مقتبسة عن قصة “bliss” لكاثرين مانسفيلد


شجرة الكرز

نظرت في المرآة ، أعجبها شعرها الأشقر المنسدل على كتفيها، وحدقت بوجهها الجميل يمنة ويسرة وقالت في سرها "لا بأس"
شكرت الحلاق ونقدته ألف ليرة سورية ودفعت الإكراميات كالعادة وخرجت راضية.
لم تأت بسيارتها فالحلاق في آخر الشارع وتريد أن تتمشى قليلا.

على الرغم من أنها قد بلغت الثلاثين من عمرها ما زالت نعمت تشعر بأنها تريد أن تركض وتقفز بدلا من أن تمشي، تريد أن تقطع الشارع بخطوات راقصة، تريد أن تنزل وتصعد تباعا من وإلى الرصيف ، تريد أن ترمي شيئا في الهواء ثم تلتقطه، تريد أن تضحك ولو من غير سبب. كانت تشعر بسعادة غامرة وكأنها قد ابتلعت شعاعا من نور بعث الدفء في صدرها ثم انقسم إلى أشعة صغيرة انتشرت في كل جزء من أجزاء جسمها وارتد تأثيره عليها فتنة وألقا وسحرا.

اليوم هو عيد زواجها الثامن وسيأتي المدعوون بعد ساعة ونصف. إذن لديها الوقت الكافي لتتفقد غرفة الصالون وغرفة السفرة وتتأكد من استكمال النواقص.
وصلت إلى البيت ودخلت مباشرة إلى غرفة السفرة التي مازالت باردة إلا أنها لم تشعر بالبرد لدرجة أنها قد خلعت معطفها. أدارت عينيها الخضراوين في أرجاء الغرفة وسمعت أصواتا تهمس في أذنيها "عيد سعيد" فابتسمت ونادت على سارة وسألتها : "هل وصلت الفواكه والحلويات؟"
فقالت سارة: نعم ، سيدتي . فكل شيء على مايرام .
تنفست الصعداء وذهبت تتفقد طفلتها في الدور العلوي حيث كانت المربية تطعمها وقد ارتدت ثوبا أبيض وسترة صوفية زرقاء جميلة. ما إن شاهدت الطفلة أمها حتى عافت الطعام ورفعت ذراعيها وصرخت متلهفة " حِمليني"، حِمليني" حملتها الأم، ضمتها إلى صدرها واستندت الطفلة إلى كتفها وتمسكت بها بيديها الصغيرتين و بكل ما لديها من قوة فهي لا تريد أن تتركها.
رن جرس الهاتف، رفعت السماعة وكان زوجها على الطرف الآخر.
" عذرا نعمت، سأتأخر قليلا، أخِّري موعد العشاء ربع ساعة ، سأصل بالموعد سلام"
أعطت طفلتها للمربية وذهبت لغرفة النوم وارتدت ثوبا جميلا أبيض وزينّت جيدها بعقد من الزمرد الأخضر ولبست حذاء أخضر غالي الثمن.
" يإلهي .. كل شيء على ما يرام، ماذا أفعل الآن؟ نظرت إلى الساعة ثم نزلت إلى الدور الأسفل حيث تفقدت غرفة الاستقبال وتحققت من النظافة وترتيب التحف والصمديات، وبسرعة ولهفة كمن تذكر شيئا، هرعت إلى باب الحديقة، فتحته ونزلت الدرج وسارت نحو شجرتها المفضلة التي تبثها أسرارها، إنها شجرة الكرز في حلتها البيضاء وأزهارها الجميلة . وقفت هناك تستنشق عبير الأزهار عندما وقع بصرها على قطة رمادية تتبعها قطة سوداء تنسلاّن معا خارج الحديقة. امتعضت قليلا فالبعض قد يتشاءم من هذه القطط وخاصة ذات اللون الرمادي، ثم عادت إلى الصالون.
حان وقت العشاء وحضر زوجها في الموعد فدعتهم إلى غرفة السفرة ودخلوا يتضاحكون، كل برفقة زوجته باستثناء منى فقد حضرت لوحدها؛ فارعة الطول، ميّاسة، سمراء اللون بعينين سوداوين ساحرتين وقد ارتدت ثوبا أزرق مكشوف الصدر وحبست شعرها الطويل في شبكة فضية.
سكب السفرجي الحساء الساخن اللذيذ في الصحون، ثم باشر في تقطيع وتوزيع السمكة الحرّة التي توسطت المائدة، إلى جانب المقبلات من أنواع الكبب والبرك والسلطات، فقد كانت السفرة عامرة بكل ما لذ وطاب ثم جيء بالحلويات والفواكه وتورتة جميلة بيضاء انغرست فيها ثمان شمعات، كل واحدة بلون. أطفأ الزوجان الشموع وفتحت الهدايا مع التمنيات بعيد زواج سعيد
انتهى العشاء وقد كان محط إعجاب الجميع وجلس الضيوف في غرفة الاستقبال يحتسون القهوة ويتجاذبون أطراف الحديث قرب المدفأة. وهمست منى لنعمت وقد غطست في كنبة مريحة: "بعد قليل سينصرف المدعوون وإني إذ أقترح عليك أن تخفتي الأنوار وتدعي نار المدفأة تخبو؟ فوهج الجمر أجمل، وبالمناسبة هل لديك حديقة؟ " قالت نعمت "بلى ثم سحبتها من يدها إلى الحديقة حيث كانت شجرة الكرز تقف متعالية زاهية وقد انعكس عليها ضوء القمر فزادها هيبة وسحرا.
وقفت كل منهما في دائرة ضوء سحرية تفهمان بعضهما بعضا، فكل منهما كانت تشعر بحرارة السعادة في صدرها.
وعند منتصف الليل استأذن الضيوف وقد تجمعوا في البهو يتابعون أحاديثهم خلف الباب كالمعتاد وخرجوا تباعا. وفي المرآة شاهدت نعمت زوجها يقبّل منى وقد شدّها إلى صدره هامسا: "غدا" فأجابته برموشها الثقيلة المحملّة بالماسكارا "نعم" لقد وشت المرآة بهما دون أن تتكلم وما كان سرا بان وظهر.
عندما ودعّت منى نعمت صافحتها وضغطت على أصابعها لدقيقة وهي تقول "شجرتك رائعة... رائعة... رائعة"، واستأذن الزوج زوجته لتوصيلها، وخرجا معا قطة رمادية تتبعها قطة سوداء.......
ودون أن تعي وبكل بساطة أسرعت نعمت إلى النافذة.
وبقيت شجرة الكرز جميلة كما هي دائما ثابتة، ساكنة ومليئة بالأزهار .


كتبتها سنا الخاني