أطفال العراق وتحرير فلسطين


الباحث الدكتور: عبدالوهاب محمد الجبوري


الإهداء


إلى أطفال العراق والعرب ... إلى الشرفاء والغيارى والمجاهدين في سبيل الله والوطن .. رافعي راية الله اكبر وحاملي سـلاح العزة والمجد في وجه الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها ..

الطفل العراقي يتربى منذ سنوات عمره الأولى ويتثقف رسميا وجماهيريا واسريا على قضية فلسطين وتحريرها من اليهود الصهاينة المغتصبين وتظل مشكلة اللاجئين المشردين في الخيام والعراء تداعب فكره وضميره ويبدأ في وقت مبكر يعيش المأساة كأهلها لأنها تسري في دمه وشرايينه ، ومنذ أن ينضج وعيه لهذه المأســاة تظل هاجسه الأول المسيطر على عواطفه ومشاعره وطموحاته في تحرير فلسـطين من براثن اليهود مهما غلت التضحيات .. وكثيرون هم الأطفال العراقيون الذين تسـألهم ( اقصد قبل احتلال العراق عام 2003 وان كان الكثير منهم مازالوا يتربون على نفس المنهج ولكن من قبل أهلهم وذويهم ) ماذا تريد أن تصبح في المستقبل ؟ يرد عليك فورا : طبيب أو مهندس أو ضابط مثل أبي أو عمي أو أخي الكبير ، ولما تسأله عن السبب يرد عليك فورا : كي أحرر فلسطين من الصهاينة ..
وتكبر صورة المأساة في فكر الطفل العراقي وضميره مع تقدمه في العمر وزيادة وعيه وثقافته لحجمها وخطورتها ليصبح هو الآخر مهددا بالخطر الصهيوني بعد أن أدى بلده وجيشه دورهما التاريخي والمسئول في محاربة الاحتلال الصهيوني في كل الحروب العربية الإسرائيلية وفي دعم عمليات المقاومة الفلسطينية وإسنادها أو المشاركة فيها منذ تأسيسها الأول ، وتبدأ الصورة تتضح أمامه بان بلده وأمته هما الآخران مهددان بهذا الخطر ... فعند وصوله إلى هذه المرحلة من العمر والثقافة والوعي يبدأ يسترجع ما كان قد رسخ في ذهنه من وعي ومعلومات حول هول النكبة التي أحلت بفلسطين والعرب وخطر الصهيونية الذي بدأ يعي جيدا أنها تستند ، في حججها ودعاواها في احتلال الأراضي العربية وتشريد الشعب الفلسطيني والعربي ،على أساطير توراتية كاذبة في سعيها المحموم لتحقيق حلمها المريض بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ومن ثم إقامة ارض إسرائيل العظمى لتشمل أي منطقة تطؤها دبابات اليهود ، وبدا يعي جيدا أيضا لماذا يصر اليهود على عدم رسم حدود لكيانهم الغاصب ..
من هنا ولد نبض حب أطفال العراق لفلسطين وكبَر هذا الحب معهم مع اشتداد سواعدهم السمراء وولادة الرغبة الحقيقية لديهم ولدى جيشهم الباسل في تحرير فلسطين ، ومن هنا أيضا بدا يفهم لماذا لم يوقع العراق على هدنة العام 1948 ولماذا شارك الجيش العراقي في جميع الحروب العربية الإسرائيلية وضحى بالآلاف من الشهداء وقدم التضحيات الجسام من اجل حلم الطفولة الكبير هذا .. لقد عرف جيدا أن مصيبة الأمة وبلائها هم اليهود الذين احتلوا أرضها بالقوة وطردوا شعبها ولازالوا يصرون على تنفيذ مشروعهم الخبيث بإقامة المملكة اليهودية العالمية المستند على أساطير توراتية وتلمودية كاذبة ومضللة ..
