السينما والكوميديا
--------------------
الفيلم الكوميدي العربي بين الجد والهزل
---------------------------------------
من عادل امام ودريد لحام الى نجيب الريحاني
---------------------------------------
النكتة كما فسرها علماء النفس والفلاسفة , انما هي محاولة لاعادة التوازن داخل النفس المضطربة القلقة , التي هزتها احداث زعزتها عندما وقعت خارجها ونفذت اليها , قرأت تلك النفس ان تستعيد توازنها بالضحك او الافتعال .
ويقول ماوتسي تونج فيما يشبه النكتة : " ان خلل التوازن هو القاعدة , والتوازن هو الاستثناء . انظروا الى القمر ! ما هي المدة التي يتوازن فيها ويصبح بدرا ؟ انها ليلة واحدة في الشهر , ثم يبدأ بعدها خلل التوازن " .

وشرح سيجون فرويد النكتة بقوله :
" النكتة ضرب من القصد الشعوري , والعلمي يلجأ اليها الانسان , ليعفي نفسة من الواجبات الثقيلة , ويتحلل من الحرج , الذي يوقعه فيه الجد ولوازم العمل .
ونبي الفطرة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول في حديث هو مقتبس من الذكر الحكيم :
" روحوا عن النفس , في الحين بعد الحين , فان النفوس اذا كانت عميت " ..
واستطاع شارلي شابلن ان ينفذ بذكائه اللماح , وعمقه الفلسفي , في النكتة , الناشئة عن الموقف وان يستغلها على احسن ما يكون عليه الاستغلال في السينما .
والضحك الناشئ عن المفارقات , التقطه نجم الكوميديا في المسرح العربي – نجيب الريحاني – وراح ينسج منه مفارقات ومواقف , بناها على حب الانسان لذاته , وميله الى ان يرى غيره في مازق هو في منجاة منه ومبعدة عنه , وبعده فليكن الطوفان .
اما الجاحظ فلم يكن يفارقة مجونة , او يغيب عنه بيانه اللطيف , وهو في اقسى الظروف , وتقرر الروايات الادبية ان صديقة الوزير بن الزيات قضى نحبه في " تنور" على يد منافسة قاضي القضاة بن ابى داود فما كان من الجاحظ الا ان هرب , فلما جئ به بعد القبض عليه الى ابن ابي داود ساله :
- لم هربت : فاجاب : خفت ان اكون ثاني اثنين اذهما في التنور .
- والله ما علمتك الا متناسيا لنعمة كفورا .
- خفض عيك فوالله ليكون لك الامر علي , خير من ان يكون لي عليك , ولان اسئ , وتحسن , خير من ان احسن وتسئ وان تعفو عني في حال قدرتك , لاجمل من الانتقام .
- لنجك الله . ما علمتك الا كثير تزويق الكلام .. جيئوا بحداد ..
فقال الجاحظ : اعز الله القاضي , ليفك عني , او ليزيدني !
قال : بل ليفك عنك .
واتى الحداد , فغمزه اهل المجلس ان يعنف بساق الجاحظ ويطيل امره قليلا , فما كان من الجاحظ الا ان لطمه وقال : اعمل عمل شهر في يوم , واعمل عمل يوم في ساعة , واعمل عمل ساعة في لحظة فان الضرر بساقي وليس بجزع ..
وانتهت القصة بضحكة عريضة من القاضي القضاة قال على اثرها :
- اني اثق بظرفه , ولا اثق بدينه ..!!
وللضحك وجهان : وجه جاد هادف ووجه هازل اجوف ..
ويقول الكاتب البريطاني , جوزيف اديسون 1672- 1719 في معرض تحبيذه وتقريظه للضحك الراقي , والكوميديا الهادفة في الشكل والمحتوى :
" ساعرض افكاري على شكل صور محيرة , فالضحك الراقي عندي , انسان , جده الاعلى هو الحق , وقد انجب هذا الحق , ابنا سماه حسن الراي , وهو بدورة انجب الذكاء اللماح , الذي تزوج من امرأة سماها الفرحة فاولدها مولودا اسمه الفكاهة .
هذه الفكاهة المتعددة الاعراف , نراها , تارة جادة , وتارة نشوانه , وثالثه عابثة , ونراها احيانا في وقار القاضي , واحيانا مرحة كاي مرح , على انها على أي صورة , تثير ضحك من حولها .
