أَشْجَارُ الصَّبَّارِ لا تُنْبِتُ تُفَّاحًا
قصة قصيرة من مجموعة
لَيْلَى تَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَى بَيْتِهَا
للشاعر الدكتور / عزت سراج
ـــــــــــــ
يُسْرِعُ رِضْوَانُ مُتَجَاوِزًا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ قَاطِعًا حُقُولَ الْبِرْسِيمِ الْمُتَرَامِيَةَ عَلَى الْجَانِبَيْنِ ، مُشَمِّرًا سَاقَيْهِ ، مُتَفَادِيًا بَقَايَا الطِّينِ ، قَافِزًا مِيَاهَ الْقَنَاةِ الصَّغِيرَةِ إِلَى الْبَرِّ الْمُقَابِلِ ، مُنْحَنِيًا إِلَى يَمِينِهِ قَلِيلاً ، سَالِكًا ذَلِكَ الطَّرِيقَ الضَّيِّقَ الْقَصِيرَ إِلَى بَيْتِ الشَّيْخِ عَوَضٍ ...
بَيْنَ الْقُبُورِ فِي سَاعَةِ الظُّهْرِ يَشْعُرُ الْمَرْءُ بِثِقَلِ اللَّحْظَةِ ، وَكَأَنَّ الأَرْوَاحَ الْمُعَذَّبَةَ تَنْطَلِقُ لِتَلْتَقِطَ أَنْفَاسَهَا حَائِمَةً فَوْقَ رُؤُوسِ الْعَابِرِينَ ...
بَيْنَ الْمَقَابِرِ يَسُودُ ـ الْحَارَةَ الضَّيِّقَةَ ـ صَمْتٌ لا يَنْتَهِي ، وَيَزْدَادُ الْمَكَانُ رَهْبَةً بِحَرَكَةِ أَشْجَارِ الصَّبَّارِ الْمَغْرُوسَةِ عَلَى أَبْوَابِهَا الْمُغْلَقَةِ وَحِكَايَاتِ الأَجْدَادِ عَنِ الْمَرَدَةِ وَالشَّيَاطِينِ الَّتِي تَخْرُجُ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ فِي صُورَةِ قِطَطٍ وَكِلابٍ لا تَتَوَقَّفُ عَنْ مُطَارَدَةِ مَنْ يَمُرُّ ...
ثَمَّةَ مَقْبَرَةٌ مَفْتُوحَةٌ لا يُطِيلُ رِضْوَانُ النَّظَرَ إِلَى ظَلامِهَا ...
يَرْتَفِعُ نَقِيقُ الضَّفَادِعِ خَلْفَ الأَقْدَامِ الْمُتَخَبِّطَةِ فِي قَلَقٍ لا يَهْدَأُ .
يُهَرْوِلُ رِضْوَانُ مُسْتَظِلاً بِأَشْجَارِ السَّنْطِ الشَّاهِقَةِ فِي نِهَايَةِ الطَّرِيقِ ...
تَنْبُحُ الْكِلابُ خَلْفَ الأَشْبَاحِ الْمُقْتَرِبَةِ مُطَارِدَةً أَرْوَاحَهَا وَرَاءَ الْحُقُولِ .
يَبْدُو بَيْتُ الشَّيْخِ عَوَضٍ مِنْ بَعِيدٍ كَعَجُوزٍ فِي التِّسْعِينَ تَجْلِسُ الْقُرْفُصَاءَ فِي انْتِظَارِ مَجِيءِ لَحْظَةِ الْخَلاصِ .
تَمْلأُ أَعْوَادُ الْحَطَبِ ، وَأَغْلِفَةُ الذُّرَةِ سَطْحَ الْبَيْتِ الطِّينِيِّ الْمَعْرُوشِ بِفُرُوعِ الأَشْجَارِ ، وَبَقَايَا أَلْوَاحٍ يَنْخَرُهَا السُّوسُ ، وَحِزَمِ الْبُوصِ الْمَرْصُوصَةِ ...
