هل الانتخابات هي الحل الحاسم بين الفرقاء ؟


عندما تصدر دعوات للتفاهم بين الفصائل السياسية العربية ، فإن بعض الأطراف ، تبادر على الفور بالرفض الساخر .. مستهزئة بمن بادر في المصالحة و التنسيق فيما بين كل فصائل المعارضة ، قائلة ومن معه هذا ؟ ومن يمثل .. كل أتباعه أملأهم بحافلة متوسطة ..

هذا اذا لم تلصق صفة العميل والانتهازي ، والمتعاون مع السلطة ، وغيرها من الصفات والكلام الذي اذا وصل الى الطرف المبادر ، فانه سيصنع نهاية خط للسباق الخير ، وبداية خط لسباق التبادل في الشتائم والتهم !!

ثم تخرج الحكمة البالغة والقول الفصل من أفواه المتخاصمين ، بأن صناديق الاقتراع هي الفيصل بيننا ، وهي التي تحسم من التيار الذي تقف وراءه الجماهير ، ومن التيار الدخيل على الوطن والذي ستلفظه الجماهير خارجا ، هو وطروحاته المشبوهة الدخيلة على أمتنا و أخلاقنا و ديننا !!

إن هؤلاء المتكلمون ، لم يتعودوا الا أن يستمعوا الى أنفسهم ، وان زاد عدد المستمعين لهم فسيكونون من الخاصة التي تهز رؤوسها إعجابا و موافقة .. وان أتيح لهم أن يخطبوا في مكان عام .. فانهم سيسهبون بكلام عمومي يزينوه بأقوال الله تعالى ، و أقوال رسوله الكريم .. كمقومات لشخصية رسموها لأنفسهم ، تشفع لديهم عند الناخبين ..

إنهم يتصورون أن الجماهير بثقل حياتهم ، وبؤسها ترقب خطاباتهم لحظة بلحظة ، علها تخرج من بؤسها وفاقتها .. وكدحها الذي لن يفضي الا لمزيد من المعاناة الشديدة ..

ويكون الرد باستمرار ، يخذل الحالمين بكسب رضا الجماهير ، التي تنتظر فرسانها الحقيقيين . فتبدأ التبريرات وتبدأ إلقاء التهم على الدولة .. و حتى أعضاء المجموعة التي أخفقت في انتخاباتها .. بل و أحيانا يحلو لهؤلاء المنظرين ، بأن يهاجموا الشعب نفسه ، ويصفوه بأوصاف لا تليق به .. أو على الأقل تنسف الإدعاء بحبهم وولائهم للشعب .. فمن يحب فردا أو جهة لا يذمها !

الانتخابات شكل من أشكال التذاوت لدى الناخب بالأول ..


انتخب لغويا .. اختار .. انتقى .. فاضل بين أفراد مجموعة و انتخب منهم الأفضل .. المنتخب الوطني لكرة القدم .. صفوة لاعبي الوطن ، بعد استعراض الأفضل من كل لاعبي الوطن .. ويتم الاختيار تحت أعين متمرسين و محترفين .. وهذا مهم جدا .. اذ لا يمكن أن يقوم باختيار أفضل لؤلؤة من لم يرى لؤلؤا بحياته !!

تظهر بين فترة و أخرى مسألة الانتخابات ، وكأنها الحل السحري لكل مشاكل الأمة ..والانتخابات ، فكرتها واحدة سواء كانت لانتخاب جمعية لنبش القبور أو انتخاب رئيس جمهورية . وفي النهاية من يحصل على أصوات أكثر ، سيكون هو المنتقى أو المنتخب أو المختار أو الشيخ ..

تماما كما هي مسألة اعتماد المجموع الدراسي في دخول الجامعات .. فقد يكون أحد الطلاب قد تم تسخير مجموعة من المعلمين القادرين لتعليمه في البيت او في مدرسة خصوصية جدا .. فعندما نفاضل بينه وبين طالب ، يعيش في بيت به غرفة واحدة ، وقد تجد به معاقا ، أو قد تجد أن هذا الطالب هو المكلف بالصرف على أهل هذا البيت .. وعندما نتخيل كيف سيقوم هذا الطالب بالاستعداد للإمتحان ، ندرك أن المفاضلة بينه وبين الطالب المنعم هي مفاضلة غير واقعية ولا تجوز ..

لقد تم حل عدم التوازن بالظروف ، بالمصارعة و الملاكمة ، فتجد وزن الريشة ووزن الذبابة حتى تصل الى وزن الديناصور .. أما في الانتخابات ، والقبول في الجامعات فلم تزل المشكلة قائمة ..

لقد أدرك الفقير والمعدم ، في كل أصقاع الأرض ، أن ليس له فرصة في الصعود الى مصاف علية القوم بواسطة الانتخابات ، حتى لو حفظ كل كتب الدنيا وكان وسيما ورشيقا وعيناه تلمعان ببريق الشخصية المطلوبة .. كل هذا لن يشفع له حتى لو ترشح لادارة جمعية نبش القبور والتي لن يجد من ينافسه بها ، فبمجرد نجاحه بالتزكية ستلغى تلك الجمعية ، التي لم تؤسس أصلا ..

