pm

قراءة في كتاب بنيامين نتنياهو (مكان تحت الشمس)
قراءة في الفكر الصهيوني الحديث

قراءة وعرض سعد الحامدي الثقفي*



قرأت متأخراً كتاب رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الذي عنونه: (مكان تحت الشمس).والكتاب من ترجمة الاستاذ محمد عودة الدويري وصوبت الطبعة الثانية كلثوم السعدي، وصدر عن دار الجليل للنشر والدراسات والابحاث الفلسطينية في طبعة اولى عام 1995م في اربع مئة وخمس واربعين صفحة، وفي الطبعة الثانية حمل الكتاب شخصيات صهيونية (14). وانا عندما اقول قرأته متأخراً فذلك لان الكتاب صدر قبل ست سنين من الآن، لكن نظراً لاهمية الكتاب الذي يوضح شخصية نتنياهو بجلاء، وكذلك العقلية الصهيونية التي حكمت ولا زال تحكم الاراضي الفلسطينة العربية بقوة الحديد والنار شأنها في ذلك شأن اي مستعمر يريد ان يبقي نفسه اطول مدة ممكنة في البلاد التي استعمرها. لقد اثرت عرض الكتاب للقراء، لكي نقف سوياً على سلوك الفكر الصهيوني بعد اكثر من نصف قرن على قيام اسرائيل.ومعروف عن نتنياهو انه ألف كتباً قبل ان يتولى الامر في اسرائيل منها كتابه المعروف ("الارهاب" كيف يمكن للغرب ان ينتصر) وهو صادر عام 1986م في الولايات المتحدة الامريكية. وغيره من الكتب التي تتحدث عن المسألة اليهودية وعن آرائه في السلام وفي الحرب.ولقد ترسم نتنياهو خطى زعماء صهيون في اصدار الكتب التي تدعو للصهيونية وتبين اهدافها وتمجد السامية، فمنذ بروتوكولات زعماء صهيون وقبله من الكتب والزعماء اليهود لا يعطون القلم للكتاب وللاكاديميين المتخصصين في الدعاية والدفاع عن الصهيونية، بل كان القلم والسياسة جنبا الى جنب لدى اي زعيم اسرائيلي، فهو يخطب في الكنيسة لكسب الثقة، ويحاور ويناظر، ويساهم بالكتابة التي تعرف به وبآرائه بين اليهود وفي العالم اجمع. وهذه الكتب تترجم عادة ويأخذها الاعلام اليهودي العالمي كمادة دسمة للدعاية لاسرائيل ولتمجيد الزعماء اليهود والاشادة بهم. وهذه المسألة لا توجد لدى الزعماء العرب عادة، فهم لا يكتبون الا مذكراتهم التي ان نشرت عدت مذكرات تاريخية تصف الماضي وليس لها ادنى قيمة في المستقبل، لان هذه المذكرات تصف الراحل بالزعيم العظيم الذي لم يخطئ طيلة عهده السياسي، والامثلة على مثل هذه المذكرات كثيرة ليس هذا موضوع الحديث عنها!!وقبل ان ندلف لهذا الكتاب: (مكان تحت الشمس)، نتوقف متأملين العنوان، لماذا هكذا مكان تحت الشمس؟هذا العنوان يصلح لكتاب يدعو للدولة العبرية وهي في بدايتها، اما الآن واسرائيل معروفة للعالم فهل اليهود في حاجة للدعوة لوطن قومي لهم؟ الواقع ان هذه هي سياسة اليهود منذ البدء وعلى مختلف الاصعدة والازمنة، وتتمثل في تصوير اليهود بالمستضعفين المنكوبين في هذه الارض، وبالمضطهدين منذ بدء التأريخ مروراً بالنازية وانتهاءً بالعرب الارهابيين كما يصورهم نتنياهو، لذا من حق هؤلاء المنكوبين ان يكون لهم مكان تحت الشمس كسائر الامم، وما هذا المكان الا اسرائيل كما يصور ذلك الزعماء والمفكرون اليهود. وهذه السياسة والطريقة الدعائية لليهود لمّ تتغير منذ بدء الاحلام اليهودية في لمّ شتاتهم حتى الآن، ونتنياهو لم يغير من اسلوب الدعاية اليهودية في تضليل الرأي العام العالمي، بل استخدمه كما هو.