في لقاء مع درة فلسطين الأديبة ياسمين شملاوي
منظمة أدباء وشعراء بلا حدود
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

في لقاء مع درة فلسطين الأديبة ياسمين شملاوي
كَبُرتُ وترعرعتُ في زمنٍ تُكتب فيه المأساة بحدّ السكين
• طلعت سقيرق
كان عليّ أن أستيقظ باكرا ، فدرة فلسطين الأديبة ياسمين شملاوي ، ستظهر على شاشة الفضائية الفلسطينية في برنامج " فلسطين هذا الصباح " الساعة التاسعة إلا قليلا.. هذا الأحد 10/1/2010 كان عليّ أن أذهب إلى المجلة لأقدم مواد الملف الثقافي .. تسمرتُ أمام الشاشة أنتظر .. كنتُ على موعد مع ياسمين .. لحظات وخطت بثقة أدهشتني وجلستْ أمام المذيع والمذيعة رافعة الرأس .. شعرتُ بفرح كبير .. تساءلت وكأنني أخاطب ياسمين :" أيمكن أن تكوني في الخامسة عشرة .. هل أنت في عمر الطفولة حقا ؟؟".. ابتسامة ياسمين الواثقة أشعرتني بالأمان .. بعد الترحيب كان على تلك الدرة الاستثنائية أن تقول وتجيب .. الأسئلة باللهجة المحكية ، وكان السؤال الأول يدور حول شخصية ياسمين شملاوي أصغر كاتبة في الوطن العربي ، فكيف تقدم هذه الكاتبة نفسها ؟؟.
قلتُ لا بدّ أن تخرج ورقة ما وتقرأ ، وفي أحسن الحالات ستجيب باللهجة المحكية.. كان المذيعان ينتظران كما أنتظر ، بيني وبينهم شاشة التلفزيون .. بقي رأس ياسمين مرفوعا وابتسامتها تزين وجهها الجميل .. أبت أن تتحدث باللهجة المحكية، أن تستعين بأي ورقة .. قالت بكل ثقة ، وتجدر الإشارة إلى أن الغالية ياسمين تعطي الحوار شكلا محببا رائعا حين تتحدث عن نفسها بصيغة الآخر .. فياسمين بالنسبة لياسمين شخص تتحدث عنه ملغية وبشكل قطعي صيغة " الأنا " .. هل ابتدعت هذه المبدعة الذكية أسلوبا استثنائيا ككتاباتها في الحوار لتضع مسافة بينها وبين الأنا ؟؟.. قطعا قد فعلت ..
قالت مجيبة:" ياسمين ترعرعت في القصبة القديمة في نابلس .. حملت حروف مأساتها لتنقشها على جذع الزيتون حتى تكبر حروفها وتنضج ولتكون في يوم من الأيام شاهدة في زمن عزّ فيه شهود الحقّ والحقيقة.. أصبحت ياسمين أصغر كاتبة وأديبة في الوطن العربي ..ياسمين فتاة فلسطينية تبحث عن وطن وهوية منذ خمسة عشر عاما ويزيد ولا زالت تبحث عن الوطن والهوية المفقودة أو المسلوبة والطفولة المبتورة أيضا .. "..
لله درك يا ابنتي .. حماك الله .. هل هذا كلام طفلة تجيب بشكل مباشر مرتجلة ودون أن تقع في خطأ واحد ؟؟.. هل هذا كلام بنت فلسطينية تعيش وهي تعاين الحرائق اليومية ضدّ شعبها ؟؟.. حقا هناك شجر يأبى أن يؤطر بعمره الزمني ، شجر يرتفع ليصير الفضاء العالي معانقا للشمس التي لا تعرف الغياب ..
لكن من أوصل ياسمين إلى هنا ؟؟.. من وقف وراءها ومعها لتشكل هذه الضفيرة من إبداع قرع باب الانتباه بقوة ففتحت أمامه الأبواب ؟؟..هل ستقول ياسمين إنها فعلت كذا وكذا كي تكون بكل هذا العطاء ؟؟.. هل ستأخذ في مدح الذات بعد أن صارت نجمة في الإعلام والكتابة والأدب ؟؟..
تقول ياسمين مجيبة :" كل إنسان فلسطيني يبتسم فخرا لكون ياسمين تحمل حرف شعبها هو داعم لياسمين .. يا سمين تلقت الدعم والمساندة حتى تكبر وتنضج حروفها سواء من أهلها ومن الأصدقاء ومن المحيط، كل من تقبل وجود ياسمين إعلاميا وكتابيا أيضا ، ككاتبة وإعلامية، وعمل على أن يساعد ياسمين ويدعمها بكل ما أوتي حتى وصلت إلى هنا اليوم. "..