فاذا كانت البروليتاريا هي التي تفرخ عمال العالم الذين فشلوا في تحقيق أسطورة ديكتاتوريتهم المفقودة .. فان ( العربتاريا) التي تزود المرشحين بالأصوات .. اكتشفت ان ليس لها أمل في السلطة الا بمواسم الانتخابات .. فتلقى من كان يترقق في كلامه للمسؤولين أن لديه كومة من اللحم يريد أن يعيشهم ، تصبح تلك الكومة من اللحم أصواتا لها قيمتها في موسم الانتخابات .. فأحيانا يقدم على الآخرين لتلك الميزة ، و أحيانا يقبض على الصوت ثمنا يتناسب مع سخونة المعركة الانتخابية .. و أحيانا يحرم بقسوة كل المرشحين من هذا الصوت .. وهذه أبسط حقوقه !
تكنيك لعبة الصوت في الانتخابات :


يجلس شخص مع نفسه ، فتتراءى له صور مجد يحبكها في خياله ، من خلال دخوله دائرة الأضواء العامة .. فتراوده نفسه أن يخوض معركة الانتخابات .. فيختار أشخاصا يضمن موافقتهم سلفا على المضي بتحقيق حلمه .. ويتجنب من يعتقد أنهم سينصحوه بعدم خوض مثل تلك التجربة ، وسيتركهم للأخير .

ان كان ابن حزب أو ابن مال أو ابن عشيرة أو ابن بلد .. أي ينطلق من تلك الأرضيات كقاعدة له ، فانه سيرافق المريدين له بالتحرك وفق المنطلقات التالية:

المعركة الانتخابية :


صدق من أسماها بالمعركة الانتخابية ، ففيها من مقومات المعركة ما يجعلها تستحق مثل هذا الاسم ..


الآخر في المعركة ..


يتحاشى كل من ينزل للإنتخابات بأن يظهر أطماعه الشخصية ، بل انه يختار آخر لخوض المعركة ضده ، وينسج القصص اللازمة لإحداث حالة التوتر لدى من يود أن يتبعوه في تلك المعركة .. فان كان ينطلق من عشيرة فانه سيذكر سوء حظ عشيرته باللحاق بمصاف العشائر التي صار منها رئيس وزراء أو وزير أو نائب أو محافظ .. انه يذكر ذلك لأبناء عشيرته ليضمن التفافهم حوله من أجل أن يفاوض بإسمهم عندما يكون للناخب الحق بأكثر من صوت ..

وان كان ابن مال أو ابن حزب أو ابن منطقة ، فانه يركز على مثالب غيره و وجوب الالتفاف حوله من أجل قهر غيره من المرشحين .. ويفرح كثير من المرشحين عندما يتعرفوا على أسماء غيرهم .. فتكون حججهم في تكوين حالة التوتر هي التركيز على الآخر ، لكي يوغر صدور الناخبين ضده .. ونادرا ما يلتف الناخب العربي حول برنامج المرشح أو كفاءته ..


التعبئة العامة :


كما في المعركة ، مجرد ما تعلن نوايا خوض المعركة ( بإحداث التوتر ) فان الخطوة المقبلة ستكون التعبئة العامة ..وهنا يتسابق المرشحون الى الوصول الى مفاتيح تجمعات الأصوات .. من خلال الزيارة لوجهاء العشيرة أو وجهاء المهنة أو وجهاء المنطقة .. و مخاطبة ما لم يتمكن الالتقاء بهم ، بواسطة وسائل الاعلام والمبشرين من المتطوعين او المأجورين لهذا الغرض !

الإشاعات :


تلجأ جهات متعددة الى الإشاعة لإبعاد الناخبين عن التصويت لشخص ما ، وغالبا ما تلجأ دوائر الدولة العربية لمثل تلك الاشاعات ، لتبعد من تراهم مشاكسين وغير مضمونين اذا ما أصبحوا أعضاء بالبرلمان ، حيث يخلقوا بعض المتاعب أثناء منح الثقة للحكومة أو التصويت على تشريع ما .. فتبث الدولة عناصرها بين جمهرة الناخبين ، ليخلقوا اشاعات تقلل من التفاف الناخبين حول هذا الصنف من المرشحين ..

فان كان بوسط ديني ، ذكرت عن ذلك المرشح الأكاذيب التي تتهمه بتعاطي الكحول ، أو القمار ، أو علاقات غير شريفة مع دوائر أجنبية ، أو حتى الدولة نفسها ، اذا كان المرشح يعتمد خطاب سمته العامة هي التحدي للدولة ..

كما أن المرشحين الآخرين يبتكروا مثل تلك الاشاعات لإضعاف خصومهم ، ويبقوا يكرروا إشاعة أن فلان انسحب ، وقبض من فلان مبالغ لقاء انسحابه ، وذلك لكي يقتلوا همم المريدين لهذا المرشح أو ذاك .

