حكم تمثيل الأنبياء في الدراما

بداية يحرم تمثيل أدوار الأنبياء بأشخاصهم، ومُنطلق التحريم هو أن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، فعِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهمإنسان، لأن تمثيلهم ينافي تعظيمهم وتوقيرهم وإجلالهم، ولقد جاء في الحديث المتواتر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي»

والحكمة في هذا المنع صيانة شخصية رسولنا عليه الصلاة والسلام من أن تكون محل عبث ولعب وغير ذلك، وهكذا الحكم في سائر الأنبياء والرسل لأن حرمتهم مثل حرمة نبينا.


فالممثلون لهم منتهكون لهذه الحكمة العظيمة، حيث يظهرهم الممثلون بمظاهر لا تليق بهم: من اختلاطهم بالنساء غير المحارم وسيرهم على عادات وتقاليد الناس في الزواج غير ذلك كما ظهر ذلك جلياً في مسلسل (يوسف الصديق) الذي يبث من قناة المنار.


لكن إجراء بعض المشاهد التعبيرية لإيصال فكرة ما إلى أذهان المشاهدين أو تقريب فكرة معنوية بطريقة حسية أمر مستحب وقد فعلها النبي – صلى الله عليه وسلم – لتصوير أمر، أو قصة حصلت للسامعين لهوالناظرين إليه .


ففي (صحيح البخاري) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال : كأني أنظر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ".


وفي(صحيح البخاري) أيضاً : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - : قال كانت امرأة ترضع ابناً لها من بني إسرائيل، فمرًّ بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهماجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، وقال : اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي – صلى الله عليه وسلميمص إصبعه.


قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) عند هذا الموضع ( كتاب أحاديث الأنبياء) باب قول الله: "واذكر في الكتاب مريم... " [مريم : 16]. فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل " هكذا قال، وكأنه يفتي جواباً على هذاالسؤال.


الخلاصة:
إن استعمال حياة الأنبياء مادة لأحد أشكال الدراما من الفيلم أو المسلسل أو المسرحية أو غير ذلك؛ هذا أمر يدخل في باب المستحب لأنه يجسد حياتهم وأعمالهم وهم قدوة للناس، وإذا كانت الغاية هي إيصال القصة فالأفضل هو اتخاذ التقنيات الفنية الحديثة والمعهودة في إدارةالقصة مع عدم ظهور بطلها، وهو أمر موجود في عالم الفن بعيداً عن طبيعة المادة الممثلة فيما يتعلق بحياة الأنبياء.


والله تعالى أعلم.