التشكيل غاية في الوضوح .. حتى في عالم الكتابة والإبداع وهو ذاتيّ في كثير من جزئياته تصر على جعل الأنا بعيدة ، لتعطي الفضل لكل من ساعد أو آمن بحرف ياسمين وموهبتها .. أعادتني ياسمين إلى وقت مضى .. قلت لها " أنت استثنائية ومتجاوزة ورائعة .. لكن كم أخشى عليك من الغرور .. فبنت بعمرك ، تجد العالم ملتفتا إليها وتدعى إلى فرنسا وغيرها ، ويركز الإعلام الغربيّ بعد العربيّ الأضواء عليها كمبدعة استثنائية تقدم البرامج التلفزيونية وتكتب وتبدع ، لا بدّ أن تبهرها الأضواء وهي التي بهرت من كانوا أكبر منك عمرا بسنوات طويلة ".. أجابت ياسمين بكتاباتها ، حولت جوابها إلى فعل منتج ، عبرت فيه عن أنها لن تكون أكثر من فتاة فلسطينية تحمل قضية وطنها للعالم .. فتاة فلسطينية تعتز بوطنها وتريد أن تنقل الهمّ الفلسطيني إلى كل مكان .. وكانت ياسمين قد أجرت قبل مدة تحقيقا ميدانيا عن الطفولة الفلسطينية صار مرجعا في بابه .. وهي مصرة على أنّ عليها أن تقدم ما تستطيع لكل طفل فلسطيني من أطفال شعبها، الأطفال الذين رأت ، ثم خبرت من خلال تحقيقها الميداني ، كم ذاقوا من العذاب والألم .. أوليست ياسمين واحدة من أطفال هذا الشعب؟؟..عرفت معايشة وعن قرب معنى أن تمسح ملامح الطفولة بممحاة تأتي على شكل قذيفة أو رصاصة وغير ذلك من آليات الحرمان والتدمير التي لا تحد ؟؟..
ويأتي السؤال الذي يسأله الجميع :" كيف بدأت ياسمين في الشعر والقصة والأدب؟؟.. ".. تعودنا في الصحافة أن تكون الإجابات على مثل هذا السؤال تقليدية مكررة .. التشابه موجود دائما .. لكن فتاة مثل ياسمين شملاوي تصر على نسف أي شيء تقليدي .. تقول :"في زمن تـُكتب فيه المأساة بحد السكين ، ياسمين كبرت وترعرعت وكان لا بدّ لكل طفل فلسطيني أن ينقش حبره الذاتي في راية العلم المستقل ، الذي نأمل في يوم من الأيام أن يكون مستقلا ،منهم من حمل الحجارة ، ومنهم من رسم ، ومنهم من لعب الرياضة ، ومنهم من اكتفى بالدعاء .. وياسمين كانت ممن أمسك القلم وحلم في يوم من الأيام أن يغير الواقع ...إذا كانت صور أشلاء الأطفال الفلسطينيين لم تحرك القلوب المتحجرة وصرخات كل أم ثكلى، لم تعمل على إيقاظ القلوب الميتة ،فياسمين تأمل في يوم من الأيام أن تكون كلماتها محلقة في فضاء البحث عن القضية الفلسطينية وتجد بر الأمان في النهاية.. "..
وماذا ستسمعنا ياسمين شملاوي ؟؟.. تجيب :" ياسمين تكتب القصة والشعر ولأنها اليوم في برنامج - فلسطين هذا الصباح - ستتحدث للوطن ولشعبها .. ياسمين حفيدة هذا الشعب العظيم وابنة هذا الوطن العظيم الذي خثر بالدماء والذي لا تجد فيه شبرا لم تطوحه ولولات المقهورين ..".. وتقرأ من شعرها :
لا بديل عن هواك
يا وطنيّ المسلوبَ
أجنحةً
هاهنا ..وهناك ..
شطآن مجدكَ احمرّتْ
ومادت
في دماءٍ
يسلوها ..رضاك
سلا القلبُ كل جميلٍ
وما سلاك ..
فسما يحلق في السًما
مستشهداً يبغي
فِداكْ
تموتُ الروح فيك وَجدًا
وما لها
سِواك
وتعيشُ حين تغشاها
رؤاك
تحلقُ في الفضا
على ألقٍ
يزينها صفاك
فتغدو أجمل الألوان
يحدوها
رضاك
أحمرُ
أسودُ
أخضرُ
أبيضُ
عنوان عُلاك
علمــــــــــــــــــــــي
يا ضحكتي .. يا فرحتي
يا صفوتي .. يا سلوتي
وطنــــــــــــــــــــــــي
يا مهجتي .. يا مقلتي
يا لوزتي .. يا كرمتي ..
