دعم الملكة رانيا المثمر بقلم / توفيق أبو شومر
ليس من عادتي أن أمدح الحكام والملوك والقادة والرؤساء، لا لأنني سأكون في مرمى المشرحين والناقدين فأتهم بالوصولية والتملق ، بل لأنني لا أحب المطربين من الكتاب وما أكثرهم ممن اعتادوا أن يرقصوا على أوتار الرؤساء الخرساء ، عملا بقول نابليون بونابرت:" "الأقلام العازفة على أوتار الحكام هي التي تطيل أعمارهم "
غير أنني هذه المرة أحسستُ بسرور غامر وأنا أقرأ خبرا نشرته الصحف ووكالات الأنباء عن مبادرة أعلنت عنها الملكة رانية العبد الله السيدة الأولى في الأردن، وهذه المبادرة تكاد تكون الوحيدة في موضوعها ومجالها ، فهي أولا تستهدف البنية التعليمية، وثانيا فإن مجالها هو القدس المنكوبة بالاحتلال !
فالملكة وضعت إصبعها على الجرح بمهارة من يعرف معاناة أهل القدس، ويعرف مستقبلها أيضا، فمشكلة القدس ليست مشكلة نزاع بين اليهود والعرب، وهي ليست أيضا قضية جغرافية، ولا هي قضية صراع بين الأديان فقط ، وإنما هي في جوهرها صراعُ على قدرة الإنسان على البقاء والاستمرار، وقدرته على مواصلة الحياة.
فكيف يمكن لمن لا يجد مكانا لأولاده في المدارس أن يبقى في القدس ؟
وكيف يمكن أن يرضى سكان القدس بإخراج أبنائهم من المدارس، إن مبادرتها جعلتني أهتزّ وأنتفض تأثرا وألما عندما قالت:
" هناك عشرة آلاف طفل مقدسي لم يذهبوا اليوم إلى مدارسهم ، وهم بالتالي لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس في السنة الجديدة 2011 "!!
إذن فإن تلك المبادرة الواعية تعادل عندي كل ملايين الدولارات الجاحظية نسبة لأحد بخلاء الجاحظ الذي قال لمن طلب منه دَيْنا :"
((لو كان عندي مائة ألف ، لأعطيتك منها عشرة آلاف، ألم تر كم أنني كريم ؟))
هذه الملايين الجاحظية التي رصدتها الدول العربية مرات عديدة لسكان القدس، بدون أن يصل منها مليم واحد منذ سنوات وسنوات.
لقد تجاوزت هذه المبادرة الحدود السائدة للمنح والهبات (الوهمية) للقدس والمقدسات ، لتصب هذه المبادرة في موقعها الصحيح ، وذلك لأن الملكة صاحبة نية صادقة ومعرفة بطبيعة وضع القدس ، وهي تعلم بالتأكيد بأن إعادة عشرة آلاف طالب إلى قاعات المدارس في القدس يعني مئات المليارات المستثمرة آجلا من أجل بناء القدس عقليا وثقافيا ، وليس رقما من الأرقام التي اعتاد الموسرون وقادة العرب أن يتبرعوا بها (إعلاميا) فقط !
نعم أعترف بأن وضع القدس شائك وخطير، وكذلك تعلم صاحبة المبادرة الجليلة، وأن كل المبادرات سوف تصطدم بحائط احتلالي قاس، يحتاج إلى مرونة وقدرة على المناورة ، فمبادرتها ليست لإنشاء مدارس جديدة، في الوقت الذي تتم فيه عمليات والتهجير من البيوت ، فالملكة تعلم بأن إنشاء مدرسة جديدة في القدس يشبه البناء في كوكب عطارد ، فهي قد عمدت إلى أسلوب ذكي، قابل للتنفيذ ، وهو إعادة تأهيل مائتي مدرسة من مدارس القدس ، وهذا ممكن وضروري !
كما أن المشروع ليس حكوميا كله، بل تشارك فيه قطاعات نسائية عديدة من العالم العربي ، وهذا أيضا يشير إلى وعيٍ بطبيعة الحياة في القدس.
كما أن المشروع ذاته يأتي توأمة لمشروع سابق يجري تطبيقه في الأردن الآن ويهدف لإعادة تأهيل خمسمائة مدرسة في المدن والقرى الأردنية ، وتلك إشارة تضامنية تستحق التقدير والاحترام.
