ابنة القضيه
----------
لم أشعر فى يوم من الايام اننى احببت فتاة مثل ما احببت سلافة , عيناها الخضراوان تذكراني بالبساتين الخضراء بلد الميلاد والطفولة , وبشرتها البرتقالية تشدني الى بيارات البرتقال فى فلسطين , وعندما كنت اتحدث اليها اشعر اننى امام جزء من حقيقتي الضائعة التى ابحث عنها 000 بل عندما استمع اليها وهى تنطق كلماتها بالصراحة والعفوية المميزة , اعيش حقيقتى كاملة 000 فى عينيها احاديث عن الالم الفلسطيني 00 وفى رأسها خواطر عن الأمل الفلسطيني 000 وفى صراحتها وعفويتها اجد العمق الفلسطينى 000 ولم يكن غريبا ان تكون هى الحقيقة فى حياتى لذلك احببتها كما لم احب فى حياتي , واكتشفت اننى فى كل علاقاتى السابقة كنت اعيش الوهم بعينه 00
لن تصدقوني وانا احكي قصتى معها ولكنها الحقيقة عندما يكون الانسان والقضية شيئا واحدا000 ولا تستغربوا ذلك فى حديثي عن سلافة , وهى ابنة القضية , فقد قابلتها لاول مرة وهى تعيش حالة من حالات القنوط والالم , تفكر كثيرا وتتكلم قليلا 000 وعندما تتكلم تخرج كلماتها قوية ونبراتها متعالية عظيمة 000 الثقه بالنفس تميزها , لا تعير اهتمامها لامر من الامور الا اذا شعرت ان الامر ينقص من قدرها ويهز كبريائها 000
رغم الالم الذي تعيشه , لم تكن تسمح لنفسها بأن تتنازل بوصة واحدة عن كبريائها وعزة نفسها .. ومع انها لم تكن قد تجاوزت التاسعة عشرة من عمرها , لم اكن اشعر يوما من الايام اننى امام فتاة مراهقة , فى هذا السن التى تنشغل خلالها فتيات العصر بزينتهن , كانت هى تهتم بعملها ولم تعر اهتمامها لشكلها 000 ربما يعود ذلك لثقتها بجمالها , وربما يعود الى احساس اخر قد يكون مرده الى انها تريد ان تكون شيئا ذا قيمه وذا فعالية بين اهلها وبين ذويها .. فأكثر ما كنت المسه فيها تلك الايام هو محاولتها الدائبة لكسب احترام الجميع وثقتهم بها 000 كنت اذهب اليها كثيرا احادثها والاطفها كنت احترم رغبتها واقدسها , وفى نفس الوقت لا اطيق ان ابتعد عنها , بى رغبة داخلية فى ان الازمها , وأخاف ان اصرح لها بما يكنه لها قلبي , خوفا على نفسي من حساسيتها , فأنا احبها ذلك الحب الذي يقدس فيه الانسان الاشياء قد يكون حبا اقرب الى حب الوطن منه الى الحب العاطفي 000 ولذلك كان فيه نوع من الحماية فرضتها بنفسي على سلافة , لم تطلب منى ان احميها الا مرة واحدة قالت لي فيها ان احدهم اوقف سيارته لها ليوصلها ولم اجد فى الامر أى عيب كما كنت اعتقد , لأننى كنت اثق فيها ولكننى عندما وجدت ان هذا الامر تكرر , طالبتها بصد ذلك الشاب صاحب السيارة 000 فأطاعتني ولم تعد تسمح له بإيصالها .
ومضى عام كامل على هذه العلاقة بينى وبينها , افرض نوعا من الحماية واحتفظ بالحب فى قلبي 000 ولم تعد تحتمل مني هذه المماطلة , انها تريد منى حماية مشروعة , وحبا علنيا .. وهذا يعنى اشياء كثيرة .. فالحماية المشروعة تعنى بالنسبة لى بيتا لا مثيل له , وعرسا عظيما يتحدث عنه العاالم ولم اكن اتصور ان حبى الكبير لسلافة سينتهي الامر به الى مسكن بسيط .. كنت احتقر نفسي وانا افكر بأن مصير علاقتى بسلافة ستكون فى مسكن بسيط , بل اكثر من ذلك هو احساسي نفسه تجاه سلافة , هل يليق بجمال مثل جمالها , العيون الخضراء والبشرة البرتقالية والقد المياس , هل يليق ان ينتهي الامر بها فى حياة بسيطة اعيش فيها معها ! اذا هذا هو عطائي , ولم اكن مستعدا ان اقبل على نفسي بأن يكون عطائي بهذا الحجم , لهذا الحب , وحاولت ان اتفاهم معها على ان تصبر وتنتظر , وأنه سيأتى يوم استطيع فيه ان احقق لها الحياة التى تريدها , او التى اريدها لها .. اما الحب فأعلنته , اعلنته امام الجميع , وأرضيت غرورها , وكنت اقبل لنفسي أي موقف صعب وغير صعب لكي اعلن عن هذا الحب , وأعجبتها فى البداية جرأتي وطريقتي فى الاعلان عن حبي لها .. ولكنها تساءلت : الى متى ؟ والى اين ..؟ لقد فاجأتنى بهذين السؤالين ولم ادر بماذا اجيبها هل أقول لها اننى اعيش ايامي لحبها , وأننى خائف على هذا الحب فقد اصبحت تهتم باناقتها وزينتها , ازداد وزنها قليلا , فازدادت حلاوة على حلاوتها , واخبرتني ان الكثيرين يطلبون ودها , ولكن ماذا أفعل ..؟ لا يمكن ان ارضى لها بالحياة البسيطة .. لماذا لا تنتظرين ؟.. لماذا لا تصبرين ..؟ لماذا تتركينى اقرر امراً لا أريده لك ؟
خاطبتها بهذا المعنى , ولكنها عادت الى حزنها اعتقدت اننى اهملتها بأننى اتلاعب فى حبى لها , عيونها بدأت تعود للذبول .. لم اكن احتمل ان ارى عيونها الذابلة .. لم اكن اطيق ان يحكم علينا الزمن بهذا الحكم الجائر .. ولكن ماذا نفعل ونحن والزمن نتصارع ؟ وأصبحت امام امرين , اما ان اتركها لغيري من الذين يلاحقونها أو أسعى لكي أحقق لها أفضل عرس وأفضل حياة ..