أقسمت أن لا بديل سِواك
أقسمت أن لا بديل عن خُطاك
أقسمت أن لا بديل عن هَواك
والحق مع المذيعين فلا تعليق .. وهنا لا بدّ من العودة إلى عضوية اتحاد الكتاب العرب .. إذ كيف أصبحت ياسمين شملاوي عضوا في الاتحاد وهي في عمر الطفولة ؟؟.... في الحوار لم تشر ياسمين إلى شيء هام وهو أنّ كتاباتها شعرا وقصة وتحقيقا قد لفتت الأنظار وانتباه الكثيرين بشكل مبكر جدا.. فما كان من نتاجها في القصة، والقصة القصيرة جدا ، والشعر ، حرك التساؤل بل دفع للبحث عن البنت التي تكتب بكل هذا التميز ..
تجيب ياسمين :" بداية عام 2008 حصلت ياسمين على عضوية اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين وكانت أصغر الكتاب في الاتحاد ، وحصلت أيضا على لقب أصغر إعلامية في فلسطين وبعدها أصغر إعلامية في الوطن العربي ،ثم تم ترشيحي من قبل الكتاب المصريين في أن تكون ياسمين ضمن أفضل ألف كاتب وأديب وإعلامي في الوطن العربي ومن بعدها كانت ياسمين أصغر أفضل ألف كاتب وأديب وإعلامي عربي .. ".. وتتحف ياسمين شملاوي المستمعين بخبر يثلج الصدر" لا أعرف إذا سمعتم أنه في نهاية 2009 كنت في القائمة التي تضم أفضل عشرة كتاب في الوطن العربي " ..سمعنا يا غالية فهنيئا وألف مبروك .. فأين أو إلى أين تريدين الوصول ، ماهي خططك ؟؟..
تجيب :" كل ما وصلت إليه ياسمين وكل هذا الحصاد .. كان تحصيل تعب وجهد مضن وكان كل النجاح هو نجاح كل من وقف مع ياسمين وساعد ياسمين حتى تقف هنا .. وإنني أشكر رب العالمين أن ياسمين ولدت فلسطينية ورضعت من أم فلسطينية وعاشت فلسطينية وستموت فلسطينية على أرض فلسطين ..ولو لم تكن ياسمين فلسطينية لما كانت وقفت هنا .. ولو لم تكن حفيدة هذا الشعب العظيم لم تقف هنا .. أشكر رب العالين لأنني فلسطينية .. كل ما وصلت إليه كان حصاد هذا التعب والجهد ..وستبقى ياسمين تتعب وتزهر وستبقى لسان الصدق والوفاء لشعبها وأمتها على أمل أن تكون في يوم من الأيام منبرا لكل إنسان مقهور أو مظلوم أو مكلوم في كافة أنحاء الكرة الأرضية .. "..
هل أقول إنك مربكة أحيانا يا ياسمين ؟؟.. السؤال الذي طرح في النهاية بسيط " أين تجد ياسمين نفسها فيما تكتب ؟؟..".. والسامع كما السائل يفترض أن تقول في الشعر أو القصة أو أي جنس أدبي آخر .. لكن هذه البنت الجميلة ، تأبى أن تمرر السؤال دون أن يكون دقيقا كل الدقة ، فتسأل السائل " بالنوع أم بروح الكتابة "..؟؟.. لله درك يا ابنتي هل هو شغبك المبدع الجميل ، أم دقتك التي تأبى أن تتجاوز أي شيء دون توضيح ؟؟.. ويصاغ السؤال بشكل آخر .. تقول ياسمين:"كل الكتابات التي يكتبها أي كاتب تخرج ضمن إطار انه يؤمن بقضية ، نحن ولدنا ونحن نحمل قضية أكبر منا وهي قضية الشعب الفلسطيني وقضية فلسطين .. فياسمين تكتب لفلسطين.. تجد نفسها في كتاب لفلسطين وتجد نفسها في كتاب عن كل طفل فلسطيني لا يحلم بأراجيح العيد وإنما يحلم فقط بأن يبتسم ابتسامة صادقة وينظر إلى السماء ويراها صافية فعلا .. ".. ما هذا ؟؟.. ما أروعك يا غالية .. وتختم درة فلسطين ياسمين شملاوي :" إن شاء الله أنا على أمل أن أحصل في يوم من الأيام على اللقب العالمي لأن ياسمين تتعب وتعمل بكل جد حتى توصل صوت كل فلسطيني لكل أنحاء العالم.. ".. إن شاء الله يا ياسمين .. فلمثلك تفرد دروب المجد والعلا .. وفقك الله يا درة فلسطين الغالية .. والآن هل تسمحين لي بالذهاب إلى عملي ، فصفحات المجلة بانتظاري ؟؟..