الْجُدْرَانُ الْقَدِيمَةُ الْمَبْنِيَّةُ بِالآَجُرِّ مَدْهُوكَةٌ بِالطِّينِ وَمَدْهُونَةٌ بِالْجِيرِ الأَخْضَرِ الْبَاهِتِ الَّذِي تَسَاقَطَ إِلا قَلِيلاً .
يَدْخُلُ رِضْوَانُ مُلْتَقِطًا أَنْفَاسَهُ ، نَابِضًا قَلْبُهُ بَيْنَ صَدْرِهِ كَعُصْفُورٍ ذَبِيحٍ .
ـ أَيْنَ كُنْتَ يَا ابْنَ الْـ .... ؟
ـ وَاللهِ يَا مَوْلانَا خَرَجْتُ مِنَ الْمَدْرَسَةِ إِلَى هُنَا ، لَكِنَّ الطَّرِيقَ طَوِيلٌ وَمُخِيفٌ .
ـ مِمَّ تَخَافُ يَا جَزْمَةً قَدِيمَةً ؟
ـ مِنَ الْعَفَارِيتِ يَا مَوْلانَا .
ـ الْعَفَارِيتُ ؟ يَا ابْنَ الْعَفَارِيتِ .
ـ سَامِحْنِي يَا مَوْلانَا لَنْ أَفْعَلَهَا ثَانِيَةً .
ـ وَاللهِ لا أُسَامِحُكَ حَتَّى تُجْلَدَ عِشْرِينَ جَلْدَةً عَلَى رِجْلَيْكَ ، وَتُقْسِمَ أَلا تَعُودَ إِلَى ذَلِكَ .
ـ أُقْسِمُ يَا مَوْلانَا .
بِإِشَارَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ الْوَاسِعَتَيْنِ رَافِعًا حَاجِبَيْهِ يَهْجِمُ صَابِرٌ بَارِكًا فَوْقَ صَدْرِ رِضْوَانَ ، وفِي لَحْظَةٍ يُعَلِّقُ الآخَرُونَ رِجْلَيْهِ فِي الْفَلَقَةِ بِإِحْكَامٍ .
يَهْتَزُّ الْحَبْلانِ فَوْقَ الْخَشَبَةِ بِاهْتِزَازِ قَدَمَيْ رِضْوَانَ مُحَاوِلاً الإِفْلاتَ مِنْ عَصَا الشَّيْخِ دُونَ جَدْوَى .
ـ لا تَتَحَرَّكْ يَا خِنْزِيرُ !!
ـ حَاضِرٌ يَا مَوْلانَا .
ـ اخْرَسْ يَا بُومَةُ ، لا تَفْتَحْ فَمَكَ !!
ـ خَرَسْتُ يَا مَوْلانَا وَاللهِ الْعَظِيمِ خَرَسْتُ .
ـ كَمْ جَلْدَةً يَا وَلَدُ يَا صَابِرُ ؟
ـ عَشْرُ جَلْدَاتٍ يَا مَوْلانَا .
ـ يَا كَذَّابُ بَلْ سَبْعٌ فَقَطْ .
ـ عُدَّ وَرَائِي يَا وَلَدُ يَا صَابِرُ!!
ـ آهِ ، آهِ يَا رِجْلَيَّ .
ـ اسْكُتْ يَا أَسْوَدَ الْوَجْهِ !!
ـ حَاضِرٌ لَنْ أَبْكِيَ يَا مَوْلانَا لَنْ أَبْكِيَ .
ـ قُمِ اجْرِ فِي الْحَالِ عَلَى رِجْلَيْكَ عِشْرِينَ لَفَّةً أَمَامَ الْبَيْتِ !!
ـ حَاضِرٌ . آهِ . آهِ يَا رِجْلَيَّ .
تُرَاوِدُ رِضْوَانَ فِكْرَةٌ يَدْفَعُهَا عَنْ ذِهْنِهِ تُوَسْوِسُ بِهَا إِلَيْهِ نَفْسُهُ كُلَّمَا صَمَّ أُذُنَيْهِ عَنْهَا ...
