النشاط المحموم في محاولات اجتثاث البعث

لم يلقَ حزبٌ في الوطن العربي وحتى بالعالم، تنوعٌ في الهجوم من أطراف متعددة ومتناقضة في أيديولوجياتها كما لقي حزب البعث منذ تأسيسه قبل أكثر من ستة عقود.


فقد رماه الشيوعيون بصفة أنه حزب برجوازي، متخلف يتوارى وراء الدين لتحقيق مصالحه البرجوازية. ورماه أصحاب الفكر الإسلامي السياسي بأنه حزب علماني كافر لا يؤمن بالله ولا بسنة رسوله وأتباعه ملحدون لا يؤدون صلاتهم ولا يصومون رمضان. ورماه رواد الفكر الليبرالي بأنه حزب طوباوي حالم يسعى لتحقيق وحدة بين أفراد شعوب لا يمت بينها صلة. ورماه صانعو الإعلام القطري بأنه حزبٌ يهدد استقرارهم المُنعم في قطريتهم. ورماه الفرس بأنه داعٍ لتأليب أبناء العرب وتوحيدهم مما يُهدد مصالح الفرس المتصاعدة. ورماه الصهاينة بكل ما استطاعوا من قوة لإفشال تجربته في الحكم الوطني والنهوض.

واليوم، يَخرج علينا أصحاب الوجوه الصفراء الذين حملهم (الكنغر) الأمريكي في جرابه وهو عازم على احتلال العراق، ليقولوا أن هذا الحزب الدموي يشكل خطراً على استقرارهم المزعوم وتحول الدولة العراقية الآخذة بالتكوين الحديث حسب التوليفة الأمريكية.

لم يستطع أي عدوٍ من أعداء العراق أن ينال من نظامه الوطني منفرداً أو حتى بمساعدة (لوجستية) غير ظاهرة، فتجمع كل أعداءه بشكل سافر بعيد عن الحياء وبعيد عن المنطق، ففتحت الدول القطرية المذعورة من نظام العراق والخائفة على هنأتها وسلامها المزعوم أجوائها وحدودها للغزاة لكي ينالوا منه بكل وقاحة، وتراكض الشيوعيون والإسلاميون ليتناوبوا على رئاسة الجمهورية الموضوعة داخل القفص الأمريكي منذ عهد (بريمر) ولغاية اليوم، مباركين التجربة الأمريكية المخلصة لهم هذا العدو الكريه!

أما الفرس المتشدقون بمعاداة أمريكا، فسارعوا هم الآخرون للتنسيق الخفي والعلني مع الولايات المتحدة، وسارع الكيان الصهيوني لإرسال 204 فِرق من الموساد ليتعاون مع الأجهزة الصفوية والأمريكية للقضاء على أي بذرة أمل في أن يبقى العراق يُشكل أي خطرٍ على كل منهم.

لو عدنا، لعصر الثورات أو الانقلابات ـ كما يحلو لأعداء العراق أن يسموها ـ فإننا سنجد أن ثورة 14تموز 1958 أو ثورة 8 شباط 1963 لا يساوي عمر أي منهما ثلثي عمر الفترة التي قضاها الأمريكان مع أصحاب الوجوه الصفراء في حكمهم، وسنجد أن ثورة 14 تموز حققت إنجازات ضخمة منها القضاء على الإقطاع وقانون الإصلاح الزراعي وقوانين أخرى، أما ثورة 8 شباط وما تلاها فإنجازاتها أكبر من أن تُذكر والدليل على ذلك هو حجم الكراهية التي واجهتها تلك الثورة وما تلاها من ثورة 17 تموز من تمثيلها لمشروع النهوض العربي.

سبع سنوات، من الاحتلال وضعت العراق بين أكثر ثلاث دولٍ في العالم في الفساد، وجعلت تلك الدولة التي كانت خالية من المصابين بالإيدز والتي كانت خالية من متعاطي المخدرات سوقاً هائلاً لمروجي تلك الخسائس من فرس وصهاينة، ولا زالت البلاد تعاني من نقص في الوقود رغم أنها تملك ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم، وتحدث ولا حرج عن تفشي الأمية في بلد كان الأول بين البلدان العربية وتحدث ولا حرج عن توقف البحث العلمي والصناعي والذي لم تنل منه سنين الحصار الطويلة.

أي ديمقراطية يريدونها وأية حرية يريدون؟
صدق نعوم شومسكي عندما لخص ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية بالقول: (دعهم يفعلوا ما يريدون، طالما أنهم يفعلوا ما تريد)، وبعكسه فإن فازت حماس في فلسطين المحتلة أو فاز غيرها ممن يفعل ما لا تريد فهذا شأن آخر.

كان على المجربين ممن قدموا فكرة الصحوات التي أثرت على سير المقاومة، ومن اشتركوا في الانتخابات ظناً منهم أن هذا الأسلوب هو ما سيجعلهم قريبين وغير بعيدين عن صنع القرار أن ينتبهوا من أن سلسلة مطالب الأعداء لن تتوقف عند حد.

مع ذلك، فإن الفكر لا يُجتث، وهو فكر لم يعد حكراً على أفراد، ولا جماعات بل تجده عند عجوز في البحرين كما ستجده عند طفل في تطوان، يحلمون بوحدة عربية لدولة متحررة تتصرف بثرواتها وفق مصالح أبنائها المتآخين من مختلف القوميات والأعراق والطوائف والديانات. هذا ما يخيفهم.