سطوة الجَوَى .
ــــــــــــــــــــــ
سمعت أوشال مياه متحدِّرة ، كأنها تُطَنْطِن على نغم الطبيعة لحن الصدق ، وتُثنِّي بلحن البراءة ، وتُثلِّث بلحن الجمال ،،، أما الرابع والخامس فلحن الشوق والتوق .
فقال الذئب : لعلها ألحان الشَّعْر الحالك المتدلي على مناكب البدن ،،، ولعلها ترنيمة المشتاق .
قلت : ماذا تريد يا ذئب ؟
قال : لا شيء ،،، غير أن الوفادة عليها تُشعر الوافد برجولة عارمة .
هل قلت أنها ضحكت يا حسين ؟
قلت : لا ،،، لم أقل .
قال : فمن إذن ؟
قلت : أنغام الليل أدلت وطَنّتْ ضاحكة كأنها شقشقة العُصفور وعندلة العنادل ،،، فضحكتْ حتى تراجع الخد وانحسر ، وحتى تمادّ الفم ، فانشقّت شفاهها والْتَمَعَتْ أضراسها بأَلَقِ الظَّلْم ، فأجّتْ من خلال الثغر بنور كأنه الشمس ، وقَتَلَتْ من يرى قتلا لم يحترفه الجَلاّد بعد .
قال : أتلك التي جاءت بالفتك اعتسافا ؟ .
قلت : تلك التي تمرّدت على القبح فصارت حسناء ،،، وتلك التي ذهبتْ إلى مدى بعيد من البهاء ، وخلّفتْ وراءها آثارا نستلذ بها .
ولقد ساقت على سبيل الرقة نفسها ، ومن عجب صارت ألطافا ومن وراءها ألطاف .
ثم عقّبتْ بعبقِ الأنوثة ،،، حتى رابني ريب مريب .
قال الذئب : وما رابكَ يا ابن أمّك ؟
قلت : رابني ،،،،،، ثم سَهِمْتُ وقلت لا شأن لك .
قال : آهَهْ ،،، لقد عسر عليك .
قلت : ليس العسر بحد ذاته ، غير أني يتيم الأب ، فأخشى أن تستضعفني فتذبحني ذبحا لا رحمة فيه .
قال بتعجب : هاه !!! تذبحك ؟؟؟ .
قلت : إنه لا يعسُر عليها عسير ،،، وكل من رأى وطفها ذبيح ،،، .
قال : آهٍ منك ،،، ذبح الوطف ،،، حسبته الذبح بشفرة السكين ، فتحُزّ اللحم ، فتفري الأوداج ، فيتفصّد قطرات وقطرات ، ثم يسيل كالبُعاق .
قلت : أوَتقولها يا ذئب !!! والله لجفنها أنذر من هَيْقَعَة الحُسام ،،، ولفمها أفتك من البَرَّاض .
قال : قلتَ أنها عقّبَتْ بعبق الأنوثة ،،، فما ذاك ؟
قلت : والله إن اغتسلت فرائحتها أنثى ،،، وإن تَطَيَّبتْ فرائحتها أنثى ، ولا تنال من أريجه شيئا كأنه الماء لا زاد فيها ولا أنقص ،،، بل نالت الطُيوب شرف انغماسها في لحمها .
قال : يال العجب ، يال العجب .
قلت : والعجب العجاب يا ذئب ، أنها إذا بَقِيَتْ بِعَرَقِها ، فرائحتها أنثى !!! .
قال : ما درجات الحب ومراتبه يا حسين ؟
قلت : أول درجاته الهوى ،،، ثم العَلاَقة لا العُلاقة ، لأنها تنغرس في القلب .
ثم الكَلَف وهو ما اشتد من الحب ،،، ثم العشق وهو جزء من الحب أو المرتبة الرابعة منه .
ثم الشَّعَف وهو تحريق القلب مع لذة يجدها ،،، ثم اللّوع ،،، ثم اللاّعج وهما أعلى من الشعف وهما ما يقال عنهما حرقة الحب .
ثم الشّغف وهو بلوغ شِغاف القلب ،،، ثم الجَوَى وهو الحب الباطن الصامت ،،، ثم التَّيْم وهو الاستعباد بالحب ،،، ثم التّبْل وهو سُقام الحب ومنه متبول .
ثم التّدْلِِيَه وهو ذهاب الرشد والعقل ومنه رجل مُدَلّه ،،، ثم الهُيُوم أي هام على وجهه في القفار وهو الحب القاتل .
قال : وأين أنت من هذه المراتب ؟
قلت : هات أذنك لأسرّ لك .
