أبدع الوصف فنطق .
ــــــــــــــــــــــــــــ
جلستُ أنا وذئبي الأمين على صحصح النفود ، بليلٍ شُكَّ بالنجم والكوكب كما شُكّ شعر الحسناء باللؤلؤ ،،، وقمر استوى في السماء بدرا ، وخلص ضياء .
فنظرت إلى الذئب وقلت له : أريد أن أدعو بجنيّة حسناء يقال لها عُنَيْس !!! .
ضحك وقال : ما أظن الجنية قادمة ، حتى وإن مكثت تدعوها أمدا طويلا ! .
قلت : ولم يا ذئب ؟
قال : لأن الجِنّة تخشى الذئاب ! .
قلت : وإذن ؟
قال : إذن أرحل ،،، ثم بعد ذهابها أعود .
فهمّ بالرحيل ،،، ولكنه توقف ونظر إلي وقال : ألا ترى شيئا يا حسين ؟
قلت : مَهْ ؟
قال : إن حسناء الجنّ ترقبنا !!! وإني أراها خلف الصخرة هناك مختبئة تمد بعنقها لتنظر أرحلتُ أم لا .
قلت : وكيف رأيتها يا داهية الذئاب ؟؟؟ .
قال : ويحك ،،، أنسيت أنني أرى مُخّ الحَمَل وهو في ساقه !!! فكيف بجنية ظنّت أنها تَخَفَّرتْ ؟؟؟ .
قلت : إذن هي جاءت من غير داع ،،، فعجِّل برحيلك يا ذئب ، ولا تغب طويلا .
قال : لن أرحل ،،، وإنما سأختبئ كما تفعل هي ، فإذا رحلت هي أتيتك ثانية .
قلت : إذن فافعل ،،،،،، ثم ذهب كأنه لن يعود .
وما كاد يغيب حتى انتصبت الجنية واقفة خلف الصخرة ، وتنفض ثوبها الأنيق مما علق به ، وصارت تخطو نحوي وهي ترفع ثوبها إلى نصف الساق إتقاء العثرة واتقاء الوقوع .
ثم سلّمّت وجلست ،،، وإذا بها ،،، بارعة الجمال ، حيث قالت للجمال صِرْ هناك وأنا وحدي هنا ،،، وكأنها قالت للبياض بؤ بديجورك فأنا البيضاء .
فقلت لها : لعلّكِ عُنَيْسا ؟ .
قالت : بلى .
قلت : ومن أي الجن أنتِ ؟ .
قالت : من جَنّة مُوَيْسِن !!! ، أو إن أحببت من حضارة ( بازو ) الممتدة من مويسن إلى الرجاجيل ،،، إحدى معاقل الجوف في عهود ملكات أدومو بالتاريخ الإغريقي ، أو أدوماتو بالتاريخ الحديث ، أو دَوْمَهْ بتاريخ يهود ، أو دومة الجندل الآن .
قلت : ولكن جنة مويسن من الأساطير يا عنيس ، ومن قصص شعوب الجوف .
قالت : يا حسين ،،، ( حَدِّث عن البحر ولا حرج ) ،،، وهل يُداعَب المخ ويأنس إلا بالأساطير ؟
قلت : أصبت .
قالت : أيا كان من أمر ،،، هل ذهب الذئب الذي كان هنا ؟؟؟ .
قلت : ولم ؟
قالت : نحن معاشر الجن نخشى الذئاب ، فهي تأكلنا إن رأتنا !!! .
قلت : وهذه أيضا من الأساطير .
ضحكت ثم قالت : لا ضير وانس أمره إن كان ذهب ،،، لكن لم أنت هنا ؟
قلت : أبحث عن ( هي ) لأهيم بحسنها ! .
قالت : ومن ،، هي ، هذه ؟
قلت : امرأة !!! .
قالت : وإذن ،،، فلا بد أن تكون امرأة ،،، وماذا بعد ؟
قلت : أنثى !!! .
ضحكت وقالت : وهل كانت المرأة ذكراً !!! ؟ .
قلت : إذن فاقتربي يا عُنيس ، واجلسي قرب هذا الكوز ! .
قالت : لم ! ؟
قلت : لِتَعُلّي منه كلما هالَكِ منها جانب .
