المقدسيون يترحمون على أيام بيانات الاستنكار

كان الناس يتندرون عندما يتداعى الزعماء العرب لعقد مؤتمر أو لقاء على هامش قضية (حادة) من نوع ما، فيبادر هؤلاء المتندرون لاستباق ما سيئول إليه هذا اللقاء بقولهم: ماذا سيتمخض عن هذا المؤتمر أو اللقاء؟ ويجيب نفس المتندر المتسائل: لن يتعدى الأمر مستوى بيانات الاستنكار أو الشجب!

اليوم، ونحن نشاهد من على شاشات التلفزيون، صولات الصهاينة على المرابطين في ساحات المسجد الأقصى من أبناء القدس الأبطال، تسمع أحدهم يترحم على أيام البيانات الاستنكارية العربية أو الإسلامية التي كانت تخرج بمحاذاة مثل تلك الأحداث الهامة.

ما الذي حدث للأمة على مستواها الرسمي والشعبي؟ هل تم تخديرها وسحرها؟ أم أنها أصبحت أمة واعية تدرك عدم قدرتها على الفعل أو حتى ردة الفعل؟

انعدام وزن المواطن

عندما يراقب المواطن التلفزيون وهو على مائدة الطعام أو في جلسات تناول الشاي، وتقع عيناه على ما يجري فوق أرض بيت المقدس، فإنه سيكون أمام خيارات محدودة، منها (الحوقلة: لا حول ولا قوة إلا بالله) والتمتمة بكلمات غير واضحة، أو الشتم على جهات واسعة منها العرب والمسلمين والخلاف بين فتح وحماس، وكأنه ينفض عن كاهله حتى المسئولية الأدبية، ومنها الاستجابة لأحد أفراد الأسرة بتغيير المحطة الى محطة أخرى اقترب موعد مسلسل فيها.

انعدام وزن التنظيمات السياسية والنقابية الشعبية

كانت التنظيمات السياسية والنقابية الشعبية تتنادى عندما يحصل عدوان على جزء من أجزاء الوطن العربي لتنظيم مسيرة شعبية أو اعتصام أو مهرجان خطابي، فيذهب جزءٌ يسير ممن سمعوا عن هذا النشاط بعد أن تسمح لهم الدوائر الأمنية بهذا النشاط، فيذهبون يحثون سيقانهم وأقدامهم على مواصلة المسيرة والاستماع لهتافات أو خطابات أخذت نبرتها تخفت شيئاً فشيئاً، وهم يعلمون سلفاً ما سيقول هذا الخطيب أو ذاك، ويتثائب الواقفون وهم ينتظرون العودة الى بيوتهم بعد أن ضمنوا أن هناك من رآهم هناك، حتى لا يُعاتبوا بأنهم تقاعسوا عن أداء مهامهم النضالية!

ذات يوم قال أحد الذين يستنكفون عن حضور مثل تلك النشاطات، ولم يكن جباناً، كما أنه لم يكن يعوزه الإيمان بقضايا الأمة: أن كل ذلك لن يفيد، فما دام سلاحك أضعف من سلاح خصمك، فإنك ستنبه خصمك لأن يطور سلاحه ليبقى متفوقاً عليك ويغلبك في كل مرة. وعندما طالبه البعض بتوضيح، أضاف: أننا لا نتفق عن من هو خصمنا هل هي الصهيونية أم أمريكا أم حكوماتنا، وعندما نتفق سيكون علينا أن لا نكون مثل ذلك الذي يقبع تحت شجرة ومعه مسدس (صوت: فيشينغ) واقترب منه ضبع، فإن استعمل مسدسه، لن يقتل الضبع بل سينبهه عن مكان وجوده لينال منه بأي وسيلة!

بالمقابل، فإن هناك جهات لا تؤمن إلا بالعمل المسلح وضد أي من يقف أمام طريقها، وتطور من إمكاناتها حتى تأخذ شهادة محلية وقومية وعالمية بأنها منظماتٌ إرهابية!

انعدام وزن المستوى الرسمي

منذ مؤتمر الرباط 1974 واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، رفعت الأنظمة العربية الرسمية عن كاهلها الواجب الأدبي والأخلاقي للدفاع عن فلسطين، وأصبحت تفسر ما يحدث في فلسطين من مسئولية منظمة التحرير الفلسطينية ولن تكون حريصة على فلسطين أكثر من حرص أبنائها عليها.

وجاءت الحلول السلمية الهزيلة والتي شقت الصف الفلسطيني لتعطي للمستوى الرسمي العربي وحتى الإسلامي، مبرراً إضافياً لتكون في حالة استرخاء وعدم مبالاة، وهناك من يذهب الى أبعد من ذلك بأن النظام الرسمي العربي والإسلامي، هو من يمهد لصناعة الانشقاق الفلسطيني ليبقى على ما هو عليه.

خلاصة

ليس هناك من يزعم أن لديه وصفة سريعة للخروج مما نحن فيه، ولكن من يتأمل هذا السرد المختصر سيجد ملامح وأطر الكيفية التي يمكن الخروج منها ونوجزها:
1ـ تطوير المعطيات الأيديولوجية وإعادة النظر بتوليفتها التي لم تثبت نجاحها الكامل، بالابتعاد عن العموميات التي لا تقبل باستيعاب ما هو قائم.

2ـ وصل البؤر الأيديولوجية (الدعائية) بما هو قائم من تنظيمات إدارية (بلديات، نقابات، أندية رياضية، وقبل كل ذلك وصل تلك البؤر ببعضها باعتبار الخطر الخارجي والصهيوني بالذات له معطىً أولياً.

3ـ المهادنة مع الحكومات القائمة، والتحاور معها، على أساس أن الخطر يشملها كما يشمل الجميع، وهذا سيطور تنسيق النمو الديمقراطي، ويعكس صورة للخارج لا يسهل اختراقها.

4ـ وفي الوضع الراهن فيما يخص بيت المقدس، لا بد من التحرك سريعاً على مستوى اللقاءات القطرية والقومية وضرورة التنسيق مع المؤسسات الرسمية وعلى رأسها جامعة الدول العربية.

إن هذا النهج فيما لو تم اتباعه، سيوقف موضوع الترحم على ما كان قائما في السابق رغم ضئآلة أهميته.