نقلا عن:
http://hewar.khayma.com:1/showthread...922#post678922

القصيدة للشاعر الموريتاني سيدي محمد بن الشيخ سيدي ابن المختار بن الهيب الأبيري الإنتشائي و هو أحد أعلام النهضة الأدبية في موريتانيا في القرن 19،كتبها معبرا عن أزمة الإبداع التي كان يعانيها جيله من الأدباء و الشعراء.

يا معشر البلغاء هل من لوذعي ** يهدى حجاه لمقصد لم يبدع
إني هممت بأن أقول قصيدة ** بكرا فأعياني وجود المطلع
لكم اليد الطولى علي إنَ اَنتمُ ** ألفيتموه ببقعة أو موضع
فاستعملوا النظر السديد ومن يجد ** لي ما أحاول منكم فليصدع
و حذار من خلع العذار على الديا ** ر ووقفة الزُّوَّار بين الأربُع
و إفاضة العبرات في عرصاتها ** و تردد الزفرات بين الأضلع
و دعوا السوانح و البوارح و اتركوا ** ذكر الحمامة والغراب الأبقع
و بكاء أصحاب الهوى يوم النوى ** و القوم بين مودع و مشيع
و تجنبوا حبل الوصال و غادِروا ** نعت الغزال أخي الدلال الأتلع
و سُرَى الخيال على الكلال لراكب الشْـ ** شِمْلال بين النازلين الهجع
و دعوا الصحارى و المهارى تغتلي ** فيها فتذرعها بفتل الأذرع
و تواعد الأحباب أحقاف اللوى ** ليلا و تشقيف اللوى و البرقع
و تهادي النسوان بالأصلان في الـ ** ـكثبان من بين النقى و الأجرع
و الخيل تمزع بالأعنة شزبا ** كيما تفزع ربربا في بلقع
و الزهرَ والروضَ النضير و عَرْفَه ** و البرقَ في غر الغمام الهمع
و القينةَ الشَّنْبا تجاذب مِزهرا ** و القهوة الصهبا بكأس مترع
و تحادث السمار بالأخبار من ** أعصار دولة قيصر أو تبع
و تناشد الأشعار بالأسحار في ** الأقمار ليلة عشرها و الأربع
وتداعيَ الأبطال في رهج القتا ** ل إلى النزال بكل لدن مشرع
و تطارد الفرسان بالقضبان و الـ ** ـخرصان بين مجرد و مقنع
و تذاكر الخطباء و الشعراء للـ ** ـأنساب و الأحساب يوم المجمع
و مناقب الكرماء و العلماء و الـ ** ـصلحاء أرباب القلوب الخشع
فجميعُ هذا قد تداوله الورى ** حتى غدا ما فيه موضع إصبع
من مدعى ما قاله أو مدع ** و المدعى ما قال أيضا مدع
و اليوم إما سارق مستوجب ** قطع اليمين و حسمها فليقطع
أو غاصب متجاسر لم يثنه ** عن همه حد العوالي الشرع
مهما رأى يوما سواما رتعا ** شن المغار على السوام الرتع
فكأنه فى عدوه و عدائه ** فعل السليك وسلمة بن الأكوع
و الشعر ليس كما يقول المدعي . ** صعبُ المقادة مستدق المهيع
كم عزَّ من قح بليغ قبلنا ** أو من أديب حافظ كالأصمعي
هل غادرت هل غادر الشعراء في ** بحر القصيد لوارد من مشرع
و الحول يمكثه زهير حجة ** أن القوافي لسن طوع الإمع
إن القريض مزلة من رامها ** فهو المكلف جمع ما لم يجمع
إن يتبع القدما أعاد حديثهم ** بعد الفُشُوِّ و ضل إن لم يتبع
و تفاوت الشعراء أمر بَيِّنٌ ** يدرى الغبي وُضُوحَه و الألمعي
ما الشاعر المطبوع فيه سليقة ** و جبلة مثل الذى لم يطبع
و مهذب الأشعار بادٍ فضلُه ** عند السماع على الْمُغِذِّ المسرع
ما الشعر إلا ما تناسب حسنه ** فجرى على منوال نسج مبدع
لفظ رقيق ضم معنى رائقا ** للفهم يدنو و هو نائي المنزع
مُزِجَتْ برِقَّتهِ الجزالة يالُه ** مِنْ راحِ دَنٍّ بالفرات مشعشع
فيكاد يدركه الذكي حلاوة ** وطلاوة بالقلب قبل المسمع
تعرو القلوبَ له ارتياحا هزةٌ ** يسخو الشحيح بها لحسن الموقع
و الشعر للتطريب أول وضعه ** فلغير ذلك قبلنا لم يوضع
و اليوم صار منكدا و وسيلة ** قد كان مقصدها انتفى لم يشرع
و إليه ترتاح النفوس غُلُبَّةً ** فيميلها طبعا بغير تطبع
ينساغ للأذهان أول مرة ** و يزيد حسنا ثانيا فى المرجع
فيَخال سبقَ السمع من لم يستمع ** و يعود سامعه كأن لم يسمع
كالروض يغدو السرح فيه و ينثني ** عند الرواح كأنه لم يرتع
و إذا عرفت له بنفسك موقعاً ** تختاره يهدى لذاك الموقع
من كان مسطاعا له فَلْيَاته ** و لْيَقْنِ راحتَه امرؤٌ لم يسطع
والْجُلُّ في شعراء أهل زماننا ** ما إن أرى في ذا لَه من مطمع


*********


استوقفني البيت :


من كان مسطاعا له فَلْيَاته ** و لْيَقْنِ راحتَه امرؤٌ لم يسطع




قلت لعل مسطاع اسم مفعول ولعل الصواب مُسطيعا اسم فاعل. ورجعت للموسوعة الشعرية فوجدت:


لمحمد بن الطلبة اليعقوبي:


قُل للمُؤَمِّلِ أن يسعى مساعيَهُ ** أقصِر فقَد رُمتَ شأواً غيرَ مسطاع


لجميل صدقي الزهاوي :


ترأف ولا تقذف بنار جهنم ** فتى غير مسطيع على حرها صبرا



ولكن لعل هذا مما يجوز للشاعر أو لعل فيه نكتة بلاغية. فجزا الله من لديه تنويرا حول هذا