نعم ما أحوجنا إلى هذا الدعم الذكي من قبل كل المخلصين ممن يقدمون الدعم المخلص غير المشروط في مجالاته الحقيقية ، وبخاصة في مجالات البنية الأساسية للحياة، وأهمها قطاع التعليم، والبنية الأساسية للطفولة ، وهي البُنى التي تخدم المستقبل الفلسطيني !
وأنا أعرف بأن هذه المبادرة من الملكة سوف يُنظر لها بخطورة بالغة عند المتطرفين الذين يحتلون القدس اليوم ويتحكمون في مقدراتها ، وهؤلاء هم الذين يسعون أولا لإفساد البناء التعليمي ، بتخريب المدارس ، أو كما كان يحدث في غزة في التسعينيات عندما كان المحتلون يجمعون الرجال والشباب في ساحات المدارس ويحققون معهم ويضربونهم ، حتى يقرن المعذبون بين المدارس والتعذيب .
فهم اليوم في القدس يمنعون المدرسين ممن يسكنون خارج القدس من أن يلتحقوا بمدارسهم في القدس، وهم أيضا لا يسمحون للمدارس أن تتوسع وتبني أبنية جديدة ، ولم تعد هناك منح لإقامة مدراس خاصة جديدة في القدس ، وإذا أضفنا إلى ذلك مسلسل الجدران العازلة فإننا نصل إلى أن ما يجري في القدس، ليس سوى إحلال المتطرفين الحارديم محل السكان الفلسطينيين الأصليين .
يجب على كل فلسطيني أن يقدم الشكر الجزيل إلى كل المبادرين بدعم بنيتنا التعليمية والصحية والاجتماعية ، وعلى رأسهم جلالة الملكة رانيا العبد الله فمبادرتها ومشروعها كان بمثابة حاضنات مملوءة بالأكسجين الصحي لغرض إنعاش أبنائنا ممن أوشكوا على التشرد، فيصبحون عندئذٍ عاطلين مدمنين ، ويتحولون من طاقات إنتاجية إلى أعباء مجتمعية وحالات مرضية.
ليس من قبيل المبالغة عندما أُقرر بأن مبادرة الملكة رانيا الذكية الواعية، هي ردٌ قوي على أغنى أغنياء العالم الملياردير إرفن مسكوفتش، الذي وظف كل ثروته لدعم الحارديم في القدس .

****************

مبادرة جلالة الملكة رانيا العبد الله طوق نجاة للتعليم في القدس .


سمير سعد الدين
تأتي مبادرة جلالة الملكة رانيا العبد الله بإطلاق مشروع فلسطين مدرستي بالقدس والتي تهدف إلى إنقاذ أطفال المدينة الذين لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس بسبب ظروف متعددة منها : عدم وجود غرف للصفوف تستطيع أن تستوعب هؤلاء الأطفال بالنسبة لمدارس البلدية التي أخذت تشهد منذ ثلاث سنوات إقبالا متزايدا من قبل العائلات لإرسال أبنائهم إلى هذه المدارس كون أنها إحدى وسائل إثبات لهذه العائلات أنها تقيم بالقدس من أجل المحافظة على الهوية المقدسية كما تهدف إلى إعادة تأهيل مدارس المدينة الخاصة وايضا التي تتبع دائرة الأوقاف الإسلامية والسلطة الوطنية ، حيث تعاني هذه المدارس من ظروف معقدة متعددة أهمها المباني المدرسية إذ أنه من المعروف أن معظم المدارس الحكومية والخاصة وحتى التابعة للأوقاف هي في الأساس عمارات ومبان مستأجرة لم تكن قد شيدت لأغراض التعليم وأن الكثيرين من أصحاب هذه المباني يشكون من أنهم لا تدفع لهم الأجور بشكل منتظم كما يفتقدون القدرة في إعادة ترميم وتأهيل هذه المباني التي في معظمها لم تشهد منذ سنوات طويله عمليات ترميم وإعادة تأهيل والأنكى من ذلك أنه منذ عامين تتلقى إدارات مدارس كثيرة تهديدات من شركة ميكيروت الإسرائيلية بقطع المياه عنها وذلك بسبب عدم دفع الفواتير ، وأن مثل هذه التحذيرات تصل في الشهر الخامس من كل عام حيث الامتحانات وبدايات دخول فصل الصيف إضافة إلى مشاكل أخرى مثل عدم السماح للمدرسين من الضفة الغربية للتوجه إلى مدارس القدس إلا بعد حصولهم على تصاريح يطول الزمن في الحصول عليها مما يؤدي إلى إرباك انتظام العملية التعليمية ، هذا إضافة على أنه على مدى العامين الماضيين وبعد إغلاق القدس بالجدار الذي عزل ما يقرب من مئة ألف مواطن عن المدينة الأمر الذي دعا الطلاب والمدرسيين منهم إلى التوجه أولا إلى حاجز قلنديا ومن ثم دخول المدينة والالتحاق بالمدارس والمعاهد التعليمية مع الإشارة هنا أن هناك بعض المدارس الخاصة قد أغلقت بعد انقطاع الطلاب والمدرسيين عنها .