وأطفال العراق يعرفون أيضا أن اليهود في سعيهم لتنفيذ هذه الإستراتيجية العدوانية سوف لن يفرقوا بين من يعتبروه صديقا لهم من الأعراب والمسلمين وبين من هو عدو لهم ، لان دباباتهم عمياء لا تفرق بين الصديق المؤيد لهم وبين من نذر نفسه لله ولفلسطين ليكون عدوا لهم ، بين من يتخاذل ويقدم الطاعة والولاء – لأنهم يستصغرونه - - وبين من سيصر على مقاتلهم بإذن الله حتى يفشل مشروعهم ولو بعد خمـسين عاما ..
هذا هو عهد أطفال العراق ووعدهم لأهلنا في فلسطين وسواء بقي الاحتلال الأمريكي في العراق أم رحل ، وأيا من كان المتربع على سدة الحكم في العراق ، فحلم الطفولة قد كبر وترسخ إلى الأبد في قلوب وعواطف الأمهات وحليبهن ليلدن شبابا وأجيالا مؤمنة بالله وبحب الأقصى والأرض المقدسة وأنهم اقسموا أمام الله وأمام ضمائرهم وأمام التاريخ أن يحققوا حلمهم بتحرير فلسطين وهو نفس حلم شيوخ فلسطين الذين تنبئوا بان من سيحرر فلسطين قوة عربية تأتي من الشرق .. نعم من الشرق .. هكذا قال لي بعض شيوخ فلسطين من حيفا ورام الله والقدس .. قالوا بان هناك نبوءة أو حلما يراودهم بان من سيحرر فلسطين قوة تأتي من الشرق ..
وبعد أن عدت إلى البيت وفتحت خارطة الوطن العربي ووضعت يدي على هذه الكتلة المسماة العراق وحركت يدي في خط مستقيم باتجاه اليسار ظهر لي أن العراق يقع شرق فلسطين وشمالها وجنوبها .. فتأكد لي أن مشاركة الجيش العراقي في الحروب العربية الإسرائيلية وفي عمليات المقاومة ضد العدو الإسرائيلي لم تكن صدفة .. اجل لم تكن صدفة ، بل هو الوعد المكتوب في سر الله وإرادته سبحانه وتعالى ، انه الوعد ألاهي بان أطفال العراق ومعهم أطفال فلسطين وأطفال العرب الشرفاء هم من سيحرر فلسطين بعون الله ولو بعد خمسين عاما ومن يدري هل سنشهد هذا اليوم أم لا ؟
فان شهدناه سنكون اسعد الخلق ورب الكعبة لان هذا يعني أننا سنصلي صلاة الجماعة في الأقصى المبارك ونحن مرفوعو الرأس والكرامة والعزة بعد أن صليناها في الحرم المكي ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وان لم نشهد هذا اليوم فسننام مطمئنين لكن أرواحنا ستحضره وتخلده دعوات أولادنا وأحفادنا ..
ان الذي نقوله ليس حلما او تمنيا بل هو امر واقع بإذن الله لان وعد الله بنصر المؤمنين حق ووعده بان يذل اليهود ويخزيهم حق ، وهذه الوعود موجودة حتى في توراتهم التي أشارت صراحة إلى مثل هذا اليوم الذي سيخزيهم الله فيه وسيذلهم وتتبرأ منهم الأحجار والأشجار التي يختبئون خلفها خوفا من غضـب الله والمؤمنين المجاهدين ، وهو ليس حلما او تمنيا لان في الامة (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) صدق الله العظيم ..
حيا الله أطفال العراق وأطفال الحجارة وأطفال العرب النشامى والغيارى الذين سيكبرون وهاجس تحرير فلسطين ينمو ويكبر في عقولهم وضمائرهم واحساسيسهم بعون الله ..

*******
العراق في السابع من شوال عام 1430 هجرية المصادف 26 أيلول عام 2009 ميلادية