موعد حبيبين عند الكوثر
عبد الرزاق أبو عامر

ما أحلى الحب حين يكون بينك
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وما أرق نسائم الترقب حين تكون شوقا إليه ..
وما ألذ نعيم الوصل حين يكون لقاء به ..
وما ألطف رعشة الانتظار
حين يمسكها موعد ضربه لك خاصة
فأفردك بإقباله صلى الله عليه وسلم ،
وأحلك من نعيم نجواه محل الحبيب الخليل
ولو لحظات ...
بأي حرف تسطر غمرة إحساسك ... ؟
أم بأي عبارة تصف مشهد سعادتك .. ؟
أم بأي وشي تنمق انثيال شعورك ...؟
أم بأي شكل تزخرف لوحة سرورك ....؟
وبأي لون .. ؟ وبأي طيف ....؟ ....

فتأمل نفسك بعد تلك اللحظات المسعدات ...
وقد هم صلى الله عليه وسلم بتوديعك
بعدما سرت روحك تتنعم بفضاء أنفاسه الزكية ...
وقد علقت عيناك بعينيه .. ، ويداك بيديه ...
وقد أُشربت روحُك جلال سمته وجمال خَلقه ....
كيف تخرجها من الظلال وبرد الخرير
إلى الحر ولفح الهجير ....؟
ومن رحابة قصر إلى ضيق أسر ... ؟
تأمل نفسك وقد هم صلى الله عليه وسلم بتوديعك
فحزنت روحك إشفاقا من رحيله ..
واشرأبت عيناك .. وهفا وجدانك
إلى ابتسامة أو كلمة أو حركة رضى
يتبعها وعد بلقاء جديد ...
ثم انظر إلى حالك وقد وقفت بعده كالحسير ..
تتبعه بناظرك إلى أن يغيب عن بصرك ..
فيسري خلال كيانك ألم الحسرة ووجد الفراق .....
وإشفاق لاسع من طول الغياب وامتداد الفراق ...

هذا الإشفاق من تواصل وحشة البعاد
هو الذي ذهب ببال أنس بن مالك رضي الله عنه
حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له يوم القيامة ...
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني فاعل ... ) ..
تلقفها أنس بن مالك رضي الله عنه
تلقف اللهفان لقطرات الماء ...
وما إن لامستها شفتاه حتى صارت زلالا غزيرا ...
إنه سيب الشفاعة الدافق سلسبيلا من أنهار الجِنان ..
إنه جواز النعيم المقيم في روضات الخلود ..

فلما ظفر بالوعد النبوي الكريم ، وضمن الوفاء من نبي صادق الوعد ولج قصر الظفر من أوسع باب ..
ثم اهتبل فرصة الرضا ما دام معين دوحته غضا يتدفق ...
فقال : ( يا رسول الله فأين أطلبك ؟ ) ..

ومراده رضي الله عنه منازل الآخرة ،
وساحاتها ، وطرقها ، ومسالكها ...
وسؤاله سؤال أهل اليقين
الذين لا يخطون بقدم خطوة في الدنيا
إلا حسبوا أن خطوة القدم التي تليها قد تكون في الآخرة ...
فكأنه يتمثل قول الشاعر :
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنِ فَإِنَّهَا
مَنَازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَلَكِنَّنَنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تُرَى
نُرَدُّ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ .....؟ ...

يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أين يلقاه
كأنه يطلب موعدا بعد ساعة أو لحظات
في مكان من الدنيا قريب ..
بل لقد طوى عرض الدنيا وطولها .. وطول عمرها ..
وامتداد زمانها ومكانها بيقينه رضي الله عنه ..
وصارت الآخرة أقرب عنده من مرمى حجر ...
وبدا له الموت كفاصل إشهاري عرضي
لا يقطع اتصال الحياتين ..
فهو أطرؤ ما يكون ، وأسرع ما يكون ...
ومع ذلك تستثقله نفس المشاهد ..
وتستعجل انقضاءه
تعلقا بمتعة العرض الأصلي الذي تتابعه ...
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :
( اطلبني أول ما تطلبني على الصراط ) ..

لكن أنس بن مالك رضي الله عنه
لم يزل حريصا على إتمام قبضته
على مفتاح الفوز المبين ..
ليس شكا في وعد حبيبه صلى الله عليه وسلم ..
ولكن حرصا على وصل
لا يؤجل لذائذه شيء ، ولا يقطعها ...
فقال : ( فإن لم ألقك على الصراط ؟ ) ....
قال : ( فاطلبني عند الميزان ! ) ...
قال : ( فإن لم ألقك عند الميزان ؟ ) ...
قال : ( فاطلبني عند الحوض ...
فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن ) .....



فتم لأنس بن مالك رضي الله عنه ما أراد

بفطنة الحبيب الحريص على مواعدة محبوبه الأغلى
في أجل مكان وأجمله
وأليقه بلقائه ووصله ...

حبيب فطن لبيب ...
عرف معنى الحب ..
وعرف مراضي محبوبه فبذلها ..
وعرف مساخطه فقطع حبلها ..
وعرف معنى الحب الخالد ..
فسعى بأنفاس محب بر صادق ...
إلى أن حقق الوصل الخالد ...

فبالله ... أي حب في الدنيا يجمع حبيبين
على هذا النقاء والصفاء والطهر والوفاء ....؟؟؟؟؟



أبو عامر