وهذا المكان الذي يقع تحت الشمس مثل اي مكان لاي شعب في هذه المعمورة يجب ان يكون آمناً مطمئنا، لذا جاء العنوان حاملاً هذا المضمون: حق اقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين العربية، ويجب ان يكون هذا الوطن آمناً بأي طريقة كانت كما سنرى عند عرض الكتاب الذي يحدد فيه نتنياهو كيف يكون هذا الوطن آمناً!!ونتنياهو ولد في اسرائيل، لكنه تعلم في امريكا ودرس بها، وعاش فيها مدة طويلة، لذا يمثل انموذجاً جديداً في اسرائيل. نموذج يعتز بالثقافة الامريكية قدر اعتزازه بإسرائيل نفسها، فهو (صهيوني متأثر بالفكر الامريكي) والكتاب يظهر التقنية الامريكية في التناول والعرض والطرح، ويستشهد نتنياهو بكثير من آراء الغرب والامريكيين لتأكيد ما ذهبت اليه في هذا الشأن.يبين نتنياهو في ص35، 36اسباب تأليفه لهذا الكتاب (.. تنفيد الفرضيات الخاصة بالنزاع العربي الاسرائيلي، وطرق تسويته كما تعرضها الدعاية العربية، تلك الفرضيات التي اصبح مسلماً بها، لدى شريحة لا بأس بها من الجمهور الاسرائيلي) فهو يحدد عرض النظرية الصحيحة على حد زعمه، وحق الحركة الصهيونية وتعرية كذب الادعاءات العربية المضادة (المجال الاخلاقي ص 35)، وعرض النظرية السياسية والامنية لضمان بقاء دولة اسرائيل وتحقيق السلام مع جيرانها العرب (المجال العملي ص 36) هذا كله ورد في مقدمة الطبعة العبرية للقارئ الاسرائيلي الذي يدعوه الى (ثورة قومية كبرى) تنهي القرن العشرين الذي وصفه (قرن الكارثة) وتخرجه الى بوابة (قرن استئناف الحياة اليهودية) ويشدد على (تنمية وعينا الوطني) في مواجهة ماذا؟ (الذي يحدد مصير صراعنا مع العالم العربي، وهو الذي سيضمن مستقبل الامة في عهد السلام ايضاً).ورد في مقدمته للقارئ العبري ص 38.يقسم نتنياهو كتابه الى عشرة فصول ومقدمتين الاولى للقارئ العربي والثانية استعرضتها موجهة للقارئ العبري، والمقدمة العربية سنعود اليها حين قراءة نتائج هذا الكتاب.في البدء يدخل نتنياهو للقارئ من مدخل رأس الامر لديه وهو الحركة الصهيونية كيف نشأت؟ وما مدلولها في مغالطات متعددة؟ويورد نتنياهو في المقدمة التاريخية ما قبل مؤتمر فرساي (التعهد لليهود بإقامة دولة في فلسطين، وشمل الوطن القومي آنذاك ضفتي نهر الاردن) ص 39.ومعروف ان مؤتمر فرساني عقد في كانون الثاني 1919م ، والصهيونية بدأت منذ مؤتمر بال بسويسرا.الفصل الاول من الكتاب: الصعود المذهل للحركة الصهيونية، ففي حديثة عن الصهيونية يبدأ من العهد القديم مستعرضاً البدايات حتى يصل الى العهود الحديثة معتمداً على سرد تاريخي يصور اليهود وكأنهم شعب مضطهد، ولا ينسى نتنياهو جده الحاخام "نتان ميلايكو بسكي" ويبرز دوره في مؤتمر الصهيونية الثامن. وقبل ان يغلق هذا الفصل يتعرض لمسألة الحلول التي عولجت بها المسألة اليهودية مدخلاً مصطلحين هما "الصهيونية المسيحية" و "الصهيونية اليهودية" حيث يعتبر ان الدمج بينهما هو الحل الامثل لهذه المسألة دون ان يقف بنا على آلية هذا الدمج! ويزج بالاسماء التالية: البريطاني توماس شو "عالم آثار" والشاعر الفرنسي "دي لا مارتين" والرحالة الامريكي "مارك توين" حيث يوظف اقوالهم في انكار وجود اسم (فلسطين) تماماً. ويستعرض قبل ذلك لكي يصل الى هذه النتيجة بعض ما قام به العرب من اثبات احقيتهم في فلسطين مثل (الاستيطان المسلح) على حد زعمه ص 61، فهو يريد ان يقول علماء العالم اثبتوا عدم وجود اسم فلسطين والعرب يريدون اثبات ذلك بالاستيطان المسلح هكذا يصور المسألة التأرخية في حقيقة الصراع العربي الاسرائيلي.