حوار مع الباحث محمد قجة
اكتشاف موقع بيت المتنبي
أعدت الحوار وأجرته
سها شريِّف – سوريا
Suha62@hotmail.com


عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم ماذا يفيدك في إقدامك القسم
وظنهم أنك المصباح في حلب إذا قصدت سواها ,عادها الظلم
القائم الملك الهادي الذي شهدت قيامه وهداه العرب والعجم
تلك كانت الأبيات من مطلع القصيدة الميمية في آخر عهد المتنبي بسيف الدولة وبلاطه .
حيث قضى المتنبي أجمل و أخصب سنوات شعره في حلب . وبقيا حلب وسيف الدولة في خاطر المتنبي وفي قصائده خلال السنوات الثماني التي قضاها بعد خروجه من حلب، ومصرعه عام 354 هـ.
ففي رثائه خولة يقول سنة 352هـ :
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت فكيف ليل فتى الفتيان في حلب
من هذا الماضي عبوراً للحاضر و مضياً للمستقبل فقد توصل الباحث محمد قجة إلى تحديد بيت المتنبي و سيقام الآن متحفاً مكانه ليكون قلعة معنوية جديدة تقف إلى جانب القلعة التاريخية في حلب . وكان لنا شرف اللقاء بالباحث محمد قجة ليحدثنا عن هذا المعلم الثقافي .


1- تم تحديد بيت المتنبي في حلب . ما هي الأدلة التاريخية التي تمت من خلالها تحديد الموقع ؟

اعتمدت الأدلة التاريخية على ماورد في كتاب ابن العديم : " بغية الطلب في تاريخ حلب ". وكتابه الآخر "زبدة الحلب من تاريخ حلب " . ففي الكتاب الأول يترجم المؤلف للشاعر المتنبي (أحمد بن الحسين ) في تراجم حرف الهمزة للشخصيات التي عاشت في حلب . ويروي ابن العديم أن المتنبي نزل في حلب 337 هجري بعد لقائه " سيف الدولة " في انطاكية .وأن نزوله كان في (آدُر بني كسرى )أي ديار بني كسرى وهم عشيرة عربية من أقارب آل العديم حيث كانوا يسكنون في حلب .
وكان ذلك رأس الخيط الذي جعلني أبحث عن مساكن آل العديم وآل كسرى بن عبد الكريم بن كسرى في القرن الرابع للهجرة . وقادتني الدراسة التاريخية إلى تحديد الموقع من خلال كتابات ابن العديم نفسه الذي أوضح أن (دار المتنبي )تحولت إلى خانقاه بعد هدم حلب من قبل (نقفور فوكاس البيزنطي )وقد أصبح الموقع يعرف باسم ( خانقاه سعد الدين كمشتكين ) في الفترة الزنكية والأيوبية . وسعد الدين هذا كان من كبار مساعدي نور الدين الزنكي وابنه الصالح اسماعيل في حلب .





2- هل الإكتشاف كان للبيت أم الموقع فقط ؟

إن الإكتشاف هو لموقع البيت .

3- ألم يغير تدمير حلب لأكثر من مرة في شكل البناء ؟ وماهي التطورات الكثيرة التي طرأت على هذا الموقع خلال 11 قرنا الماضي ؟

أوضحت التطورات التي مرت على المنطقة . بأن حلب تعرضت للهدم بالحروب و الزلازل على النحو التالي :
( 351 هجري – 962 م ) تدمير نقفوس فوكاس البيزنطي
( 658 هجري – 1260 م ) تدمير هولاكو
(803 هجري – 1400 م ) تدمير تيمورلنك
إضافة إلى الزلازل . وأبرزها الزلزال الكبير عام 1822 م
والمراحل التي مر بها الموقع حسب روايات ابن العديم وابن شداد وابن الشحنة وسبط بن العجمي هي :
أ‌- دار المتنبي وسط دور آل العديم وآل كسرى .
ب‌- خانقاه سعد الدين كمشتكين التي هُدمت في تدمير هولاكو
ج- المدرسة الصلاحية الكبرى التي بناها صلاح الدين الدواتدار في بداية العصر المملوكي . وحينما نُقل إلى طرابلس بحكم وظيفته أوقف الدار لدراسات العلوم الشرعية .
د- تعرضت حلب لتدمير تيمورلنك فتغيرت معالم المنطقة . وأعاد نائب السلطنة (خاير بك ) البناء .فتم بناء الخان الذي يحمل اسمه جنوب المدرسة الصلاحية مع اقتطاع جزء منها وإدخاله في الخان . ولايزال باقياً حتى اليوم .وأصبح اسمها (المدرسة الصلاحية الصغرى ) وبقيت تابعة للأوقاف ويقيم فيها طلبة الدراسات الدينية .وقد تم اقتطاع جزء آخر من الجانب الشرقي للمدرسة وتحول إلى ملكية خاصة .
ز- بعد زلزال حلب المدمر 1822 م . قام أحد أبناء المدينة ويدعى : بهاء الدين القدسي بن تقي الدين بترميم المدرسة وإعادة بنائها . ومنذ ذلك اليوم حملت اسم ( المدرسة البهائية ) نسبة إليه .وبقيت تابعة للأوقاف .
وبذلك فإن المدرسة البهائية الحالية التي يشغلها مركز اللقاء الأسري .وقد تم نقله إلى مكان آخر . هي آخر مراحل التطور لموقع دار المتنبي خلال أحد عشر قرناً .



