المبحث الأول
المتغيرات المصرية بعد عام 1977
1- الجمهورية المصرية الثالثة:
أ‌) يعتبر الكثيرين من الكتاب والمفكرين المصريين / أن ورقة أكتوبر عام 1974م كانت البداية العملية لمرحلة جديدة في العلاقات المصرية –العربية , وقد اقترنت بأمرين هما / متابعة سياسة التسوية مع إسرائيل دون الاكتراث بالانتقادات العربية من الدول ذات النظم القومية مثل / سوريا والجزائر والعراق والأمر الثاني تمثل في حرص القيادة السياسية المصرية على توثيق علاقات "مصر" بالدول العربية النفطية خاصة الخليجية لتدعيم سياسة الانفتاح الاقتصادي , ودفع الأثرياء العرب إلى الاستثمار في " مصر" ...!
• وفي حين انتهى الأمر بعزل "مصر" عن جامعة الدول العربية فغي العام 1979م , تطبيقاً لميثاق جامعة الدول العربية في فصل أي دولة عضو بالجامعة العربية إذا ما أقامت علاقات مع " إسرائيل" أو اعترفت بها – كما يقول الدكتور " حسن أبو طالب" / إن تردي العلاقات العربية المصرية بدأ مع زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل في نوفمبر 1977م والتي انقسمت الدول العربية حول رفضها , حين برزت في قمة بغداد – القمة العربية الثامنة في نوفمبر 1978م , محاولات عربية لإعادة صياغة العلاقات العربية المصرية بتقديم دعم اقتصادي كبير " لمصر" يجعلها تتخلى عن مواصلة سلوك طريق التسوية المنفردة مع إسرائيل , ولم تفلح هذه المحاولات – " وشهدت تلك المرحلة تفجر قضية" عروبة مصر" – ما بين المفكرين والسياسيين المصريين , وكانت أغلبية الكتاب المشاركين في الحوار على صفحات المجلات والصحف المصرية ضد الانعزال عن العالم العربي.
• وعلى الرغم من وجود تيار قوي – شعبي ونخبوي – يؤمن بدور وظيفة " مصر" العربي – إلا أن الرئيس / السادات ,لم يلتفت إلى هذا التيار ووقع على معاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية في "كامب ديفيد" يوم 26 /3/1979م . وتم تحييد مصر عسكرياً وسياسياً , في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي , بل على العكس فإن الاتجاه العام لسياسة السادات , كان الانخراط أكثر فأكثر في إطار الإستراتيجية الأمريكية والغربية , والقيام بدور شاه إيران في المنطقة والذي أسقطته ثورة الخميني الإسلامية في إيران –كما شهدت المرحلة توترات سياسية مع العراق وسوريا والجزائر وصلت إلى حدود الاشتباكات العسكرية مع " ليبيا " ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى " تونس" وتضمن الخلافات العربية – المصرية – محاولات عربية لشل الدور المصري في المنظمات الإقليمية العربية والإسلامية والأفريقية – والأفروأسيوية – وأن احتفظت ثلاثة أو أربع دول عربية بعلاقاتها الوثيقة مع " مصر" وهي دول / السودان والمغرب والصومال وعمان" مع الاحتفاظ بعلاقات محايدة ومجمدة مع دول الخليج العربي وعلى رأسها " المملكة العربية السعودية , التي يمكن القول أنها كانت الوسيط الرئيسي في توثيق العلاقات المصرية الأمريكية من خلال شخص السيد / كمال أدهم – مدير المخابرات السعودية في عهد الملك " فيصل" رحمه الله .!
