لَوحَةٌ " شِعرالِيَّةٌ " أَخِيرَة ..


..




الآنَ ؛ أَختُمُ بِالإِخفاقِ أَشعارِي=وَ أَستَرِيحُ مِنَ التَّحراقِ بِالنَّارِ
الآنَ ؛ أُهرِقُ خَمرًا كُنتُ أَسكُبُهُ=وَ أَمنَعُ السُّكرَ عَنْ صَحبي وَ سُمَّاري
الآنَ ؛ أَنزِعُ عَنْ كَفِّي أَصابِعَها=وَ أَقطَعُ اللَّحنَ عَنْ عُودي وَ أَوتاري
الآنَ ؛ أَرجِعُ وَ الآهاتُ آيِبَةٌ=عَلَى خُيُولِ انهِزاماتي بِأَعذارِ
يا دَهرُ ؛ فاعتَمِدِ الإِجحافَ , إِنِّيَ لا=أُرِيدُ مِنكَ انتِصافًا بَعدَ إِنكارِ
وَهبتُ لِلشِّعرِ عُمري فارتَضَى أَلَمي=وَ عِشتُ أَسقِيهِ مِنْ رُوحي بِأَمطارِ
وَ كُنتُ أَعبُرُ فَوقَ الماءِ فِي لُغَتي=وَ أَمخَرُ البَحرَ مَزهُوًّا بِإِبحاري
وَ لا أَطِيرُ عَلَى جَنبَيَّ أَجنِحَةٌ=لَكِنْ بِأَخيِلَةٍ فِي فِكرِ طَيَّارِ
الحَرفُ عَرشِيَ وَ الأَفكارُ مَملَكِتي=وَ دارَةُ العِزِّ فِي شِعرِ الدُّنَى داري
وَ قَدْ وَجَدتُ طَرِيقي دُونَ بُوصَلَةٍ=وَ ما نَظَرتُ إِلَى غَيري بِمِنظارِ
وَ لا رَقَصتُ عَلَى طَبلِ الخَنا أَبَدًا=وَ لا هَزَجتُ عَلَى دُفٍّ وَ لا زارِ
وَ لا عَزَفتُ سِوَى أَلحانِ أُغنِيَتي=وَ لا رَضِيتُ لِثَغري غَيرَ مِزماري
وَ لا مَدَحتُ سَلاطِينًا وَ لا التَفَتَتْ=قَصائِدُ الشِّعرِ فِي كَفِّي لِدِينارِ
وَ لا ابتَسَمتُ لَهُ زُلفَى إِذِ انفَرَجَتْ=ضَواحِكُ النَّاسِ لِلبَيَّاعِ وَ الشَّاري
أَنا اندِفاقُ الرُّؤَى ؛ أَمشِي وَ يَتبَعُني=قَصِيدِيَ الفَذُّ مَجرُورًا بِجَرَّارِ
أُجَدِّدُ الشِّعرَ مُعتَدًّا بِمَوهِبَتي=وَ أَحمِلُ الدُّرَّ مُفتَنًّا بِمِعياري
كَشَفتُ سِرَّ المَعاني وَ انتَبَهتُ إِلَى=ما قَدْ تَخَبَّأَ مِنها خَلفَ أَستارِ
وَ كُنتُ أَوَّلَ سَبَّاقٍ لِكَعبَتِها=أَطُوفُ وَ النَّاسُ تَرمِيني بِأَحجارِ
الخَلقُ تَشرَبُ مِنْ مائِي وَ تَشتُمُني=وَ يَنشُرُونَ شُجَيراتي بِمِنشاري
يَستَنكِرُونَ ابتِكاراتي وَ أَخيِلَتِي=فَإِنْ مَضَيتُ استَعارُوا كُلَّ أَفكاري
وَ يَشجُبُونَ قَصِيدي وَ هْوُ مُدهِشُهُمْ=وَ يَقتَفُونَ الخُطَى فِي دَربِ مِشواري
وَ يَطمِسُونَ قَوافِيَّ التِي وَمَضَتْ=وَ يَمتَطُونَ خُيُولي فَوقَ مِضماري
أَمُرُّ فِيهِمْ كَأَنِّي ما مَرَرتُ سِوَى=بِآيِلٍ فَوقَ إِيقاعاتِهِ هارِ
وَ رُبَّ صاحِبِ فَضلٍ فِي قَصائِدِهِمْ=مُحَكَّمٍ فِي فُنُونِ الشِّعرِ ؛ جَبَّارِ
أَتَوا إِلِيهِ يَجُرُّونَ القَصِيدَ ضُحَى=وَ غادَرُوهُ أَساطِينًا بِأَسحارِ
فَباتَ فِيهِمْ كَأَنْ لَمْ يَرتَفِعْ أَبَدًا=وَ لا تَنَفَّسَ غَيرَ الذُّلِّ وَ العارِ
تَعَلَّمُوا مِنهُ حَتَّى صارَ أَصغَرُهُمْ=يُخَضِّبُ الرَّأسَ بِالحِنَّاءِ وَ الغارِ
أَيَزدَرُونِيَ ؟ وَ الطُّوفانُ مَوعِدَتي !=وَ فُلكُ شِعرِيَ مَشحُونٌ بِلا صاري !
وَ مَوجُ بَحريَ لا شُطآنَ تَردَعُهُ !=وَ لا مَلاذَ إِذا ما هاجَ تَيَّاري !
أَنا الذِي فَوقَ أَبراجِ العُلا قَدَمي=أَمشِي فَتَأتَلِقُ الدُّنيا بِنَوَّارِ
إِذا ضَحِكتُ استَعادَ الكَونُ ضِحكَتَهُ=وَ إِنْ غَضِبتُ فَسَيفِي فَوقَ زُنَّاري
أَثُورُ حَتَّى كَأَنَّ القَتلَ راحِلَتي=وَ أَنتَضِي لِقِراعِ الغَدرِ بَتَّاري
يا أَيُّها الشِّعرُ ؛ ما بِي لَستُ ذائِعَهُ=فَلا تُحَدِّقْ طَوِيلًا نَحوَ أَسراري
كَفاكَ فَخرًا بِأَنْ شَبَّابَتي عَزَفَتْ=أَنغامَ لَحنِكَ وَ استَعمَلتَ قِيثاري
فَكُنْ بَرِيدِيَ يا صِنوَ الشُّعُورِ وَ قُلْ :=( ما عاشَ داجِنُهُمْ ما عاشَهُ الضَّاري )