احتفاء بشاعرية التمرد



قراءة فى قصيدتى



ابتسم و قل وداعًا – بخاصة – ثم عموم الديوان



للنار أغنية ٌ أخيرة للشاعر عاطف الجندى



***



بقلم الشاعر / سمير البحيرى



عضو اتحاد كتاب مصر



1 – نسبة القصائد المعرفة إلى قصائد الديوان



جميعًا بمعدل الربع أو يزيد بقصيدة 00 و فى هذا اختصاص بالتعريف الناقص فى حياتنا العامة – لأن اتجاه غالبية القصائد إلى التنكير – هو قصد متعمد من الشاعر لتوجيه المتلقى إلى البحث فى كثرة ما يجهل – بدافع اليقظة و الإفاقه لما يدور حوله 00 و فى هذا أيضًا مناط ثورة الشاعر للكشف عن المجهول فى لغة بسيطة و فى نفس الوقت شفافة ، نفاذة إلى التعرية و تسليط الضوء على حياتنا العامة – و فى هذا فالشاعر يوجه بشكل مقصود عناوين القصائد إلى التمرد على هذا الواقع و منها " جرح – صرخة – شكرًا لكم – فقدان – قل وداعًا – بكائية "



2 – قصائد موجه بالأمر إلى المتلقى 00 و الغريب أن تبدأ ب ( ابتسم – قل وداعًا ) فالقصيدة الأولى مرهونة بالابتسام الشرطى و يقول فيها : إن مات عمرو ٌ 00يا يهوذا فابتسمْ 0 و هذا لإشاعة السخرية - المعبأة و الموجه فى نفس الوقت – و السطر الثانى يبدأ ب ( حتى )00 و المسافة هنا - لمهاجمة الخضوع و الاستكانة و الاستهانة بعامل الزمن الذى يتمنى الشاعر – أن يتحقق من خلاله الحلم فى " يزهو على فرس الحقيقة ِ ، نافضًا أوهام حاقد ْ "



فالقصيدة إيجاز بقصد الإعجاز – بلاغيًا – و التعبير واقعيًا ، فالقصيدة حالة هم بجراح الوطن و- لأن الانتظار مخبوء فى ضمير الغيب ، حتى يأتى خالد0 و هى أيضًا قصيدة ( تكثيف للتجديف ) 0



أما قصيدة قل وداعًا هى قصيدة استدعاء للحزن 00 فى استدراج له بالصداقة المغموسة بالضبط و الإحضار – فهو يتهمه - الشاعر - بالدرب الموبوء الذى أفقد الشاعر فك الأسر من الليل المؤبد بين جوانحه 0



و هى صورة بصرية حادة أجادها الشاعر – كبراعة استهلال توحى بالقدرة على خداع الشاعر للرؤية ووضعها حيث يريد هو ، و هذه قدرة توحى بانصهار ثقافة الشاعر و بلورتها فى روح المعنى 00 من خلال تصوير بلاغى كمشهد حي مرئى و الذى يؤكده فى الشطرة التالية – صريحًا - فيقول : " نزع الستار و راح يعرض مسرحيات الدموع " 0 و لكن فتور الصورة و مباشرتها فى الاستفسار بهل فى " يا هل ترى الموت الذى نخشاه يكتب للأحبة دائمًا ؟!" 00 و هى صورة ضعيفة لم تكن على مستوى براعة الاستهلال المشهية – على الرغم من نخشاه – و استبدالها فى الشطرة التالية لها ب ( أخشاه ) كان الإفاقه من المباشرة إلى التشكيل و التصوير فى الشطرة التالية فى " لم يرهقه خطوى " ثم التدفق و القذف كالطلقات النارية من الشاعر و الصورة لنا و للشاعر و الموجهة إلى الموت الذى هو 1- لم يرهقه خطو الشاعر فى الهروب منه 2 – عدم الملل من حكاية الثأر القديم 3 – لم يفكر - و للغرابة - من لفظة الزواج – التى تأتى مستهلكة و مباشرة على الرغم من قدرة الشاعر على التفوق و التميز التصويرى و البلاغى فى الكثير من مواضع و قصائد الديوان و بخاصة روحة الوطنية و القومية و الإنسانية التى تنم عن عاشق للحياة ، رغم قسوتها – و اختلال موازين الواقع الشارد عن الحقيقة و العدل0 و يبدو أن قصيدة " قل وداعًا " هى من طلق لحظة انفعال حاد ، لم تترك حتى تبرد ثم تعاود الشاعر بتعبئة حالة مواجهة شعرية 00 و إنما جنحت الحالة إلى عن التأجل و الإختمار بالتعجل ، ربما هذا من أثر صدمة الموقف الخاص – على سبيل تسجيل اللحظة ، لا تسجيل الحالة – فالتصوير الشعرى يتأرجح بين التصوير و المباشرة ، فهز الإنسان أكثر من مما هز الشاعرية – على الرغم من براعة الشاعر المعهودة فى شعره 00 فى قدرته على إبراز الإستنكار و الإستنفار الشعرى فى " ماذا يريد و ألف ثأر ٍ قد أخذ – ماذا يريد و كل يوم ٍ يدفن الأحلام فى قبر الزمان 00 و فى قوله " قل لهذا الضيف لا أهلا ً بمقدمه الذى منه إرتعدنا 00 "