• ولم يكن الغليان أو الانقسام حول معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية , يضم الشارع العربي – القومي أو الإسلامي الملتزم بعيداً عن الشارع المصري ذاته أيضاً – بل يمكن القول أن الكثيرين من أعلام الفكر والفن والأدب المصريين في الداخل والخارج ووقفوا موقفاً معادياً لسياسات الرئيس / السادات في الصلح مع إسرائيل " ونذكر هنا استقالة ثلاثة من وزراء الخارجية المصريين أثناء مفاوضات كامب ديفيد سنة 1979م , ولا نغفل كتابات الأستاذ " محمد حسنين هيكل " التي تسابق على نشرها عشرات الصحف العربية , وتابعها ملايين المواطنين العرب وجعلته – بحق – رائداً من رواد الفكر القومي العربي – إن لم يكن الأبرز بينهم على مستوى الرأي العام القومي العربي , خاصة وأنه كان واحداً من مئات تم اعتقالهم في سبتمبر سنة 1981م , ومعه الكثيرين من قادة الرأي والفكر والأحزاب والهيئات والطوائف المصرية , ومنهم زعيم حزب الوفد/ فؤاد سراج الدين , والبابا / شنودة – زعيم الأقباط المسيحيين المصريين والذي حرم على المسيحيين زيارة "القدس" في ظل الاحتلال الإسرائيلي لها – فضلاً على تنامي التيار الإسلامي – السني والشيعي- في إيران والدول العربية و "مصر" ذاتها – والذي دفع بعض أعضاء حركة الجهاد الإسلامية المصرية من العسكريين المصريين المشاركين في العرض العسكري لذكرى انتصارات 6 أكتوبر عام 1981م إلى القيام بعملية اغتيال للرئيس/ السادات وليكون هذا اليوم فاصلاً زمنياً ما بين الجمهورية المصرية الساداتية- والجمهورية المصرية الثالثة ..!!

ب‌) اتسمت المرحلة الأولى من قيام الجمهورية المصرية الثالثة – المباركية – ما بين الأعوام (1981-1987م) , بالواقعية والاعتدال خاصة في ما يتعلق بالعلاقات المصرية- العربية – ويقول الدكتور " حسن أبو طالب" أن هذه المرحلة اتسمت بتجميد السياسات الداخلية التي ورثها الرئيس / مبارك عن سلفه الرئيس/ السادات والتي تمثلت في سياسة الانفتاح الاقتصادي وما رافقها من أزمات في المواد التموينية وارتفاع معدل الديون الخارجية مع المحافظة على النظام المقيد للتعددية الحزبية – واستمرار المواجهات العنيفة مع التيار الإسلامي المصري الراديكالي , وفي مجال السياسة الخارجية حافظ الرئيس / مبارك على التحالفات الإستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية , ولم يتراجع عن اتفاقية السلام مع إسرائيل – دون تطويرها – بفرض التطبيع على العلاقات المصرية- الإسرائيلية مع الخروج على سياسة الرئيس السادات المعادية للدول العربية – بوقف الحملات الإعلامية على الدول العربية في الصحف القومية المصرية – وتطوير العلاقات المصرية- الفلسطينية , خاصة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان 1982م .
• ورسم الدكتور "بطرس غالي" وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية – في تلك المرحلة , الخطوط العامة للسياسة الخارجية المصرية وحدد فيها / أن المشكلة هي جوهر قضية السلام العربي – الإسرائيلي الشامل – وأن مصر ستكون عوناً للفلسطينيين وليست بديلاً عنهم في حل القضية الفلسطينية – وأن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ستبقى أرضيه ونموذج لتحقيق السلام الشامل – دون أن تعني بأي شكل من الأشكال وجود أي تحالف أو تعاون استراتيجي بين مصر وإسرائيل – وأن الخلاف الحالي بين مصر والدول العربية هو خلاف مرحلي سوف يزول إن أجلاً أو عاجلاً – وسيحل مكانه التعاون الإستراتيجي العربي على كافة المستويات لأنه ضرورة فضلاً عن كونه حتمية تاريخية وجغرافية – وفي هذا الإطار لا بد من تعديل ميثاق الجامعة العربية لكي تستوعب المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة – بأنماطها الاقتصادية والثقافية بجانب السياسة والأمنية وهو ما يعني احتفاظ مصر بسياسة خارجية غير منحازة وأن التعاون الوثيق مع أمريكا لا يعني التخلي عن مبادئ مصر والتزاماتها وسط منظومة العالم الثالث والعالم العربي والعالم الإسلامي والحياد الإيجابي ..!!
• هكذا كانت المرحلة الأولى للجمهورية المصرية الثالثة تحت قيادة الرئيس /حسنى مبارك تعدل وتصحح أخطاءً في سياسات سلفه الرئيس / أنور السادات والتي اتسمت بالانفعالية والتعصب ضد الانتقادات العربية الموجه إلى سياساته الانفرادية.