فلاش باك
مع السينما الصامتة

كل الاختراعات الحديثة في عالم الفنون , لها تاريخ , وهي متصلة ببعضها البعض – فميلاد الاسطورة او الحكاية – احيا لدى الناس الناس القدرة على التخيل , وبالتالي صنع لديهم حاسة تمثل هذه الاساطير وتلك الحكايات , فكان المسرح , ابو الفنون التمثيلية , هو البداية في التفكير بصناعة سينمائية اعتمدت على تسجيل هذه المواقف التمثيلية , ليسهل على اكبر عدد من الناس مشاهدتها والاستمتاع بالمواقف الطريفة التى يمثها عدد من الممثلين ..
وهكذا بدات السينما الصامتة فى اوائل القرن العشرين , لتصوير بعض المواقف المثيرة او الكوميدية الضاحكة , التى تعبر عن نفسها بنفسها حيث يسهل على المشاهد لهذه المواقف ان يفهمها دون الحاجة الى صوت ينقل الحوار , وغالبا ما كانت مثل هذه المواقف التمثيلية الصامتة لا تعتمد على أي حوار , فان مطاردة نشال من شارع الى شارع ومن بيت الى بيت لا يحتاج الى حوار بقدر حاجته الى الموسيقى التصويرية ومغلزلة امرأة بغباء وجهل يؤدي الى عراك ومشادات بالأيدي وملاحقات هنا وهناك , لايحتاج الى حوار , فهو يعبر عن نفسة بالحركة , ويكون اكثر صدقا من استخدام الكلمات .
- وهذا يجعلنا نفهم مدى الأهمية التى يمكن للسيناريو ان ينطلق من خلالها بالنجاح لأي فيلم ..!
فحين نشاهد امرأة يقتادها رجل ليقيدها على خط السكة الحديدية بشكل تمثيلي , تعيش معه صدقا اكثر بكثير , من أي اداء انفعالي نسمع منه صوت المرأة وهي تستغيث وهي تبكي وتتوسل .. ويذكرنا هذا الفيلم
"باب الحديد " ليوسف شاهين , الذي استمد لقطة وضع المرأة على خط السكة الحديدية من سيناريو احد الافلام الهوليوودية الصامتة , وكان ان يفوز بجائزة عالمية عن هذه اللقطة .. وروعة اخراج الفيلم الصامت , تتمثل في القدرة على خلق مواقف متتابعة ومثيرة , تشد انتباه المشاهد , وتجعله متشوقا الى اللقطة التالية , بما تحملة من اثارة , في حل معضلة مؤقتة يواجهها بطل الفيلم الصامت , فنشاهد في احد الافلام الصامتة اعتماد المخرج على " كلب " لانقاذ فتاة مقيدة على خط السكة الحديدية , ويشدنا المخرج الى المحاولات التى يبذلها الكلب حتى ينقذ الفتاة .
- ان الفيلم الصامت , مثل قصة قصيرة محكمة في بنائها الفني , يستطيع ان يضع امامك عالما متكاملا دون الحاجة الى المد والتطويل بالكلام الكثير , بل ان الفيلم الناجح اساسا الآن , هو الذي يعتمد على اللقطة المعبرة والقليل من الحوار .
وفى مهرجان برلين السينمائي الذي افتتح اعماله في الخمس عشر من فبراير الحالى وينتهى هذه الليلة السادس والعشرين من فبراير عادوا للافلام الصامتة العظيمة , ضمن ايامه العالمية حيث قدمت دراسة مرئية عن صناعة السينما من خلال افضل الافلام التى صنعت تاريخ السينما العالمية ومجدها , واغلبها صامتة لكنها تنطق بالتعبير السينمائي افضل بكثير من افلام ناطقة ملونة .
ومن بين هذه الافلام الصامتة , عرض المهرجان فيلم عيادة الدكتور كاليجاري لروبرت واين الذي انتج 1919 , يتحدث عن قصة معقدة داخل مستشفى للأمراض العقلية – وصاحبت الفيلم اثناء عرضه موسيقى تعزفها فرقة الاوركسترا السيمفونية الالمانية ضمن مجموعة اخرى مختلفة من الافلام القديمة اهمها الفليم الموسيقي – كوين كيلي – اخراج اريك فون ستروهيم وبطولة جلوديا سواتسون , والفيلم يعيد الى الاذان امجاد موسيقي الجاز القديمة التى تعتبر البطل الحقيقى للفيلم .
واضا قدم المهرجان – من سينما الماضي فيلم " الرجل الخفي " اخراج الفريد هيتشكوك مخرج الروائع البوليسية العالمية الشهير .
وهكذا وقف مهرجان برلين السينمائي في دورته الخامسة والثلاثين , موقف المتأمل والفاحص لسينما الماضي , ولم يكتف بذكرها في عبارات متأثرة هنا وهناك , بل انه يفرضها على الحضور الذين بلغ عددهم اكثر من ألفى شخص يعملون في مختلف النشاطات السينمائية بخلاف الجمهور العادي الذي قدر بمائتى ألف شخص هؤلاء كلهم أسعدهم بالتأكيد تلك العودة مع الافلام القديمة الصامتة , او الافلام القديمة باللون الأبيض والاسود , التى قال عنها اورسون ويلز مخرج الافلام العظيمة " المواطن كين , والرجل الثالث وماكيت " قال عنها :
انها سينما بلونها الخيال افضل من الألوان الطبيعية .