الفصل الثاني: التخلي عن الصهيونية، تفاجأ بنتنياهو يتحدث عن اضمحلال الصهيونية المسيحية، فهو يورد ذلك بسبب جهد (المستعربين اي الذين يخدمون العرب في الاوساط العلمية التي تصنع الفرار وتؤثر فيه) وبداية ذلك ان بريطانيا اخذت (شرق الاردن من منطقة الوطن القومي اليهودي عام 1922م. هذا الموقف من وجهة نظر نتنياهو يمثل مواقف عدائية للصهيونية المسيحية وهو مصطلح يقصد به الصهيونية التي يدعمها ويعضدها المسيحيون ابان فترة قيامها، من قبل بعض الساسة الاوربيين والامريكان. وبريطانيا التي وعدت بإقامة وطن لليهود في فلسطين ومن ثم قيام اسرائيل عام 1948م لم تسلم من ادعاءات نتنياهو بأنها عادت الصهيونية المسيحية وخذلتها حين وافقت على قيام الاردن على جزء من الوطن اليهودي على حد زعم بنيامين نتنياهو وهو يفسر مصطلح الصهيونية المسيحية. وهذا جزاء سنمار يفعله اليهود مع البريطانيين الذين لولاهم ما قامت اسرائيل، ويتضح هنا خبث اليهود على الدوام وعدم وفائهم فمن مد لهم اليمنى كافؤوه باليسرى!.ونتنياهو يؤكد ان هذه المواقف العدائية للصهيونية ما كانت لتتم لولا جهود (المستعربين)، فهم الذين توجت جهودهم باستصدار قرار رقم (3379) من قبل الجمعية العمومية للامم المتحدة الذي وصم الصهيونية بالعنصرية. حيث يعلق نتنياهو على هذه المسألة قائلاً (كذبة حقيرة ص 120ويأخذ نتنياهو على الساسة البريطانيين عندما ادعى بأنهم يرون ان تفضيل الصهيونية سيلحق الظلم بالعرب كلام سابق ص 86.اسرائيل قد وجدت الدعم الكامل من قبل امريكا كحليف طبيعي، حين ورث الامريكيون النفوذ الاستراتيجي للتاج البريطاني في العالم، والدور البريطاني قد حجم ولم يعد كالسابق وربما رأى الساسة الانجليز ان المواقف المعتدلة الآن هي الاجدى، هذا لم يعجب نتنياهو الذي يقدح في المواقف البريطانية على اعتبار ان بريطانيا لم تقدم لليهود شيئاً يذكر بعد مؤازرتهم لهم في قيام اسرائيل والدفاع عنها "اشتركت بريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م" وغيرها من المواقف المساندة. وهنا يبرز نتنياهو اليهودي حيث يتنكر لمن اسدى اليه معروفاً! فبعد اربعين سنة على قيام اسرائيل وزوال النفوذ البريطاني وجد احد الساسة اليهود الفرصة سانحة للنيل من بريطانيا، ومن جهة اخرى يعتبر نتنياهو ان الاردن جزء من فلسطين (شرق الوطن القومي اليهودي) فهو يحلم باسترداد هذا الجزء من جهة، ووقع معه معاهدة سلام من جهة اخرى ! تناقض عجيب بين ما يزعمه اليهود وما يحلمون به وبين ما عقدوه من اتفاقيات مع العرب.ويقرن نتنياهو بين كل هذا من ناحية، وبين ما يطالب به العالم اسرائيل من ناحية اخرى، فهو يصور العالم وكأنه واقف ضد اسرائيل، حتى تلك الدول المعروفة بانحيازها التام ومواقفها المعلنة مع اسرائيل. فهو يصور الحكومة الاسرائيلية بالعاقلة والمتزنة والتي لن تقبل الضيم لدولة اسرائيل ولا لشعب اسرائيل، لماذا العالم يصف اسرائيل بالمعتدية وهي التي تدافع عن نفسها كما هو حق مشروع لاي دولة في العالم؟كيف يقنع نتنياهو العالم بهذه الافكار والولايات المتحدة تدعم اسرائيل على كافة الاصعدة وتعتبرها الحليف الطبيعي لها في الشرق الاوسط؟كل هذه العوامل تكشف ادعاءات نتنياهو في هذا الفصل من كتابه تجاه الصهيونية المسيحية حيث يحتم زوالها ونهايتها، وانه ليس لها اي قيمة في الصراع العربي الاسرائيلي حالياً.

يتبع

*كاتب في جريدة الرياض وأحد أعضاء عربيات