ذاكرة مكان

عند كل صباح – أقف جاحظ العينين وأنا أنظر من نافذة حجرتي – إلى تلك الدار – أحيانا تخرج امرأة عنقودية الشكل – مرتبكة الوجه – وأحيانا تخرج امرأة بلورية الشكل – على رأسها زير وكإنها ذاهبة إلى جدول ماء – وهكذا كل الصباحات – يخرجن من تلك الدار –
مرة وكإنها ذاهبة إلى حفلة عرس – ومرة وكأنها تستعد للتسول – حتى في إحدى المرات كانت تتراقص وكإنها غجرية أحدب روتردام .ومرة فتاة صغيرة كإنها كوزيت البؤساء .ولم أرى إحداهن تعود .

عند كل ظهيرة – وكما في الصباحات – تتبدل الطقوس فيخرج رجل ذو هيبة تختاله أحد العظماء – وهكذا مرة رجل وكإن الفقر يتقمصه منذ سنين رث الثياب حافي القدمين –
ومرة كإنه زير نساء من تنسيق شعره وهندامه – حتى في إحدى المرات كان يتلفت يمينه وشماله بحركات كإنه الأمير في رواية الأبله – ومرة كإنه طه حسين في كتابه الأيام .ولم أرى أحدهم يعود

في مساء يوم وأنا أحاول عدم النظر من النافذة استفزتني روحي وذهبت إلى تلك الدار
وعندما دخلت كانت رائحة الياسمين تغلف المكان وفي وسط الدار هيكل عظمي مسجى على سرير مرمري ربما صاحبه مات منذ مئات السنين – هممت بالخروج والرعب يحيطني سمعت صوتا يقول لا تغادر المكان فالشمس لم تغب بعد لربما يراك أحد من نافذة حجرته .فيتعكر المكان .

نشأت حداد