جُذْوةٌ تَأْبَى الرَّمَادْ


لَا تَدَعْنِي
لَا تَعِدْنِي بِالْأًمَانِي
لَا تُذَكِّرْ بِالْخَوَالِي والْعُهُودْ
ثُمَّ تَنأَى لْا تَعُودْ
لَا تَدَعْنِي بَينَ قَيْدٍ كَالْحَمِيمِ
بَينَ حُزْنٍ كَالْعَوِيلِ
لَا يَحِيدْ
إِنَّ وَعْدًا لْا يُجِيبْ
مِثلَ أَورَاقِ الْخَريفْ
مثلَ أَشْجَانِ الْمَغِيبْ


لَا تَدَعْنِي
يَا بَعِيدَ الدَّارِ : مَهْلاً
سَوفَ تَمْضِي كَالشَّرِيدْ
تَائِهًا بَيْنَ الْغَمَامْ
عِندَ جُنْحِ اللَّيْلِ ، تَعدُو كَالطَّرِيدْ
تَسْتَغِيثُ الصَّمْتَ نَجْوَى
وَالدُّمُوعْ
بَينَ أمطَارٍ تَضِيعْ

لَا تَدَعنِي
عِندَ سُورٍ يَعْتَلِي بَيْنِي وَبَيْنَكْ
إِنَّ قَلبِي لَنْ يَنَامْ
إِنْ رَحَلْتَ الْيَومَ عَنِّي
كُنْ جُوَارِي ، كُنْ نَهَارِي
يَا وَرِيدَ الْقَلبِ ، كَي تَغدُو لِأَيَّامِي حَيَاةْ

كَيفَ نَرضَى بِالشَّتَاتْ
يَغْتَلِي فِينَا الْمَصِيرْ
قُلْتُ : أَقْدَارٌ بِنَا تَجْرِي وَعِيدْ
عَنْ حَبيبٍ ، يَا حَبِيبًا
عَنْ دِيَارٍ ، عَنْ جَبِينِ الْأرْضِ غَصْبًا
قد رمتني
عِندَ أَسْوُارِ الْوَدَاعِ
كَمْ عَذَابٍ قَدْ غَشَانَا
بَينَ صَمْتٍ كَالْجِبَالِ
مِنْ لَهِيفٍ فِي الْعُيُونِ
مِنْ لَهِيبٍ فِي الضُّلُوعِ
أَدْمُعي صَارَتْ بُحُورَا
وَالرَّجَاءْ
فِي عِنَاقٍ قدْ أَبَى فيِنَا الرَّحِيلْ
وَافْتَرَقْنَا رُغمَ أنَّاتِ الْوَجِيعْ
بَيْنَ أَطلَالِ الْمَكَانْ
بَينَ أَسْيَافِ الزَّمَانْ

قُلتُ : قَلْبِي
يَا بَعِيدَ الدَّارِ قُلْ لِي :
هلْ تَعِبنَا أَمْ سَئِمْنَا الْبَينَ قَسْرًا ؟
أَم مَلَلْنَا مِنْ أَحَادِيثِ الْأَمَانِي ؟
حِينَ غَابَتْ كُلُّ أَطيَافِ اللِّقاءِ
قَد تَلَاشَتْ كَالسَّحَابِ
كَالرَّحَى تُدمِي الزَّهُورْ
لَمْ تَدَعْ غَيرَ السَّرَابِ
تَبْتَكينَا الذِّكْرَيَاتْ

قُلتُ : دَرْبِي
عُدْ إِليَ
طَلْعَ بَدرٍ فِي ظَلَامٍ تَرْتَجِيهِ
نَشْتَرِي مَنْ صَبْرِنَا رَجْعَ الدِّيَارِ
دُونَ أَسْوَارِ الْمَكَانِ
دُونَ قَيدٍ أَوْ حُدُودٍ أَو رَجَاءٍ

قُلْتُ : قَلْبِي
خُذْ عُيُونَ الْفَجْرِ وَاصْحُ
خُذْ شُمُوعَ الشَّمْسِ وامْضِ
نَمْتَطِي دربَ المُنى صَوبَ الْحَنِينْ
يهتدي دَربَ الْمُحَالْ

عَائِدٌ يَا لَهْفَ رُوحِي
يَا حَبِيبًا ، يَا دِيَارًا
يَا شَذَا الْأمْسِ الْطَّهُورْ
يِا سَنَا بَدْرِ الْوعودْ
عَائدٌ كِي يَهْتَدِيْ حُلْمُ الْخَلاصْ
أَقْهَرُ الدَّربَ الْمُحَالْ
عَائدٌ رُغْمَ الْوَعِيد
يا شذا الفجرِ الغريدْ
يا وطَنًا وديارًا ، يا أملاً
أهدمُ السُّور الذي أفنى اللِّقاء
وَاهْدِمُ الْحِقدَ الذِي أَعْيَا الْقُلُوبِ
أُسْبلُ اللَّيْلَ الذِي أَشْقَى النَّهَارَ
واكْسَرُ الْقيدَ الذِي أَدْمَى الْفِرَاقَ
أَمْسَحُ الْأَحْزَانَ عَنكِ
مِنْ عُيُونٍ طَالَ فيْهَا الْإِنْتِظارْ
والْأَعَادِي تَنْحَنِي أَسيْافُهَا عِندَ الشُّرُوقْ
عِنْدَمَا تَصحُو الشُّمُوسْ
عِنْدَمَا فَجْرِي يَعُودْ
يا حبيبًا
يا شذا الحُلمَ الجميلْ


شعر : مراد الساعي