4- و هل الدار هي نفس المساحة للمدرسة البهائية الحالية ؟وما هي أوصاف المبنى ؟

الدار الموصوفة هي أكبر بكثير من المدرسة البهائية الحالية .وقد أوضحنا كيف تم اقتطاع جزء جنوبي لمصلحة خان خاير بك وجزء شرقي آخر .
وتشير الدراسات إلى أن دار المتنبي كان لها غرفة عليا .وكان لها اصطبل للخيول .وتحدد الدراسات كيف كان يجتاز الطريق يومياً إلى قصر الحلبة خارج باب انطاكية حيث إقامة سيف الدولة .


5- ما هي التحولات التي طرأت على نظم العمارة ؟

إن التحولات التي طرأت على نظم العمارة في المنطقة المدروسة ليست كثيرة . فالمدينة القديمة بقيت على قدمها والأسواق هي نفسها مع تغيير طفيف في الترميم و التوظيف .وطبيعة المدينة القديمة لاتسمح بإقامة مبان ذات طبيعة عصرية مغايرة للطراز العربي الإسلامي .وبالتالي فإن بقايا الدار التي هي اليوم المدرسة البهائية نموذج للدار العربية في بنائها ووظائفها الإجتماعية .

6- عاش المتنبي بحلب تسع سنوات كانت الأخصب في شعره . .فما الميزات التي يمتاز بها هذا المبنى في إيجاد الجو النفسي و المكاني للشاعر لإطلاق العنان لقريحته ؟

إن فترة حياة المتنبي تعتبر الأبهى والأجمل خلال مراحل عمره .وكانت داره قرب قلعة حلب .وقرب السوق المحوري الواصل بين القلعة وباب انطاكية .وكان معه في داره رجل يدعى ( أبو سعد ) يعمل بمثابة مدير أعمال ( بالعُرف المعاصر ) .وكان المتنبي كثير السهر على القراءة والكتابة .ويُذكر أبو سعد انه لم يعرف عن المتنبي كذباً ولا مجوناً ولاهزلاً. ولدينا الكثير من الروايات المتصلة بهذا الجانب واثرها في شعره .



7- هل سيتم تحويل بيت المتنبي إلى متحف مما يضيف لحلب قلعة معنوية عريقة و جديدة ؟

تم اتخاذ قرار من وزارة الثقافة في سورية بتحويل المكان إلى متحف يحمل اسم ( متحف المتنبي )


8- لتوثيق الفترة الحمدانية فإن المتحف سيضم أقساماً متعددة ؟ فما هي هذه الأقسام ؟ و هل ستضاف ملاحق أخرى للمبنى ؟

سوف يضم المتحف قاعدة بيانات الكترونية عن المتنبي ,ومكتبة متخصصة .وجناحاً لمعروضات تمثل المرحلة الحمدانية . وسوف نعمل على إضافة قسم آخر للمبنى قريباً .

9- هذا معلم تاريخي هام لمدينة حلب . فما أهميته التاريخية و المكانية و الأثرية ؟

إن أهمية متحف المتنبي تكمن في أن هذا العبقري الخالد يمثل الذاكرة القومية والثقافية للعرب , ويعتبر رمز هذه الثقافة .كما أن لكل شعب رمزه الثقافي والحضاري .ومن هنا فإن المتحف سوف يسهم في إغناء ذاكرة الأجيال بثقافتهم وتراثهم ولغتهم وقيمهم الحضارية والفنية والإبداعية


10- ما الإنطباع الذي شعرتم به بعد اكتشافكم للموقع ؟

لقد مثل لي المتنبي منذ الصبا المبكر حالة عشق ثقافية ووجدانية جعلتني ألتصق بشعره وأتابع كل ماكتب عنه , و
أحفظ ديوانه كاملاً.وحينما اهتديت إلى مكان إقامته في حلب , شعرت بزهو عارم لأن دوراً صغيراً صار لي في الكتابة عن هذا الرجل العظيم .


تم نشر الحوار في مجلة البيان عدد آذار 2010

نقلا عن موقع:المجمع العربي لاصدقاء اللغة العربية
ملحق صور عن الموضوع