وهناك فكاهة تدعى وتتطاول في ادعائها حتى يصبح في الاذهان انها شبيهة بالفكاهة الاولى الجادة , واليكم شجرة عائلتها :
يقوم على راس الشجرة , الكذب , ويليه الهراء , ويلي هذا الحمق , والضحك الاجوف , ثم الفكاهة الزائفة . اما اوجه الشبه والخلاف بين الفكاهة الحقة وتلك الفكاهة المزيفة , فتقترب مما يقوم من شبه بين الانسان والفرد , وصفات الفكاهة الزائفة هي الشقلبة , والمحاكاة البلهاء للصالح والطالح , بلا تمييز , والنيل من الجيد والردئ معا .
ومن شأن الفكاهة الزائفة , انها لا تفرق بين عدو وحبيب منذ ان كان كل همها هو مجرد الاضحاك , ولما كان هذا هو مبلغ جهدها الناصر , فانها تقدم ما تستطيع , لا ما يجب او يحسن تقديمة .
واذا كانت هذه الفكاهة عاطلة من كل عقل , فانها لا تهدف الى شئ سوى من الخلق او العلم , وانما هي تسير في طريق الغفلة من اجل هذه الغفلة وحدها .
ومن اجل ذلك , فانها تهاجم الافراد والاشخاص , وتعجز على ان تسمو الى المستوى الذي يسمى بالمبدأ المجرد .
ويوضح لنا كلام " اديسون " الكثير حول ما يتعلق بالنكتة , وبالذات فن الكوميديا , خاصة ما ورد في حديثه عن الفكاهة الزائفة , والفكاهة الجادة , والفكاهة الحقة , والفكاهة الفارغة المجوفة .. الخ
فالفكاهة الزائفة تلك التي يتشقلب فيها الكوميديا وكانه البهلوان في حركات غير طبيعية مفتعلة , وهي التي ميزت كل اعمال عبد المنعم مدبولي ومحمد عوض وامين الهنيدي وفؤاد المهندس من الكوميديين المصريين في الستينات .
اما الفكاهة الحقة التي تبدو طبيعية ومنسجمة مع المواقف الروائي للعمل المسرحي فهي التي تبناها في مصر مجموعة مدرسة المشاغبين , والتي كانت وراء نجاحهم الحقيقي بعد ذلك , خاصة النجم الكوميدي الاول الان " عادل امام " .
اما الفكاهة الجادة فهي التي قدمتها الينا دريد لحام عبر مسرحياته السياسية الهادفة – ضيعة تشرين – وكاسك ياوطن وغربة – وقد وصلت الى قلوب كل المشاهدين العرب بلا استثناء , لما فيه من نقد واقعي , يرتدي طبيعة المواقف السياسي بشكل مسرحي كوميدي رفيع المستوى .
- اما البلاء الاعظم الذي ابتلينا به على كبر كما يقولون فهي تلك المسرحيات الهابظة شكلا ومضمونا وتمثيلا , والتي تقدم لنا عبر اجهزة التلفزيون كما السيل المنهمر على الارض الخضراء , مع الاسف الشديد , وهي تلك المسرحيات التلفزيونية التجارية , التي تقدم لنا الفكاهة المجوفة , بمعنى انها لا تضحكنا , ولا تضرنا , ولا تنفعنا ..
وابطالها كثيرون ومتعددون , ولا يسمح لنا القلم في هذا المجال تناول أي من تلك المجموعات الفنية المتدنية المستوى .
- ولا تتوقف علاقة الفكاهة بالتمثيل في السينما او المسرح , ب ان ابوابها في الادب , وفي الرسم الكاريكاتيري , واسعة وفعالة ومؤثرة على مختلف مناحيها الهادفة او الضاحكة , واكثر سامي الكاريكاتير شهرة في العالم العربي , صلاح جاهين في الاهرام , وناجى العلى في الاعلام الفلسطيني , وحامد في الاتحاد ... الخ
- وموضوع الفكاهة متشعب ومتعدد , ويحتاج منا لوقفة اطول بالتاكيد, وبالذات فيما يخص العلاقة بين الفكاهة والادب ,