طبيعة سلوك المرشح و خطابه .. وردود فعل الناخبين تجاهه :


ما أن تبدأ المعركة الانتخابية ، حتى نرى مجموعة من المريدين للمرشح ، يلازمونه ليلا نهارا ، و يبتسمون له و يطمئنوه أنه ناجح بإذن الله ، ويقوموا بالنصح له ، ولا شرط أن يكون الناصح متمرسا في مسألة الانتخابات .. ولكنه طالما أنه يلقى من يستمع له ، فلماذا لا يقدم مثل هذا النصح !!

و أحيانا يفاجأ المرشح بوجود أشخاصا يلازمونه حركته كمريدين ، ولم يكن قد وضع بحسبانه أثناء التفكير بترشيح نفسه ، أن يكونوا حوله .. وعموما فان أصناف المريدين الأوائل يندرج تحت :

1 ـ أشخاص يكونون مفتونين بالمرشحين منذ أمد .. وقد عرفت قاضي تمييز ناجح جدا ، يتلذذ في تمثيل دور التابع الحقير ، لعقيد متقاعد ، لا يفقه شيئا .. ولا يستطيع تركيب جملتين على بعض ، في حين ان التابع أو المريد يتفوق عليه في كل شيء!!

2 ـ أشخاص يستعملوا المرشحين كسواتر ( استحكامات) يهاجمون غيرهم للنيل منهم من خلال هؤلاء المرشحين ..فتكون متعته هائلة اذا رسب من يكره ، حتى لو رسب المرشح الذي يقف معه ، والذي من خلال رسوبه رسب خصمه الأصلي .. وتزداد متعته فيما لو نجح المرشح الذي يقف معه .

3 ـ أشخاص ، يعتقدون أن فرص النجاح لمن يقفوا معهم ، عالية ، فيحجزون مقاعدهم للتقرب من هؤلاء المرشحين سلفا ..

4 ـ أشخاص مغمورين ، لا يسمع بهم أحد .. فيجدوا في أيام الانتخابات فرصا للتعريف بأنفسهم من خلال التواجد بين الجموع ..

5 ـ أشخاص يستهويهم الموائد و ما يقدم من خدمات ، مأكل أو مشرب ، في مناسبات الانتخابات ..

6 ـ أشخاص ، يبحثون عن مكاسب في مواسم الانتخابات ، كتوظيف أبناءهم من خلال نفوذ المرشحين .. أو طمعا بكفالة بنكية .. أو أن يقبضوا سلفا ثمن وقوفهم بجانب المرشح ..

أما عن موقف الجمهور الذين يتعرضوا لاقتحام مواقعهم ( دواوين ، أندية ، قاعات ، بيوت ، نقابات الخ ) .. ويستمعون لخطاب مقيت باهت ، كله عموميات ووعود كاذبة ، لا تستطيع الدولة نفسها تحقيقها .. فكيف بهؤلاء المرشحين ( مشاريع رجال مهمين ) ؟

1 ـ معظم ردود فعل ممثلي الجماهير ، هي ابتسامة ماكرة و طمأنة غير حقيقية للوقوف الى جانب الزائر من المرشحين ..

2 ـ أحيانا يقوم المضيف بإكرام الزائرين من المرشحين و حواشيهم .. لكي يوهموهم أكثر بأنهم واقفون معهم .. فيقدموا الحلويات و الشراب .. ويعرضوا عمل وجبات .. ويعملوا مع كل المرشحين نفس الشيء ..

3 ـ قد يمعن ممثلو الجماهير ، بزيارة مقرات الحملة الانتخابية لمرشح ، وتقديم بعض الأشخاص كمتطوعين في الحملة الانتخابية .. ويقوموا بنفس العمل مع أكثر من مرشح ..

4 ـ أحيانا يقوم ممثلو الكتل الناخبة ( الجمهور ) بإفشاء بعض الأسرار عن مرشحين آخرين ، لمرشح ، من أجل الزيادة في ايهامهم بالوقوف معهم .. ويعملوا نفس الشيء مع باقي المرشحين ..

5 ـ اذا ظهرت النتائج فتجد هؤلاء الممثلين أول من يهنيء بالنجاح .. ولا ينسى من الذهاب الى الآخرين ممن أخفقوا ليواسيهم !!

ان سلوك الناخبين هذا يبين لنا ، كيفية ان النفاق أصبح أحد الوسائل التي يتماشى معها كثير من الناس .. وفي نفس الوقت فان المرشحين .. بعد كل جولة .. يتصرفون و كأن النجاح بات مضمون !!

هذه الانتخابات في البلاد العربية .. ولا أظن أن حالها أفضل كثيرا في البلاد المتقدمة .. ولكن انبهار الكثير بما يحدث بالغرب ، يجعله ينظر لها بشكل وردي زاهي .. ولكنه لا يختلف كثيرا عما يجري في بلادنا ..