكرة العيال دي متمرسة بتخلص على طول وما بتستناش ..وكمان بينطوا مع بعض ..
ابي (شهقة اعمق ) – اعوذ بالله من غضب الله .. – اعوذ بالله من غضب الله.. يا ريتك ما سمعت الكلام ده يابو حيدر ...منك لله يا وحيد منك لله..عمال تقولي المدرسة دي كويسة وتعليم افرنجي وفي الاخر العيال طلعت بتنط في سنوي ..( مستدركا ) بص انا جاي يوم السبت ومعاي كامرة تصوير فوري ..حصور كل حاجة ..بس قولي استخبى فين ؟؟
انا – بتستخبى ليه يابابا؟؟ .. بقولك بينطوا من على سور المدرسة ..يعني ممكن تستنى برة المدرسة ومحدش يشوفك ..
ابي ( وقد زفر مرتاحا ) – سور المدرسة ؟؟!!(وقد امسكني من ياقة القميص ) كل ده في الاخر طلع سور المدرسة !!..نشفت دمي الله يقطع نفسك.
انا- ليه يابابا هو النط ده حاجة وحشة كده؟؟!!
ابي متلعثماً – ها .. طبعا طبعا حاجة وحشة ..وهي عادة ذميمة الله يبعدنا عند بعض الكائنات زي الارانب ...فأنا خفت يكون هو النط اللي في بالي , ماتمشيش معاه ده نهايته سودة .
انا – بس يابابا ..انت قلتلي اختار صديق يكون احسن منك ..كلهم بايزين ..
ابي (مستدركا وبنبرة حزينة ) – بيني وبينك دي مشكلة يابني ..بس انا عايزك تدور بنفسك..اما اصدقاء السوء دول ما تبتعدش عنهم وخلي عينك عليهم.
انا ـ ازاي مش فاهم..ازاي ابتعد عنهم واخلي عيني عليهم ..
ابي – انك تتابع نهايتهم حتبقى ايه ..(اكمل حواره وقد اجلسني بجواره)..هو انت فاكر الطبيب والمهندس والمعلم والاديب ده كان في مدرسته بينط من الحيط او يشرب سكاير في الحمام!!!..تبقى غلطان يابني ...خلي قدام عنيك ربنا بيقول ايه يقول الله تعالى في القرءان الكريم: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأنّ سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى} النجم...وحييجي يوم تعرف صدق الكلام اللي انا قلته .

الى هنا انتهى حواري مع الحج والدي .هذا الحوار الشيق الذي دار بيني وبين والدي حفظه الله حاضراً لدي لحظة حديثي مع صديق الطفولة والصبا المهندس حامد عندما التقيته في احد كازينوهات وسط البلد صدفة . وبعد عناق طويل وحديث جميل دار عن احواله واحوال ابيه والعائلة الجميلة التي نجح في تكوينها .
وعلى قدر اشتياقي لمعرفة احواله واخباره كنت ذا شوق لمعرفة مصائر هؤلاء الرجال الانف ذكرهم في الحوار السابق سامر وحاتم وعامر والذين تعشقت ذكراهم في ذاكرتي بعد طول تلك السنين. ولعدم تمكني من ابقاء عيني عليهم كما نصحني ابي بسبب هجرتي , فكان لابد من السؤال عنهم بعد اللحظة المناسبة من اللقاء .
ولم ادهش حينما اعلمني بتفاصيل مريرة عن قصة ضياع كل واحد منهم .تماما كالافلام الهندية .." ما تعرفش راح فين بعد ما ابوه طرده من البيت , بيقولك اجوز فلبينية وقعد يصيدلها كلاب ويبيع على العمال في احدى الدول الخليجية".." التاني مشي في سكة الحشيش وقفشوه في الجامعة وهو بيبيع الدبوس في سندوتشات الطعمية "..." يااااااه ..اللي فكرك بحاتم ؟؟..جالو استدعى في الجيش وراح حاجة على الحدود مع سينا واختفى ..اخر حاجة شافوها عنه انه كان بينط من على السور "..
الى هنا انتهى
ودمتم ساخرين
د.حيدر آل شامي