ثم الفلسفة و الحكمة فى قوله " ما بين لحد الموت و الفرح المصاحب للحياة شعيرة ٌ " ثم اللجوء إلى التراث الدينى السياسى باستدعاء الرموز فى " و أنا أنادى يا معاوية الطبيب ألا أنتظر " ثم المواجهة لإعلام المتلقى بما بين الموت و الشاعر فى شطرة ٍ جديدة ٍ مقصودة ٍ من الشاعر تشى بإمتلاء معين للشاعر من البوح و الحكى الشعرى المفعم بالفلسفة و الطاقة الوجدانية الحادة فى " بينى و بين الموت ثمَّ تعارض ٌ و توافق ٌ و صداقة ٌ أزلية ٌ تجتاح مفتاح القصيدة للبكارة فى الدموع " 0



ثم ما بعد هذه الفقرة من وقفات على نفس الوتر الشعرى الفلسفى الحاد إلى البوح من منطق الحكى و البوح و الفضفضة – فالمصاب هو محمود القريب جدًا إلى قلبه – و كأن الشطر الثانى من ربوع الشعر قد أيقظ من الإستعجال الشعرى إلى إنفجار الوجدان و احتضان حالته الشعرية بالتوحد بينه و بين الشعر فى مواجهة الموت و هذا واضح من أول قوله :" ما يريد و ألف ثأر ٍ قد أخذ ؟! " إلى آخر القصيدة – ليعلن لنا عن العزيز أخيه – من الصورة الكلية فى قوله :



" و سفائن القرصان ِ



تبحث عن جديد ٍ



بين أمواج الخضوع ْ



و أخى هنالك فى سرير الآهة الهوجاء



ننعى حظه



و الأوكسجين يعيد للصدر



الحياة بنبض عمر ٍ مضطرب "



ثم المقابلة الجميلة بالشاعرية و الإنسانية الفياضة فى



" يا موت لا 00 لا تقترب



هذا أنا



الصدر ، نفس الصدر



أرضعنى و أرضعه الحياة ْ "



إلى آخر الصورة التى رسمت تاريخ الحياة بينهما ، حتى الإستعادة و التذكار فى :



" و لكم سهرنا فى الشتاء



ندير ساقية الرجاء ِ



نداعب الأمل َ السَّني "



فالقصيدة من الشطر الثانى لها عبارة عن انفلات شعرى حاد – أبرز قدرة الشاعر و طاقته الإبداعية على الإنشطار و الفضفضة و استدعاء قيم الطبيعة و جمالها و التوحد معها من خلال التذكار من خلال مفرداتها الدالة ،



و على سبيل المثال فى هذه القصيدة قوله :



" فى ربوع الصيف " ، و الصورة الجميلة ، شواطىء الأوجاع و أمواج الخضوع ( و هذا من إيحاء الإستعارات ) و الأوكسجين – و فى قوله :



" فى الحقل ما بين الفراش



و بين أحلام اليمام ِ



و صيد أسماك القلوب ِ



طفولة ٌ ،



لشجيرة الجميز ِ



للتوت المصاحب للطيور ِ "



و نجد ذلك فى قول الشاعر : " شجيرة الصفصاف أرخت حزنها – و كم سهرنا فى الشتاء ندير ساقية الرجاء – شجيرة الأحلام - قلبان فى ظل العبير و روعة الغصن الحرير تشاجرا و تعانقا – و الزهر فوَّاح ٌ شذاه 0



إلى التصريح : إن الطبيعة أمنا ثم الاستدعاء التراثي فى ست الحسن و الشاطر حسن و السندباد الفذ 0



و نجد شاعرنا عاطف الجندى فى القصيدة يشخص و يؤنسن المعنوى : لتوجيه الخطاب إليه و معاتبته إلى حد الإتهام و المواجهة و من أمثلة ذلك ( الحزن- الموت – و مات موتك – أنا رهن شارتك البغيضة فانتظرنى عند ناصية الموات – يا مليك الحزن – تتقابل الأضداد فيه مع الشهود ) و كلها صور تحمل قدرة الشاعر على الإنشطار و التوافق و الخلاف و الإختلاف 0