وشهدت مدارس الأوقاف بصفة خاصة خلال الأحداث الأخيرة والتي تقع داخل الحرم القدسي انقطاع الطلاب والمدرسين للوصول الى مدارسهم بسبب الحصار على القدس وإغلاق بوابات الحرم وهذا مما أدى إلى عدم انتظام الدراسة في هذه المدارس .
وفي الحقيقة فإن الأهداف الإسرائيلية من وراء التضييق على العملية التعليمية في مدينة القدس لها أهداف متعدده منها تجهيل الأجيال وتسيب الشبان في الشوارع حيث تعتبر مدارس القدس من أكثر المدارس الفلسطينية تسربا وإفشاء للامراض الاجتماعية في هذه المدارس ومنها التدخين والأكثر خطورة تناول المخدرات حيث تعتبر هذه من أهم مشاكل المدينة اذ أن الشرطة والدوائر الإسرائيلية تعمل على تسهيل هذه التجارة القذرة وحماية تجارها الذين يعملون عملاء لها .
وفي الحقيقة فإن مبادرة الملكة رانيا العبد الله تأتي في الوقت المطلوب والضروري لإنقاذ العملية التعليمية بالقدس وحماية الأطفال والأجيال وهي بمثابة طوق نجاة للمدينة وأهلها حيث إن هذه المبادرة تعتبر في الأساس من وسائل دعم المقدسيين في صمودهم وتصديهم للتهجير والتهويد .
وكانت قد ذكرت جلالتها في إعلانها عن هذه المبادرة بأنها تأتي لما للأردن من دور تاريخي في الحفاظ على عروبة القدس وحماية المقدسات وفي الحقيقة فإن المقدسيين مسرورون جدا ومقدرون لهذه اللفته الكريمة التي اكدتها لي عائلات وايضا رجال تربيه وتعليم ومؤسسات محليه كما أن المقدسيين يشعرون أن صمودهم له ما يدعمه ويحمي ظهورهم خاصة وأنها تصيب مفصلا هاما من مفاصل الحياة الفلسطينية اذ أن اعادة تاهيل المدارس الفلسطينيه يعني توجه كافة الاطفال في الاول ابتدائي بالعام الجديد سيلتتحقون بالمدارس كما أن ذلك يشجع نسبه هامه من الطلاب للعوده للمدارس العربيه وتلقي المنهاج العربي وخاصة من قبل الاردن الذي يقدم بحدود امكاناته ولا يبيعهم شعارات، كما أنها ترجمة عمليه للمشاركة الفلسطينية الأردنية في الحفاظ على القدس والمقدسات ويأتي ذلك من خلال الاهتمام الأردني بوضع مدينة القدس في مجمل الحياة ، و أن ذلك يأتي ايضا في الوقت الذي عملت فيه الملكة رانيا على تنفيذ مشروع الأردن مدرستي وتأهيل مائتي مدرسة وهذا يعني مساواة الأردنيين والفلسطينيين بهذه المسألة كما أن ذلك يأتي في الوقت الذي حذر فيه جلالة الملك عبد الله الثاني الإسرائيليين من التعرض للمقدسات والمواطنين المقدسيين مسلمين ومسيحيين علما بأن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الذي رد على مبادرة الملكة رانيا بقوله : إن هذه المبادرة تنطلق من الموقف الأردني الداعم دوما للفلسطينيين كما أعرب في الوقت ذاته عن تقديره لهذه المبادرة مؤكدا أنها سوف تسهم في استكمال البناء المؤسساتي الفلسطيني وتحسين الوضع التعليمي بالقدس .
باحث وكاتب في شؤون القدس .
Sameir_saadaldin@yahoo.com