كيف نفهم القاعدة الاقتصادية؟


القاعدة في المثلث كالقاعدة في البناء كالقاعدة التي تثبت عليها المكائن الثقيلة كالقاعدة في الاقتصاد كالقاعدة في التنظيم النقابي أو السياسي. تعطيه تعريفه العام بصلاته فيما استند عليه.

كلما كانت الاحتياطات والاعتبارات الهندسية أو الفكرية، تراعي دوام ثبات القاعدة، كلما كان البناء الذي يُبنى فوق القاعدة آمناً وسالما ويمنح من يقيم فيه الطمأنينة والسكينة.

يراعى في تأسيس قواعد الأبنية اعتبارات كثيرة، منها فحص التربة ومدى تحملها للأثقال التي ستوضع فوقها، ويراعى حجم البناء ووقوع موقع البناء الجغرافي والزلزالي الخ، كما يراعى رغبات مالك البناء بالطراز المعماري الذي يرغب به ونواياه المستقبلية في أي إضافات جديدة على البناء.

أما في القواعد التي تحمل المكائن الثقيلة ذات (الشغل العالي)، فإن حساب المتغيرات الآتية من الشغل وطبيعته تستلزم وضع كتل كونكريتية مُسلحة هائلة الحجم وشديدة التوازن أو التسوية، فإن كانت القاعدة ستحمل ماكنة لضخ المياه بجانب نهر فإن مقدار ميلانها لا يقبل خطأ بقدر واحد من مائة ألف.

عندما تنهال التقارير الاقتصادية على مسامع ومرأى المشاهدين في أجهزة الإعلام، تكشف حجم القروض الشخصية التي تنتشر في البلدان العربية، والتي تصل قرابة نصف تريليون دولار، وعندما نرى أن حجم أضرار الصناديق المالية العربية نتيجة الأزمة المالية العالمية والتي سبقتها أزمات أسواق البورصات قد وصلت أربعة أضعاف القروض الشخصية المتعثرة أي قرابة 2 تريليون دولار. عند كل ذلك لا بد لنا من محاولة فهم ما تعنيه القاعدة الاقتصادية.

كيف يستحق العمل الاقتصادي صفة القاعدة؟

هل الوظيفة أو العمل بأجر يسمى قاعدة اقتصادية على المستوى الفردي؟
الموظف أو العامل الأجير أو سائق التاكسي أو غيرهم من الأعمال الفردية يشكلون النسبة الأعظم على مستوى اقتصاديات العالم. وكل واحد من هؤلاء يسهم في إيواء وإطعام وتعليم وعلاج مجموعة من البشر. وكلما كانت أجور هؤلاء كافية، كلما استطاعوا إنجاز المهام المطلوبة منهم تجاه أسرهم.

ولكن، قد يتوفى الفرد أو يُطرد من عمله، أو يضطر لعمل لا يتناسب أجره مع المهام الموكلة لذلك الفرد. وعند ذلك ستنقطع فاعليته في أداء مهامه، فيلجأ الى قرض شخصي، إن تمكن من الحصول عليه، فإنه سيقوم بإنجاز المهام التي عجز عنها قبل أخذ القرض، ولكن ستبقى قدراته على تصريف حياته مهزوزة وغير ثابتة، فهو إن لم يكن قد استطاع القيام بمهامه قبل القرض، فكيف سيقوم بتصريفها مع سداد أقساط القرض؟

لا يمكن تسمية هذا الصنف من النشاطات بالقاعدة الاقتصادية، كما لا يمكن تسمية المحامين والأطباء والمهندسين والمعلمين بالقاعدة الاقتصادية. إذ أنه بوفاة الطبيب أو المحامي فأي قاعدة اقتصادية سيرثها الوارثون؟ فالرخصة المهنية ورخصة مزاولة المهنة تُمنح للأحياء من النقابيين.

وصف الشركات الخاصة والمختلطة والعامة كقواعد اقتصادية

الشركة التي تقوم بصنف معين من الأعمال، صناعية أو زراعية أو قطاع النقل أو في مجال الخدمات العامة، بتصنيفاتها الثلاث (خاصة، عامة، مختلطة)، تستحق صفة (القاعدة الاقتصادية)، كونها لا تتأثر بتغير حالة مالكها، فهي تصنع وتزرع وتتاجر وتقدم خدماتها، طالما أن إداراتها (المتغيرة أو الثابتة) تقوم بعملها، وطالما أن كوادرها العملية ومستلزمات تشغيلها من أبنية ومكائن ومصدر تمويل قائمة.

العلاقات الانتاجية وأثرها على ثبات القواعد الاقتصادية

الأفراد العاملين والمنتجين والشركات بأنواعها، هي وحدات تتفاوت بحجم الأموال الموظفة فيها وحجم السلع أو الخدمات التي تنتجها، لكنها تتحد في انتمائها الوطني والاهتزاز الذي يربك الفرد أو الشركة، سيصل أذاه للاقتصاد الوطني وبالتالي للدولة.

لكن ما هي الكيفية التي تعبر عنها الدولة في تمثيلها لهذه الوحدات المتباعدة والمتفاوتة في حجومها؟

إن المادة الرابطة لتلك الوحدات، تسمى علاقات الإنتاج، وفهمها العام والمتخصص يقود الى صياغة لوائح القوانين والتعليمات التي تضمن حركة الوحدات الانتاجية مهما صغر حجمها أو كبر، وحتى العاملين بالأجور دون أن تصطدم تلك الوحدات ببعضها، ودون أن يُهضم حق الوحدة الإنتاجية (فرداً، أو فئة، أو هيئة).

وتلك القوانين واللوائح ليست مطلوبة من الدولة وحدها، بل مطلوبة من الهيئات الاقتصادية والأهلية والممثليات الفكرية والسياسية والنقابية التي تستطيع الحديث عن كل صنف متخصص من أصناف المجتمع باستفاضة وفهم كاملين، ليكون المُشرع مرافقاُ لشريك عضوي محلي ساعده في رسم الوعي العام لمستقبل تلك الفئة المنتجة وأفرادها، وهذا يستدعي رسم الأطر التي ينضوي داخلها أفراد ومؤسسات المجتمع، وبالتالي التفكير الجاد بمؤسسات المجتمع المدني، ليس من باب البطر والتقليد الأعمى لغيرنا، بل من باب الوظيفة والضرورة التاريخية.