المحور الأول:طريقة معاملة الطفل


المحور الأول:
طريقة معاملة الطفل
المشكلة التي نعيشها الآن هي: مَن يربي المربي..؟
يقول البعض: "على الأب أن يقول كذا وكذا لأبنائه." لكن الأب نفسَه غيرُ مستوعبٍ هذا، وهو لا يعرف هذا.! ويذكرون قصّة رمزيّة تصبُّ في هذه الفكرة، وهي أن فتى في السادسة عشْرة ارتكب جرماً شنيعاً، فحُكم عليه بالقتل، ولما اجتمع الناس؛ ليشهدوا تنفيذ القتل، قام أحد الحاضرين وقال: "لا تعاقبوا هذا الغلام، عاقبوا أباه الذي لم يُحسِن تربيته حتى فَعل ما فعل.." فما كان من الغلام إلا أن قال: "أبي رباني؛ (أي: بذل جهده في تربيتي حسب معرفته) لكنَّ أباه ما رباه، وعليكم أن تلاحقوا الجد الذي قَصَّر أساساً في تربية ابنه، وصار ابنُه أباً وربى بطريقته.."
ولو رجعنا إلى الجد فسنسمع منه القول نفسه: "أنا ربّيتُ ابني، وبذلتُ معه كل جهدي، وأعطيته المال من أجل إغرائه بالعمل الصالح، وفعلت وفعلت.. لكنْ –للأسف- لم يكن على ما ينبغي."
إذاً.. هذه هي المشكلة، وهذه هي الحلقة المفرغة التي يجب أن نكسرها.. ولكن كيف نكسرها..؟
الجواب: نتعلم ونُعَلِّم في آن واحد، نتعلم ما علينا أن نتعلّمه، وهذا الذي نتعلمه نُبسِّطه وننقلُه إلى الأطفال.
أهمية الحوار
إن الطريقة المثلى لمعاملة الطفل، والطريقة المثلى في توجيهه وتربيته تكمن في أن نتخذ من الحوار في الأسرة أسلوباً للمعايشة.
الحوار لا يكون بين طلاب العلم فقط ، أو في مجلس إدارة شركة..إن الحوارَ أسلوبُ حياة، بمعنى أن تُتاح الفرصة على قدم المساواة للصغار والكبار لأن يقولوا ما لديهم.
وقد مرت علينا في التربية الأسرية فترات طغيان؛ وفي تلك الفترات السوداء لم يكن يُسمح لأحدٍ أن يتكلم مع الأب، أو يتكلم مع الأم بما يريد: وكان الرجل يُسكِت المرأة، والصبي يُسكِت البنت، والكبير يُسكت الصغير.. ولو انتقد شخص أمراً في أبيه أو في أمه فإنهم يقولون له: إنك أسأت الأدب.! وفي تصوّري أن الابن إذا انتقد أباه بطريقة مهذّبة يكون قد فعل خيراً، وهذا من مصلحة الأب، ومن مصلحة الأسرة أن تجد فيها من يقول له: "يا أبي إنك قاسٍ في التربية، وأشعر أنك لا تهتمّ بنا كما ينبغي، أو نشعر أنك لا تعطي اهتماماً لقضية واجباتنا المنزلية والمدرسية."
يصب هذا النقد في مصلحة الأسرة، وفي مصلحة الأب بشرط أن يتم بطريقة لائقة، لكن أن نُحرِّم على الصغار الدخول في حوار مع الكبار فهذا في النهاية يؤدي إلى تربية طفلٍ خائف، طفلٍ مقموع ضعيف الشخصية لا يتحمل أي مسؤولية، وسيكون لهذا الطفل سلوكان: سلوك أمام أبويه كما يحب الأبوان، وسلوك آخر سيئ يفعله في السر؛ نتيجة عدم الانفتاح بين الأب والأم من جهة، وبين الأطفال من جهة أخرى.
الحوار.. لا الجدال
لا نقصد بالحوار الجدال؛ لأن ثَمة فرقاً بينهما:
ففي الجدال كل طرفٍ مُصرٌّ على أن يُقنِع الآخرين بفكرته، ولو أدى هذا إلى أن يكذب أحياناً، أو يقول غير الحق، أو يرفع صوته..
أما الحوار فهو أنْ أَحرص على أن أُريَ مَن أحاوره نقطةً غامضة لديه، وأقول له: أنتَ لستَ منتبهاً لهذه النقطة. وهو يحرص أيضاً على الشيء نفسه، فهو يُريني نقطة لا أراها، نقطة غامضة، ويقول لي: هذه غامضة عندك.
وليس الهدف من الحوار أن نَخرج باتفاق، أو أن نَخرج بإجماع، بل المقصود أن نُحسن الفهم؛ أي: أساعدك على أن تحسِّنَ فهمَك للموضوع، وتساعدني على أن أُحسِّن فهمي للموضوع.
وأتخيل أنه إذا أردنا حقاً أن يحدث نوع من التفتح الذهني لدى الأطفال في البيوت فيجب أن نعتمد الحوار، لا النَّهْرَ والضرب والشتم كما هو عند بعض الأسر، أو تلقيبَ الأطفال بالألقاب القبيحة .. أو أسلوبَ الإملاء: (أنا قلت كلمة وكفى) الطفل سيسمع منك، لكنه بعد مدة سيتمرّد ولن يفعل إلا الذي في ذهنه؛ لأنك ما أخذتَ وأعطيت معه، وما حاورته، ولا اقتربت منه..
ليست قضية الحوار قضية أساسية في تربية الجانب العقلي لدى الأطفال فقط، وإنما في تربية الجانب العقلي والروحي والنفسي والاجتماعي..
وكما ذكرتُ يجب أن يكون الحوار أسلوب حياة، وليس شيئاً نتّبعه في مؤسسة أو في مكان محدّد.
موثع الاصالة الثقافية