قالت بعد أن أدارت عينيها ورفعت حاجبيها : هِهْ ،،، هات ما عندك ؟ .
قلت : من أين نبدأ ؟
قالت : شأنك أنت .
قلت : الحاجب .
دقيق الذيل كأنه بُرِي حتى أُنْهِك ، وكأنه لُفّ حتى تصلّد ، وكأنه مُطّ حتى تطاول ،،، تقوّس على المحجر كهلال الغروب ، أو كمُصَلٍّ ساجدٍ أمام مرآة إذا نظرتِ إلى الحاجبين معا .
كأنه إذا نظَرَتْ تلقاء اليسار يتحرك متقبّباً كالحسناء تتحركُ في خِدرها تحت اللحاف فيتقبّب منها جانب وينبسط آخر .
وكأنه إذا أحدقتْ النظر ، كأُفْعُوانٍ صغير هَبّ ليتعارك مع صاحبه ، فينصب رأسه ويقعي ذيله ،،، فتصير كأنها عاقدة الحاجبين على الجبين اللجين ،،، وإن رأيتها يا فتاة لقتلتكِ مرتين ، وأما أنا فأربع قتلات لعدم استباحتي ما تستبيحيه أنتِ من النظر فيها ، فيكون قتلي ضعفا .
أما إذا ضَحِكتْ ، فكأنه متن الحسناء من لدن الرقبة إلى الكتف استواءً إذا كشفته ، غير أنه حالكا ،،، فينفر الرشد ويتلوه العقل ، ويبعد كما بَعُد عن ساحة الملك الفقرُ ، مولداً أي ( الحاجب ) ما يشبه الحَمَق والعَتَه عند المُتَفحِّص ، وأبدا لن يعِ أن أبا تَوْلَبا ليس أخاه ، بل سيقول متعجبا ما طول ألَمَّ بأذني أخي وما ذيل ذاك نبتَ في عَجُزِه !!! ،،، إلا إذا مَعَطَت الحسناء حاجبها ،،، ولا أظنها تفعل ،،، لأنكنّ تُحببن عَتَه الرجال ! ولَكُنَّ في المثل الجاهلي أسوة ( أخَّذْتُه في الهِنَّمّة ، بالليل زوجٌ وفي النهارِ أمَة )
وكأنكِ إذا لمسته ، لا زَبَبَ فيه ولا مَعَط ، عوان بين ذلك مما تستملحه العرب ، أبلج أزجّ من غير قَرَن ،،، والفُرجة بينهما ، وآهٍ من فُرجة البَلَج
فسبحان من أبدع خلقه ، فتقرطس على ذيّاك اللُّجَيْن من غير قلم ، وارتسخ فوق المحجر من غير ناحت .
أيكفي هذا يا سيدتي فيما يخص الحاجب من جمال ؟؟؟ .
قالت وهي تبلع ريقها : كل هذا في الحاجب ؟
قلت : ومعذرة إليه ، فلم أفِ بحقه بعد .
وأيضا لم أذكر ما يعتري الرجل إلا قليلا .
قالت : وما بعد الحاجب ؟
قلت : العين .
كاللوزة شكلاً ،،، تناهت سعةً حتى صارت نجلاء ،،، وتمادّت مقلتها انتشاراً واسودّت حتى صارت دعجاء ،،، ثم احلولكت ، وابيضّ بياضها حتى صارت بَرْجَاء .
كأنها إذا أطرقت مسدلة الجفن على المقلة كعين خِشْفٍ التقم ضرع أمه ثم نام بأمان وحرز يَجْرعُ من صافي لبنها ،،، وهي كذلك .
قالت : لِمَ لَمْ تقل يرضع ضرع أمّه ؟
قلت : لأنكِ ستسمعين حكاية صوت جرعه اللبن ( عُعْ عُعْ ) .
ضحكت وقالت : أكمل .
قلت : وكأنها سرقت وطف أشفار الخشف بعد نومه فصارت وطفاء ،،، واختلست على حين غفلة من أمه ما ازرقّ واسودّ كالجَوْن من جفنه فصارت كَحْلاء .