قال : لا ،،، لا يا صديقي ليس بأذني ،،، أخشى أن تراك أم الجِراء فتحسب أنك تداعبني فتغار ، ثم ولات حين مناص .
قلت : ولم كل هذا ؟
قال : لا أدري والله ، غير أن هذا دأبهن ، ولا أحسب مبيتي إلا عندك الليلة إن رأتك تفعل .
قلت : أوَتغار زوجتك ؟
قال : نعم تغار ،،، وتنقم انتقام اليهود .
ضحكت وقلت : وكيف ؟
قال : عدت ذات ليلة مرهقا بعد مهمة صيد ، فأنكَرَتْ عليّ عزوفي عن الملاطفة والمداعبة وقتها ، حيث اعتادت من قبل ذلك مني .
فقالت وهي تمط فمها وتنظر بطرف عينها : أين عازب ودّك وشغفك يا ،،، يا ذئب ،،، أكُلّ هذا زُهد ؟؟؟ .
قلت : لا يا عزيزتي ،،، ليس زهدا ، غير أني تعب .
وفي الصباح ندمت على ما بدر مني ،،، فأحببتُ مغازلتها وملاطفتها .
فقالت : ألا تراني أُرْضِع الجرو !!! .
قلت : بلى يا حبيبتي ،،، غير أني تُقتُ أليكِ .
قالت : هِهْ ،،، إذهب الآن وانظر شأنك في الصيد !!! .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أرأيت يا حسين ؟؟؟
وتقول لي هات أذنك لأسرّ لك !!! ، أتساءل ،،، لم هنّ هكذا ؟ .
قلت : لا أدري ،،، ويبدو أن صاحبتك إن أرادت أن تلدغك ، لا تلدغك إلا لدغة لا جِداء للرقية معها .
قال : هل أنتم معشر البشر كذلك ؟
قلت : أتسألني أنا !!! أنا صبي أدرج على عتبات الحسان ، يصْعَدن بي نَجْدا ويهبطن بي وَهْدا ،،، وَيتْهِمْن بي طورا ويسْهِلن بي سهلا .
ولكن ،،، سأسأل ابن الغزير ، فعلى ما عهدته علاّمة في النساء ، بحّاثة في أسرارهن .
قال : ذاك الذي يمشي تبخترا كأنه ثاني عطفه المَيّاد ؟ .
قلت : وتلك مشيته لا يصطنعها ، كالمشية العُمرية لا يصطنعها عمر بن عبد العزيز .
قال : أتحبه يا حسين ؟
قلت : جاء سؤالك متأخرا يا ذئب ،،، والأجدى أن تقول ،، ما مدى حبك له ؟
قال : إذن أجب ؟
قلت : لا يحدّه حد ،،، ولا يحويه جوف .
قال : مذ متى أحببته ؟
قلت : منذ أن هاجمني للوهلة الأولى ،،، فمن هجومه ذاك عرفت من هو ابن الغزير ، فانسكب حبه في القلب سكبا ، وتربّع كالملك يتربع على عرشه في مملكة الحس والشعور بإدارة فؤاد خلص من النفاق وتبرّأ منه .
قال : هل رأيته يا حسين ؟
قلت : لا .
قال : كيف إذا رأيته ؟
قلت : سأقبّله .
قال بتعجب : تقبله !!!! ؟
قلت : أتحسبه مثلك يخاف من امرأته ؟ .
عوى ضاحكا ثم قال : ليس خوفا ،،، وإنما هي تغار .
قلت : حقيقة الصدق هي انعدام الكذب ،،، وحقيقة الكذب هي انعدام الصدق ،،، وحقيقة الغيرة هي إثبات الحب ، وهي شهوة التملّك ،،، ومن كان مثلي يا ذئب يحق لعاشقته أن تغار .
قال : وأنت ؟؟؟
قلت : أنا ،،، ماذا ؟
قال : هل فاجأتك وشقّت صدرك الغيرة ؟
قلت : أصدقك القول ،،، مرة واحدة فقط .
قال : وعلام كانت ؟؟؟
قلت : لا شأن لك .
قال : أنصرف والله ،،، وأدعك كالذبيح تتقلّب على جمر الغضى .
قلت : أنظر ،،، إن أم الجراء ترقبك خلف تلك الأكَمَة .
نظر إليها وقال : أتأذن لي يا صديقي ؟
قلت : في رعاية الله وحفظه .
ــــ انتهى ـــــــ
حسين الطلاع
15/11/2009 م .
المملكة العربية السعودية _ الجبيل