وكنت مندفعا ولكني بالفعل كنت على حق , توجهت إلى مدير الشركة التي أعمل بها أصرخ في وجهه أن يتذكرني وقد نسيني أكثر من عامين دون ترقية ودون أي زيادة ولم أكن أعلم أنني أصارع وقبضتي لا تضرب إلا في الهواء وبينما أرفع قبضتي أضرب الهواء , كان المدير يضرب بكاتا يديه على مكتبه ليقرر فصلي من العمل . ما هذا الزمن القاسي إنه يريد أن يحكم علي بأن أبتعد بعيدا عن سلافه إن فصلي من العمل لم يكن يشغل بالي إلا كونه سيجعلني أعيش بعيدا عن سلافة أن أعيش بعيدا عن سلافة معناه أن أفقد الحقيقة في حياتي الحقيقية التي بحثت عنها في كل العيون ولم أجدها إلا في عيونها الخضر التي تحدثني دائما عن بساتين البرتقال في وطني .. لقد تحملت مرة أن أعيش نصف حياة بعيدا عن بساتين البرتقال في موطني . ولكنني لن أتحمل أن أعيش بعيدا عن تلك العيون الخضر التي نقلت لي بساتين الوطن في الغربة .
اضطررت للتراجع عن موقفي واعتذرت للمدير فقد كنت مخطئا ولكني كنت على حق قد أكون عجزت عن إيجاد الوسيلة المثلى للمطالبة بحقي ولذلك وجدت نفسي أقبل أن أتراجع في موقفي وأعتذر للمدير , على أن يقرر فصلي عن العمل إبعادا آخر عن وطن العيون الخضر وحقيقة احتقرت نفسي ووصلت إلى حالة يأس شديد , ولكني بالأمل وحده حاولت أن أجعل من هذا الموقف دفعة جديدة لي في حياتي , وقد تساعدني هذه الدفعة في إصلاح كل ما كسر مني , على الأقل فإن هذا التراجع سيضمن لي أن أكون قريبا من سلافة , وأن أكون بجوارها إذا احتاجت لي , ولكنها بكبريائها لم تتعود أن تقبل إنسانا ضعيفا , ورفضتني , حاولت أن أفهمها الموقف والظروف ولكنها لم تفهم , او لم تحاول ان تفهم , حاولت ان افهمها اننى املك بيارة فى الوطن فردت على قائلة : اريدك انت لا اريد البيارة .. وفهمت ماذا تقصد .. البيارة فى الوطن ,وانا بعيد عن الوطن .. وعرفت ان الحديث عن الوطن بعيدا عن الوطن نقطة ضعف اخرى 000
انها تعيش نفس المشكلة , وتعيش نفس القضية , ولذلك فإنها تختارني قبل أن تختار البيارة .. فما هى اهمية البيارة , اذا كنت شخصيا غير قادر على إعادة البيارة .
هروب اخر000 الهروب مشكلة نعيشها 000ونحن معشر الشباب , ولكن ماذا نملك غير الهروب من الام الحياة ! وجدت نفسي اقول لها : لقد تغيرت سأحاول ان أصحح كل مواقفي , سأسعى لأكون الافضل دائما من أجلك .. وردت على : يجب أن تسعى لتكون الافضل دائما , بدون ان يكون هناك دافع معين حتى لو كنت انا .. واجبتها : ولكنك القضية .. انت الحياة .. سيكون لك فضل كبير فى التغيير الذي أعيشه ..
وسافرت , سافرت بعيدا , بعد ان اخبرتني انها ستنتظرني لأحقق الأمل , وانا لا ازال احاول .