الكيان الصهيوني كيان وظيفي أم عقائدي؟

ا.د. محمد اسحق الريفي

يثير الحديث عن نكبة فلسطين ودور الغرب المسيحي فيها جدلاً كبيراً حول طبيعة الكيان الصهيوني وعلاقته بقوى الاستعمار الغربي، فبينما ترى فئة أن الكيان الصهيوني هو كيان وظيفي زرعه الغرب في منطقتنا لتحقيق أهدافه الاستعمارية والحؤول دون نهضة أمتنا، ترى فئة أخرى أن الكيان الصهيوني يوظف الغرب من أجل تحقيق أحلام اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ولا شك أن تحديد طبيعة الصراع العربي–الصهيوني وطريقة مواجهتنا للمشروع الصهيوني الاستعماري يعتمد على رؤيتنا لطبيعة الكيان الصهيوني وعلاقته بقوى الاستعمار الغربي، ولكن الأهم من كذلك هو مقاومة هذا الكيان وإزالته.

ومن وجهة نظري؛ لا أرى تعارضاً بين وجهتي النظر السابقتين، وأحسن ما يقال في هذا السياق؛ حول طبيعة الكيان الصهيوني وعلاقته بالغرب المسيحي، أنها طبيعة مزدوجة، فالمشروع الصهيوني هو مشروع يهودي–غربي استعماري، التقت فيه مصالح الغرب المسيحي بالأطماع اليهودية، ولهذا فالكيان الصهيوني يمثل كيان وظيفي بالنسبة للغربيين، ويمثل كيان عقائدي بالنسبة لفئة من اليهود، وليس لكل فئات اليهود، فبعض الفئات اليهودية في الكيان الصهيوني هي مجموعات وظيفية أو مرتزقة. وبعبارة أخرى؛ سيتواصل الدعم الغربي للكيان الصهيوني ما دام هذا الكيان يحقق مصالح الغرب، وسيتوقف الدعم الغربي للكيان الصهيوني عندما يتحول هذا الكيان إلى عبئ ثقيل على الدول الغربية الداعمة له، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تفتأ تؤكد ليل نهار على أن أمن الكيان الصهيوني خط أحمر.

ومن الناحية العملية؛ وبغض النظر عن طبيعة الكيان الصهيوني وعلاقته بالغرب، فإنه كيان عدواني غير مشروع؛ اغتصب جزءاً كبيراً من أرض فلسطين بالقوة، وهجر الفلسطينيين من أرضهم بالمذابح والعنف والإرهاب. بل هو كيان سرطاني خبيث يمنع وحدة أمتنا العربية والإسلامية، ويحول دون وحدتها ونهضتها، لأن قوى الاستعمار الغربي هي التي تحدد طبيعة الأنظمة الحاكمة في الدول العربية، لتضمن استمرار وجود هذا الكيان السرطاني، وإذا نشز زعيم عربي عن طاعة الولايات المتحدة الأمريكية وبدأ يشكل خطراً على أمن الكيان الصهيوني؛ فإنه يتعرض إلى التصفية بوسائل عديدة. ولذلك فإن بقاء الأنظمة الحاكمة العربية في الحكم مرهون بقدرتها على قمع الشعوب العربية ومنعها من القيام بواجبها نحو فلسطين والشعب الفلسطيني، ومنعها من مقاومة المشروع الصهيوني.

وفي مقابل الدعم الغربي للكيان الصهيوني، يمثل هذا الكيان ذراعاً عسكرية غليظة للغربيين؛ يستخدمونها في ضرب حركات المقاومة العربية، التي تحول دون إنجاز الأجندة الأمريكية في منطقتنا العربية والإسلامية، وتقاوم مشروع الهيمنة الأمريكية والغربية على منطقتنا، وتتصدى لمشاريع إذابة الثقافة الإسلامية. ويمثل الكيان الصهيوني أيضاً أداة إفساد وتخريب، ومعول هدم، وأداة استغلال واستعمار، وعامل عدم استقرار في منطقتنا.

ولذلك لا بد من إزالة الكيان الصهيوني بالقوة، ولا بد من استنزافه بشن عمليات فدائية ضده؛ في قلب الكيان الصهيوني، وعبر الحدود الفلسطينية–العربية. والتفاوض مع الكيان الصهيوني؛ لهثاً وراء سراب ما يسمى "السلام"، هو خيانة كبرى، ليس فقط لفلسطين والشعب الفلسطيني، بل للأمة العربية والإسلامية كلها. وعمليات المقاومة ضد الكيان الصهيوني تحقق هدفين في آن؛ تعريض المصالح الغربية للخطر، وإنهاك الكيان الصهيوني وضرب العنصر الخطير الذي يشجع اليهود والصهاينة على الهجرة إلى الكيان الصهيوني والعيش فيه، وهو عنصر الأمن، الذي دونه تصبح العقيدة الصهيونية واليهودية غير قادرة على إجبار اليهود والصهاينة على تحمل الخسائر المادية والبشرية تحت سطوة المقاومة.

ولذلك فإن الأهم من الجدل حول طبيعة الكيان الصهيوني وعلاقته بالغرب، هو دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالمال والسلاح، وعدم الاعتراف بشرعية أي جهة فلسطينية أو عربية تسقط خيار المقاومة في التعامل مع الصراع العربي–الصهيوني وتحارب المقاومة. وأخشى إذا ما بقينا في دائرة الجدل حول طبيعة الكيان الصهيوني، وفي دائرة التنظير السياسي، أن يتحول هذا الكيان إلى إمبريالية يهودية في منطقتنا تخضع الأنظمة والشعوب لها!

16/5/2010