مَاذَا لَوْ تَرَكَ الْكُتَّابَ هَارِبًا لِلْبَيْتِ وَلا يَعُودُ ثَانِيَةً إِلَيْهِ ؟
يَتَرَدَّدُ رِضْوَانُ فِي تَنْفِيذِ هُرُوبِهِ الْكَبِيرِ مِنْ كُتَّابِ الشَّيْخِ ، لَكِنَّ ضَحِكَ الصِّبْيَانِ الْجَالِسِينَ بَعِيدًا عَنْ عَيْنَي الشَّيْخِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْبَابِ دَفَعَ بِهِ إِلَى أَنْ يَسْتَسْلِمَ لِقَدَمَيْهِ الطَّائِرَتَيْنِ بَيْنَ الْحُقُولِ كَيَمَامَةٍ بَرِّيَّةٍ أَفْزَعَتْهَا طَلَقَاتُ الصَّيَّادِ فِي أَجْرَانِ الْقَمْحِ .
ـ هَرَبَ يَا مَوْلانَا .
ـ الْوَلَدُ رِضْوَانُ هَرَبَ يَا مَوْلانَا .
ـ ابْنُ الْـ ... أَنْتَ وَأَنْتَ وَأَنْتُمْ وَرَاءَه ، لا تَعُودُوا إِلا بِهِ وَإِلا عَلَّقْتُكُمْ مَكَانَهُ فِي الْفَلَقَةِ .
ـ حَاضِرٌ يَا مَوْلانَا .
ـ سَمِّعْ يَا خِرْتِيتُ !! أَنْتَ ... الَّذِي يَضْحَكُ فِي آخِرِ الصَّفِّ ... لا لا ... السَّمِينُ الْقَصِيرُ الْكَرْكَدَّنُ الَّذِي يَلْتَهِمُ الطَّعَامَ وَيَظُنُّ أَنَّنِي غَافِلٌ عَنْهُ ... سَمِّعْ بِسُرْعَةٍ كَمَا تَبْتَلِعُ وَإِيَّاكَ أَنْ تَتَلَعْثَمَ .
رَائِحَةُ الْعَرَقِ تَخْتَلِطُ بِرَائِحَةِ الطِّينِ وَبَقَايَا الْجِيرِ وَالأَنْفَاسِ الْمُتَزَاحِمَةِ فِي رَدْهَةِ الْبَيْتِ ...
ـ افْتَحْ يَا مَسْعُودُ يَا ابْنِي الشُّبَّاكَ الْكَبِيرَ !!
ـ حَاضِرٌ يَا شَيْخُ عَوَضُ.
ـ سَلِّمْ لِي عَلَى أَبِيكَ يَا وَلَدُ ، وَقُلْ لَهُ لا يَنْسَ أَنْ يُحْضِرَ لِي الثَّوْبَ الْكَشْمِيرَ الَّذِي وَعَدَنِي بِهِ . فَاهِمٌ يَا وَلَدُ !!
ـ حَاضِرٌ يَا شَيْخُ عَوَضُ.
ـ أَرِنِي مَاذَا تَأْكُلُ يَا مَسْعُودُ !!
ـ وَرِكُ دَجَاجَةٍ وَحَبَّةُ تُفَّاحِ يَا شَيْخُ عَوَضُ.
ـ وَرِكُ دَجَاجَةٍ يَا وَلَدُ وَحَبَّةُ تُفَّاحٍ ؟ مَعْقُولٌ يَا وَلَدُ يَا مَسْعُودُ ؟ هَاتِ أَنْظُرْ إِلَيْهِمَا ... نَقْتَسِمُهُمَا يَا وَلَدُ ؟
ـ هُمَا لَكَ يَا شَيْخُ عَوَضُ.
ـ صَفِّقُوا لأَخِيكُمْ مَسْعُودٍ يَا بَقَرُ !!
يُصَفِّقُونَ فِي حَمَاسٍ مُتَضَاحِكِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى بَقَايَا الْوَرِكِ فِي يَدَي الشَّيْخِ ...
