لا تنسوا صيام عاشوراء


اليوم العاشر من شهر الله المحرم من أيام الله تعالى العظيمة التي يحسن أن نتذكرها ونذكِّر بها لقول الله تعالى: {وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ}[إبراهيم:5]، ويقال له يوم عاشوراء، ويقال لليوم الذي قبله تاسوعاء، وقد وردت أحاديث كثيرة تتعلق به وتذكر فضله نوردها ضمن النقاط التالية:

أولاً: فضل يوم عاشوراء:فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟
فقال:" مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ".
وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه، أن النبي قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".
وقد جاء في التعليق على الحديث في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل:
(وَقَدْ قُلْت لِشَيْخِنَا شِهَابِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ فَأَيُّ شَيْءٍ يُكَفِّرُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ لِي: ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ لِلْمَغْفِرَةِ لِعِبَادِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أَخْطَأَهُ سَبَبٌ لَا يُخْطِئُهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. انْتَهَى).

ثانياً: بيان أسباب فضل يوم عاشوراء:صرح عدد من الأحاديث النبوية بأسباب فضل عاشوراء حيث أمر النبي بصيامه ففي صحيح البخاري وغيره عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال:" قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"، وفي رواية:" فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ"، وفي رواية أخرى:" وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ"، وفي رواية للإمام أحمد:" وَهَذَا يَوْمُ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى".

ثالثاً: الأمر بوجوب صيام يوم عاشوراء قبل أن يفرض صيام رمضان فقد كان الأمر بصيامه على الوجوب والفرضية كما جاء في صحيح البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:" أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ".
وفي رواية لمسلم عن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ" أهـ.

رابعاً: استحباب صيام يوم عاشوراء :
ولما فرض الله تعالى صيام شهر رمضان المبارك نسخت فرضية صوم عاشوراء وبقيت على الاستحباب كما جاء في صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت:" كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ"، وزاد في بعض الروايات عن عاشوراء: "وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ ".

وإن في فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين صيام يوم عاشوراء على الاستحباب، ففي موطأ الإمام مالك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِهَذَا الْيَوْمِ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ"
وفي الباب"عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُومُوا"
وهذا الأمر على الاستحباب، وبعض الصحابة كان يفطر يوم عاشوراء لتأكيد نسخ فرضية صيامه كما جاء في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ:" دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ فَقَالَ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ".

وقد علق الحافظ ابن حجر في فتح الباري على الروايات المتعلقة بصيام عاشوراء فقال:" ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم: "لما فرض رمضان ترك عاشوراء" مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه"، وقد نص الفقهاء على بقاء الاستحباب كما جاء في رسالة أبي زيد القيرواني المالكي: "والتنفل بالصوم مرغب فيه، وكذلك صوم يوم عاشوراء".

خامساً: مراتب صوم عاشوراء :ذهب السادة المالكية إلى أن صيام عاشوراء على أربع مراتب:
الأولى: صيام الشهر كله.
الثانية: صيام العشر الأُوَل منه.
الثالثة: صيام التاسع والعاشر.
الرابعة: صيام العاشر فقط.
جاء في صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه :" لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ"، وفي رواية قال:" حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وذهب السادة الشافعية والحنفية إلى أن صومه على ثلاث مراتب وفق الترتيب التالي:
الأولى: صومه مع يوم قبله ويوم بعده.
الثانية: صومه مع يــــوم قبله أو بعـده.
الثالثة: صومه وحده، قال العلامة ابن حجر الهيتمي في الفتاوي الفقهية الكبرى: فمراتب صومه ثلاثة أدناها صومه وحده ثم مع التاسع ثم معه ومع الحادي عشر فهذا أكملها).

وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر".

والدليل على استحباب الثلاثة الأيام ما ورد من زيادة عن صيام عاشوراء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس:"وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا"، إلا أن الحنفية انفردوا في القول بكراهة صومه منفردا كما في الفتاوى الهندية وغيرها.

فهذه مذاهب أهل العلم وأدلتهم ولكل مذهب دليله فلا ينكر على من أخذ بواحد منها.

سادساً: أحكام متعلقة بيوم عاشوراء:
* استحباب صيامه حتى في السفر كما جاء في التاج والإكليل لمختصر خليل عن صيام الأيام المسنونة: (وتاسوعاء) قال ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّوَايَةُ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ وقال، ابْنُ شَاسٍ: وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ تَاسُوعَاءَ، وقال ابْنُ يُونُسَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُوَالِي صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ خَوْفًا أَنْ يَفُوتَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَكَانَ يَصُومُهُ فِي السَّفَرِ وَنَقَلَهُ فِي الشِّهَاب".

* من لم يبيت نية صيام يوم عاشوراء وأكل بعد الفجر ثم تذكر فله أن يصوم بقية يومه وصيامه صحيح، وكذا يتم صومه لو كان قد أكل في أول النهار كما جاء في التاج والإكليل لمختصر خليل: "وَقَدْ خُصَّ بِشَيْءٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ صَوْمَهُ حَتَّى أَصْبَحَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ أَوْ بَاقِيهِ إنْ أَكَلَ".

* استحباب التوسعة على العيال في يوم عاشوراء:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:" من أوسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته"، أورده المنذري في الترغيب والترهيب وقال: رواه البيهقي وغيره من طرق وعن جماعة من الصحابة، وقال البيهقي: هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة. والله أعلم"

وأورد صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل في الفقه المالكي في التوسعة على العيال في يوم عاشوراء، فقال:"وَجَاءَ التَّرْغِيبُ فِي النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ"، وَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يَتَحَرَّوْنَ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ.انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا النَّفَقَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَالتَّوْسِعَةُ فَمَخْلُوقَةٌ بِاتِّفَاقٍ وَأَنَّهُ يُخْلِفُ اللَّهُ بِالدِّرْهَمِ عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ" ثم أورد نظماً جميلاً في ذلك:

صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَتَى فَضْلُهُ*** فِي سُنَّةٍ مُحْكَمَةٍ قَاضِيَهْ
قــَالَ النَّبِيُّ الْمُصْـطَفَى إنَّهُ*** تَكْفِيرُ ذَنْبِ الســـَّنَةِ الْمَاضِيَهْ
وَمَنْ يُوَسِّـعْ يَوْمَهُ لَمْ يَزَلْ*** فِي عَامِهِ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَـــهْ