منذ زواج الشاب محمود أحاطت به ظروف قاسية
من فقر الحال وشظف العيش عمل في كل شيء يحرث الأرض يقلم الأشجار يعمل بناءً وطياناً وطلاءً
ليكسب عيشه ويؤمن حياة كريمة لامرأته وابنته الصغيرة مرام
وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة كان يلتف بعباءته الصوفية القديمة
جلس يفكر في تامين مستلزمات الحياة الضرورية فقال لزوجته قرأت شعراً فيه حكمة تقول
تغرب عن الأوطان في طلب العلى
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
وعندها قرر محمود أن يذهب إلى بلد عربي مجاور لعله يجد به ما يبدد همه ويفك ضائقته وعقد العزم على السفر
وعند الصباح كانت زوجته قد أحضرت له بعض الضروريات اللازمة لسفره
وسافر محمود ودعت له زوجته بالتوفيق وجلست تنتظر عودته بفارغ الصبر وترسم في خيالها صور جميلة هي الآن أحلام وغدا ستصبح حقيقة نعم حقيقة هكذا كانت تحدث نفسها
ربما يعود ومعه ما يجعلنا نرمم المنزل الذي نسكنه وربما نشتري محراثاً حديثاً بدلاً من الثورين اللذان شاخا وتعبا من عراك هذه الأرض القاسية
ومضت الأيام طويلة ساعاتها ثقيلة كثقل التلال المجاورة لقريتنا
وبعد أربعة شهور كانت الكارثة
جاءها الخبر كصاعقة
في ظروف غريبة ألمت بالبلد الذي كان يعمل فيه
اختفى محمود
جلست سعاد وابنتها مرام
يا الهي كل أحلامنا أصبحت سراب
وتذكرت قول الحمداني أبو فراس
ما كل ما فوق البسيطة كافيا
فإذا قنعت فكل شيء كاف
ليت محمود قنع بما قسمه الله ولم يتغرب عن وطنه
ولكن هذه هي الأقدار
حمص
2009