يُحَرِّكُونَ أَفْوَاهَهُمُ الْجَائِعَةَ مَعَ فَمِهِ الْمَاضِغِ فِي اسْتَمْتَاعٍ وَتَلَذُّذٍ ...
يَتَبَوَّلُ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الصُّفُوفِ فِي فَتْحَةٍ بَيْنَ جِدَارَيْنِ فِي ارْتِبَاكٍ .
يَقْرُصُهُ الآخَرُ فِي فَخِذَيْهِ لِيَنْتَهِيَ حَتَّى يَأْخُذَ دَوْرَهُ فِي هُدُوءٍ قَبْلَ أَنْ يَشْعُرَ بِهِمَا الشَّيْخُ الَّذِي يَمْسَحُ يَدَيْهِ فِي أَطْرَافِ ثَوْبِهِ الْمُتَّسِخِ مُنْتَهِيًا مِنِ الْتِهَامِ الْوَرِكِ الْمُحَمَّرِ فِي الزَّيْتِ بِإِتْقَانٍ ...
يُرَدِّدُونَ غَيْرَ عَابِئِينَ صَائِحِينَ فِي عُنْفُوَانٍ وَرَاءَ الشَّيْخِ : {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} .
تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ وَتَنْخَفِضُ بِإِشَارَةٍ مِنْ أَصَابِعِ يُسْرَاهُ الْغَلِيظَةِ مُحَافِظِينَ عَلَى إِيقَاعِ الْعَصَا الرَّفِيعَةِ فِي يُمْنَاهُ مُصْطَدِمَةً بِمِقْعَدِهِ الْخَشَبِيِّ الْكَبِيرِ .
يَتَسَمَّعُونَ لِصِيَاحِ الصِّبْيَانِ آتِيًا مِنْ وَرَاءِ الْحُقُولِ ، يُمْسِكُونَ بِرِضْوَانَ يَجُرُّونَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ بَاكِيًا إِلَى حَيْثُ يَقْعُدُ الشَّيْخُ .
مُسْتَسْلِمًا لأَيدِيهِمْ يَتَأَوَّهُ رِضْوَانُ وَاضِعًا يَدَيْهِ تَحْتَ رَأْسِهِ الْمَجْرُورِ مَشْدُودَ السَّاقَيْنِ مَوْجُوعَ الظَّهْرِ لا يُثِيرُ بُكَاؤُهُ الْمُرْتَفِعُ شَفَقَتَهُمْ ...
ـ آهِ يَا أَوْلادَ الْـ ... غَدًا أَجُرُّكُمْ مِنْ أَرْجُلِكُمْ دُونَ رَحْمَةٍ يَا أَوْلادَ الْـ ...
يَصِلُونَ بِقَدَمَيْهِ الْمَرْفُوعَتَيْنِ إِلَى يَدَي الشَّيْخِ عَوَضٍ ...
ـ أَهْلاً وَسَهْلاً ، شَرَّفْتَ الْكُتَّابَ يَا ابْنَ الْعَفَارِيتِ !!
ـ سَامِحْنِي وَالنَّبِيِّ يَا مَوْلانَا .
ـ كَتِّفْ يَا وَلَدُ يَا صَابِرُ رِجْلَيْهِ فِي الْفَلَقَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً حَتَّى يَهْرُبَ جَيِّدًا ، كَتِّفْ يَا وَلَدُ وَهَاتِ لِي الِعَصَا الْغَلِيظَةَ مِنَ الدَّاخِلِ .
فِي غَيْرِ لِينٍ يُكْمِلُ الشَّيْخُ عَوَضٌ عِشْرِينَ جَلْدَةً أُخْرَى آمِرًا رِضْوَانَ أَنْ يَجْرِيَ عِشْرِينَ لَفَّةً أَمَامَ الْبَيْتِ .