ثم إذا حرّكتْ الجفن حَسِبْتُه الطير يخفق خفقاناً ،،، ثم تُسْدِل كَنَاعِسة تاقت إلى المهد ، وترفع بوَهَن وكَلّ فلا يجاوز ثلثي المقلة ،،، ولقد راعتني شُهْلة بها ، لو قالت طِر بي لطرتُ بها إلى زُحل .
ثم إذا كنتِ أيسر منها وترقبي جانب عينها وهي تقرأ الخطاب ،،، لكأنّكِ تَرَي دَعْدَا كيف يتحرك ظهرها وهي تسترزق وتبحث التراب !!! .
قالت : وما بعد العين ؟
قلت : الأنف .
أنف جُعِل بين الخدين كأنما زُرع هناك عمدا !!! أقن لطيف ، دقيق الأرنبة ، لا خُناسا به فيتأخر عن وجهها ، ولا ذلفا به فيشخص .
إن رأيته جانبا ذَهِبَتْ عيناكِ لظنّكِ أنه الذهب !!! وإن رأيته قبلا وددت لو تقطعيه وتأكليه .
قالت : فما الفم إذن ؟؟؟
قلت : ولا بدّ أن أذكره ؟؟؟ .
قالت : ولا بد .
قلت : آهٍ من الفم يا عنيس ،،، شُقّ بين شدقين هكذا ، وصغير هكذا ،،، شفة فوق ما تحتها ، وأخرى تحت ما فوقها ، لا حمرة فيه غير حُمرة الله الذي أبدع الحمرة ، ترسّمت فيهما الخطوط كأنها بنان الإبهام .
كفم سمكة صغيرة إن راعها خطب ما ،،، وكطفل رضيع يضرب بقدمه الأرض فرحا بأمه بعد غياب .
استوى تحت منخرها بلا ضجم ،،، واتّسق فوق الحنك بلا ضزز ،،، وتطابقت شفاهها بلا جلع .
إن ضحكت ،،، ظهر ترتيل الأسنان منضدة تنضيدا ،،، وصار الثغر شتيتا مفلجا أبيضا ،،، ترسل برقا خاطفا لفرط الظَّلْم ، بأربعة نواجذ براقة ، وأربع ضواحك فتاكة .
وكل ما في ثغور الآناث عصيب إلا هي رُضابا ،،، وكل ما فيهن لعاب إلا هي تارة ضَرَب وأخرى ضَرِيْب .
قالت بعد أن نفخت بفمها : لم تبق ( هي ) للأوانس شيئا .
وماذا عن قدّها وبدنها ؟ .
قلت : يا عنيس وما قدّ في غيرها إذا رأيتيه ورأيت قدّها !!! .
مُشِقتْ حتى كاد يغيب الخصر ، ومُكِرتْ حتى جمعت المحاسن ، وتَرَدّحتْ بلطافة حتى صارت مهيلا للرمل ، وترقرقتْ كأن النضارة لم تك قط في غيرها ،،، بَهْنانة لكأن الطيوب من عرقها ،،، عبهرة فلا عاد بعلها يدري ماذا يمسك وماذا يرسل !!! ، عبقرة من النعومة حتى كادت تفجر بها النساء ،،، غيداء من اللين حتى كاد أن يتكلما .
قالت : واها ،،، واها !!! ما هذا ؟
قلت : لا تقولي واها ، واها ،،، بل قولي وِيْهَا ،،، ويها !!! .
قالت : ولم ؟
قلت : لأنها كانت تطربني وهي تُهاهي مفتخرة بي .
قالت : وماذا كانت تقول وتُهاهي ؟
قلت : كانت تقول ،،، وِيْهَا ، حامي الديار ،،، ويها ، بطلي المغوار .
ضحكت ثم قالت : أتَقُصّ عليّ حكاية أمّك يا حسين ؟؟؟ .
قلت : وما شأن أمي بهذا ؟
قالت : هُنّ الأمهات يُهاهين لأبنائهن بهذا ، وكل واحدة ترى قِرْدها غزالا .
قلت : ماذا تقصدي أيتها الجنية ؟؟؟ ألا تريني قد بذختُ في الجمال ، وجاوزتُ الوسامة ، واستوفيتُ التقاطيع ؟ .