طول القصيدة تؤكد قدرة الشاعر – على قهر الملل باستخدام كل الحيل الشعرية لإستخراج طاقات الإبداع و على سبيل المثال : ( الحكى الشعرى أحيانًا على سبيل القص باستخدام الزمان و المكان و الحدث لاستخلاص العظات و العبر – الفضفضة و البوح و التشخيص للتخلص من طاقات و ضغط المعاناة و استخدام الفلسفة الوجودية للتصادم مع العناصر المكونة لها و المتمثلة فى الأوكسجين و خلافه من كل عناصر الطبيعة و اتباع المنهج النفسى لإدراك المحسوس فى مواجهة الملموس و استخدام الإيقاع بكل أشكاله – الجنائزى و المونولوجى الداخلى النابع من إنشطار الذات من هول الحزن و فجاعة الموت – حتى يتسرب نهره الشعرى داخل وجدان الحالة الشعرية و التى كان ميلادها من الإنسانى و الخروج من الخاص إلى العام و من المفرد الصولو _ إلى العام المتأرجح بين الأنا و النحن0



ارتقاء منصة الحكمة : لا على سبيل الإدعاء و لكن من خلاصة التجربة الحياتية و من حكمة الحياة و الموت .. الصداقة و المحبة _ إلى آخر ما فى القصيدة من مناطق إضاءة عالية 0



*********



عموم الديوان سمات عامه



*********************



1-الحسن الوطنى الصريح _ فى قصائد ( تنويعات على جرح الوطن ) كعنوان لتتويج قصائد له 0



2- الحسن القومى : الصريح و اللميح مثلنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي بكائية مهداه



إلى ليلى العراقية - و رسالة إلى مولود عربى قادم -الحقيقة ) و أذكر منه على سبيل المثال ( الجرائد - ثم مايندس بين ثنايا القصائد المختلفه و منها صرخة ( النيل يصرخ للفرات)



3- القدره على رسم اللوحات الشعريه بإجادة و تميِّز : و من أمثلتها ( الجرائد – ابتسم – وفاء – العار )0



4 – نهج السخرية الحادة وببراعة مثل قصائد ( استقالة – الحب فى المقهى – شكرًا لكم 0



5 – استخدام إيقاعات غنائية إلى حد قصائد كاملة منها : جرح – شكرًا لكم 0



6 – القص الشعرى و المسرحى مثل قصائد : الحب فى المقهى و رسالة إلى مولود عربى قادم 0



7 – التمهل إلى التأمل : و هذا واضح من لمسات الوفاء الإنسانية و خصوصًا فى قصائد المراثي مثل : نم هانئًا و المهداة إلى الشاعر المرحوم نبيه محفوظ و قصيدة بكائية و المهداة إلى ليلى العراقية 0



8 – التعدد و التنوع و التفاصيل الطوافة فى الديوان بين قصائد الوجدانى الخاص فالضمائر إلى الحبيبة ال هى ( إما على سبيل الترقية – بما لا يعنى الحضور و المعانقة كما فى الشاطىء المأمول – أو المواجهة مع الحبيبة غير المسماة علناً و تشخيصاً و بالتالى فهى المعنوى ( الوطن – الحياة – القصيدة – الهزيمة – الانكسار - ) ثم المجسدة و المختبأة وراء العيون الفاطمية و فى كل الأشكال فهى مصر 0



9- توزُّع العاطفة و تشتتها من مرايا الذات ( بين السحر كما فى سحر المرايا و الأهازيج الجميلة ) و هو ما يعنى اعتناق الشاعر للغة الجميلة و لكن ثورته على الواقع تجعل العاطفة دائماً فى مهب الخطر 0 لذا فهو دائماً يصرخ و يلطخ الواقع بالعار – و بين اختلاط الزحام و الإرتطام بالقمر المسافر – و هذا يدل على اختلاط الواقع بالحلم و بالخيال و بالأحلام و النور و الظلام 0 فهو عاشق ٌ من طراز فريد يعبر من الخوف إلى الأمل و من الظلمة إلى النفاذ و النور 0



و تستيع العدسة الحادة و اللامة و المقعرة أن تلتقط عاطف الجندى الشاعر فى كل الحالات ، فى لغة شعرية نفاذة الضوء ، شفيفة الروح هو تأملى ، صوفى ، ثائر مستبطن للذات و للطبيعة بكل أشكالها فى ديوان يقف على قدميه واثقاً0



***



و الله الموفق