كتب مصطفى بونيف

مسابقة ملكة الجمال !

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


كنت أجلس أمام التلفزيون أتنقل من محطة إلى أخرى حتى استقر نظري على إحدى المحطات التي كانت تذيع مسابقة ملكة جمال العالم ، اعتدلت على الأريكة وأنا أمني نفسي بمشاهدة أجمل ما خلق الله ، لاحظت زوجتنا حماسي الشديد لمتابعة الحدث الذي هو أهم عندي من مباراة كرة القدم لفرقتنا الوطنية ..
أعلنت المذيعة انطلاق المسابقة ..قلت في نفسي ( والله إن المذيعة تستحق لقب ملكة الجمال حقا ، إذا كانت المذيعة حسناء بهذا الشكل فكيف سيكون الحال مع المتسابقات ؟ )
وتحت أنغام الموسيقى دخلت الفتيات المسرح ...أربعون حسناء ..تتقدمهن فتاة بولونية شقراء فارعة الطول ، شعرها الأشقر يلهث خلفها كسنابل تركت بغير حصاد ..اسمها شاشتولينا ، أخذ لها المصور لقطة من أصابع قدميها إلى الساق الطويلة المكشوفة ، ثم الخصر ..إلى الشفتين والأنف القرنفلي الصغير إلى العينين الزرقاوين ..ابتسمت شاشتولينا للكاميرا ولوحت بيدها لتحيي الجماهير ، فابتسمت أنا الآخر ..وكأنها كانت تبتسم لي !.
أطلقت زوجتنا تعليقا سخيفا مفاده أن شاشتولينا نحيفة جدا وأشبه بالكلب السلوقي ، والكلب السلوقي لمن لا يعرفه هو ذلك الذي يستخدم في الصيد !.
ثم تقدمت المتسابقة الفرنسية ، فتاة طويلة خضراء العينين ، بنية الشعر ، بيضاء كالثلج ..فمها مرسوم كالعنقود ضحكتها أنغام وورود ، اسمها برجيت ..وتعمد المصور الشقي التركيز على مناطق محددة من جسمها مما جعلني أشرب كل زجاجة الماء التي كانت أمامي ..تأففت زوجتنا ثم أطلقت صاروخا آخر قائلة ( هذا النوع من النساء يزول جماله بعد سن الخامس والعشرين ، وبشرتها تتكرمش كالقماش المحترق )..لم أول اهتماما بما تقوله هذه السيدة !...
ثم تقدمت المتسابقة الروسية ..صاروخ روسي مزود برأس نووي ، راحت الفتاة الروسية تمشي على المسرح وأنا أحوقل وأهلل ، فتاة خرافية الحسن اسمها ناتاشا ..ابتسمت في لطف للكاميرا ثم وقفت في الطابور إلى جانب شاشتولينا وبرجيت ..وقلبي ..
أطلقت زوجتنا تعليقا آخر ومفاده ( يع !) .
وتوالت الفتيات الحسان على الشاشة ، وكأنها ماسورة نسوان ضربت ..حتى تقدمت البرازيلية راكيل ...كان كل شيئ بارزا في راكيل وينم على أنوثة صارخة ، تذكرت حينها صديقي جعفر الذي أصيب بالجنون ليلة دخلته ، وخرج إلى الشارع يقول ( زوجوني ابنة عمي ، ولما دخلت عليها وجدت أنها ابن عمي ) .
صالت راكيل وجالت في المسرح . بينما كانت زوجتنا تتأفف وتقول ( إف إف ..يا قليلة الأدب ..كل هذا سيليكون ، يفترض أن يعاقبوا المترشحات لمسابقة ملكات الجمال إذا اكتشفوا أنهن دخلن المسابقة بعد إجرائهن لعمليات التجميل والنفخ ، مثلما يعاقبون الرياضيين الذين يتعاطون المنشطات في الأولمبياد ) .
حتى دخلت المتسابقة الكينية..فتاة سوداء كقطعة الفحم ، ونحيفة جدا أكبر ما فيها فمها ..وشعرها أشبه بسلك المواعين ...
انبسطت أسارير زوجتنا التي هتفت ( هذا هو الجمال الحقيقي ، بلا مكياج ولا عمليات تجميل ولا تصنع ) ..ثم راحت تمتدح جمال هذه الفتاة الكينية التي كان اسمها سالي ..بينما رحت أتأفف وأقول ( كيف يسمحون بدخول مثل هاته إلى المسابقة ...؟) .
تابعت المسابقة على أعصابي منتظرا تتويج شاشتولينا أو برجيت أو راكيل ،بينما كانت زوجتنا واثقة في فوز سالي التي قالت بأن دمها خفيف ومثل العسل ...
كانت لجنة التحكيم تتكون من كبار الأدباء والشعراء والفنانين وملكات الجمال السابقات ..
تداولت اللجنة ...أعلنوا الوصيفة الأولى ..شاشتولينا البولونية .
صعقت ..هل يعقل أن تكون شاشتولينا وصيفة ؟ ..ولكن الحق يقال برجيت أكثر منها هدوءا وجمالا ..وغنجا ودلالا !.
ثم أعلنوا الوصيفة الثانية ..برجيبت الفرنسية .
أصابني الذهول : هذه المزة وصيفة ؟ يبدو أن أعضاء لجنة التحكيم عمي .
كانت شاشتولينا تبكي بحرقة لضياع اللقب منها ، وكنت أبكي معها في داخلي ...
ثم قلت وأنا أفكر ( إن إمكانيات راكيل تؤهلها أن تكون ملكة للجمال بقوامها المتناسق وصدرها الذي يبدو وكأنها أرضعت "أبو الهول" ..).
وتحت قرع الطبول والقلوب ، أعلنوا اسم ملكة الجمال ... سالي !.
قفزت زوجتنا من السرير فرحا وطربا ..بينما رحت أندد بقرارات لجنة التحكيم ..وأشكك في مصداقيتها ، وبأن اللوبي اليهودي الكيني قد أعطاهم رشوة ..ورحت أهدد برفع عريضة احتجاج إلى هيئة الأمم ، واليونسكو ، والفيفا ...لا بد من أخد ملف إلى الفيفا لأن الذي حدث ليس رياضيا بالمرة ..وغير مقبول ، بل هو شكل من أشكال الإرهاب ...
ولم أشعر بنفسي حين رحت أهتف بعلو الصوت ( تحيا شاشتولينا ..).
لم يخرص صوتي سوى الفازة التي أرسلتها زوجتنا على رأسي .

مصطفى بونيف