قالت : بلى ،،، ولم أقصد التخصيص ،،، ولكن قل لي ، من أي عرب هي ؟
قلت : ليست من العرب ،،، بل من الريف البريطاني !!! .
قالت بعد أن فتحت فمها : هَهْ ،،، من الريف البريطاني وتُهاهي يا ،،، يا حسين ! ؟ .
قلت : وما في ذلك من عجب ؟ مكثتْ في بلاد العرب من عمرها سنينا وأعواما حتى أجادت لغة العرب وتكلمت بلسانهم الفصيح والعامي ، وصارت منهم بعد أن شربتْ وشربها العرب ،،، أتدري أيتها الجنية ماذا قالت عندما أعلمتها أني أريد إطعامها أكْرُع تيس صغير ؟
قالت : هاه ،،، ماذا قالت ؟
قلت : لقد قالت ( ويه ،،، واللي يرحم والديك لا تييب طواريهم جدّامي ) ! .
وضعت يدها على خدّها ثم قالت : ما أكذبك أيها الأفّاق .
قلت : ولم ؟؟؟ أتحسبيني من الذين يأتفكون الإفك ؟
قالت والنفاق على مُحَيّاها : لا ،،، حاشاك .
ثم تقرفصتْ وقالت : بل إنك لتحوكه حياكة ، لا إفكا وحسب ،،، بالله عليك كيف بريطانية ؟ وتُهاهي !! وتييب !! وجدّامي !! ) ؟ .
ماذا ؟؟؟ أتخذتني هُزْوا يا حسين ؟ .
قلت : لا ،،، لا ،،، اهدئي وتريثي ،،، ما بكِ ، هل أصابكِ مسٌّ ؟؟؟ .
قالت : ممن ؟
قلت : من الإنس !!! ،،، فنحن نقول في أخلاطنا أن فلانا به ( مسّ من الجان ) .
ولا بد أن تقولوا في أخلاطكم أنتم أن فلانا به ( مسّ من الإنس ) .
قالت : أيها اللئيم !!! تقصد النقيض ، أليس كذلك ؟ .
قلت : نعم ،،، أنتم وقبيلكم ترونا من حيث لا نراكم ،،، وهذا ضعف بكم .
قالت : وكيف الضعف ؟
قلت : ولم التواري كالعدم ؟ إلا لضعف ،،، وإلا لحماية ، وكلما صغر المخلوق ازدادت حمايته ، حتى إذا تلاشى صار لا شيء يضره لفرط التحرّز بالخفاء كالعدم .
قالت : أمر يدعو إلى التفكير .
قلت : نعم ويدعو إلى التفكر بأسلافنا كيف زرعوا فينا الخوف من الجن ،،، وأنتم في حقيقتكم كالهباء وكالهواء ، تطير بكم كلمة ، وتخسف بكم أخرى .
قالت : يا حسين ،،، دعنا في ( هي ) ، فالكلام فيها أجدى .
قلت : أوَلم تتضح بَعْد هي ؟؟؟ برغم ما سلف من وصف ؟
أوَلم ينفلق الوصف عن كنهه حتى نطق ؟؟؟
قالت : لعلها مكنونة سر الفؤاد ،،، فقد نطق الوصف بأنثى من عرض الآناث ،،، ولكن قد حفظت وصفها ، وسأطوف بهن حتى أجدها ،،، فإن وجدتها وفدّتُ عليك ثانية .
والآن ،،، إن سمحت لي ، فإن رسول قومي بالجوار يدعوني ،،، فهل تأذن ؟ .
قلت : نعم .
ثم أخذتْ سْمْتها وولت مدبرة في تلاشي العدم .
ـــــــــــــــــــــــ
ثم جاء الذئب بعين لوامة ثم قال : أما كان أجدى أن أنعم بلحمها يا صديقي ؟
قلت : وهل صدقت يا ذئب أن بني قومك يأكلون الجن ؟
عوى ضاحكا ثم قال : كنت أسمع تحاوركما ، وأعجبني قولها : ( حدّث عن البحر ولا حرج ) .
ــــــــــــــــــــــ
______ انتهى ـــــــــــــ
حسين الطلاع
12/7/2009 م .
المملكة العربية السعودية – الجبيل .