مميزات دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم



إن عرض القرآن الكريم لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي أفضل ما يمكن أن يتناوله الدارسون لأن السيرة النبوية هي التفسير العملي للقرآن الكريم، والتطبيق الواقعي والمثالي للإسلام فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن مفسراً والإسلام مجسماً، وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن.
والذي يدرس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد فيها ما يعينه على فهم القرآن الكريم وتذوق روحه ومقاصده، إذ أن كثيراً من آيات القرآن تفسرها وتوضحها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وموقفه من تلك الأحداث (1).

مميزات دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم:

1 ـ أن ما جاء في القرآن الكريم هو القول الفصل الذي لا ريب فيه، وهو المرجع والأساس لصحة الأخبار عند وجودها مضطربة في كتب السيرة أو التاريخ.

2 ـ أن القرآن الكريم ينفرد في المواطن التي تعرَّض فيها لذكر أحداث السيرة بتقييم الأحداث والحكم عليها، فمثلاً حينما يورد حادثة الإفك في سورة النور؛ يقرر منذ البداية أن ما قيل وما يقال حول هذا الموضوع إنما هو افتراء وإفك مبين، وبذلك يمتاز البيان القرآني إلى جانب الوصف والتسجيل بالتقييم والحكم.

3 ـ إننا حينما نقرأ سيرة الرسول في كتب التاريخ أو كتب السيرة نجد أنها في مجملها تسجيل للأحداث وتتبع لمراحل الدعوة مرتبط بزمانه ومكانه وأشخاصه، ولكن عندما يروى في القرآن الكريم؛ فإنه يتحول إلى درس كبير يتجاوز الحدث فيصبح قضية عامة ومبدأ يعامل به كل المسلمين في كل زمان ومكان متى تشابهت ظروفهم وظروف هذا الحدث الخاص.

4 ـ ثم إن القرآن الكريم حينما يعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يمتاز بالبيان المعجز التي تكتسب فيه الكلمات حيوية دفاقة، وتحيطها بالإيحاءات والظلال، وتجعل القارئ كأنما يعيش الحدث أو يشارك فيه.

وها هو القرآن الكريم يسجل صورة الهجرة أروع تسجيل فيقول الله سبحانه وتعالى: ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )(2).

لقد عالجت كتب السيرة أحداث الهجرة من خارجها، لكن بيان القرآن يعطي للأحداث مذاقاً آخر، فيه استخلاص حكمة الحدث كله والدلالة على موطن الاعتبار فيه، وبيان أن هذا النبي الداعي إلى الحق منصور بإذن الله وتأييده سواء استجاب له الناس أو قاوموه، ولذا يأتي مطلع الآية التي تتحدث عن ليلة الهجرة ليؤكد هذا المعنى فيقول: ( إلا تنصروه فقد نصره الله) ومعنى هذا أن على المؤمنين ألا يتقاعسوا عن نصرته وطاعة أمره في المكره قبل المنشط (3).

هذا بعض ما يستنتج من دراسة السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 ـ العرض القرآني لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور عمر يوسف حمزة، دار أسامة ـ الأردن ـ الطبعة الأولى 1996 م :7.
2 ـ سورة التوبة: 40.
3 ـ السيرة النبوية في القرآن الكريم، عبد الصبور مرزوق: 129