هَذِهِ الْمَرَّةَ لا يُفَكِّرُ رِضْوَانُ فِي الْهُرُوبِ مُسْرِعًا فِي جَرْيِهِ كُلَّمَا سَمِعَ صَوْتَ الشَّيْخِ صَائِحًا مِنَ الدَّاخِلِ :
ـ اجْرِ يَا وَلَدُ بِسُرْعَةٍ ، لا تَتَوَقَّفْ !!
ـ حَاضِرٌ يَا مَوْلانَا حَاضِرٌ .
يَتَسَلَّلُ بَيْنَ الأَطْفَالِ مُنْدَسًّا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ مَاسِحًا بِيَدَيْهِ الرَّقِيقَتَيْنِ عَلَى بَاطِنِ رِجْلَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ كَاتِمًا بُكَاءَهُ مَكْسُورَ الرُّوحِ ...
يُرَدِّدُ مَعَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ فَوْقَ أَصْوَاتِهِمْ مُسْمِعًا شَيْخَهُ فِي حَمَاسٍ لا يَفْتُرُ : {كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى}.
كَمِثْلِ ثَوْرٍ هَائِجٍ فِي الْحَلَبَةِ يُفْرِغُ الشَّيْخُ مَاءَ الْقُلَّةِ فِي جَوْفِهِ السَّاخِنِ مُبَرِّدًا حَرَارَةَ جَسَدِهِ الْمُلْتَهِبِ ، تَسْمَعُ لِمَشْرَبِهِ ـ وَالْمَاءُ فِي فَمِهِ ـ صَوْتًا لا تُخْطِئُهُ الأُذُنُ عِنْدَ كُلِّ جُرْعَةٍ مُتَجَشِّئًا بِصَوْتٍ غَلِيظٍ مَمْدُودٍ ...
بَعْدَ الْعَصْرِ يَنْطَلِقُ الصِّغَارُ إِلَى بُيُوتِهِمْ مَسْرُورِينَ يَتَسَابَقُونَ بَيْنَ الْحُقُولِ ...
وَحْدَهُ يَسِيرُ رِضْوَانُ مُتَرَدِّدَ الْخُطَى ، يَقْضِمُ بِجَانِبِهِ مَسْعُودٌ حَبَّةَ تُفَّاحٍ ...
ـ خُذْ لَكَ قَضْمَةً يَا رِضْوَانُ ، خُذْ لا تَخْجَلْ !!
ـ عِنْدَنَا فِي الْبَيْتِ .
مُخْفِيًا رَغْبَتَهُ فِي الْتِهَامِ التُّفَّاحَةِ يَبْتَعِدُ رِضْوَانُ شَارِدًا كَغَزَالٍ مُخْتَبِئًا بَيْنَ الأَشْجَارِ ...
مِنَ الْحَارَةِ الضَّيِّقَةِ يَعُودُ وَحْدَهُ مُتَجَاهِلاً حِكَايَاتِ جَدِّهِ ، نَاظِرًا إِلَى دَاخِلِ الْمَقْبَرَةِ الْمَفْتُوحَةِ ، مُتَأَمِّلاً ظَلامَهَا ، مُتَعَقِّبًا تِلْكَ الرَّائِحَةَ النَّفَّاذَةَ مِنْ تُرَابِهَا الْمَبْلُولِ ، قَاطِعًا عُودَ صَبَّارٍ مُمْتَلِئًا مَغْرُوسًا جِوَارَهَا مُتَجَنِّبًا أَشْوَاكَهُ مُمْتَعِضًا مِنْ مَرَارَتِهِ ...
مُسْتَسْلِمًا لِبُكَائِهِ الْمُتَزَايِدِ فِي غَيْرِ انْقِطَاعٍ يَعْرِفُ أَنَّ أَشْجَارَ الصَّبَّارِ لا تُنْبِتُ تُفَّاحًا
.

ــــــــــــ

قصة قصيرة من مجموعة
لَيْلَى تَعْرِفُ الطَّرِيقَ إِلَى بَيْتِهَا
للشاعر الدكتور / عزت سراج
أستاذ الأدب والنقد المساعد
كلية التربية ـ جامعة الملك خالد
مصر ـ طنطا ـ محلة مرحوم