الرجل الدعسوقة وانتخابات البلدية


الدعسوقة لمن لا يعرفها، هي تلك الحشرة ذات اللون البرتقالي اللامع والمنقط بعدة نقاط سوداء، وهي تشبه لحد كبير سيارة (الفوكس فاجن) بنموذجها القديم. وتُسمى في بعض البلدان العربية (أم علي) أو (أم العيد)، وهي من أفضل الحشرات النافعة لبني البشر، حيث تقوم بكنس أوراق الأشجار من حشرات المن والبق الدقيقي وغيرها، فلذلك أنشأت لها بعض الدول الأوروبية مديريات خاصة بها، تزود من يطلبها من المزارعين الذين يفضلون المكافحة الحيوية على الكيميائية.


وكان الأطفال يلتقطون تلك الحشرة، ويضعونها على راحات أيديهم، طالبين منها بصوت طفولي ( يا أم علي وريني ثوبِك) فترفع غمدها البرتقالي ليظهر ثوبها الداخلي، فيفرح الأطفال.

كان أبو علوش أو (جيفارا) كما يحب أن يطلقوا عليه الناس، لا يحب أن يناديه أحدٌ ب (أبي علوش) لأن علوش ابن المرأة القديمة المطلقة، ويتعارك من يسمعه اسم جيفارا الذي تتشابه لحيته معه، وكان يفضل أن يناديه الناس ب (أبو رامي) ابن المرأة الجديدة المحببة لنفسه.

وقع اختيار الجماعة عليه ليكون أحد المرشحين لانتخابات البلدية كونه يتزعم جماعة لا تقل أصواتها عن ألف صوت.

أخفقت كتلته في انتخابات تلك السنة ولم ينجح من الثمانية مرشحين إلا اثنان، أما (أبو علوش أو جيفارا أو أبو رامي) فكان ترتيبه الأخير من بين 25 مرشح.

تساءل الناس عن سبب تلك النتائج السيئة، فأجابهم أحد المرافقين للحملة الانتخابية والذي كان يراقب عن كثب تصرفات أبي علوش، فقال: السبب هو الرجل الدعسوقة!
فتفاجأ الجميع باللقب، فلم يسبق لهم أن تعرفوا على هذا الرجل وسألوا من هو الرجل الدعسوقة؟
فأجاب: إنه أبو علوش، إنه كان يلبس عباءة ذات لون برتقالي من الخارج ولون أصفر من الداخل، وإذا نهض ظهر من بين ثناياها لون ثالث (أخضر).
ـ وكيف كان سبباً في تلك النتائج؟ (سأله أحدهم)
فقال: أنتم تعلمون أن الناس في أيام الانتخابات، يتهيئون لزيارة الوفود الانتخابية، فيفرشون بيوتهم بموكيت ذي وبر طويل وسجادٍ مزخرف، ويحتاطون على أفضل أطقم الشاي الفاخرة المذهبة.

صمت قليلاً وأضاف: وأنتم تعلمون أن المرشحين والوفود الانتخابية، ولكثرة ما يتجولون، لا يشربوا ما يُسكب لهم من شاي، لأن معظمهم من كبار السن والذين يقننون ذهابهم للمراحيض، فتبقى معظم أكوابهم بما فيها من شاي.

سأله أحد المستعجلين: وماذا بعد؟
فأجاب: عندما ينهض الوفد بعد أن يتهيأ لهم أن مضيفينهم من العشيرة أصبحوا من المؤيدين لهم، ينهض أبو علوش معهم فيفرد عباءته ليعود بضمها، فتنفرد مثل ثوب الدعسوقة، فيندلق ما في الأكواب من شاي فوق السجاد الفاخر وينكسر بعض الأكواب، فيوصي صاحب البيت أقاربه أن يعمموا على معارفهم وجيرانهم عدم انتخاب تلك الكتلة!

ضحك الجميع ..
فأضاف: كنت مع الكتلة عندما بلغوا الحاكم الإداري بالأسماء التي يعتمدونها في فرز الأصوات، فاختار أبو علوش اسمين اسمه الشخصي (محمود أبو الليف) واسم للشهرة (أبو رامي).

وعند الفرز كنت بالقاعة، فالقليل من الأوراق كان يُكتب بها اسمه وكنيته، والكثير منها كان (جيفارا) فينهض ويطالب رئيس اللجنة باعتماد الصوت وتسجيله لصالحه ويسأل من في القاعة: لمن هذا الصوت. فيقول من في القاعة لأبي علوش، فيسأل رئيس اللجنة ومن هو أبو علوش فيجيب من في القاعة انه لأبي رامي.

ولو جاءت ورقة بها اسم الدعسوقة لوقف يهتف: إنها لي.