هل بدأت الأسرة العربية بالتفكك؟

في الأماكن المتسعة، عندما يتواجد فيها أشخاص كُثر، في حالة جلوس أو وقوف أو انتظار، فإن اهتمام الواحد بالمجموع سيكون ضعيفاً، وسيكون الحديث مقتصراً بين أقرب شخصين لبعضهما أو ثلاثة أشخاص. في حين يضطر المتواجدون في أمكنة ضيقة، أن يستمعوا الى آخرين رغماً عن أنوفهم، وقد يكون الآخرون مطرباً كريهاً في جهاز راديو تاكسي أو (باص)، وقد يكون الصوت صادراً من أحدهم أو إحداهن بشكل شكوى أو خبر عن عِرض أو علاقة معينة، فيشنف المستمع أذنيه ليلتقط ما يدور.


في الأسر العربية، وقبل اختراع التلفزيون وقبل تطور هندسة الحدائق ومجالات اللهو وقبل تطور المواصلات وقبل تنوع مستويات الثقافة، كان الطفل والمرأة والشيخ يستمعون لقصة واحدة أو نكتة مئات المرات دون ملل، لقلة الخيارات أمام من يضطر لاستماعها. ويأكلون نفس الوجبة لعقد من الزمن دون تذمر.

من علامات ثبات الأسرة، هي الصبر، والزواج المبكر، والإنجاب الغزير، وندرة حالات الطلاق، وانشغال أعضاء الأسرة في أعمال حتى ولو بدت ضئيلة وسخيفة.

اليوم، ترتفع نسبة حالات الطلاق، وترتفع نسبة الوفيات مقابل حالات الولادة، وتزداد مستويات العمر للزواج، ويهيم أفراد الأسر بأحلام لا يمكن تحقيقها إلا في المسلسلات، التي يكتبها أشخاصٌ حالمون ـ في كثير من الأحيان ـ يتعاملون مع متلقي يبحث عن تلك البضاعة التي تتوافق مع أحلامه.

التباين الطبقي وأثره في تفكك الأسرة

لم يكن من السهل قبل عدة عقود التعرف على أناسٍ أو أُسرٍ منعمة ومتميزة على بقية أبناء المجتمع، فإن كان المجتمع يتصف بالفقر فإن علامات الفقر تظهر على كل أبناءه، إلا فيما ندر. وإن كان المجتمع يتصف بأنه طبقة وسطى، فإنه من العسير التأشير على من يخرجوا من هذا التصنيف.

في العقدين أو الثلاثة التي انقضت، طفا على السطح أنماطٌ من الأغنياء الذين لم يكن ثرائهم آتٍ من علم أو اختراع أو إنتاجٍ أو كانت مؤشرات نموه واتجاهه نحو الثراء من الأبواب المسلم بها اجتماعياً. هذا الأمر خلق حالة من الغرور عند هؤلاء الأثرياء، ليتفننوا في صرف أموالهم في البناء واقتناء كل ما هو فاخر من وسائط نقل أو أثاث أو في اختيار ملابسهم وعطورهم ورحلاتهم و(فخفختهم).

فوضعوا أنفسهم في خانة معزولة عن المجتمع تتأفف مما المجتمع واقعٌ فيه، وتختار عرائس أبنائها وِفق هذا التراتب الجديد، علماً بأن (برجوازيتها) كاذبة ولا تشبه برجوازية الأوروبيين أو اليابانيين أو غيرهم، في ثقافتها ومهنيتها وتقاليدها.

هذا الأمر، دفع الكثير من الناس الى سلوك مسالك غير طبيعية كالنصب، أو التملق أو التهريب أو بيع مدخراتها من عقارات وغيرها، ظناً من هؤلاء أن هذا الدرب سيوصلهم الى ما وصل إليه الآخرون (المحسودون).

أثر هذا النمط من الحياة المستجدة، على التفكير في من سنزوج لأولادنا ولمن نعطي بناتنا، وهذا الصراع الصامت والظاهر أحياناً، أثر في سن الزواج (حتى يكتمل بناء المستقبل!) وأثر في استمرارية الأسرة الجديدة، في النقاش بين الزوج والزوجة عن موعد الإنجاب. وما يرافق ذلك من تذمر الزوجة التي بنت صورة زواجها من معلومات مضللة.


يتبع